حصن كاتيفا “قلعة القطيف” المدينة المحصنة – بقلم صادق علي القطري
قلعة القطيف، هي قلعة تاريخية تقع في مدينة القطيف بشرق المملكة العربية السعودية يعتقد ان بنائها تم في بداية القرن الثالث على يد الساسانيين، وتم تجديدها لاحقًا على يد العثمانيين. لها سورٌ عظيم يحيط بها وقد تم تجديده عدة مرات، سنة 968هـ وذلك في عهد السلطان العثماني سليم الثاني.
اتّخذها العُثمانيون من بعد الساسانيون كقاعدةً عسكرية ونقطةً دفاعيّة في الخليج العربي من بعد ترميمها في القرن السابع عشر الميلادي سنة 1630م/1039هـ حيث أصبحت بعدها مستودعاً للبضائع ولاحقا مقرّاً للسكن.
جانب من قلعة القطيف وتظهر فيها دروازة البحر بين البرجين، الصورة تعود لعام 1937م.
تحدث عنها ياقوت الحموي حيث دكر أنها كانت سكناً لبني عامر بن الحارث بن عبد القيس، كما انها يعتقد كانت مدينة الخط التي بُنيت على يد أردشير الأول حيث كان قد اتخذ القلعة كقاعدة عسكرية وحصنٍ للدفاع، وذلك بفضل مكانها الاستراتيجي حيث انها تقع على الساحل بشكلٍ مباشر.
وصفها الهمداني (893-947 م) في كتاب صفة جزيرة العرب: “بانها مدينة البحرين العظمى هَجَر، وهي سوق بني محارب من عبد القيس ومنازلها ما دارَ بها من قُرَى البحرين، فالقطيف موضع نخلٍ وقرية عظيمة الشأن، وهي ساحل وساكَنَها جَذيمة من عبد القيس سيدهم ابن مِسمار ورهطه، ثمَّ العُقَير من دونه وهو ساحلٌ وقريةٌ دونَ القطيف من العَطف وبه نخل ويسكنه العرب من بني محارب”.
يقول ابن بطوطة في أسفاره: “ثم سافرنا إلى القطيف – كأنه تصغير قطف – وهي مدينة حسنة ذات نخل كثير ، تسكنها طوائف من العرب ، وهم رافضة غلاة ، يظهرون الرفض جهارا لا يخافون أحد، ويقول مؤذنهم في أذانه بين الشهادتين “أشهد أن عليا ولي الله” ويزيد بعد الحياتين “حي على خير العمل” ويزيد بعد التكبير الأخير “محمد وعلي خير البشر من خالفهما فقد كفر”. [رحلة ابن بطوطة الجزء الأول ص 250].
في عام 1550، استولى حاكم البصرة العثماني على حصن قطيفة (قلعة القطيف) بعد رشوة جزء من الحامية، وعند وصوله بأسطول، استسلم الحصن، بينما تراجع حاكم أورمزينو إلى هرمز، والتي كانت في ذلك الوقت تحت سيطرة البرتغاليين.
قلعة القطيف كما هي مرسومه في احدى خرائط البرتغاليين.
عندما تلقى الحاكم أفونسو دي نورونها أخبارًا في جوا تفيد بأن العثمانيين استولوا على كاتيفا وكانوا يغزون الخليج العربي، أرسل دوم أنطونيو دي نورونها إلى المنطقة مع 1200 رجل وأسطول مكون من 7 جالبونات و12 سفينة تجديف، لطرد الأتراك.
عند وصوله إلى هرمز، زوّد الملك د. أنطونيو بقوة قوامها 3000 جندي فارسي وأورموزي مساعد، بقيادة وزيره راكس زارافو، وميرماكسيت، وزير موغوستاو مع سفن التجديف لاستكشاف كاتيفا (حصن قطيفة او قلعة القطيف) وقطع الاتصالات البحرية مع البصرة حيث وصل د. أنطونيو في نهاية شهر يوليو مع بقية الأسطول.
