صفحة 8 من 13 الأولىالأولى ... 67 8910 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 71 إلى 80 من 121
الموضوع:

رسالة الى حبيبتي بغداد ( متجدد ) - الصفحة 8

الزوار من محركات البحث: 74 المشاهدات : 2352 الردود: 120
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #71
    من أهل الدار
    تاريخ التسجيل: November-2020
    الدولة: بغداد
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 35,622 المواضيع: 10,453
    التقييم: 29332
    مزاجي: متفائل دائماً
    المهنة: موظف حكومي
    أكلتي المفضلة: البرياني
    موبايلي: غالاكسي
    آخر نشاط: منذ 4 يوم
    كيف تأسس المتحف العراقي؟ ومن أسسه؟ وكيف تنقلت بنايته؟


    كيف تأسس المتحف العراقي؟ ومن أسسه؟ وكيف تنقلت بنايته؟

    بعد الحرب العالمية الأولى، بدأ علماء الآثار من أوروبا والولايات المتحدة بعدة تنقيبات في جميع أنحاء العراق، وجمعوا العديد من المجموعات والقطع الأثرية للحفاظ عليها في مَكان آمن حفاظاً لجهودهم، وقاموا بالحفريات والاستكشافات العديد من الرحالة البريطانيين وعلماء الآثار وكذلك الباحثة البريطانية المس غيرترود بيل حيث جُمعت جميع القطع الأثرية في مبنى السراي ببغداد في حيز صغير من المبنى في عام 1922م.


    ولقد قَامت باحثة الآثار البريطانية المس غيروترود بيل بجولات ميدانية لزيارة عدد من المواقع الآثرية التي أصبحت بحاجة ماسة إلى الصيانة لترميم الأضرار لغرض المباشرة بصيانتها، ونتيجة لاهتمامها بالآثار العراقية دَفع الأمير فيصل الأول بعد تتويجه ملكاً على العِراق تعيينه مُدرية فخرية للآثار القديمة بصورة مؤقته، ولقد اَستقبلت المس بيل بعد توليها المسؤولية الفَخرية لدائرة الآثار القديمة عدداً من البعثات الأثرية التي كانت تتطلع إلى الحصول على امتياز تنقيب في عدد من المواقع الأثرية، ومن أشهر هذه البعثات البعثة المشتركة للمتحف البريطاني وجامعة بنسلفانيا الأمريكية برئاسة ليونارد وولي، حصلت على أمتياز التَنقيب في مدينة كيش، ونجحوا في العثور على قطع آثرية كثيرة، نال العراق نصف الكمية، من بينها خوذة ذهبية وقيثارة ودبوساً ذهبية وتمثال لأحد ملوك مملكة كيش السومرية يبلغ طوله ثلاثة أقدام، مقطوع الرأس، ولم يتمكن الأثاريون من قراءة الكتابات الموجودة على كتفه، بأستثناء تحديد أسم المَلك وقررت المس بيل إرساله إلى لندن لفك رموزه من علماء الآثار البريطانيين ومن ثم إعادته إلى العراق، وأستطاعت أيضًا شراء عدد من الآثار من الأهالي فكانت حصيلة ما جمعته كمية لا يستهان بها من الآثار التي اُكتشفت حديثاً، مما شجعها على إقامة معرض لعرض اللقى الآثرية امام الجمهور للتعريف بها، وقد أفتتح المعرض بتاريخ (11 آذار 1923)، وضعت فيه القطع الأثرية على مناضد وبالقرب من كل قطعة بطاقة تعريفية باللغتين العربية والإنجليزية، ونال المعرض آستحسان الحاضريين والزائريين، وكان في مقدمتهم الملك فيصل الأول والوزراء والشخصيات العامة.

    وبعد نَجاح المَعرض، أرادت أن تنشئ مَتحف عراقي للآثار، للحفاظ على جهودها من السرقة والضياع والإندثار، إلا أن عقبات عدة اعترضت سبل تنفيذه أول مره، منها عدم توفر مكان ملائم لإقامته، ولكنهم لجوءا إلى بناية القشلة، وأُختيرت إحدى الغرف الصغيرة في الطابق الأسفل من مبنى القشلة، عرفت هذه الغرفة لاحقاً باسم غرفة الاحجار البابلية.

