العبور إلى تاروت قديما.. أهالي القطيف يعيدون إحياء عبور البحر بالحمير
لم تكن عملية النقل البحري للأفراد والبضائع الخفيفة من المدينة المركزية في القطيف إلى جزيرة تاروت منذ عمق التاريخ إلى قبل ما يقارب 60 عاماً بالسفن كما هو متعارف عنها، بل كانوا يعمدون إلى انتظار انخفاض منسوب مياه البحر في ”المقطع“ وهو الطريق الواصل بينهما في أوقات خاصة يعرفها الأهالي.
وتداول أهالي محافظة القطيف مؤخراً فيديو عبر وسائل التواصل الاجتماعي يوثق بعض أهالي السنابس الذين لم يستغنوا عن القطع أو العبور بعد انتهاء زمن العبور بدءًا من عام 1380 هـ جري ”61 م“ وبعد انشاء أول جسر بين القطيف وتاروت إذ أصبحت عادة العبور بقواري الحمير تجري في عروقهم وتوارثوها أبا عن جد حتى وصلت إلى أيامنا هذه.
وقال الباحث والمؤرخ عبد الرسول الغريافي في حديثه إلى ”جهات الإخبارية“ أن هذه الظاهرة تحولت إلى متعة استجمامية في الوقت الحالي فصار البعض وخصوصا شرق سنابس وهو الواجهة الشرقية للجزيرة تعودوا على هذه العادة وحولوها إلى رحلات استجمامية قصيرة تشارك فيها حتى الأطفال ويعرف ”القاري“ في تراث القطيف بأنه العربة التي يجرها الحمار، حيث كانت تستخدم في البحر لثلاث أو أربع منافع أولها المقطع وهو العبور بين جزيرة تاروت والقطيف فهناك معبر معين من تاروت إلى القطيف وآخر من القطيف إلى تاروت وكذلك إلى دارين.
وقال الدكتور نبيه البراهيم عضو مجلس الشورى عبر حسابه على منصة ”إكس“ مشيراً إلى الفيديو المتداول: ”ما يقوم به بعض الأفراد تجربة مثيرة لمحاكاة ذلك الدور في عملية النقل البحري وان كان الأمر يستدعي ضرورة أخذ الاحتياطات اللازمة للسلامة من أخطار السقوط والغرق لا سمح الله خصوصاً أوقات المَد، وبالنسبة للأطفال على وجه أخص“.
ودعا الهيئة السعودية للسياحة إلى رصد هذه التجربة لدراسة مشروع وطني لعمل فعاليات سياحية جاذبة عبر القطاع الخاص بالتعاون مع هيئة تطوير المنطقة الشرقية وأمانة المنطقة الشرقية وهيئة التراث، شاكراً جهودهم الملموسة.
كما لفت أن بعض المصادر التاريخية أشارت إلى هذا المقطع حين عبره الصحابي الجليل العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه مع سريته متجهاً من الزارة ”العوامية حالياً“ إلى جزيرة دارين وذلك في عام 12 من الهجرة.
ويذكر الغريافي أن هذا العبور الذي يمتد على مسافة 6 كيلومتر ولا يتجاوز الساعتين من الزمن يتم في توقيت معين يعرفه الأهالي وبالأخص أصحاب القواري وهو الوقت المعروف محلياً بـ ”الفبر/الثبر“ أي فترة الجزر حين ينخفض منسوب مياه البحر وهو عكس فترة المد والمعروفة محلياً بـ ”السقي“ عندها تبدأ الرحلة من تاروت إلى القطيف ومن القطيف إلى تاروت وبعضهم يقطعها مشياً على الأقدام وبعضهم على الحمير فقط.
وعلمياً، تحدث في بعض الشواطئ ذروتين متساويتين تقريباً للمد، وحضيضين للجزر كل يوم، ويسمى ذلك بالمد نصف اليومي. بعض المواقع الأخرى يحدث بها ذروة واحدة للمد وحضيض واحد للجزر فقط كل يوم، ويسمي ذلك بالمد اليومي. بعض المواقع يحدث بها مدين وجزرين متفاوتين في اليوم الواحد، وفي بعض الأحيان الأخرى يحدث بها مد وجزر واحد كل يوم، وهذا ما يسمى بالمد المختلط. وظاهرة المد والجزر تحدث يوميا 4 مرات ”كل 6 ساعات تحدث الظاهرة“.
