أحمر الشفاه الأحمر
بات أحمر الشفاه عنصرًا أساسيًا في عالم الجمال الحديث، وتستخدمه الكثير من السيدات، فبجانب جاذبيته وسحره الأخاذ، يحمل اللون الأحمر دلالة أخرى باعتباره رمزا للقوة، حيث مر بتاريخ طويل من التطور بدءا من الحضارة المصرية القديمة وفي سائر أنحاء العالم، حتى وصل إلى اليوم ليصبح جزءا من أساسيات التجميل لدى كل امرأة.
أنثوي وجاذب وقوي، سمات يتسم بها أحمر الشفاه أحمر اللون، والذي أشار على مر القرون إلى أشياء كثيرة، بدءًا من استخدامه المبكر من قبل النخبة في حضارة مصر القديمة، لكنه كان في اليونان القديمة دلالة أخرى فكان يستخدم من قبل البغايا، لكنه في أوائل هوليوود أصبح رمزا للسحر. ليصبح سلاحًا ثقافيًا عظيمًا، مشحونًا بآلاف القرون من المعاني.
أحمر الشفاه الأحمر
ومع مرور السنوات أصبح أحمر الشفاه شائعًا في أوائل القرن العشرين، كانت الشفاه الحمراء غالبًا ما ترتبط بالنساء المشكوك فيهن أخلاقيًا: غير مهذبات، وغير أخلاقيات جنسيًا، وحتى الهرطقات. في العصور الوسطى، كان يُنظر إلى الشفاه الحمراء على أنها علامة على اختلاطها بالشيطان، إذ كان هذا اللون مرتبطا بهذه الأنوثة الغامضة والمخيفة.
في عام 1912، سار الآلاف من أنصار حركة اقتراع المرأة، أمام صالون “إليزابيث أردن” في نيويورك، والتي أصبحت العلامة التجارية الأشهر لمستحضرات التجميل، إذ كان المشروع حينها للتو مبتدئا قبل عامين، فكانت إليزابيت داعمة لحقوق المرأة، وانضمت إلى القضية من خلال توزيع أنابيب من أحمر الشفاه الأحمر الفاتح على النساء في المسيرة، ليعتمدن النساء هذا اللون الجريء بشكل جماعي كعلامة على التمرد والتحرر.
مع انتشار حركات حقوق المرأة في جميع أنحاء أوروبا ونيوزيلندا وأستراليا، والتي غالبًا ما كان المنظمون البريطانيون والأمريكيون يتقاسمون فيها التكتيكات، بدءًا من تنظيم المسيرات، إلى الإضرابات عن الطعام، إلى الاستراتيجيات العسكرية الأكثر عدوانية. وامتد هذا التضامن إلى مكياجهم، فبطريقة مستوحاة من نظيراتها الأمريكية، فضلت زعيمة المطالبة بحق المرأة في الاقتراع البريطانية إميلين بانكهرست استخدام الشفاه الحمراء، مما ساعد على نشر هذه اللفتة الرمزية بين زميلاتها من الناشطات.
وتقول راشيل فيلدر، مؤلفة كتاب “أحمر الشفاه الأحمر: قصيدة لأيقونة الجمال” الصادر في 2019، إنه “لا يمكن أن يكون هناك رمزا أكثر مثالية للمطالبات بحق المرأة في التصويت من أحمر الشفاه الأحمر، لأنه ليس قويا فحسب، بل إنه أنثوي. كانت المطالبة بحق المرأة في التصويت تدور حول قوة المرأة، وليس فقط القوة.”
على الرغم من أن المناصرات بحق المرأة في التصويت، شاع مظهر الشفاه الحمراء في أيامهن، إلا أن “فيلدر” تشير إلى وجود زخم بالفعل لتطبيع أحمر الشفاه بين النساء بشكل عام، حيث أسقطن الكورسيهات المقيدة لحمالات الصدر، وبدأن في اعتماد صور ظلية أكثر انسيابية، مدفوعة بتصميمات كوكو شانيل.
المرأة العصرية
فيما تشير فيلدر إلى أنه على الرغم من أن المدافعات عن حق المرأة في الاقتراع ربما لم يكن المسؤول الوحيد عن تعميم الشفاه المطلية، إلا أنهن جسدن فكرة “المرأة العصرية” في أوروبا وأمريكا، فخلال الحرب العالمية الثانية، كان للشفاه الحمراء فعل التحدي الثاني الجريء. موضحة أن أدولف هتلر “كان يكره أحمر الشفاه الأحمر. وفي دول الحلفاء، أصبح وضعه علامة على الوطنية وبيانًا ضد الفاشية. وأنه عندما جعلت الضرائب أحمر الشفاه باهظ الثمن في المملكة المتحدة، قامت النساء بصبغ شفاههن بعصير البنجر بدلاً من ذلك.”
وتشير إلى أنه عندما ذهب الرجال إلى الحرب العالمية الثانية وملأت النساء أدوارهن المهنية في الوطن، اعتمدن هذا اللون من أحمر الشفاه لدخول سوق العمل. مؤكدة أن ذلك أظهر قدرتهن على الصمود في مواجهة الصراع، وقدم إحساسًا بالحياة الطبيعية في الأوقات الصعبة. فتقول: “لقد سمح للنساء بالاحتفاظ بإحساسهن بهويتهن الذاتية منذ ما قبل الحرب.”
إلزامي للنساء
وفي عام 1941 وخلال فترة الحرب، أصبح أحمر الشفاه الأحمر إلزاميًا للنساء اللاتي انضممن إلى الجيش الأمريكي. وقد استفادت العلامات التجارية لمنتجات التجميل من هذا الاتجاه في زمن الحرب، حيث أطلقت إليزابيث أردن “Victory Red” وقدمت هيلينا روبنشتاين “Regimental Red” وغيرها.
واليوم، ففي صورة منتشرة على نطاق واسع من عام 2015، قبلت امرأة مقدونية درع مكافحة الشغب الخاص بضابط أثناء احتجاج مناهض للحكومة آنذاك، تاركة علامة قبلة حمراء في لحظة تمرد مؤثرة. كما انتشرت رموز احتجاجية أخرى لتمكين المرأة، أبرزها القبعة الوردية التي سيطرت على مسيرة المرأة عام 2017.
وفي عام 2018 في نيكاراغوا، وضع النساء والرجال أحمر الشفاه الأحمر وقاموا بتحميل صور لأنفسهم على وسائل التواصل الاجتماعي لإظهار دعمهم للإفراج عن المتظاهرين المناهضين للحكومة. كانوا يردون على الناشطة مارلين تشاو، التي تحدت المحققين من خلال وضع أحمر الشفاه الأحمر.
في ديسمبر 2019، خرجت ما يقرب من 10 آلاف امرأة في تشيلي إلى الشوارع معصوبات الأعين السوداء، والأوشحة الحمراء، والشفاه الحمراء للتنديد بالعنف الجنسي في البلاد. ومن خلال الشفاه الحمراء، استفاد المتظاهرون في جميع أنحاء العالم من نفس القوة التي كانت تتمتع بها حركة الاقتراع ذات يوم قبل قرن من الزمان.