    تاريخ نقل المَتحف
    وفي عام 1926 م، نَقلت الحكومة العراقية هذه الآثار والمجموعات التي تم العثور عليها من قبل المنقبين إلى المبنى الجديد وانشئ مبنى متحف بغداد للآثار وشغلت غيرترود بيل منصب مديرة المَتحف، ولقد توفيت غيرترود بيل في وَقت لاحق واستلم مهامها المدير الجديد ر.س كوك.


    انتقال المتحف من السراي إلى شارع المأمون
    كان المتحف يشغل حيزاً صغيرًا. في مبنى القشلة أو السراي القديم في وسط بغداد. وبعد جَمع أعداد كبيرة من الآثار نتيجة لعمليات التنقيب التي اجريت في جميع أنحاء العراق آنذاك، أصبح الحاجة إلى نقل المَتحف مطلباً ملحاً ليسع الآثار الأخرى التي تَجمعت بمرور الوقت في صناديق خشبية لم يَتمكن من عرضها بسبب ضيق مساحة المَتحف، فكان لابد من توسيع المَتحف العراقي ليحفظ ما جمع من قطع أثرية، فُنقلت بنايته في عام 1926 إلى مبنى آخر واسع وجديد في شارع المأمون بالقرب من ضفاف نهر دجلة والمدرسة المستنصرية في بغداد.
    فعملت الحكومة العراقية على بيع مطبعة الحكومة وتسليم بنايتها إلى وزارة الأشغال والمواصلات، وإن اختيار بناية مطبعة الحكومة جاء لعدة أسباب، وهو سعة البناية مقارنة بمتحف القَشلة، وتألفها من طابقيين وحداثتها، إذ لم يمر على تشييدها سوى بضعة سنين، فضلاً عن ملاءمتها للعرض المَتحفي، وبعد أن بُيعت لوزارة الاشغال والمواصلات، تم إعطاء البناية إلى دائرة الآثار القديمة لتتخدها مَتحفاً ومقراً لها، وقَد أشرفت المَس بيل بنفسها على أعمال تأهيل بناية المَتحف الجديدة وصيانتها بما يلائم العرف المَتحفي، وأفتتح المَتحف في 14 حزيران، 1926 في تمام الساعة الثامنة صباحاً، وحضر حفل الافتتاح الملك فيصل الأول وعدد من شخصيات المجتمع البارزة والشخصيات البريطانية.
    المتحف العراقي في بنايته الجديدة
    في عام 1957، ضاق مبنى المُتحف في شارع المأمون وأرادت الحكومة العراقية أن تخصص بناية جديدة تتصف بمواصفات متحفية عالمية تضم آثار العراق، ولهذا بني المبنى الجديد ونُقلت مجموعات القُطع الأثرية إليه، والمبنى مكون من طابقيين، تبلغ مساحته 45،000 متر مربع، ويقع بين حي الصالحية ومنطقة العلاوي، في منطقة الكرخ الواقعة على الجانب الغربي لنهر دجلة، وقد وضع تصاميم المبنى الجديد مهندس ألماني، وأشرف على بنائه مهندسون عراقيون، وأنجزته شركة لبنانية التي بدأت عام 1957 وانتهت منه عام 1963. وافتتح في 9 تشرين الثاني، 1966، وإنطلاقاً من هذه الخطوة تم تسمية المتحف بـالمتحف الوطني العراقي وكان في السابق يعرف باسم متحف بغداد للآثار.
    وتخلل عن المشروع مساحات خضراء ومساحات مكشوفة وزين الركن الجنوبي منه ببرج مربع الشكل بارتفاع يبلغ 17 متر ومساحته السطحية 130 متراً مربعاً وزينت بناية المتحف من الداخل بزخارف عباسية وآندلسية، فيما بلغ مجموع قاعات المَتحف آنذاك (13 قاعة) متباينة المساحة احتضنت (158) خزانة عرض حديثة.

