مدرسة عادل في بغداد ، تاريخ مشرف وطلبة متفوقين
في معظم البلدان العربية اليوم، يشهد اهتمام المجتمع بالمدارس الخاصة، خاصةً مدارس اللغات والمدارس الأجنبية والدولية، مثل المدرسة الأمريكية، والمدرسة الإنجليزية، والمدرسة الفرنسية. يزداد التنافس بشكل ملحوظ بين هذه المدارس، سواءً في مستوى الأجور أو جودة التعليم أو مرافق البنية التحتية التي تُقدمها كل مؤسسة تعليمية للطلاب.
في العراق اليوم، أصبحت المدارس الخاصة، خاصةً مدارس اللغات والمدارس الدولية، محور اهتمام المجتمع، حيث يتنافس الأهالي على اختيار أفضل مدرسة لتعليم أطفالهم. يُظهر التباهي بالمدارس والمبالغة في المدفوعات السنوية أهمية الخيار التعليمي.
كانت مدرسة عادل الأهلية في بغداد، التي أسسها الثلاثي التربوي اللامع، تتألف من ثلاثة مبانٍ، إحداها تضم صفوفاً وقاعة كبيرة للألعاب مخصصة للروضة والتمهيدي، ومكاتب الإدارة والمطعم الذي يقدم وجبات غذائية، بالإضافة إلى بنيتين أخريين لصفوف المرحلة الابتدائية. تميزت المدرسة بحديقة خلابة كبيرة، تحتوي على مسرح صيفي، وتضم مرافق لسكن الحراس والعمال والطباخين. وكان هناك قسم داخلي لبعض الطلاب، بالإضافة إلى باصات تنقل الطلاب إلى ومن المدرسة. كانت مديرة المدرسة، مدام عادل، شخصية فريدة، حازمة ومرعبة للطلاب والمدرسين على حد سواء.
طلاب مدرسة عادل الأهلية في بغداد، كانوا يمثلون نخبة عوائل المدينة ويتمتعون بشهرة واسعة، إذ كانوا ليس فقط ذكاءً بل وشهادات عليا، وكان مستوى الدراسة والأجور في المدرسة مرتفعًا للغاية. مدام عادل، المديرة الحديدية، جعلت من المدرسة إنما جامعة صغيرة، حيث كانت القوانين صارمة والمستوى الدراسي متقدمًا للغاية. كانت العدالة مسلطة بشكل متساوٍ على الجميع، سواء كان الطالب ابن وزير أم موظف بسيط. بدء الدوام في الساعة الثامنة صباحًا، وكان أي تأخير يتسبب في عودة الطالب إلى المنزل فورًا، دون قبول أي عذر أو تبرير، ولم تكن هناك تشفعات من الأهل. كانت المسطرة التي تحملها مدام عادل شديدة الصلابة، وكان يُحذر الطلاب المشاكسون من الوقوف أمامها. الكتب المنهجية كانت تُستورد بالطائرة من خارج العراق، وكانت تمتاز بتقديم معايير تعليمية متقدمة، حتى أن كتب اللغة الإنجليزية للصف الأول كانت نفس الكتب المستخدمة لطلاب الصف الخامس في المدارس الحكومية، مما يبرز الفارق الكبير في المستوى الدراسي بين الطلاب.
مدام عادل كانت تتخذ إجراءات صارمة تجاه الطلاب الذين يظهرون تراجعًا في أدائهم الدراسي أو كسلهم، حيث كانت تفرض دروسًا إضافية لتعزيز فهمهم بعد انتهاء الدوام. كما كانت تمنع الأهالي من أخذ أبنائهم، سواء كانوا مشاكسين أو كسالى أو متقاصرين، إلى المنزل بعد نهاية الدوام إلا بعد أن يتم حجزهم لثلاث ساعات إضافية. خلال هذه الفترة، كانوا ملزمين بأداء واجبات إضافية وأنشطة تقوية بشكل إلزامي. تولت مدام عادل بنفسها مراقبة نوعية وكمية الطعام الذي يقدم في مطعم المدرسة لضمان النظافة والجودة. وكان هناك عاملان، بطرس وخوشابا، يخدمان الطعام، ولكن بطرس كان يتسم بتصبيه الفاصوليا اليابسة بكميات هائلة على الرز، مما أدى إلى إنشاء عقدة لدي حتى اليوم تجاه الفاصوليا اليابسة.
في تلك المدرسة، أُوليت الدروس اللامنهجية مثل الرياضة والفن والموسيقى نفس الأهمية من قِبَل الإدارة والمعلمين. كانت الحفلة السنوية للطلاب تُقام في حدائق المدرسة، ويُقدم الطلاب في مسرحها الصيفي فعالياتهم ومواهبهم الفنية والشعرية والمسرحية والموسيقية أمام الأهالي والشخصيات البارزة. مدام عادل كانت مربية محنكة بشخصية ديكتاتور صارم. على الرغم من صرامتها، كانت تعامل ابنتها التي تعمل إدارية بالمدرسة بنفس الصرامة المطلوبة من المعلمات.
رغم أحيانا الكره لها، إلا أننا اليوم نترحم على أيامها وندرك قيمة أفضالها. خرج خريجوها عظماء وعلماء، حيث احتل العديد منهم أرقى المناصب والوظائف الإدارية والعلمية في مختلف أنحاء العالم. تميزوا في حياتهم المهنية بفضل الأسس العلمية القوية التي حملوها، والتي وفرت لهم مفاتيح النجاح والتفوق. مدام عادل كانت قائدة رائدة في مجال التعليم في العراق، ومنذ تلك الأيام الزاهية، بنى خريجوها سمعة مميزة تستمر إلى اليوم.