جامع النوري الكبير – تاريخ موصلي
الجامع النوري أو الجامع الكبير .هو جامع تاريخي يقع في الساحل الأيمن (الغربي) للموصل. وتسمى المنطقة المحيطة بالجامع محلة الجامع الكبير.
بناه نور الدين زنكي في القرن السادس الهجري أي أن عمره يناهز التسعة قرون. يُعتبر الجامع ثاني جامع يبنى في الموصل بعد الجامع الأموي. أعيد إعماره عدة مرات كانت آخرها عام 1363هـ (1944م).
جامع النوري له أهميته ومكانته الدينية والحضارية والتاريخية في مدينة الموصل , اذ يعّد هو ومئذنته الشامخة أحد معالم هذه المدينة , ويميز تلك المئذنة المحدّبة نحو الشرق التقسيمات الهندسية السبعة التي أبدع فيها المعمار الموصلي بما تضمنه من نقوش غاية في الروعة ، وهي تحفة هندسية ومعمارية فريدة بين مآذن المدن الاسلامي.
تتهدد المئذنة بسبب إهمالها بالانهيار، وكانت هناك عدة محاولات لإصلاحها من قبل وزارة السياحة والآثار العراقية، إلا أن هذه المحاولات لم تكن بالمستوى المطلوب. ما زالت المئذنة بحالة خطرة .
بناء الجامع
يعود تاريخ هذا الجامع إلى العهد الزنكي، وتحديداً إلى فترة تولي سيف الدين غازي الثاني بن مودود زمام الحكم في الموصل. فقد حكم البلدة لفترة وجيزة من 565 إلى 576هـ (1170-1180م). وقد كان سيف الدين ضعيف الإرادة، مغلوباً على أمره، وقيل أن وزيره فخر الدين عبد المسيح كانت بيده السلطة الحقيقية ولم يكن لسيف الدين سوى الاسم. ضاق هذا الأمر على بردابكي نور الدين (وهو ابن أخ سيف الدين الثاني) فتوجه إلى الموصل واحتلها بلا مقاومة 566ه.
مكث نور الدين في الموصل أربعة وعشرين يوماً، وخلال هذه الفترة قام بإصلاحات منها تخفيف الضرائب. رأى نور الدين في هذه الفترة ما يُعانيه المصلون من ضيق الجامع، فلم يكن بها جامع يُجمع به سوى الجامع الأموي، ولكن سكان البلدة ازدادوا ورأى بذلك حاجتها إلى جامع جديد.
وكّل نور الدين شيخه معين الدولة عمر بن محمد الملاء بأمر بناء الجامع. باشر الشيخ عمر ببناء الجامع سنة 566 هـ . وبقي يشتغل في عمارة الجامع ثلاث سنوات، إلى أن انتهى منه سنة 568هـ.
بعد أن فرغ من عمارة الجامع، رأى من المستحسن أن يبني به مدرسة، وعرفت فيما بعد بمدرسة الجامع النوري .
وكان نور الدين قد رجع إلى الموصل سنة 568هـ وصلى في جامعه، بعد أن فرشه بالبسط والحصران، وعين له مؤذنين وخدما وقومة ورتب له ما يلزمه.
كان للجامع عدة أوقاف منها “العقر الحميدية” و”قيسارية الجامع النوري” و”أرض خبرات الجمس”.
تكلفة بناء الجامع غير معروفة ولكن تتراوح التقديرات بين وستين ألف دينار وثلثمائة ألف دينار.
منارة الحدباء
يشتهر الجامع بمنارته المائلة والتي تسمى غالبا منارة الحدباء وسابقا المنارة الطويلة . تقع المئذنة في الركن الشمالي الغربي من حرم الجامع ، وتعتبر أعلى منارة في العراق. صورة
الراجح ان سبب انحنائه نحو الشرق هو الريح السائدة الغربية في الموصل، حيث تؤثر هذه الرياح على الاجر والجص المبنية منه هذه المنارة فأدت إلى ميلانها إلى جهة الشرق. تفسير آخر يقول ان إبراهيم الموصلي تعمد هذا الميلان لكي يقلل من الخسائر في حال سقوطها، لانه غرب المنارة كان (وما يزال) هناك بيوتا كثيرة ولكن إذا سقطت نحو الشرق ستقع على صحن الجامع وتقلل الخسائر. المنارة مهددة بالإنهيار، ويبدو أن السبب هو المياه الجوفية التي تحيط بها، والتي أدت إلى اهتراء قاعدة المنارة. وقد درجته مؤسسة الصندوق العالمي للآثار والتراث في قائمة الاكثر مائة آثر مهددة في العالم.
وتنتشر في الموصل الكثير الخرافات حول سبب الإنحناء، ومنها أن النبي الخضر مر بالمنارة فمالت خجلا منه، أو أن الإمام علياً جاء لزيارة حفيده علي الأصغر فانحنت احتراماً له، ويستدلون باسم منطقة (دوسة علي) المجاورة. وقال النصارى ان المنارة انحت لمريم العذراء والتي يقال انها مدفونة قرب أربيل، اي باتجاه ميلان المنارة.