    مكتبة المَتحف العراقي
    تأسست مكتبة المتحف العراقي عام 1933، حيث كانت في بدايتها قاعة من قاعات المديرية وصنعت لها خزانات قليلة وقد أنيطت إدارتها وأسند الاشراف عليها حينذاك بموظف يتعهدها ويهتم بها. وهي عبارة عن المجموعات التالية:

    مجموعة من هدية الآباء الكرمليين في بغداد، وهي هدية نفيسة عظيمة الشأن تتألف من المكتبة الحافلة التي جمعها العلامة اللغوي الأب انستاس ماري الكرملي المتوفى عام 1947، وتتألف هذه المكتبة من آلاف المجلدات المطبوعة والمخطوطة، وان ما تفضلوا بإهدائه يتألف من ستة آلاف مجلد مطبوع وألف وثلاثمائة وخمسة وثلاثين مجلدا مخطوطا. ومجموعة هدية الشريف حازم في عام 1950 وهذه الهدية عبارة عن شطر من مكتبته النفيسة وقد بلغ ما أهداه زهاء ألف مجلد من المطبوعات العربية تتناول موضوعات تأريخية وأدبية ودينية ولغوية.ومجموعة هدية المتحف البريطاني في عام 1946 حيث أهدى المتحف البريطاني إلى مكتبة المتحف العراقي زهاء أربعمائة مجلد من مطبوعاته ويدور معظمها حول الآثار والتأريخ وفهارس الكتب المطبوعة والمخطوطة.
    ويذكر الدكتور صباح الناصري في مدونته الوثائقية (بين دجلة والفرات) في مقاله الموسوم (تـمـثـال جـرتـرود بـيـل في الـمـتـحـف الـعـراقي) :
    تـبـنّـت الـمـس جـرتـرود بـيـل مـنـذ عـام 1923 مـشـروع تـأسـيـس مـتـحـف وطـني عـراقي لـحـفـظ الـمـجـمـوعـات الأثـريـة الّـتي تـراكـمـت عـامـاً بـعـد عـام في قـاعـات الـسّـراي الـقـديـمـة.
    وفـتـح الـمـتـحـف، الّـذي سـمي بـالـمـتـحـف الـعـراقي، أبـوابـه لـلـزوّار في حـزيـران 1926. وكـانـت بـنـايـتـه قـلـيـلـة الـسّـعـة في الـبـدايـة.

    وفي بـغـداد، تـوفـيـت (الـخـاتـون)، كـمـا كـان الـبـغـداديـون يـسـمـون الـمـس جـرتـرود بـيـل، في 12 تـمّـوز 1926، قـبـل يـومـيـن مـن بـلـوغـهـا الـثّـامـنـة والـخـمـسـيـن مـن عـمـرهـا. وكـانـت قـد أوصـت أن تـدفـن في بـغـداد، فـدفـنـت في مـقـبـرة الأرمـن في الـبـاب الـشّـرقي.

    وقـد نـصـبـت في ذكـراهـا، في مـدخـل الـمـتـحـف الـعـراقي، لـوحـة مـن الـبـرونـز فـوقـهـا تـمـثـال نـصـفي لـهـا. وعـلى الـلـوحـة نـصّ بـالـلـغـة الإنـكـلـيـزيـة في نـصـفـهـا الأيـسـر، وتـرجـمـتـه إلى الـلـغـة الـعـربـيـة في الـنّـصـف الأيـمـن.

