من بطولات علي عليه السلا م... انقل لكم هذه القصة
كانت غزاة السلسلة وذلك أن أعرابيا جاء إلى النبي عليه وآله السلام فجثا بين يديه وقال له : جئتك لأنصح لك . قال : «وما نصيحتك ؟» قال : قوم من العرب قد اجتمعوا بوادي الرمل ، وعملوا على أن يبيتوك بالمدينة . ووصفهم له . فأمر النبي صلى الله عليه وآله أن ينادى بالصلاة جامعة، فاجتمع المسلمون فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : «أيها الناس ، إن هذا عدو الله وعدوكم قد عمل على تبييتكم ، فمن لهم ؟» فقام جماعة من أهل الصفة، فقالوا : نحن نخرج إليهم - يا رسول الله - فول علينامن شئت . فأقرع بينهم ، فخرجت القرعة على ثمانين رجلا منهم ومن غيرهم ،فاستدعى أبا بكر فقال له : «خذ الراية وامض الى بني سليم فإنهم قريب من الحرة» فمض ومعه القوم حتى قارب أرضهم ، فكانت كثيرة الحجارة والشجر، وهم ببطن الوادي ، والمنحدر إليه صعب . فلما صار أبو بكر إلى الوادي وأراد الانحدار خرجوا إليه فهزموه وقتلوا من المسلمين جمعا كثيرا، وانهزم أبوبكرمن القوم . فلما وردواعلى النبي صلى الله عليه واله عقد لعمر بن الخطاب وبعثه إليهم ، فكمنوا له تحت الحجارة والشجر، فلما ذهب ليهبط خرجوا إليه فهزموه . فساء رسول الله صلى الله عليه واله ذلك ، فقال له عمرو بن العاص : ابعثني - يا رسول الله - إليهم ، فإن الحرب خدعة ، ولعلي أخدعهم . فأنفذه مع جماعة ووصاه ، فلما صار الى الوادي خرجوا إليه فهزموه ، وقتلوا من أصحابه جماعة. ومكث رسول الله صلى الله عليه وآله أياما يدعو عليهم ،ثم دعا امير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فعقد له ، ثم قال : «أرسلته كرارا غير فرار» ورفع يديه إلى السماء وقال : «اللهم إن كنت تعلم أني رسولك ، فاحفظني فيه وافعل به وإفعل» فدعا له ما شاء الله . وخرج علي بن أبي طالب عليه السلام ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وآله لتشييعه ، وبلغ معه الى مسجد الأحزاب ،وعلي عليه السلام على فرس أشقر مهلوب، عليه بردان يمانيان ، وفي يده قناة خطية، فشيعه رسول الله صلى الله عليه واله وأنفذ معه فيمن أنفذ أبا بكر وعمر وعمرو بن العاص ، فسار بهم عليه السلام نحو العراق متنكبا للطريق حتى ظنوا أنه يريد بهم غيرذلك الوجه ، ثم أخذ بهم على محجة غامضة، فسار بهم حتى استقبل الوادي من فمه ، وكان يسير الليل ويكمن النهار. فلما قرب من الوادي أمر أصحابه أن يكعموا الخيل ، ووقفهم مكانا وقال : «لا تبرحوا» وانتبذ أمامهم فأقام ناحية منهم . فلما رأى عمرو بن العاص ما صنع لم يشك أن الفتح يكون له ، فقال لأبي بكر: أنا أعلم بهذه البلاد من علي ، وفيها ما هوأشد علينا من بني سليم ، وهي الضباع والذئاب ، وإن خرجت علينا خشيت أن تقطعنا، فكلمه يخل عنا نعلو الوادي . قال : فانطلق أبو بكر فكلمه فاطال ، فلم يجبه أمير المؤمنين عليه السلام حرفا واحدا، فرجع إليهم فقال : لا والله ما أجابني حرفا . فقال عمرو بن العاص لعمر بن الخطاب : أنت أقوى عليه ، فانطلق عمر فخاطبه فصنع به مثل ما صنع بأبي بكر، فرجع إليهم فأخبرهم أنه لم يجبه . فقال عمرو بن العاص : إنه لا ينبغي أن نضيع أنفسنا، انطلقوا بنا نعلو الوادي ، فقال له المسلمون : لا والله لا نفعل ، أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله أن نسمع لعلي ونطيع ، فنترك أمره ونسمع لك ونطيع ؟! فلم يزالوا كذلك حتى احس أمير المؤمنين عليه السلام الفجر، فكبس القوم وهم غارون ، فأمكنه الله منهم ، ونزلت على النبي صلى الله عليه وآله : ( والعاديات ضبحا . . . ) إلى آخر السورة ، فبشر النبي صلى الله عليه وآله أصحابه بالفتح ، وأمرهم أن يستقبلوا أمير المؤمنين عليه السلام فاستقبلوه ، والنبي صلى الله عليه وآله يقدمهم فقاموا له صفين . فلما بصر بالنبي صلى الله عليه وآله ترجل عن فرسه ، فقال له النبي عليه وآله السلام : «اركب فإن الله ورسوله راضيان عنك» فبكى أمير المؤمنين عليه السلام فرحا، فقال له النبي صلى الله عليه وآله : «يا علي ، لولا أنني أشفق أن تقول فيك طوائف من امتي ما قالت النصارى في المسيح عيسى بن مريم ، لقلت فيك اليوم مقالا لا تمر بملأ من الناس إلا أخذوا التراب من تحت قدميك»