دراسة في لندن خلصت إلى أن الأسطح الباردة يمكن أن تخفض درجات الحرارة بمعدل 1.2 درجة مئوية (شترستوك)
مع ما يشهده الكوكب من موجات حر شديدة تضرب معظم المناطق الشمالية من الكرة الأرضية في هذه الأثناء، مرفقة بارتفاع كبير في درجات الحرارة وزيادة نسبة الرطوبة، فإنّ سعي العلماء إلى إيجاد طرق فعالة لتخفيض متوسط درجة الحرارة بات أمرا ضروريا للحاضر والمستقبل.
وقد أفادت دراسة نُشرت حديثا بالمجلة العلمية "جيوفيزيكال ريسيرتش ليترز" بأنّ الأسطح ذات الطلاء الأبيض أو العاكس تعد فعالة أكثر من الأسطح التي يغطيها الغطاء النباتي أو الألواح الشمسية على مستوى تقليص درجة الحرارة داخل المدن.
وتعاني المدن بشكل عام من ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة مقارنةً بالمناطق الريفية المحيطة، بسبب انخفاض المساحات الخضراء والأنشطة البشرية المتمركزة بها. وعليه، يزداد استهلاك الطاقة وترتفع نسبة الانبعاثات الجويّة الملوثة وترتفع كذلك حالات الوفيات المرتبطة بشدة الحرارة، ويُطلق اصطلاحا على هذه المناطق بـ"الجزر الحرارية الحضرية".
دراسة حيّة في لندن
خلصت الدراسة التي أجريت في العاصمة البريطانية إلى أن الأسطح الباردة يمكن أن تخفض درجات الحرارة داخل المدينة بمعدل 1.2 درجة مئوية، متفوقة بشكل كبير على جميع العوامل الأخرى. هذا بالرغم من أنّ الأسطح ذات الغطاء النباتي مفيدة لبعض الجوانب مثل إدارة مياه الأمطار والتنوع البيولوجي، وتمتلك تأثيرا طفيفا على تخفيض درجة الحرارة بقدر 0.3 درجة مئوية.
ومن الجدير بالذكر أن انتشار أجهزة التكييف في أنحاء لندن أدى إلى زيادة درجات الحرارة بمقدار 0.15 درجة مئوية بالمتوسط، وهو ما يزيد الأمر تعقيدا في إدارة التوزيع الحراري داخل المدينة والوصول إلى الحل الأمثل، ويجري ذلك على كل مدن العالم.
وعرف الإنسان منذ فترات طويلة أنّ الأسطح الفاتحة تعكس الضوء على نقيض الأسطحة الغامقة التي تمتص الضوء والحرارة، وتُعرف هذه الظاهرة باسم "العاكسيّة" أو "الوضاءة". ومثال على ذلك الأسطح الثلجية والجليدية، فإنّها تعكس معظم ضوء الشمس، على خلاف الطرق الإسفلتية المعبّدة التي تمتلك نسبة منخفضة من خاصية العاكسيّة، وبالتالي تمتص معظم الضوء فتصبح أسخن بسرعة.
يتوقف الأمر على طبيعة المادة نفسها، فالطلاء الأبيض يتكون من مواد كيميائية لا تتفاعل مع أي لون من طيف الضوء المرئي، بينما يمكن للأسفلت أو الصبغات السوداء عموما أن تتفاعل مع كل الألوان، ولذا تمتصها.
نظرا لفعالية الطلاء الأبيض أو الألوان الفاتحة على أسطح الأبنية فإنّ الباحثين يشيرون إلى أن يطلى جميع البناء من كافة الجهات (شترستوك)
طرق بيضاء يرفضها الذوق العام
ونظرا إلى فعالية الطلاء الأبيض أو الألوان الفاتحة على أسطح الأبنية، فإنّ بعض الباحثين يشيرون إلى أن يشمل الطلاء جميع البناء من كافة الجهات، وليس السقف فحسب. وذهب آخرون إلى اقتراح طلاء طرق وممرات المشاة بالأبيض، إلا أنّ مثل هذا المقترح قُوبل باستياء العديد نظرا لاحتمالية اتساخها سريعا، بالإضافة إلى الوهج المزعج الذي يصدر عنها.
وبالنظر إلى الوطن العربي، وبالمقارنة مع الدراسة المرفقة، فإنّ ثمّة العديد من المدن العربية التي تشبه العاصمة البريطانية في كثافتها السكانية، وربّما بعض المخرجات قد يكون أثرها جليا وأوضح. فعلى سبيل المثال، تنتشر أجهزة التكييف بأعداد كبيرة، وهي أحد مسببات ارتفاع متوسط درجات الحرارة.
وتحث الدراسة إلى الوضع في عين الاعتبار مثل هذه العوامل ضمن الخطط الإستراتيجية طويلة الأمد، لأنّ الهجرة من الأرياف إلى المناطق الحضرية ما زالت آخذة بالنمو، وأنّ موجات الحر باتت أطول وأقوى من أي وقت سابق بسبب التغيّر المناخي الحاصل.