    صـورة لـحـفـل إزاحـة الـسّـتـارة عـن الـلـوحـة والـتّـمـثـال. ولـم أجـد تـاريـخ إقـامـة هـذا الـحـفـل بـالـضّـبـط.نـرى في الـصّـورة الـمـلـك فـيـصـل الأوّل واقـفـاً أمـام الـلـوحـة الّـتي مـا زالـت تـغـطّـيـهـا الـسّـتـارة، يـرتـدي مـعـطـفـاً فـاتـح الـلـون، يـبـدو مـعـطـفـاً واقـيـاً مـن الـمـطـر، وعـلى رأسـه”سـدارة”. ويـبـدو مـن وجـوه الـحـاضـريـن، الـعـراقـيـيـن والأجـانـب، الـنّـاظـريـن إلـيـه أنّـه كـان يـلـقي كـلـمـة بـهـذه الـمـنـاسـبـة. ووقـف عـلى يـمـيـنـه الـمـنـدوب الـسّـامي الـبـريـطـاني.
    والّـذي يـظـهـر في الـصّـورة يـمـكـن أن يـكـون الـسّـيـر هـنـري دوبـس Sir Henry Dobbs الّـذي شـغـل هـذا الـمـنـصـب في الـعـراق مـن 1923 إلى 1928، أو الـسّـيـر جـلـبـرت ف. كـلايـتـون Sir Gilbert Falkingham Clayton الّـذي شـغـلـه مـن 1928 إلى 1929، أي مـبـاشـرة قـبـل الـسّـيـر هـمـفـريـز.
    ويـبـدو مـن الـمـعـاطـف الّـتي يـرتـديـهـا الـحـاضـرون أنّ الـحـفـل جـرى في طـقـس شـتـائي بـارد.
    ونـرى الـمـنـدوب الـسّـامي مـرتـديـاً مـعـطـفـاً غـامـق الـلـون يـمـسـك قـبـعـتـه بـيـديـه الـلـتـيـن يـغـطـيـهـمـا قـفـازان. أمـا عـلى يـسـار الـمـلـك، فـقـد وقـف وزيـر الـمـعـارف عـبـد الـحـسـيـن الـجـلـبي مـرتـديـاً زيّـاً غـامـقـاً مـمـا يـلـبـسـه الأوربـيـون في الإحـتـفـالات الـرّسـمـيـة، بـسـتـرة طـويـلـة مـذيّـلـة (أي يـنـسـدل أسـفـلـهـا إلى مـنـتـصـف الـفـخـذيـن تـقـريـبـاً). ولـكـنّـه يـتـمـيّـز عـن الـمـدعـويـن الأجـانـب بـأنّ عـلى رأسـه”سـدارة”سـوداء بـدلاً مـن الـقـبـعـة.

    ونـلاحـظ أنّ الأجـانـب، ومـن ضـمـنـهـم الـمـنـدوب الـسّـامي، خـلـعـوا قـبـعـاتـهـم مـن عـلى رؤوسـهـم احـتـرامـاً، كـمـا هي الـعـادة في مـثـل هـذه الـمـنـاسـبـات، بـيـنـمـا أبـقى الآخـرون”الـسّـدارات”الـ مـدنـيـة والـعـسـكـريـة (وحـتّى الـطـربـوش الّـذي نـلـمـحـه بـيـن الـمـلـك والـوزيـر) عـلى رؤوسـهـم.
    ولا شـكّ في أنّـه كـان مـن بـيـن الـحـاضـريـن أحـد عـالـمَي الآثـار الـبـريـطـانـيَـيـن : ريـشـارد س. كـوك الّـذي تـولى إدارة الـمـتـحـف مـن بـعـد وفـاة الـمـس بـيـل عـام 1926 إلى أن نُـحي عـنـهـا في 1929، أو سـيـدني سـمـيـث Sidney Smith الّـذي خـلـفـه في إدارة الـمـتـحـف مـن 1929 وإلى 1931. ولـم أسـتـطـع أن أتـعـرّف عـلى الـواحـد مـنـهـمـا أو الآخـر مـن بـيـن الـحـاضـريـن لأني لـم أجـد ولـو صـورة شـخـصـيـة واحـدة لأيّ مـنـهـمـا في الـمـراجـع الّـتي لـديّ عـن عـلـمـاء الآشـوريـات.
    ونـلاحـظ في حـوش الـمـتـحـف، عـلى جـانـبي الـمـدخـل تـمـثـالَـيـن ضـخـمـيـن كـان قـد عـثـر عـلـيـهـمـا في مـعـبـد الإلـه نـبـو، في مـوقـع نـمـرود، جـنـوب الـمـوصـل. وقـد تـكـلّـفـت بـنـقـلـهـمـا إلى الـمـتـحـف شـركـة الـنّـفـط The Iraq Petruleum Company.
    والـتّـمـثـال الـبـرونـزي بـالـحـجـم الـطّـبـيـعي، لا نـعـرف اسـم نـحّـاتـه مـعـرفـة أكـيـدة. ونـعـرف مـن الّـنّـصّ الـمـنـقـوش عـلى الـلـوحـة الـبـرونـزيـة أنّ أصـدقـاء الـمـس بـيـل هـم الّـذيـن أقـامـوه”بـإذن مـن الـمـلـك والـحـكـومـة”. ويـبـدو لـنـا مـنـطـقـيـاً أنّـهـم اخـتـاروا نـحّـاتـاً بـريـطـانـيـاً لـتـنـفّـيـذه.
    ولـكـن يـذكـر الـبـعـض أنّ الـمـلـك فـيـصـل هـو الّـذي طـلـب نـحـتـه، وأنّـه كـلّـف بـهـذه الـمـهـمـة الـنّـحّـات الإيـطـالي بـيـتـرو كـانـونـيـكـاPietro CANONICA الّـذي نـفّـذ بـعـد ذلـك، في عـام 1933 تـمـثـالاً مـن الـصّـخـر لـلـمـلـك فـيـصـل بـالـمـلابـس الـعـربـيـة مـمـتـطـيـاً صـهـوة حـصـانـه، وتـمـثـالاً بـرونـزيـاً لـمـحـسـن الـسّــعـدون. وهـذا يـنـاقـض مـا جـاء في نـصّ الـلـوحـة الّـتي تـصـاحـب الـتّـمـثـال، كـمـا سـبـق أن رأيـنـا.

