أو بعض يوم ثم استيقظت!
لا أعرف لماذا أشعر أنني شِختُ وتقدمتُ في العمر بسرعةٍ عجيبة؟ كيف ومتى حصل ذلك؟ لا أعرف إذا كان القارئ الكريم والقارئة الكريمة يخالطهمَا ذات الشعور الذي يخالطني أم لا؟ يبدو أنه إحساس قديم عند البشر، تمر سنوات العمر سريعة جدًّا وكأننا نغطّ في نومٍ عميق!

جاء في الكتب أن نوحًا عليه السلام عاش ألفي سنة وخمسمائة سنة، منها ثمانمائة سنة وخمسون سنة قبل أن يبعث، و"ألف سنة إلا خمسين عامًا" وهو في قومه يدعوهم ومائتا عام في عمل السفينة، وخمسمائة عام بعدما نزل من السفينة ونضب الماء فمصّر الأمصارَ وأسكن ولده البلدان، ثم إن ملك الموت جاءه وهو في الشمس فقال: السلام عليك، فردّ عليه نوح عليه السلام وقال له: ما حاجتك يا ملك الموت؟ فقال: جئت لأقبض روحك، فقال له: تدعني أدخل من الشمسِ إلى الظلّ؟ فقال له: نعم، فتحول نوح عليه السلام ثم قال: يا ملك الموت فكان ما مرّ بي في الدنيا مثل تحولي من الشمس إلى الظلّ.

بعد سنوات طويلة قال نوح عن عمره إنه مثل التحول من الشمس إلى الظلّ! ماذا إذن نقول عن أعمارنا التي لا تصل إلى مائة أو تسعين أو حتى ثمانين سنة في أفضل أحوالها؟ إذا كان نوح عليه السلام شعرَ بضآلة وقصر عمره وهو الذي عمل ما عمل من الخير والدعوة إلى الله ولم يضيع ثانية واحدة فماذا أقول أنا؟ لو استعرضت جدول أعمالي لوجدت أن مشاغل الحياة اليومية الصغرى تملأه، ركض وجري وينتهي اليوم ثم الشهر والسنة دون أن يكون في مخلاتِي ما يستحق التعب!
كلّ نطّاحٍ من الدهر له يومًا نطوح
نح على نفسكَ يا مسكين إن كنتَ تنوح
لتموتنّ وإن عمرتَ ما عمّرَ نوح

قل عنه ما شئت عن العمر؛ انتقال من الشمس إلى الظلّ أو حلم قصير، أو قل عنه إنه طويل جدًّا، كل ذلك حق فالعمر لا يقاس بعدد السنوات إنما بما في السنوات! غريب جدًّا ألا يكون لهذا الشعور الصادق بمرور الوقت سريعًا تأثير ضخم في كيف أعمل في الوقت! نعم هناك من لديه إحساس ويعمل لكن لماذا ليس أنا؟!

قطار العمر يمشي سريعًا ولا يقف إلا في محطةٍ واحدة "بُنَيَّ إِنَّكَ اسْتَدْبَرْتَ الدُّنْيَا مُنْذُ يَوْمَ نَزَلْتَهَا، وَاسْتَقْبَلْتَ الْآخِرَةَ، فَأَنْتَ إِلَى دَارٍ تَقْرُبُ مِنْهَا أَقْرَبُ مِنْكَ إِلَى دَارٍ تُبَاعِدُ عَنْهَا". قطار يسير والناس نيام في صحراء الحياة فإذا وصل المحطة انتبهوا، وصف الإمام عليّ عليه السلام حال الناس فقال: "الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا".

غاية الأمر: أنا مأخوذ بقشور الوقت وغيري مشغول بلبّ الوقت وشتّان بين من يأكل الثمرةَ وبين من يكتفي بالقشور! طوبى لمن لم تخدعه الساعة! أنا مشغول بسطحيّات الأمور وغيري مشغولٌ بأعماقها!

التفاتة: يحاول العلماء أن يشرحوا: لماذا نشعر بمرور الوقت أسرع كلما تقدمنا في العمر؟ يستطيع القراء الكرام أن يطلعوا على نظرياتهم إذا رغبوا!