كاتب العقود ( كاتب الضبط ) في العراق القديم :
أ . م . د . عامر الجميلي
كلية الآثار - جامعة الموصل
عرف كاتب العقود ، أو كاتب الضبط في اللغة الأكديّة ( البابليّة - الآشوريّة ) بصيغة : (صابِط - طُبّي sabit - tuppi ) وكان (كاتب العقد) في بلاد الرافدين بمثابة ( كاتب العرائض ) - العَرضحالجي - في عصرنا الحاضر ، فقد كان هذا الصنف من اكثر اصناف الكتبة عددا فلا يكاد يخلو أي عقد من العقود من دون ذكر اسم كاتبه في اسفل الرقيم وفي جميع عصور بلاد الرافدين القديمة وكان هذا الصنف في العصرين السومري والبابلي القديم يتداخل مع غيره من صنوف الكتبة وخاصة مع صنف كتبة القضاة فكان يطلق عليه احيانا في النصوص بالتسمية العادية (دبسار DUB.SAR.) أي كاتب واحيانا اخرى بتسمية (مو . سار MU.SAR) او (موشارُ musarru) الذي يعني نقاش الاختام . فقد ذكر الاخير في احدى النصوص المعجمية الخاصة لاصناف الكتبة ككاتب للعقود او كاتب اعتيادي . لقد كان هذا الصنف من الكتبة يؤدي دورا بالغ الاهمية في حياة العراقيين القدماء ، فقد كان هؤلاء الكتبة يدونون كافة العقود التي تخص الحياة اليومية . ومنها انواع العقود الاقتصادية كإيصالات التسلم والتسليم و عقود المعاملات التجارية كعقود الايجار او الرهن فضلا عن الوثائق الاجتماعية ذات العلاقة بمعاملات الاحوال الشخصية كالزواج والتبني والارث وغيرها فالمعروف ان القوانين العراقية القديمة لم تعترف بشرعية المعاملات على اختلافها ما لم تكن محررة وموثقة ومشهداً عليها بعدد من الشهود ، كما ان أي تغيير في نص الوثيقة المحررة لم يكن يعترف به الا بحضور الشهود ، واحيانا كان كاتب العقد يحرر نسختين من العقد المبرم او اكثر ليحتفظ كل طرف بنسخة منه وتغلف ايضا منعا للتزوير وربما وضعت نسخ من تلك العقود في معبد المدينة ايضا .
وكما اشرنا فان تثبيت اسماء الشهود كان ضروريا عند تدوين العقد بل وكان بعض الشهود احيانا يحملون صفة رسمية او دينية ولعلهم كانوا يمثلون الحكومة او المعبد وكما كان على الكاتب تثبيت اسمه في معظم الاحيان والذي يمثل عادة آخر الشهود في نهاية العقد وقد ضمت قائمة الشهود في بعض العقود اسم اكثر من كاتب فيها ومن ذلك مثلا ورد في احد العقود من العصر البابلي القديم عن اسم كاتبين اذ ابتدأ العقد باسم كاتب وختم باسم كاتب ايضا .
كما ضم احد العقود من العصر الاشوري الحديث قائمة باسماء ستة كتبة كشهود كان اولهم (كاتب سُكَلُّ) واخرهم (كاتب العقد) .
ويتضح من عقود العصر الاشوري الحديث عن تخصص كتبة هذا الصنف اكثر بحيث اصبح دقة تخصص كل واحد منهم فيما بعد صنفا قائما بذاته حيث اننا لا نكاد نجد مصطلح (صابت - طبّي sabit-tuppi) والذي يعني ضابط و(حافظ الرقيم) ، في الرسائل الشخصية والنصوص الادبية والعلمية وانما اختص كل مجموعة منهم بتدوين نوع من العقود اليومية حصرا . ويبدو ان هذا الصنف من الكتبة قد اتخذوا لهم امكنة خاصة ( عند بوابات المدن ) في بلاد الرافدين اذ كانت اغلب العقود والصفقات التجارية تنجز هناك حيث يجتمع الناس باستمرار قربها وكان كتبة العقود يجلسون لعرض خدماتهم متى ما طلب منهم ذلك ، وغالبا ما كان العقد يختم بختم الاطراف المتعاقدة او بختم احدهم فقط . وفي العصر الاشوري الحديث وما بعده كان يستعاض عن الختم بطبعة اظافر الطرف الثاني (البائع والمدين) ويذكر اسمه الى جانب تلك الطبعات ، او طبعة المحبس او الخاتم او طرف ردائه تثبيتا لرضائه واعترافه بالعقد وكانت غالبية العقود تختتم بذكر التاريخ ، اليوم والشهر والسنة ، حسب الطريقة المتبعة ، في تاريخ السنين سواء اكانت حسب اهم الحوادث او باسم الملك او باسم شاغل وظيفة اللّمو وكانت العقود تضم بصورة عامة تفاصيل موضوع العقد (ارض او عقار او رقيق او زواج او طلاق) ثم تذكر بعد ذلك اسماء الاطراف المتعاقدة تبعها بعض المصطلحات والعبارات الفنية القانونية الخاصة باتمام العقد كالعبارة الخاصة برضا الطرفين المتعاقدين واستلام الثمن كاملا . ويلي ذلك الشروط الخاصة ، كالشروط الجزائية والتزام الاطراف المتعاقدة بالعقد وتحديد المسؤولية في حالة الاختصام او ادعاء طرف ثالث . لقد ورد في العصر الاشوري الحديث ذكر تسميات عدة لكتاب العقد ومنهم (LU. A.BA. sabit-dannite ) والذي يعني كاتب العقد (المحسوم) او النافذ المفعول . كما وردت تسمية (sabit-kaniki) . في بعض العقود والتي تعني كاتب او ضابط الرقيم المختوم . و (LU. A.BA. sabit-egirte ) التي تعني كاتب وضابط الرقيم ايضاً . فضلا عن ورود التسمية العامة السائدة انذاك (LU. A.BA. sabit-tuppi) . التي ذكرت كثيرا وفي اغلب عقود هذا العصر