من لوحات محمد غالب خاطر
بالفحم والرصاص، تعبر لوحات الفنان الراحل محمد غالب خاطر عن قضايا اجتماعية وسياسية عديدة، ورغم كونه من رواد الفن اللامعين في القرن العشرين، إلا أنه غير معروف على نطاق واسع، لذا يسلط معرض فني جديد في قاعة “آرتوكس” الضوء على أعمال غالب المنسية.
محمد غالب خاطر
كان محمد غالب خاطر مراقبًا نقديًا ومفكرًا راقيًا، أُلقي القبض عليه وخضع للتحقيق أكثر من مرة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي لعرضه أعمالًا فنية اعتبرت “مزعجة”، ويسلط معرضه الاستيعادي الضوء على الأعمال القوية التي أدت للقبض عليه، فهي لوحات تتميز بلوحة الألوان البنية الأحادية اللون، ورغم مرور السنوات لا تزال ذات صلة بيومنا هذا كما كانت قبل نصف قرن.
بأعماله السيريالية، تناول خاطر موضوعات اجتماعية وسياسية متنوعة، عرضته للحبس والتهميش، فجسد قطعان من الحمير في أعماله منها لوحة “قلب الأوضاع – 1972″، التي ترمز إلى فضول الأغبياء الذين يتعرضون لأمور بعيدة عن اختصاصهم، ورمز إليه بالحمير التى تقحم نفسها فيما لا شأن لها به، كما رسم كيف تخترق ضجيج مكبرات الصوت في المساجد آذان البشر، وجسد نظامًا عالميًا جديدًا حيث تحكم الحمير وتمسك بشخصية عارية أسيرًا بحبل حول رقبته، وهي أعمال صالحة حتى اليوم.
ومن أشهر لوحاته “اجتماع الدجاج” و”العلوم الحديثة والإنسان” و”وعود فارغة” التي رسم فيها 40 يداً في أوضاع متباينة، كما قدم العديد من الأعمال النحتية من نفايات الحديد مثل “العنزة” و”الطاووس”. وينتمي غالب خاطر إلى الجيل الثالث من الفنانين الرواد، ولد في الجيزة، وكان والده يعمل في هيئة المساحة وتنقل بين عدة محافظات منها الأقصر، التي نشأ فيها غالب متأثرا بالفن المصري القديم والواقعية الكلاسيكية، فكان مدرسه الأول للفنون مدرس الرسم بمدرسة الأقصر الابتدائية هو اكتشف فيه تفوقه فى رسم المنظور أو البعد الثالث، دون دراية سابقة بهذا العالم.
شجعه معلمه على الدراسة والعلم والإنتاج، فزار معبد الكرنك عدة مرات ليرسم ويتدرب، وبعدها انتقل إلى بني سويف، فتعلم كيفية رسم البورتريه، والتحق بكلية الفنون الجميلة وتخرج فيها عام 1950، ليتخذ خطا فنيا مختلفا ويبدأ مرحلة السريالية بأعماله السياسية الداعية إلى التغيير الاجتماعي، فعمل في بداية حياته في جريدة “الأخبار” ونجح في رسم البورتريه بعد الفنانين صاروخان ورخا.
اشتغل خاطر مدرسا للفن في عدة مدارس، حتى اتخذ مرسما في حجرة منعزلة، وحاز على جائزة الدولة التشجيعية 1976، ووسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى 1976، وفي عام 1978 طلب التقاعد، ونقل مرسمه إلى سطح منزله فى المعادي، وأنتج الكثير من لأعمال الفنية، ورغم تعرضه للحبس لنحو ثلاثة عقود إلا أنه حاول دائما التعبير عن النضال والحرية.
واستجابة لنداء المعاصرة، صوّر خاطر رسائل مثيرة للجدل إلى حد كبير، فدعا إلى انتفاضة شعبية “لجعل حياة الناس أكثر احتمالاً، وحاول القيام بالمهمة الصعبة المتمثلة في ذكر وتوضيح ما رآه”، وواصل خلق جماليات فريدة، باستخدام استعارات ورموز بسيطة وأحادية اللون، لإيقاظ الناس وتوعيتهم، رغم تعرضه للتهميش والبعد عن المشهد الثقافي والفني.
وظل ينتج أعماله دون أن يراها أحد، حيث كان خاطر دائم العزلة، ونادرا ما يعرض أعماله، فكان دافعه في فنه أخلاقه وضرورة التعبير عن ذاته، وليس التركيز على الإبداع الجمالي فقط، ليرحل في 2009 عن عمر ناهز 87 عاما بعد إصابته بمرض باركنسون.