مذكرات جندي
عامر العراقي
1984مفرزة مخفر صدام الحدودي واخر يوم في تلك السنة ،وانا ليلا في محطتي جائني سركون وذكرني بان هذا اليوم نهاية السنة وقال لنحتفل به! ضحكت وقلت في اي نايت كلاب نحتفل يا سركون
قال في نادي الملجأ
،بالفعل كان سركون قد اعد مائدة تحتوي على بطاطا وبيض مسلوق وكليچه وبعض الحلويات وشاي
وبحضور بعض المترجمين وعمال التنصت،قدم سركون الشاي للجميع وبطريقة ذكية كان قدحي وقدحه فيه ويسكي بدون ان ينتبه احدهم
كانت ساعة سمر لا تنسى استرجعنا فيها ذكرياتنا وبعض المواقف الطريفه. وتمنيت ان هناك عاكس ليعكس لنا عكس.!!! ضحك الجميع فقد كان الاحوازيين يسمون الصورة عكس
وعند انتصاف الليل قام سركون بالصلاة والدعاء
مخاطباً ابانا الذي في السماوات ومتشفعاً بمريم العذراء وان تكون سنة سلام وتنتهي الحرب وجميعنا بخير وسلام وكنا نردد خلفه آمين آمين.عدت لمحطتي لاكمل سهرتي ُمع الايرانيين!ودمعةُ في العين وحسرتُ في القلب
لولا الحرب لكنت الان قد اكملت دراسة الهندسة في يوغسلافيا..ولكن
في الشهر الثاني او الثالث زار مفرزتنا آمر وحدتنا وبصحبت لجنة فنيه من معمل تصليح م.ف مكونة من ضباط وجنود لغرض اجراء تحوير على المحطة،استبشرت خيراً وبدأو بالعمل الذي انهوه خلال دقائق!! والذي كان عبارة عن وضع حاجز من المشمع نايلون مابين مقصورة السائق واجهزة المحطة،!حقاً اصبت بالاحباط وقلت لهم كنت اتوقع ان يتم تبديل كرسي المشغل وتدريع بدن المحطة الغير مصفح!قام الضابط الفني بتدوين ما ذكرت وانصرفوا، فعلا كان كرسي المشغل عباره عن مصطبة غير مريحة واما بدن المحطة لم يكن الا عبارة عن بليت خفيف بامكان اي شظيه او رصاصة اختراقه،ولو تم تدريع المحطة لما حصل معي في الفاو ماحصل..!!في نفس اليوم او الذي يليه كنت في محطتي مساءً وصلني تردد جديد وبفرعيات كثيرة من محطة التنصت وبعد المتابعة والاستمكان اتضح انه بوادر هجوم ايراني كبير شمال قاطعنا الطيب على قاطع فق²⁰ وبالتحديد على لمش⁵⁰⁵ او لمش⁶⁰⁶ اذا لم تخونني ذاكرتي،ليس من واجب محطة التنصت متابعة هذا التردد لانه خارج قاطعنا، فطلبت من المترجم عاشور،رحمه الله ان يتواجد معي في المحطة وبالغعل بدأ الهجوم الايراني في الساعة 2200 العاشرة ليلا ومن خلال البرقيات المسترقة تبين حجم القوة المهاجمه والمتكونه من 3 فرق حرس مدعومة بفرقتين جيش، وعلى شكل موجات بشرية متواصلة ورغم الصمود البطولي لمقاتلينا، استطاعت هذه القوات ان تخترق دفاعاتنا وتصل الى مقرات بعض الافواج والألوية في الساعة ال2 ليلاً لم يبقى للعدو الا اجتياز مضيق بين تلتين للوصول للزبيدات وتطويق قطعاتنا..ولكن كانت على قمة احدى التلتين مفرزة تتكون من رباعية شلگه وعدد اثنين رماة قاذفةRBG7 ،ربمالم يتجاوز عددهم 8 مقاتلين..استطاعت ان تبيد الموجة الاولى والثانية والثالثة،فعزز الايرانيين هجومهم بدبابتين لكن تم تدميرهما،فجن جنونهم وعلا بكائهم حيث قتل الكثير من قادتهم،واستمروا بدفع المزيد من الموجات البشرية صمدت المفرزة بشكل اسطوري 4 ساعات،ولكن في الفجر تم اقتحامها واستشهد جميع افرادها ، ولكن كان الاوان قد فات على الايرانيين.! بظهور الضياء الاول للنهار ليبدا الطيران الحربي والسمتي بواجبه بتدمير القطعات المهاجمه..( نشرت الصحف العراقية في اليوم التالي اسماء عشرات القتلى من قادة الحرس والجيش الايراني) ،كانت مفرزة الشلگه قد قتلت اغلبهم وبالاسماء حسب البرقيات المسترقه
،تذكرت جماعة الرباعية(الشلكة)الذين عسكرنا بقربهم في اخر عملية مسح لذلك القاطع،ربما يكونوا هُم،شكرت المترجم عاشور والذي بدا عليه الارهاق،بمجرد ان ترجل من المحطة ،اجهشت بالبكاء على هؤلاء الابطال
،فليس من العيب ان يبكي الرجال على الرجال..
