قبل أكثر من اربعة الاف سنة، حفر الاله البابلي (نابو) نهرا لوالده العظيم (مردوخ) لتسهيل انتقاله من بورسيبا الى بابل، كما تقول ترجمة تقريبية للوح اثري عثر عليه قرب اثار بور سيبا (20 كم إلى الغرب من الحلة)، ومع أن التاريخ لم يورد شهادة لأحد رأى الموكب المهيب لإله الحكمة، لكنه روى ان الملوك البابليين كانوا يتنقلون عبر النهر، الذي سمي باليهودية لاحقا، لمئات السنوات في مواكب باذخة الغنى.وبالتأكيد فإن (نابو)، اله الحكمة والكتابة، لم يتوقع ان النهر الذي حفره بيديه "النورانيتين"، سيتحول إلى مكب لنفايات الحلة، ويصل الأمر بأحفاد رعاياه الذين كانوا يجلونه كأبن "مردوخ ابي الالهة" إلى "لعن الساعة التي حفر فيها"، مع انها ساعة موغلة في القدم.ويقول عماد كاظم، وهو مواطن من سكنة حي الكرامة، وسط الحلة، في حديث إلى (المدى برس)، إن "نهر اليهودية الذي يتجاوز طوله 10 كلم تحول إلى كارثة بيئية وصحية حقيقية على سكان المناطق التي يمر بها النهر أذ اصبح مكبا للنفايات ومستودعا للمياه الثقيلة أضافة إلى الروائح الكريهة التي تنبعث منه".ويضيف كاظم "لقد عانينا كثيرا من هذا النهر التاريخي الذي يمتد عمره منذ العهد البابلي بسبب عدم إيجاد الحكومة المحلية حلولا سريعة لمشكلة هذا النهر بعد مطالباتنا الكثيرة لم نسمع سوى الوعود".من جانبه، يقول المواطن هلال محمد من حي الجمعية، في حديث إلى (المدى برس)، إن "النهر أصبح مصدر رعب للسكان، أذ أنهم لا يستطيعون فتح النوافذ وتشغيل مبردات الهواء لأنها تجلب الروائح الكريهة ولا يستطيعون الجلوس في حدائق منازلهم لكثرة البعوض".مسؤولون: النهر اصبح مشكلة مستعصيةبدوره، يقول قائمقام الحلة، صباح الفتلاوي، في حديث إلى (المدى برس)، إن "نهر اليهودية يعد من المشاكل المستعصية التي تأخرت الحكومة المحلية في وضع الحلول اللازمة لها كون النهر انعكس سلبا على المناطق المحيطة به نتيجة تكدس النفايات على ضفافه".ويوضح الفتلاوي أن "النهر بشكله الحالي تحول إلى مشكلة بيئية وصحية حقيقة لأنه يمر في أكثر الأحياء الحلية في مركز المدينة".أما نائب رئيس مجلس الصحة والبيئة في مجلس المحافظة، مازن عبد الكريم، فيقول في حديث إلى (المدى برس)، إن "نهر اليهودية بشكله الحالي يعد كمبزل لأن فيه الكثير من الملوثات والأثار الصحية السلبية وليس نهر ويجب أعادته كنهر".ويبين عبد الكريم أن "قرارات مجلس المحافظة التي صدرت في العام 2012 برقم 46 تقضي بالموافقة على إعلان تصميم نهر اليهودية وفق توصيات مشكلة لهذا الغرض من اجل تأهيله".بدوره، يؤكد مدير بيئة بابل، عباس خضير في حديث إلى (المدى برس)، إن "النهر أصبح خارج المحددات البيئية والصحية وخطرا على صحة الناس لأنه أصبح مكبا للنفايات والكثير من أهالي الأحياء التي انشئت على جانبيه يرمون المياه الثقيلة فيه".ويقول خضير إن "بيئة بابل اعدت دراسة علمية أجريت عليه وأخذت عينات منه أكدت على ارتفاع في مادة النترات فضلا عن ارتفاع في عنصري الرصاص والكروم ووجود الطفيليات والخمائر والبكتريا أيضا وحاويا ليرقات البعوض ومرتعا للفئران والسلاحف"، مطالبا بـ"وضع معالجات أنية للحد من أنتشار الأمراض والأوبئة".فيما يلفت مدير مركز البيئة في جامعة بابل، جاسم محمد سلمان، في حديث إلى (المدى برس)، إن "اللجنة التي شكلها مجلس محافظة بابل ومركز بيئة بابل أحد أعضائها اعتمدت مقترح مد انابيب ناقلة على طول مجرى المبزل حتى نهايته وان تنصب محطة معالجة للمياه الثقيلة قبل ارتباطه بمبزل (حجي علي)"، مبينا أنه "تم الاتفاق على ان توضع التصاميم الخاصة بذلك المقترح للمباشرة بالعمل".يذكر أن محافظ بابل العام 1988 هاشم حسن المجيد، طمر القناة بسبب اقتران اسمها باليهود، وحاول أن يضيع معالمها بتقسيمها إلى قطع للأراضي السكنية، إلا أن مشروعه لم يتحقق لأنه أعفي من منصبه بقرار رئاسي.ويؤكد عدد من أهالي الحلة أن "مناسيب المياه الجوفية ارتفعت بعد شهر من دفن القناة، وبدأت تطفو بحيرات من المياه في عدد من أحياء المدينة كالثورة والضباط والجمعية والكرامة وحي الحسين وأحياء أخرى قريبة من القناة، الامر الذي ادى إلى اعادة حفرها مجددا.
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو ديار
