تجربة تثير الخيال وتلمس الوجدان وتغازل العاطفة يقدمها الفنان عادل مصطفى في معرضه الجديد «حضور الياسمين»، ويواصل فيه تقديم عالمه المليء بالورود والأشجار وبحر الإسكندرية وطيور النورس والمراكب والشراعات والسُحُب المُلوَّنة والبحر الفضي، وحتى العرائس الخشبية برمزيتها في خيالنا، عالم مليء بالمشاعر والشجن يقدمه بألوانه المتناغمة.
المعرض يسير في سياق سلسلة ممتدة يقدمها الفنان، فيها يحاول خلق عالم فانتازي شبيه بالواقعية السحرية، تظهر فيه مشاعر عاطفية متنوعة، ليست رومانسية الحبيبين فقط، بل الصداقة والشوق والوحدة والحزن والبعد والقرب، تظهر مراكب الورد بألوانه المفرحة الزاهية، والسُحُب المُلوَّنَة وأشجار الياسمين الحاضر المميز في أعماله الزيتية التي تقترب من الثلاثين عملا.
معرض عادل مصطفى
ولا تخلو لوحات عادل مصطفى من الأخضر بتنويعاته وإيحاءاته والعرائس الخشبية الحية وطائر النورس، والتركيبات المعمارية، والبحر المتلألئ الذي يرسمه فضةً وذهبًا، فجميعها عناصر وكائنات هذا العالم الجديد الذي ينشده الفنان، كملاذ مؤقت من تلك الضغوطات الحياتية وصور الحروب والدمار والصراع المحيط بالعالم في هذه الفترة.
ويعكس التكوين الفني شغفه بزهور الياسمين، التي تملأ أشجارها شوارع الإسكندرية، وتثير إعجابه ناثرةً أزهارها البيضاء على الأرض في شوارع جليم وزيزنيا وجناكليس، فتلك الزهرة البيضاء خماسية التكوين وبداخلها اللون الأصفر الزاهي، وعبقها وأوراقها واتجاهاتها الخمس، كان لها وقعا طيبا وجميل الأثر في نفسه، استلمهما في أعماله بمعرضه الحالي الممتد حتى 14 يونيو المقبل في قاعة الزمالك للفن.
حضور الياسمين
ويشير «مصطفى» إلى مقولة ليو تولستوي الأديب الروسي الشهير «لقد خلقنا الفن لكي لا نموت من الحقيقة»، ليخلق عالما جديدا من خياله أكثر بهجةً ورومانسية وتفاؤلا، ينقل المشاهدين في رحلة عبر الخيال والحلم والتأمل بعناصره المختلفة، فيقول: «المعرض الجديد امتداد لتجربة معرض بحر الفضة الذي قدمته العام الماضي، لكنه أكثر تأملا وشاعرية».
ويوضح أن المعرض السابق كان أكثر بهجة ومليء بالألوان المشرقة والمشعة والمتشبعة، لكن المعرض الحالي به حالة ذهنية ونوعا من التأمل والشاعرية بشكل أكبر، وهو ما نجح في خلقه من خلال استخدام الألوان «المونوكروم»، وهي ألوان أحادية، فاستخدم الأخضر بكثرة والفضي بدرجاته، وهو ما خلق شاعرية أكثر من ذي قبل في لوحاته.
ويضيف: «ربما يكون حضور الياسمين هو ختام لهذه المرحلة، وأبدأ في نقلة جديدة في عملي الفني»، في إشارة إلى أنه قد يبدأ في تجربة جديدة ليختتم مرحلة سابقة قدم فيها عالم مواز للواقع، مدينة أكثر خيالا وحلما، موضحا: «الفنان يمارس حريته بدون ضغوط وإذا شعرت بحالة من التشبع من هذه التجربة سأبدأ في تغييرها».
أبطال من طفولتنا
العرائس الخشبية في أعماله أحد أبطال التكوين، إن لم تكن البطل الرئيسي، فيوضح: «هذه العرائس نعرفها جميعا جزء من خيالنا وطفولتنا، رأيناها في خان الخليلي أو غيره من الأماكن القديمة، وتربطنا جميعا بها ذكريات، فجميعنا امتلكها في مرحلة ما من طفولته، فكبرت معنا وبقى حبها في داخلنا، وفي أعمالي لجأت لأنسنتها، فتحولت لإنسان حي، في هذا العالم المليء بالخيال والورود منحتها الحياة بألوانها الجميلة والزخارف والورود».
ولم يغفل عادل مصطفى شكل الطربوش، والذي ينقل المشاهد لعصر أقدم، فيقول: «جميعنا نشاهد الأفلام القديمة ونشعر في بعض الأوقات أن الزمن الماضي كان أكثر جمالا وهدوءا، فالكثير منا يراوده إحساس النوستالجيا والعودة للماضي وأيام زمان»، فظهر أبطال لوحاته في مشاعر مختلفة بين الحب واللعب والصيد والصداقة، مجتمعين وفرادى.
ويقدم «مصطفى» البحر في أعماله بطريقته الخاصة كما يتخيله وليس كما يراه، فيقدمه بموجاته الراقصة ولونه الفضي الممزوج بالذهبي أحيانا، وانعكاس أشعة الشمس عليه، أما عن الحالة المزاجية لأبطاله، فيقول: «هناك إيماءات من كل بطل وقصص وحالات مختلفة، فبعضهما حبيبان يجلسان في لحظة رومانسية، وبعضهم يشعر بالوحدة، أو الشجن، فجميعها مشاعر إنسانية مختلفة».
ألوان متناغمة
ويشير إلى أن الألوان في هذا المعرض بها تنوع، فهو ملون لكن بدرجة أقل من المعرض السابق، فيقدم حالة حالمة أكثر وألوان مونوكرام، أي اللون بدرجاته أو بألوان متقاربة الشدة، موضحا أن البهجة في تلك الأعمال تأتي من الاستمتاع بالتنوع والتناعم فيها والحالة الخيالية الحالمة البعيدة عن الواقع.
ولد الفنان عادل مصطفى عام 1980، وتخرج في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية، وهو أحد أعضاء هيئة تدريس فيها، وتدرجت تجاربه الفنية، فيرى أن التحدُّث بلغة الفن التشكيلي بمفرداته وأبجدياته هو حديث ممتع يخاطب الخيال والوجدان، ويعني بلغة الشكل بمفرداتها الخط واللون والمساحة والملمس، بلغة بصرية تحقق الإمتاع البصري والروحي والعاطفي، فيوضح أنه يستمتع أولا بالخوض في مفردات تجربته الفنية وعالمه الخيالي وصولا لمتعة المتلقي في استقبال هذا الشغف والغوص في عالمه والذي يأمل دائما أن يكون له الأثر الجيد الإيجابي المُبهِج ( بصريًا ووجدانيًا ) في نفوس من يستقبله.
من أعمال الدكتور عادل مصطفى