القلعة من الجهة البحرية كما تظهر في إحدى الرسمات التي تعود للعصر البرتغالي.
هبط البرتغاليون بالرغم من أن الفرسان الأتراك هاجموا البرتغاليين، إلا أنه تم صدهم ولجأوا إلى القلعة. بعد ذلك بوقت قصير، قام البرتغاليون بحفر الخنادق وتركيب بطاريات المدفعية وبدأوا في قصف جدران الحصن. ونظرًا لعدم وجود وسيلة للمقاومة، هربت الحامية العثمانية بعد ثمانية أيام في ظلام الليل، وكشف البرتغاليون آخر جندي فر وقتلوه ومن ثم تم هدم الحصن بالأرض.
خريطة برتغالية تعود الى عام 1551م
من أسماء حصن كاتيفا، قلعة القطيف أو حاضرة القطيف أو قصبة القطيف أو مدينة القطيف المُحصّنة أو الفرضة أو المحفوظة وبجبرو أو جبارو وهي قلعة أثريّة تقع على مُرتفع من الأرض وهي قلب مدينة القطيف، شرق المملكة العربية السعودية.
هدمت معظم مباني القلعة في ثمانينات القرن العشرين، وانتزعت ملكيتها من الأهالي وأزيلت المنازل والمباني من الأحياء بالتدريج إلى أن تحوّلت إلى ميدان ومواقف سيّارات، ولم يَتبقّ من منازلها الا سوى 18 منزلاً متهالكاً يعمل حاليا على ترميمها في محاولة للحفاض على ما تبقى منها.
مركز قلعة القطيف بعد ازالة القلعة
بلغ عدد سكان حصن كاتيفا (قلعة القطيف) في ذروتها 5000 نسمة وكانت محلات أسواقها التي قدّرها جون لوريمر بحوالي 300 محلّاً تجاريّاً, تبدأ من دروازة السوق وتنتهي بالقرب من الدبابية, وهي الآن في موقع شارع الملك عبد العزيز.
وهي سكة مسقوفة على شكل جملون بين صفين من المتاجر ومحلّات البيع تمتد من تقاطع شارع المدارس حتى شارع جعفر الخطّي، ثم تنعطف إلى الغرب باتجاه الشارع نفسه حتى نهاية مدرسة زين العابدين الابتدائية، وكانت تسمى هذه الانعطافه بسوق مياس والتي تشكل سكة أخرى تعرف بسكة الحرية وأغلب محلاتها للحرفيين كالنجارين والصفارين وبعض الحدادين وجامعي الخياش وغيرهم والدروازة المذكورة هي دروازة المخطب وتنتهي ببوابة ضخمة تفتح نهارا وتغلق ليلاً حيث تم ازالتها وذلك للتوسعة المعمارية بعد نزع ملكية قاطنيها، حيث تمت إزالة المباني والمنازل تدريجياً.
صورة مدخل السكة الشمالي المقابل لبوابة القلعة الجنوبية الغربية.
تحتل القصور الملكية رقعةً جبليّة وسط القلعة كما يبدو من تخطيطها السابق حيث كانت فيما مضى مقّرّاً للحكم، ويليها في الجانب الجنوبي الغربي قصور الضيافة وتُسمّى حارة الخان، كما تقع زرائب المواشي شمال جنوبه في حيّ الزريب، وتحيط الحدائق ودوالي العنب بالبلاط الملكي بدءاً من مجرى الكريدي المجاور لجامع المنارة وانتهاءً بفريق الوارش في الجهة الشمالية.
تتخذ قلعة القطيف شكل بيضاوي حيث قدّر جون لوريمر أطول جهاتها بحوالي 365 متراً من الجهتين الشمالية والجنوبية وهي ذات سور حجري منيع يحيط المنطقة السكنية المكتظة بالمنازل والمباني بداخلها. بها 11 مسجدا, أشهرها: جامع المنارة، ومسجد الراجحية، ومسجد الخان، ومسجد السدرة، ومسجد البرودة، وأقدمها هما جامعا المنارة والسدرة، حيث يرجع تاريخ بناء جامع السدرة إلى القرن الثامن الهجري كما كُتب على لوحة حجرية مثبتة بمدخل منارته المستديرة البالغ علوّها 30 متراً حيث كانت تُشرف على الحاضرة وضواحيها. والمنارة استخدمت لأغراض استطلاعية حربية، حيث أصيبت المنارة بقذيفة مدفع فتحطم جزؤها العلوي سنة 1871م أثناء الاحتلال التركي.