    وعـلى الـلـوحـة، كـمـا سـبـق أن ذكـرنـا، نـصّ بـالـلـغـة الإنـكـلـيـزيـة في نـصـفـهـا الأيـسـر، وتـرجـمـتـه إلى الـلـغـة الـعـربـيـة في الـنّـصـف الأيـمـن.
    ونـقـرأ تـرجـمـتـه (الـتّـقـريـبـيـة) إلى الـعـربـيـة عـلى الـيـمـيـن :

    “كـرتـرود بـيـل الـتي لـذكـرهـا عـنـد الـعـرب كـل إجـلال وعـطـف أسـسـت هـذا الـمـتـحـف سـنـة 1923بـصـفـتـهـا الـمـديـرة الـفـخـريـة لـلـعـاديـات في الـعـراق وجـمـعـت الأشـيـاء الـثـمـيـنـة الـتي يـحـتـويـهـا بـإخـلاص وعـلـم دقـيـق واشـتـغـلـت بـهـا مـدى حـر الـصـيـف إلى يـوم وفـاتـهـا
    في 12 تـمـوز سـنـة 1926الـمـلـك فـيـصـل وحـكـومـة الـعـراق قـد أمـرا لـهـا شـكـراً عـلى أعـمـالـهـا الـكـبـيـرة في هـذه الـبـلاد بـأن يـكـون الـجـنـاح الـرئـيـسي بـاسـمـهـا وبـإذن مـنـهـمـا قـد أقـام أصـدقـاؤهـا هـذه الـلـوحـة”.