ويضيف الغريافي أن هذه العملية كانت تشكل مصدر دخل محلي وخصوصا بعد أن نشطت الحركة السياحية عند اكتشاف البترول في بداية أربعينات قرن العشرين الماضي لكثرة وفود السياح والمستكشفون الأركيولوجيون ”علماء الآثار“ والمتطفلون الأجانب وكان لابد لهؤلاء العابرون سواء أكانوا مشياً على الأقدام أم بالقواري أم بالحمير فقط فعليهم أن يسلكوا طريقاً معيناً لكي لا يتعرضوا لكوارث ”أبو امغوي“ وهو أسطورة محلية يخشاها الأهالي على حيواتهم، فبعدما ينزلون من تاروت في البحر فعليهم الاتجاه شمالاً أولاً لكي يتجنبوا أخطار الغرق في خور أبو امغوي الغدار ثم بعد ذلك يتجهون صوب الغرب بمحاذاة ”نقايل“ أي أعمدة من الجص والحجارة بنيت على جذوع من خشب لتكون معالم يستدل بها العبارة.
ثلاث طرق يهتدي بها العبارة
وبالعودة إلى عبور البحر مشيا فإنه يتحتم على عابر المقطع أن يسلك طريقا معروفا من المفترض أن يتبع خلاله علامات بنيت في وسط البحر وهي ”نقايل“ أي أعمدة بنيت من الجص والفروش ”الأحجار البحريه“ ويعلو كل نقيلة سارية عالية من مرابيع الخشب أو الچندل ليهتدي بها عابر البحر مشيا، وأما الطريقة الثالثة للعبور فهي عن طريق الإستعانة بالحمير وأغلب تلك الحمير هي التي تجر العربات المعروفة بالقواري التي يصممها النجارون المحليون وهي وسيلة يستعان بها فقط وقت القراح ”عندما تكون المايه فبر“ أي وقت الجزر وقد كانت تستعمل كوسيلة للنقل الجماعي وللعوائل ولنقل الأمتعة والبضائع وأيضا لنقل السائحين الأجانب من الأوروبيين والأمريكان بعد استقرار جاليات كبيرة منهم للتنقيب عن البترول والآثار وكذلك بعد انشاء شركة أرامكو وماجاء بعدها من الشركات.
وسائل النقل في غير وقت العبور
ويوضح الغريافي أنه في حالة المد ”المايه سقي“ فإن العبور يكون من فرضة القطيف إلى الرفيعة أو إلى دارين حيث يأتي دور وسائل أخرى وهي قوارب صغيرة تصنع محلياً من الخشب وبعضها يصنع من جريد النخل وتسمى إما بالعبرات ”مفرد عبره“ أو بالهوري أو الفرتات ”مفردها فرته“ أو القلص أو الخطرات ”مفردها خطره“ وجميعها صنعت محليا وأعدت خصيصا لنقل الركاب من وإلى جزيرة تاروت وكان هناك من اشترى أمثال هذه القوارب خصيصا ليحترف مهنة نقل الركاب.
أغراض أخرى للقواري غير العبور
وذكر أن استعمال القواري للدخول بها في البحر لم يكن مقتصراً على العبور أو القطع والحظور ”كما تسمى محلياً“ وإنما هناك أيضاً استعمالات أخرى للقواري في عرض البحر لأغراض أخرى وهي ”الورود“ بها إلى الحظرات ”بالظاء“ أي دخول الحظرة وهي ”مكامن لصيد الأسماك“ على السواحل لنقل ما جمع من صيد وكذلك للوصول إلى المجافر ”بيوت الهامور“ وإلى شقق الغزول المنصوبة على مد السواحل وأيضاً تستعمل قواري الحمير للذهاب إلى مقالع أو مقصات حجارة الفروش المستخرجة من سواحل البحر. وبالنسبة لاستعمال القواري للحظور فقد استمرت واسكار الغزول فقد استمرت حتى نهاية
الهوامش:
الصور تعود إلى الفترة «1940 - 1959»، الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي..