بقلم الدكتور
حسن سعيد اطال الله في عمره
.................
السلام عليكم: سأبدأ كلامي بقول للإمام محمد الجواد عليه السلام {لو سكت الجاهل ما اختلف الناس}، لا أقصد أحداً هنا لكن الكلام موجّه للذين لا يفقهون شيءً من الدين أو القانون ويتكلمون فيثيرون الفوضى، وللمصابين بالجهل المركّب وهؤلاء أنكى من سابقيهم.
أما بخصوص مشروع تعديل القانون فأقول:
1 هل يعلم المعارضون إنَّ قبل سنة 1959 لم يكن لدى العراق قانون أحوال شخصية؟ إذ كانت المحاكم الشرعية الجعفرية ومثيلتها الحنفية تتولى القضاء في شؤون الأحوال الشخصية وفق المشهور من المذهب المعني، حيث يستعين القضاة فيها برجال الدين من ذلك المذهب، فهل تمزقت وحدة العراق وضاعت هويّته؟
2 وهل يعلم هؤلاء إنَّ مرجعية السيد محسن الحكيم وبعض من الشيوخ في ابي حنيفة اعترضو على تشريع هذا القانون سنة 1959؟
3 مشروع التعديل ينطلق من المادة (41) من الدستور الحالي التي تسمح للعراقيين باختيار معتقداتهم الدينية بما في ذلك أحوالهم الشخصية، فإنْ كنتم أيها المعترضون تؤمنون بدولة قانون، وتطمحون إلى سيادة الدستور فعلامَ اعتراضكم؟ أليس هذا ما يقضي به الدستور؟
4 كعادة أغلب النسويات ومدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان والطفولة التدليس والكذب، لم يذكر مشروع التعديل شيء اسمه زواج القاصرات، ولا ميراث الزوجة، ولا حضانة الطفل، ولا حتى قضية النفقة بشرط الاستمتاع، ولا غيرها مما صدعوا رؤوسنا به.
5 نعم في دين الله وشريعة رسوله محمد صلى الله عليه وآله ومنهج عترته عليهم السلام إذا أكملت الفتاة تسعة سنوات هجرية تصبح مكلَّفة بالأعمال العبادية الواجبة -كالصلاة والصيام ولبس الحجاب والملابس المحتشمة- وتنتهي عن الأمور المحرمة -كالغِيبة وسماع الغناء- لكن هذا لا يعني أهليتها للزواج، فزواج الفتاة يتطلب شروط أخرى إضافةً إلى بلوغها الشرعي منها: البلوغ الجسماني، والرشد العقلي، ومعرفة آثار الزواج مع الاستعداد لتحمّل مسؤوليته؛ وكذا الأمر للفتى يشترط نفس الشروط لكي يصبح أهلٌ للزواج.
6 هل يعلم المعارضون إنَّ القانون الحالي يسمح للقاضي بتزويج القاصرات وحتى القاصرين؟ نعم راجعوا المادة الثامنة وانظروا ماذا قررت، لقد سمحت للقاضي بأنْ يزوّج الذي أكمل عمر 15 سنة حتى لو اعترض وليّه، ومعلوم إنَّ هذا العمر ليس سن البلوغ القانوني لأن سن البلوغ قانوناً 18 سنة، فأين كنتم يا مدّعي الدفاع عن حقوق الطفولة؟
7 ثمّ أليس من الحرية أنْ نسمح لأتباع كل طائفة بممارسة طقوصهم الخاصة؟ فعلى أي أساس يجبر القانون الحالي أتباع المذهب الجعفري بتطبيق أحكام الحنفي والعكس صحيح إنْ وُجِد؟.
8 هل تعلمون أيها المعارضون إنَّ قانونكم الحالي لا يطبق إلا على المسلمين؟ فالديانات الأخرى -من مسيحيين ويهود وصابئة وأيزيديين- لديهم لوائحهم الخاصة بل وقوانينهم الخاصة التي تخرج عن هذا القانون، ولمعلوماتكم إنّ المسيحيين لديهم 14 طائفة هنا وكل طائفة لديها مدونة أحوال شخصية معتمدة، فهل أدى ذلك إلى تمزيق الصف العراقي؟
9 أوتعلمون أنَّ إقليم كردستان العراق -إقليم شمال العراق- لديه قانون أحوال شخصية خاص به ولا يطبق هذا القانون؟ فهل لديكم جرأة على اتهام الإقليم بما رميتمونا به؟
10 لمعلوماتكم إنَّ مشروع التعديل لن يصطنع قانون جديد بالضد الكامل من هذا القانون، كل ما في الأمر يدعو إلى تقديم مدونتَين للأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية: واحدة للمذهب الجعفري يصدرها ديوان الوقف الشيعي، وأخرى للمذهب السنّي يصدرها ديوان الوقف السنّي؛ وسوف تقدم كلتا المدونتان لمجلس النواب كي يصوّت عليهما ثم يرفعهما إلى مجلس القضاء الأعلى كي يضع ضوابط العمل بهما.
11 مشروع التعديل لن يجبر أحد على اتباع إحدى المدونتَين وترك العمل بالقانون القديم، فهو يعطيك الحق بأن تختار العمل بالمدونة التي تناسب مذهبك أو تلتزم بالقانون ، بمعنى أنه لا إلغاء كلي للقانون.
12 مشروع التعديل ينص على تصديق المحكمة لعقود الزواج التي يبرمها البالغون على يد الأشخاص المعتمدين من القضاء أو دواوين الأوقاف، بالتالي لا تشريع لزواج القاصرات ولا سماح بعقود زواج خارجية.
13 هل تعلمون إنَّ كثير من عقود الزواج حالياً تبرَم خارج المحاكم وبعد مدة طويلة إذا أراد الزوجان تصديق العقد يتعرضان للغرامة؟ والسبب لأنّ كثير من الناس يتزوجون وهم يسكنون قرى وأرياف بعيدة عن المحاكم أو يجهلون آلية الزواج القانونية، إنّ الحكم بالحبس أو الغرامة على شيء شرعي يتنافى مع المادة الثانية من الدستور التي تحظر سن قانون يتعارض مع الإسلام أولاً، وتجريم فعل لا يضر بالمجتمع يعد مثلبة قانونية ثانياً، وهناك حقيقة مهمة جداً إذا تزوجت فتاة ولم تصدق المحكمة زواجها لأنها قاصر ثم تطلقت لن تحصل على أدنى حقوقها بسبب عدم وجود غطاء قانوني يعمل بموجبه القاضي، فمشروع التعديل يوفّر حماية لأولائك اللاتي يتزوجن خارج المحكمة عندما يلزم القاضي بتسجيل الزواج الخارجي وعدم معاقبة الزوجين، نعم لست مع تزويج الفتاة التي لم تكمل 18 سنة لكن ليس ذنب المشرع إذا كانت هذه عادة كثير من المواطنين هنا.
14 لو ذهبتم إلى المدارس في المناطق الريفية ستجدون كثير من الطالبات متزوجات وهنّ في أعمار دون 15 سنة، وأكثر منهن تزوجن وتركن الدراسة، فقانونكم الحالي لم يحل معضلة الزواج المبكر -أو زواج القاصرات كما تسمونه- لأن هذا يتعلق بثقافة المجتمع لا بالقانون.
والسلام خير الختام