رممت البلدية الجزء المتحطم من المنارة في عهد الملك عبد العزيز، واستخدمت للإنارة؛ فكان يُعلق في أعلاها مصباحاً من الغاز بقوّة 400 شمعة ويُعتقد أن تاريخ بناء جامع السدرة يرجع إلى زمن أبعد من ذلك حيث يحتمل البعض كونه معبداً قديماً، وقد كان مهجوراً ومتداعِ البنيان، قبل إزالته، أمّا الآن فقد أزيلت المأذنة كما أُزيل الجامع القديم، وجُدد بناؤه.
تنقسم القلعة إلى اربعة أحياء (فرقان): فريق الخان، فريق السدرة، فريق الوارش وفريق الزريب. يتكون كل فريق (حي) من مجموعة من البيوت المتلاصقة تفصلها عن بعضها شوارع ضيقة وأزقة، ويُحيطها خندق عميق وبساتين ومزارع من كل جانب باستثناء جهة البحر. ويوجد داخل القلعة من الجانب الجنوبي والشرقي بمحاذاة السور عددٌ من البساتين، المُسمّاة دوالي والتي كانت تُسقى من سيحة التوبي وكانت تُوجّه إليها جداول البيوت وانصباب المياه، كما كانت تُحيطها واحة القطيف بأشجار النخيل والمزارع على منتصف الشاطئ الموازي للواحة في السابق.
رغم أنها كانت على ضفاف البحر من الجانب الشرقي إلّا أن مد البحر لم يكن يدخل بيوتها حتى وقت ارتفاع المد بأواسط وأواخر الشهر القمري. وكانت تظهر طبيعة أرض التّل المرتفع القاسية عند حفر الآبار داخل القلعة، حيث كانت تستغرق العملية زمناً لقطع وتكسير الصخور ومن ثم ازالة الرمل إلى حين الوصول إلى الماء حيث كان عمق آبار القلعة من سطح الأرض إلى الماء الجوفيّ يتراوح بين خمسة إلى ثمانية أمتار. من اشهر ابارها الجوفية المتدفقة:
بئر الخان: وهو بئر غزير ذو حوض وحواف صخرية ماؤه ضارب للمرارة وهو للعامة من الناس، ويقع في نهاية أرض مستطيلة الشكل، وله مدخل مفتوح من الغرب ومدخل من الجنوب، وله أعمِدة أربعة موصولة ببعضها بجسور مفتوحة من الأعلى والجوانب، وكثيراً ما تزدحم فيه ربّات البيوت في فترة النهار وأول الليل حتى صلاة العِشاء؛ وذلك لما يمتاز به ماؤه من النظافة، والغزارة والقرب.
بئر الجبَلة: وهو بئر عام ماؤه ضارب للملوحة ويقع في حيّ السِدرة وهو مخصص للشرب فقط، ولا تُغسَل فيه الأواني والفُرش وتتزود منه أرباب السفن لنظافة وعذوبة مائه.
بئر مُغيبوه: وهو بئر ذو حوض مسقوف وهو من أجود الآبار، يستقي منها معظم سكان القلعة، ويقع في زاوية أحد الصوابيط (الازقة) ويكاد لا يُرى ماؤه لظلمته ولبعد ماؤه. فوّهته مقسومة بجِدار في الوسط فنصفه الجنوبي في الشارع ويستعمل لعامّة الناس، ونصفه الشمالي داخل أحد المنازل.
بئر براحة الخيل: وهو بئر مكشوف وضحل، يُستعمل للغسيل، ويقع بحي الوارش.
إضافةً للآبار فقد كانت تتدفق ينابيع المياه في القلعة، منها ما هو في حي الوارش، حيث يوجد به ينبوع ماء تتدفق منه المياه وتسيح على الأرض، ويسقي النخيل الموجودة في الحي، ثُم يتجه شمالاً ويصب في البحر.، أُنشأت له قناة حتى تتجه مياهه إلى بركة مسجد الأمارة شرقاً، ومن ثم تواصل مجراها إلى البحر.
منظر جوّيّ يُظهر المنازل والأحياء المُحصّنة بقلعة القطيف وتعود الصورة إلى خمسينيات القرن العشرين.
يوجد بداخلها حصن صغير في مكان محصور من القلعة يسمى بالكوت وهو مُحاط بسور خاص، ويقع في الزاوية الشمال شرقية وله بوابتان، إحداهما من الشرق على الشارع خارج السور، والأخرى من الجنوب هي مخرج من هو في داخله.
وهذا الحصن الصغير، كان قلعة دفاع في عهد الحكم العثماني وفي عهد الحكم السعودي، اتخذ كمحطة إرسال لاسلكية لإرسال واستقبال البرقيات ومكتباً للبريد، فأقيم داخله دوائراً حكوميّة لموظفي البرق والبريد وسكنّاً لمدير اللاسلكي، حيث كان أول مدير له هو السّيد حسين ناس وقد كان حجازيّاً ظلّ في القطيف سنين طويلة.
أحد أبراج قلعة القطيف مع سورها – شارع سوق الخميس بمدينة القطيف 1933م.
ولقلعة القطيف 11 برجاً عاليا مُستدير الشكل في كل ركن من أركانها يبرز بين جوانب وزوايا السّور وكُلُّ برج منها مُزوّد بالغُرف والاستراحات ومحلات الخدمات ويربط بين الأبراج جسرٌ على امتداد السور بعرض مترين في أعلاه، حيث ينتقل عليه الحراس بخيولهم أثناء الليل من برج إلى برج للمراقبة.
وبالرغم من أن لقلعة القطيف 11 برجاً ألا أن مدينة القطيف وُصفت سابقاً في العهد البرتغالي بأنها مدينة محصنة فيها 7 أبراج ولربما أزيلت الخمسة أبراج الأخرى في حينه.
مخطط تصويري يبن عدد الأبراج التي كانت مجودة بداخل القلعة والأجزاء الداخلية من الاحياء والازقة.
اما الساحات والمُتّسعات الواقعة أمام المنازل فقد كان يتّخذها الأطفال مواقع للتجمّع وممارسة الالعاَب الشعبية، مثل لعبة التّيلة، يحموه، خاست، عندي، وغيرها. من البراحات الشهيرة في قلعة القطيف:
الجامع: وهو موقع ساحة متوسطة المساحة تقع في حي الخان، تجتمع فيه يومياً من الصباح الباكر حتى الظهيرة بائعات الحليب واللبن، وبعض أنواع الفاكهة المحلية والموسمية، منها الخلال والرطب والريحان والرازقي (الفُل)، وبيض الدجاج.
براحة الحليب: وتقع في حيّ الخان، خصصّت لتكون سوقاً مسائيا لكل يوم في شهر رمضان، حيث كانت من أكثر الأسواق ازدحاماً بالباعة والمشترين آنذاك، وتُباع فيها مختلف المواد الغذائية من الحبوب، والدواجن، والحليب، والبيض، وغيرها. براحة الخيل: وتقع بين حييّ السدرة والوارش ومن اسمها فأنها كانت تستخدم لمربط للخيول.
وفي الأخير، قلعة القطيف لها في كل بيت وزقاق (صاباط) وكل ساحة وفريق الف حكاية وحكاية، غدر بها الزمان حينما هدمت، فأصبحت قصةً من نسج الخيال وحكاية من حكايات الف ليلة وليلة تُروى وتتناقلها الأجيال ورواية من الزمن الجميل.
المهنس صادق علي القطري