بسم الله الرحمن الرحيم
لتونس ان تفخر بشعرائها و خاصة بالشاعر ابو القاسم الشابي الملقب بشاعر الخضراء فقصائده من اروع ما
يكون.
نبذة عنه:
أبو القاسم الشابي هو ابن محمد الشابي الذي ولد عام 1296هـ ( 1879 ) وفي سنة 1319هـ ( 1901 ) ذهب إلى مصر وهو في الثانية والعشرين من عمره ليتلقى العلم فيالجامع الأزهر في القاهرة. ومكث محمد الشابي في مصر سبع سنوات عاد بعدها إلى تونسيحمل إجازة الأزهر.
ويبدو أن الشيخ محمد الشابي قد تزوج أثر عودته من مصرثم رزق ابنه البكر أبا القاسم الشابي ، قضى الشيخ محمد الشابي حياته المسلكية فيالقضاء بالآفاق ، ففي سنة 1328هـ 1910 م عين قاضيا في سليانه ثم في قفصه في العامالتالي ثم في قابس 1332هـ 1914م ثم في جبال تالة 1335هـ 1917م ثم في مجاز الباب 1337هـ 1918م ثم في رأس الجبل 1343هـ 1924م ثم انه نقل إلى بلدة زغوان 1345هـ 1927مومن المنتظر أن يكون الشيخ محمد نقل أسرته معه وفيها ابنه البكر أبو القاسم وهويتنقل بين هذه البلدان ، ويبدو أن الشابي الكبير قد بقي في زغوان إلى صفر من سنة 1348هـ – أو آخر تموز 1929 حينما مرض مرضه الأخير ورغب في العودة إلى توزر ، ولميعش الشيخ محمد الشابي طويلاً بعد رجوعه إلى توزر فقد توفي في الثامن من أيلول –سبتمبر 1929 الموافق للثالث من ربيع الثاني 1348هـ.
كان الشيخ محمد الشابيرجلاً صالحاً تقياً يقضي يومه بين المسجد والمحكمة والمنزل وفي هذا الجو نشأ أبوالقاسم الشابي ومن المعروف أن للشابي أخوان هما محمد الأمين وعبد الحميد أما محمدالأمين فقد ولد في عام 1917 في قابس ثم مات عنه أبوه وهو في الحادية عشر من عمرهولكنه أتم تعليمه في المدرسة الصادقية أقدم المدارس في القطر التونسي لتعليم العلومالعصرية واللغات الأجنبية وقد أصبح الأمين مدير فرع خزنة دار المدرسة الصادقيةنفسها وكان الأمين الشابي أول وزير للتعليم في الوزارة الدستورية الأولى في عهدالاستقلال فتولى المنصب من عام 1956 إلى عام 1958م.
وعرف عن الأمين أنه كانمثقفاً واسع الأفق سريع البديهة حاضر النكتة وذا اتجاه واقعي كثير التفاؤل مختلفاًفي هذا عن أخيه أبي القاسم الشابي. والأخ الآخر عبد الحميد وهو لم تتوفر لديمعلومات عن حياته.
يبدو بوضوح أن الشابي كان يعلم على أثر تخرجه فيالزيتونة أو قبلها بقليل أن قلبه مريض ولكن أعراض الداء لم تظهر عليه واضحة إلا فيعام 1929 وكان والده يريده أن يتزوج فلم يجد أبو القاسم الشابي للتوفيق بين رغبةوالده وبين مقتضيات حالته الصحية بداً من أن يستشير طبيباً في ذلك وذهب الشابيبرفقة صديقة زين العابدين السنوسي لاستشارة الدكتور محمود الماطري وهو من نطسالأطباء ، ولم يكن قد مضى على ممارسته الطب يومذاك سوى عامين وبسط الدكتور الماطريللشابي حالة مرضه وحقيقة أمر ذلك المرض غير أن الدكتور الماطري حذر الشابي على أيةحال من عواقب الإجهاد الفكري والبدني وبناء على رأي الدكتور الماطري وامتثالاًلرغبة والده عزم الشاي على الزواج وعقد قرانه.