  2. #72
    من أهل الدار
    تاريخ دار المعلمين العالية في بغداد ١٩٢٣ - ١٩٥٨



    تاريخ دار المعلمين العالية في بغداد ١٩٢٣ - ١٩٢٨


    ا.د. ابراهيم خليل العلاف
    استاذ متمرس –جامعة الموصل

    إن الحاجة إلى دار معلمين عالية ، أو الحاجة إلى دار عالية للمعلمين والمدرسين في العراق بدت ملحة وضرورية بعد اتساع فتح مدارس متوسطة وثانوية اثر تشكيل الدولة العراقية الحديثة سنة 1921 . وحيث لم يكن في العراق آنذاك أساتذة من ذوي التأهيل العالي للتدريس في تلك المدارس ، ارتأى المسؤولون في وزارة المعارف ( التربية) فتح صف مسائي سنة 1923 كتدبير مؤقت ، واتخذ هذا الصف الطابق العلوي من المدرسة المأمونية في بغداد مقرا للمدرسة الجديدة التي أصبح يشرف عليها المربي المعروف الأستاذ ساطع ألحصري (1888 ـ1968) رحمه الله . وقد قبل في هذا الصف (11) طالبا فقط ، وهم يشكلون (الدورة الأولى) لتلك المؤسسة التعليمية الجديدة ،ويعدد الأستاذ عبد الرزاق الهلالي أسماء الطلاب الذين تخرجوا من الصف المسائي ويقول أنهم كانوا من معلمي ومدراء المدارس الابتدائية وهم سعيد فهيم ، وعباس فضلي ، وسلمان الشواف ، وعبد الكريم جودت ، وشفيق سلمان ، وعوني بكر صدقي ، وصديق الخوجة ، ومحمد علي الخطيب ، وعبد الرزاق لطفي ، وسعيد أيوب ، وهاشم الالوسي .
    وفي السابع من تشرين الأول / أكتوبر سنة 1923 ، فاتحت وزارة المعارف مجلس الوزراء بكتاب جاء فيه أن ((ثمة حاجة شديدة إلى تكثير المدارس الثانوية ، سيما الصفوف الأولى والثانية منها في السنين المقبلة ، وسنضطر إلى صفوف كهذه وتأسيس مدارس متوسطة بين الابتدائية والثانوية في المراكز المهمة كالعمارة ، والنجف الاشرف ، والناصرية ، وكربلاء المقدسة ، والواجب علينا أن نفكر في استحضار المعلمين اللازمين لهذه التأسيسات المستقبلية من الآن ، وقد رأينا أن نؤسس دار عالية للمعلمين لايقبل فيها إلا من كان متخرجا من دار المعلمين الابتدائية ، أو من مدرسة ثانوية على ان تكون مدة الدراسة فيها سنتين بحساب ( 12) درسا في الأسبوع ، وتفتح هذه المدرسة شعبة (صف) لتخريج معلمين للدروس الطبيعية ، وشعبة لتخريج معلمين للدروس التاريخية والجغرافية وتدرس في شعبة الطبيعيات الدروس الآتية : الفيزياء ، الكيمياء ، الحيوان ، النبات ، طبقات الأرض ( جيولوجيا) ، الصحة ، الزراعة ، ويدرس في شعبة التاريخ والجغرافية ، التاريخ العام وتاريخ العرب ، وتاريخ الحضارة ، والجغرافية الاقتصادية ، والجغرافية الطبيعية وجغرافية العراق ، وعلم الاقتصاد ،وعلم الاجتماع ، والسياسة ، وفي كلتا الشعبتين تدرس التربية ، وفلسفة العلوم وتاريخها )) .
    وبصدد الأجور الدراسية ، فقد قررت على الطلاب لسد ((المصاريف المقتضبة ، وسوف لانطلب من وزارة المالية مخصصات لهذا الغرض ، ولن ندخلها في الميزانية ، حتى نتبين الوارد من المصروف فعلا .. )) وقد وقع على الكتاب آنذاك وزير المعارف الشيخ محمد حسن ال أبي المحاسن ، أما رئيس الوزراء فكان جعفر باشا العسكري .
    اتخذ مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة في الأول من كانون الأول / ديسمبر 1923 قرارا بقبول الاقتراح ومما جاء في القرار أن مجلس الوزراء قرر قبول اقتراح وزارة المعارف القاضي بإحداث مدرسة عالية للمعلمين ، وان يستوفي من كل طالب يدخل هذه المدرسة ( 15 ) روبية في الشهر ، وكانت الروبية آنذاك تساوي 75 فلسا عراقيا . وان لاتتكبد الخزينة مصاريف إضافية من جراء فتح هذه المدرسة سوى الأجور التي تستوفي من الطلاب .
    افتتح باب القبول في دار المعلمين العالية بعد اتخاذ الترتيبات والتحضيرات اللازمة .. وقبل معلمي المدارس الابتدائية الراغبين في إعداد أنفسهم للتأهيل العالي ، فالتحق بها بعد الـ (11) طالبا (الوجبة الأولى) ، عدد آخر من الطلاب عدوا (الوجبة الثانية) منهم : محمود شكري ، وسعيد صفو ، ووديع سرسم ، ومصطفى علي ثروت ، وعبد الأحد سرسم ،وعبد الحميد الخطيب ، ونسيم سلمان ، وإبراهيم حسون ، وسعيد فتوحي ، وصبحي ناحوم ، وشاكر على العاني ، وإبراهيم شوكت ، وجميل رؤوف ، وحامد مصطفى ، ومحمود الحاج علي ، وعبود مهدي زلزلة ، وذو النون أيوب ، ودانيال كساب ، وموسى الشماع ، وداؤد الصائغ ، ورفيق نوري السعيدي ، وسليم محمود ، ومحمد باقر حسين ، وضياء الدين شكارة ، وفخر الدين احمد ، وعبد القادر البند نيجي ،وذوالنون أيوب ،ونسيم سلمان ،وإبراهيم حسون ،وسعيد فتوحي ،وعبد القادر محمد ،وتوفيق فتاح ،ودانيال كساب ،وصبحي ناحوم .ولما ازداد عدد الطلبة ولم تعد بناية المدرسة المامونية تستوعبهم ،انتقلت الدار إلى بناية المدرسة الثانوية .
    كانت الدراسة مسائية وظلت كذلك حتى سنة 1927 ، حين أصبحت نهارية ، ولم يقبل في الدار بعد ذلك ، إلا خريجو الدراسة الثانوية ، وقد عين الأستاذ طالب مشتاق عميدا لدار المعلمين العالية وكالة ، ثم عين الدكتور ناجي الأصيل ، عميدا . أما الأساتذة فكانوا عند التأسيس :
    1 . ساطع ألحصري ، لتدريس علم النفس وفلسفة العلوم وأصول التدريس
    2 . عبد اللطيف ألفلاحي ، لتدريس التأريخ العام والحديث
    3 . طه الراوي ، لتدريس تأريخ العرب والإسلام
    4 . يوسف غنيمة ، لتدريس تاريخ المدن العراقية
    5 . وديع اسعد ، لتدريس الجغرافية الاقتصادية
    6 . هاشم السعدي ، لتدريس جغرافية العراق
    7 . وديع عبد الكريم ، لتدريس جغرافية العراق
    8 . عز الدين علم الدين ، لتدريس الكيمياء والتاريخ الطبيعي
    وفي العام الدراسي 1927 ـ 1928 كان ملاك دار المعلمين العالية كما يلي :