ترجلت من محطتي في ال7 ص على صوت طائرات حربية وسمتيات تعبر بعلو منخفض من فوقنا..كان منظر مهيب للارتال القادمة من شارع التبليط المتجه من البزركان الى الشيب ومرت من شمال المخفر وسلكت طرق غير مطروقه وكانها افاعي ترابية عملاقة تمتد لكيلو مترات، متجهه للمعركة، لم اتبين هل هي لدبابات ام مدرعات،فقد كانت الريح مستقره جداً...
لفت نظري وجود عجلة أيڤا امام المخفر كانت متهالكة وبدن باب خلفي،ترجل سأئقها،ودار حوار بينه وبين جبار وسيد عبد الحسين،واشاروا له بايديهم باتجاه الغرب.! بدأ السائق برشق راديتر الايفا بالماء،بينما جبار وضع يده على راسه وافترش سيد عبد الحسين الارض واضعا راسه بين يدية،! استعجلت الخطى اليهم لاتبين ماذا حصل.! كانت الايڤا محمله بجثامين شهداء مكدسة فوق بعضها يتجاوز عددهم ال15..منظر لم ولن انساه فقد حفر في ذاكرتي بازميل من نار..بدأت اقلب وجوه بعضهم ربما اعرف احدهم..ربما فيهم من مفرزة الشلگه.! وربما ذلك الجندي الذي جلب لنا الشاي والصمون! تسلقت الايفا للوصل الى احدهم ضننت انه لايزال على قيد الحياة،تمددت فوق الجثامين لأصل اليه كانت عينيه مفتوحة ومصاب بصدره،نظرت في عينية التي انطفئ بريقهما..مددت يدي الى جبهته التي لاتزال دافئة بعض الشيئ واغلقت عينيه..لقد مات في الطريق.! ترجلت من الايڤا وقد تعفرت ملابسي بالدماء..وصوت بكاء جبار وانين سيد حسين ،توجهة للسائق المعفر بالتراب،واشرت له باتجاه مفرزة جمع الخسائر التي تقع غربنا ب 1 كم..قلت له لا تسرع حتى لا يسقط احدهم.! تحركت الايڤا لتخلف تحتها بركة دماء وخيط رفيع من الدماء يتبعها..لم اتمالك نفسي فاجهشت بالبكاء..توجهة الى الملجأ لأوقض المشغل عبد الصاحب..وقبل ان يسألني،قلت توجه للمحطة،اريد ان انام فقط،ألقيت بجثتي على سريري عسى ان انام قليلا.!
استطاع افراد مفرزة الشلگه بصمودهم الاسطوري من انقاذ ارواح الالاف..انهم جنود مجهولين وهناك الكثير منهم لم ولن نسمع بقصصهم.برحيلهم منحونا الحياة وزرعوا في قلوبنا حزن مقدس،وفي ذاكرتنا صور لاتمحى ابداً..
وها انا بعد 40 سنة لايزال منظر خيط الدم خلف الايفا،ونحيب سيد عبدالحسين،يزورني في مناماتي بين الحين والاخر.!
انها الحرب بكل ذكرياتها المؤلمة والجميلة تبكينا
والسلام لمن يصنع السلام .........
ملاحظة :
ربما قد خطء بتاريخ هنا اوهناك،فعذرا لكم،لكني لم ولن اخطئ بسرد الاحداث..