للمنارة قسمين احدهما اسطواني وآخر منشوري، القسم الاسطواني يعلو القسم المنشوري ويشمل على سبعة أقسام زخرفيه أجريه نافرة على شكل حلقات. ولها مدخلان يصل كل منهما بواسطة درج إلى الأعلى، فجعل المعمار ابراهيم الموصلي سلمين في باطن المنارة كل منهما منفصل عن الآخر، يلتقيان عند منطقة الحصن في الأعلى، فالصاعد إلى الأعلى لا يرى النازل إلى الأسفل، وعمد المعمار على جعل سلمين للمئذنة وكان الهدف الأساسي تخفيف ثقل المئذنة الكبير على القاعدة.
اعيد ترميم المنارة في أوائل القرن العشرين على يد عبودي الطنبورجي .وفي محاولة أخرى ،قامت وزارة السياحة والآثار العراقية بمحاولة ترميم المنارة بضخ كميات من الإسمنت المسلح إلى قاعدة المنارة للحفاظ عليها، إلا أن هذه العملية لم تكن أكثر من حل مؤقت.
صورة المنارة مطبوعة على الدينار العراقي الجديد من فئة عشرة آلاف دينار.
المصلى
يتألف المبنى من مصلى مستطيل الشكل مساحته 143متر مربع ، للمصلى أربعة أساكيب واثنتي عشرة بلاطة، ويقوم سقفه على اعمدة ضخمة موازية لجدار القبلة، وفصل الأسكوب الرابع المطل على الصحن باثنتي عشرة بائكة، يستند سقف هذا الأسكوب على أعمدة أسطوانية. وبناء بيت الصلاة يتكون من قسمين الأمامي يشتمل على بوائك تطل على الصحن والقسم الأخر غير مفتوح للبلاطات ومما يلفت النظر أن تخطيط الجامع لا يحتوي على مجنبة ومؤخرة تطل على الفناء، هذا التخطيط يشبه في بعض نواحيه تخطيط عمارة الأربعين في تكريت والذي يعود إلى الربع الأخير في القرن الخامس الهجري حيث يكتنف مصلاه بعض التشابه وقد يكون المعمارى تاثر بهذا الطراز. أما فيما يتعلق بتخطيط بناء بيت الصلاة والرواق القائم أمام المصلى، فيعتقد أن الظروف المناخية كان لها دور رئيس في إحداث هذا التطور في التخطيط
عام 1364هـ (1944م) جرت بعض التنقيبات للجامع واستنتج ان الجامع كان مزين بتشكيلات زخرفية جصية هندسية ونباتية وكتابات كوفية خاصة جدار القبلة والتى تم نقلها بعد ذلك الى المتحف العراقي ببغداد .
المحراب
تشير المصادر الى ان المحراب كان سابقا ضمن الجامع الأموي ولكن تم تحويله عند بناء الجامع. للمحراب شريط كتابي مكتوبة بخط كوفي نقش على مهاد من الزخارف النباتية، وقوام الزخرفة فيه ثلاثة صفوف شاقولية من عقود صماء غير نافذة، يضم الصف الأوسط منها أربعة عقود متراكبة، ترفعها عدة أعمدة مندمجة ومما كتب على المحراب الاية من سورة البقرة .
وعلل البعض على اختيار هذه الاية بأن بردابكي نور الدين خصها لان سياق الاية والايات السابقة تذكر المسجد الأقصى، التى كانت تحت الاحتلال الصليبي انذاك، فاختار هذه الاية لنشر رسالة الجهاد في الموصل .
من أقوال الرحالة
كتب الرحالة الذين وصلوا الموصل عن الجامع، فقد قال ياقوت الحموي في معجمه في باب ذكر الموصل: «وسورها يشتمل على جامعين، تقام فيهما الجمعة، احدهما بناه نور الدين محمود وهو في وسط السوق، وهو طريق للذاهب والجائي، مليح كبير». وذكره أبو شامة المقدسي قائلا: «إليه النهاية في الحسن والاتقان».
وذكره أيضا ابن جبير في رحلته، حيث قال «وللمدينة جامعان: أحدهما جديد، والآخر من عهد بني أمية. ويجمع في هذين الجامعين القديم والحديث، ويجمع أيضاً في جامع الربض». وفي رحلته قال ابن بطوطة «وبداخل المدينة جامعان أحدهما قديم والآخر حديث وفي صحن الحديث منهما قبة في داخلها خصة رخام مثمنة مرتفعة على سارية رخام يخرج منها الماء بقوة وانزعاج فيرتفع مقدار القامة ثم ينعكس فيكون له مرأى حسن.»
وذكره ايضا الرحالة الأجانب ومنهم جيمس سلك بكنغهام والذي زار المنطقة في بداية القرن التاسع عشر، وقال ان الجامع «كان سابقا كبيرا وجميلا، لكنها الان مدمرة بالكامل» .