يبدو أن الشابي كان مصاباًبالقلاب منذ نشأته وأنه كان يشكو انتفاخاً وتفتحاً في قلبه ولكن حالته ازدادت سوءاًفيما بعد بعوامل متعددة منها التطور الطبيعي للمرض بعامل الزمن والشابي كان فيالأصل ضعيف البنية ومنها أحوال الحياة التي تقلّب فيها طفلاً ومنها الأحوال السيئةالتي كانت تحيط بالطلاب عامة في مدارس السكنى التابعة للزيتونة. ومنها الصدمة التيتلقاها بموت محبوبتة الصغيرة ومنها فوق ذلك إهماله لنصيحة الأطباء في الاعتدال فيحياته البدنية والفكرية ومنها أيضاً زواجه فيما بعد.لم يأتمر الشابي من نصيحةالأطباء إلا بترك الجري والقفز وتسلق الجبال والسياحة ولعل الألم النفساني الذي كانيدخل عليه من الإضراب عن ذلك كان أشد عليه مما لو مارس بعض أنواع الرياضة باعتدال. يقول بإحدى يومياته الخميس 16-1-1930 وقد مر ببعض الضواحي : " ها هنا صبية يلعبونبين الحقول وهناك طائفة من الشباب الزيتوني والمدرسي يرتاضون في الهواء الطلقوالسهل الجميل ومن لي بأن أكون مثلهم ؟ ولكن أنى لي ذلك والطبيب يحذر علي ذلك لأنبقلبي ضعفاً ! آه يا قلبي ! أنت مبعث آلامي ومستودع أحزاني وأنت ظلمة الأسى التيتطغى على حياتي المعنوية والخارجية ".
وقد وصف الدكتور محمد فريد غازي مرضالشابي فقال: " إن صدقنا أطباؤه وخاصة الحكيم الماطري قلنا إن الشابي كان يألم منضيق الأذنية القلبية أي أن دوران دمه الرئوي لم يكن كافياً وضيق الأذنية القلبية هوضيق أو تعب يصيب مدخل الأذنية فيجعل سيلان الدم من الشرايين من الأذنية اليسرى نحوالبطينة اليسرى سيلاناً صعباً أو أمراً معترضاً ( سبيله ) وضيق القلب هذا كثيرا مايكون وراثياً وكثيراً ما ينشأ عن برد ويصيب الأعصاب والمفاصل وهو يظهر في الأغلبعند الأطفال والشباب مابين العاشرة والثلاثين وخاصة عند الأحداث على وشك البلوغ ". وقد عالج الشابي الكثير من الأطباء منهم الطبيب التونسي الدكتور محمود الماطريومنهم الطبيب الفرنسي الدكتور كالو والظاهر من حياة الشابي أن الأطباء كانوا يصفونله الإقامة في الأماكن المعتدلة المناخ. قضى الشابي صيف عام 1932 في عين دراهممستشفياً وكان يصحبه أخوه محمد الأمين ويظهر أنه زار في ذلك الحين بلدة طبرقة برغمما كان يعانيه من الألم ، ثم أنه عاد بعد ذلك إلى توزر وفي العام التالي اصطاف فيالمشروحة إحدى ضواحي قسنطينة من أرض القطر الجزائري وهي منطقة مرتفعة عن سطح البحرتشرف على مساحات مترامية وفيها من المناظر الخلابة ومن البساتين ما يجعلها متعةالحياة الدنيا وقد شهد الشابي بنفسه بذلك ومع مجيء الخريف عاد الشابي إلى تونسالحاضرة ليأخذ طريقة منها إلى توزر لقضاء الشتاء فيها. غير أن هذا التنقل بينالمصايف والمشاتي لم يجد الشابي نفعاً فقد ساءت حاله في آخر عام 1933 واشتدت عليهالآلام فاضطر إلى ملازمة الفراش مدة. حتى إذا مر الشتاء ببرده وجاء الربيع ذهبالشابي إلى الحمّة أو الحامه ( حامة توزر ) طالباً الراحة والشفاء من مرضه المجهولوحجز الأطباء الاشتغال بالكتابة والمطالعة. وأخيراً أعيا الداء على التمريض المنزليفي الآفاق فغادر الشابي توزر إلى العاصمة في 26-8-1934 وبعد أن مكث بضعة أيام فيأحد فنادقها وزار حمام الأنف ، أحد أماكن الاستجمام شرق مدينة تونس نصح له الأطباءبأن يذهب إلى أريانا وكان ذلك في أيلول واريانا ضاحية تقع على نحو خمس كيلومتراتإلى الشمال الشرقي من مدينة تونس وهي موصوفة بجفاف الهواء. ولكن حال الشابي ظلتتسوء وظل مرضه عند سواد الناس مجهولاً أو كالمجهول وكان الناس لا يزالون يتساءلونعن مرضه هذا : أداء السل هو أم مرض القلب؟.
