على مر التاريخ كانت ولا تزال السياحة الثقافية في مصر مصدر تفرد وتميز، فغناها بمواقع أثرية للحضارات والحقب المختلفة كان محل اهتمام السياحي المحلي والعالمي، ومثال على ذلك منطقة الدرب الأحمر، التي تعمل وزارة السياحة بالتعاون مع شركاء من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية والقطاع الخاص على تطويرها حتى تصبح نقطة جذب للسياحة الداخلية والخارجية.
منطقة الدرب الأحمر تتميز بمواقعها الأثرية المتنوعة وشوارعها التاريخية في قلب القاهرة القديمة، حيث يجري تطوير العديد منها الآن، من خلال الوزارة ومشروع الإدارة المتكاملة للسياحة الثقافية التابع للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
ويقول أوليفييه ميسمر، مدير مشروع الإدارة المتكاملة للسياحة الثقافية، إن المشروع بدأ في نوفمبر 2020 ومخططا له أن يستمر أربع سنوات، والهدف الرئيسي له هو دعم وزارة السياحة والآثار في إعادة ترميم وتأهيل المواقع الأثرية في القاهرة والأقصر، مشيرا لـ”أيقونة”، أنهم يعملون مع القطاع الخاص للتشارك مع وزارة السياحة لإعادة الاستفادة من تلك المناطق الأثرية وتأهيلها، موضحا أن السياحة الثقافية لا تعتمد فقط على تأهيل المباني الأثرية ولكن تشمل أيضا التأهيل المعنوي، فلم تقتصر الأعمال على المواقع وترميمها ولكن أيضا على إعادة تأهيل الأهالي حول الأثر لكيفية التعامل مع السائح، كما تم تطوير المشروعات متناهية الصغر في المنطقة.
ويشير أوليفييه ميسمر إلى أنهم يركزون على منطقة الدرب الأحمر في القاهرة وبيت كارتر في الأقصر، إذ يجري العمل في 8 مواقع أثرية في القاهرة التاريخية يتم ترميمهم بالفعل في الدرب الأحمر، وهي أعمال بدأت فعليا في نوفمبر 2023 ومن المتوقع أن تنتهي في صيف 2024 وتسليمه للوزارة، موضحا أن هذه المواقع تتواجد في 4 تجمعات في المنطقة هم شارع سوق السلاح وباب زويلة ودرب اللبانة والحطابة.
بجانب المواقع الأثرية، نجح المشروع أيضا في تدريب نحو 600 فرد من المجتمع في القاهرة والأقصر، حيث تم اختيارهم بناءا على معيار امتلاكهم مشروعات صغيرة ومتناهية الصغر من السيدات والشباب، سواء من يقومون بأعمال فنية يدوية أو يقدمون خدمات للسياحة مثل الأطعمة وغير ذلك أو من يقومون بأعمال فلكلورية في نطاق الأثر، مضيفا إنه بجانب أعمال تطوير الكفاءات، سيتم أيضا التطوير المادي بتوفير الأجهزة ومستلزمات الأعمال التي قد يحتاجونها ليقوموا بأعمالهم بشكل أفضل في المجتمعات المحيطة بالأثر، وسيتم تسليمها لهم تحت إشراف وزارة السياحة، مشيرا إلى أن الجانب الآخر للتعاون هو صياغة الاتفاقيات أو القوانين التي تيسر التعاون والشراكة بين الوزارة والقطاع الخاص في المستقبل بشأن تلك المواقع.
فيما قال إن التحدي الأكبر الذي واجه عملهم هو نظرة الوزارة للقطاع الخاص ونظرة القطاع الخاص للوزارة، فالوزارة تولي اهتماما كبيرا بالحفاظ على الأثر والترميم، فيما يريد القطاع الخاص الحصول على الربح، موضحا أن دورهم هو الوصول لصيغة تفاهم وتعاون لتحقيق مصالح الطرفين وهو ما تحقق جيدا، فعلى مدار الأربع سنوات تقاربت الأفكار، ووضعت السياحة شروط وقواعد حفظ المواقع الأثرية وتحقيق الأرباح للقطاع الخاص في الوقت نفسه، والآن أصبح هناك تطلعا أكثر للعمل مع الوزارة للقيام باستثمارات كبيرة في هذا المجال، وهناك طلبات حالية مقدمة من القطاع الخاص للعمل في عدة مواقع يجري ترميمها وهناك نقاشا إيجابيا بين الطرفين للوصول إلى صيغة تفاهم وتعاون.
ويعد شارع سوق السلاح، أحد أمثلة النجاح في ذلك، فيوضح أوليفيه ميسمر أن الشارع طوال عمره يمتلك إمكانية جذب سياحي فهو يضم العديد من المواقع الأثرية ويتميز بالطابع المصري الأصيل، وخلال السنوات القليلة الماضية تطور الشارع بشكل كبير، لكنه لم يصل بعد لأن يصبح شارعا سياحيا شهيرا لكنه يسير في هذا الاتجاه بسرعة كبيرة، بالتعاون مع وزارة السياحة، وسيكون للأهالي دور كبير في الجذب السياحي أيضا من خلال منتجاتهم التي باتت على جودة عالية.