ثم أعيا مرض الشابي على عنايةوتدبير فرديين فدخل مستشفى الطليان في العاصمة التونسية في اليوم الثالث من شهرأكتوبر قبل وفاته بستة أيام ويظهر من سجل المستشفى أن أبا القاسم الشابي كان مصاباًبمرض القلب.
توفي أبو القاسم الشابي في المستشفى في التاسع من أكتوبر من عام 1934 فجراً في الساعة الرابعة من صباح يوم الأثنين الموافق لليوم الأول من رجب سنة 1353هـ.
نقل جثمان الشابي في أصيل اليوم الذي توفي فيه إلى توزر ودفن فيها ، وقد نال الشابي بعد موته عناية كبيرة ففي عام 1946 تألفت في تونس لجنةلإقامة ضريح له نقل إليه باحتفال جرى يوم الجمعة في السادس عشر من جماد الثانية عام 1365هـ.
و هذه القصيدة التي اشتهر بها و التي احبها للغاية:
إذا الشعــب يومــا أراد الحيــاة فلا بـــد أن يستجيب القــدر
ولا بـــد لليــــل أن ينجلـــي ولابـــــد للقيـــــد أن ينكســـــر
ومن لم يعانقــه شــوق الحيــاة تبخــر فــي جوهــا واندثـــر
كـــذلك قالــت لــي الكائنــات وحدثنـــي روحهــا المستتـــر
ودمدمت الريح بين الفجاج وفــوق الجبــال وتحــت الشجـــر:
إذا ما طمحت إلى غايـــة ركبــت المنـــى ونســيت الحـــذر
ومن لا يحب صعود الجبــال يعش ابــد الدهــر بيــن الحفــــر
فعجت بقلبي دماء الشباب وضجت بصــدري ريـــــاح أخـــــر
وأطرقت أصغى لقصف الرعود وعزف الريــــاح ووقـــع المطـــر
وقالت لي الأرض لما سالت: يا أم هــل تكرهيــن البشــر ؟:
أبارك في الناس أهل الطموح ومن يستلـــذ ركــوب الخطــر
وألعن من لا يماشي الزمان ويقنع بالعيش ، عيش الحجــر
هو الكون حـي يحــب الحيـتاة ويحتقــر الميــت مهمــا كبــر
وقال لــي الغــاب فـي رقــــة محببـــة مثــــل خفـــق الوتـــر
يجيء الشتاء شتــاء الضبــاب شتـــاء الثلــوج شتاء المطــر
فينطفئ السحر سحر الغصون وسحر الزهور وسحـر الثمـــر
وسحر السماء الشجي الوديع وسحر المروج الشهي العطر
وتهوي الغصـــون وأوراقهــــا وأزهـــــار عهـــــد حبيــب نضــــر
ويفنــى الجميــع كحلــم بديــع تألــق فــي مهجــة واندثــــر
وتبقـى الغصــون التــي حملــت ذخيــرة عمــر جميــل عبــر
معانقة وهي تحــت الضبــاب وتحــت الثلــوج وتحــت المــدر
لطيف الحيــاة الذي لا يمــل وقلــب الربيــع الشــذي النضــر
وحالمــة بأغانــي الطيــور وعطــر الزهــــور وطعــــم المطــــر
اتمنى ان يفيدكم الموضوع
و الى اللقاء مع موضوع اخر
مع تحياتي لجميع اعضاء المنتدى