ويؤكد أن الآثار في منطقة الدرب الأحمر مبشرة وأكثر قدرة على الجذب السياحي بما يتفوق على شارع المعز على سبيل المثال، ما يجعلها واعدة الفرص، ورفع مستوى المنطقة هو ما سيضعها على خريطة السياحة الثقافية بقوة، مضيفا: أن نحو 30% من مخصصات التمويل تكون لترميم الآثار، و30% أخرى تكون للتنمية المجتمعية أما الـ40% خُصصت بالتعاون مع وزارة الآثار من أجل التسويق والدعاية وخلق علامة تجارية للمنطقة.
ويرى أن السياح من كل الجنسيات قبل 15 عاما كانوا يريدون التعرف على الأثر فقط مثل الأهرامات أو المعابد – والتي لا تزال عامل جذب حتى الآن-، لكن طبيعتهم تغيرت الآن واهتماماتهم، وأصبحوا يريدون التعرف على الجانب الإنساني والثقافة الشعبية والتراث الثقافي مثل الأطعمة والتعامل مع المصريين ورؤية بيوتهم وورش الحرف اليدوية.
ويؤكد أن مصر الآن تسير في سبيلها للتغير لتلبية متطلبات سوق السياحة الثقافية التي تميزت فيها عبر السنوات، مضيفا: “في السنوات الثلاثة الماضية حدثت تغيرات إيجابية، والوزارة تسير بخطى ثابتة للوصول إلى متطلبات السوق العالمي، وأهم شيء في المستقبل يجب عليها التركيز فيه هو العنصر البشري، من خلال تطوير الأشخاص الذين يعيشون ويعملون في المنطقة لأن هذا ما سيحافظ على السياحة الثقافية في مصر.
ومن ناحية أخرى، تقول داليا وهبة، رئيس مجلس إدارة شركة CID Consulting، المتخصصة في الاستشارات والتي تنفذ المشروع تحت برنامج المعونة الأمريكية وبالتعاون مع وزارة السياحة، إن الأعمال الجارية في تطوير الدرب الأحمر تتم بمراعاة عدة أبعاد، أولها تحقيق نظرة شاملة لتشجيع شراكة كل أصحاب المصلحة، وهم الحكومة والقطاع الخاص وأهالي المنطقة، وهو ما يخلق وظائف عمل وأن تصبح التجربة السياحية للزوار من السياح ثرية.
وتضيف لـ”أيقونة”، أن هناك منظمات غير حكومية لديها خبرة يمكنها أن تشارك في إدارة المكان بشكل يخدم المنطقة، كما أن هناك جهات أخرى طرف في العملية وهي الجهات الممولة والتي تهدف لتحقيق مصالح كل الأطراف والحفاظ على الصرح وتحقيق الاستدامة في الموقع الأثري بما يعود بالربح على العمالة وأهالي المنطقة والبلد ككل.
وتوضح أن الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص والجهات غير الحكومية الممولة متكاملة وتفيد كل الأطراف، فالحكومة استفادت من خلال إدارة المكان بطريقة مميزة، وكذلك القطاع الخاص من خلال تحقيق ربح، وكذلك الأهالي من خلال انتعاش المنطقة والنهوض بأوضاعها، وجذب السياح وخلق تجربة مميزة لهم في مصر أثناء الزيارة.
وتشير إلى أن عنصر الاستدامة ومراعاة البيئة هو أحد الأبعاد الأساسية في تنفيذ أعمال التطوير لضمان استمرار المواقع الأثرية بشكل جيد بعد انتهاء خطط المشروع، قائلة: “أن تجربة السائح المتكاملة في زيارة المنطقة والتعرف عليها عن قرب، يمكنها أن تجذب المزيد منهم بأعداد كبيرة لأنهم لا يعيشوا هذه الخبرة من قبل في أي مكان آخر”.
ولفتت إلى أن العمل يجري طوال 24 ساعة للتمكن من انتهاء مشروع تطوير الدرب الأحمر في صيف 2024، مع مراعاة تحقيق الاستدامة وخلق الكوادر لاستكمال التطوير فيما بعد وتشجيع المستثمرين في الشراكة مع الوزارة وعمل مذكرات تفاهم لتحقيق الاستدامة.
وتوضح أن وزارة السياحة والآثاربرئاسة الوزير الدكتور أحمد عيسى والدكتور مصطفى وزيري، رئيس المجلس الأعلى للآثار، يهتمان بشكل خاص بالتعاون المشترك بين القطاع الخاص والوزارة، في هذة المشروعات الهامة التي تحقق المنفعة العامة للجانبين مشيرة إلى أن الوزارة تركز بشكل أساسي من خلال هذا التعاون على ضرورة الحفاظ علي الأثر وتنظيم تلك العملية في إطار القوانين المنظمة للأمر، مؤكدة من ناحية أخري أن عنصر المرأة مهم في مشروع التطوير، من خلال خلق فرص عمل لهن وللشباب ولحديثي التخرج وأصحاب المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، وهو ما يتوافق مع خطة التنمية في مصر 2030.