    1. ساطع ألحصري ، لتدريس مادة التربية وعلم النفس والاجتماع
    2 . ناجي الأصيل لتدريس مادة تاريخ الحضارة
    3 . معروف الرصافي لتدريس مادة آداب اللغة العربية
    4 . جلال زريق لتدريس مادة الرياضيات
    5 . وديع عبد الكريم لتدريس مادة الفيزياء
    6 . تحسين إبراهيم لتدريس مادة الكيمياء
    7 . شوقي الدندشي لتدريس مادة تاريخ الإسلام
    8 . محمد خورشيد(وهو الشاعر محمد العدناني ) لتدريس مادة اللغة الانكليزية
    كان لساطع ألحصري دور كبير في إنشاء وتنظيم دار المعلمين العالية ، فقد حرص باستمرار على إدخال الإصلاحات إلى هذا المعهد وتطويره وتزويده بالمختبرات والأثاث واللوازم المختلفة ، وفي سنة 1927 فتح في دار المعلمين العالية ، فرع للرياضيات قبل فيه عشرة طلاب من خريجي المدارس الثانوية . وكان ألحصري وراء اختيار الأساتذة الكفوئين من العرب والعراقيين للتدريس في دار المعلمين العالية . وخلال السنة الدراسية 1926 ـ 1927 ، اضطرت وزارة المعارف ، نتيجة لحاجتها إلى المدرسين ، استخدام طلاب دار المعلمين العالية قبل أن يكملوا دراستهم ، فكانوا يقضون نصف أوقاتهم في الدراسة والنصف الباقي في التدريس ،وقد أصبح في دار المعلمين العالية ثلاثة فروع ، هي فرع العلوم الطبيعية ، وفرع العلوم التاريخية والجغرافية (الاجتماعيات) ثم فرع الرياضيات . وكان سبب اقتصار الدار على هذه الفروع يرجع إلى حاجة المدارس الثانوية إلى مدرسين أكفاء في تلك الاختصاصات أكثر من حاجتها إلى مثلهم في الميادين الأخرى .
    أشارت المصادر البريطانية إلى أن الشعور الوطني المعارض لكل اقتراح بتعيين مدرسين أجانب للمدارس الثانوية وكذلك قلة تكاليف أعداد المدرسين داخل العراق ، بالمقارنة إلى تعيين الأجانب كان وراء إنشاء دار المعلمين العالية وقد ارتبط بإنشاء الدار، بدء المحاولات لتوسيع دائرة التعليم الثانوي. وتعد سنة 1925 نقطة تحول في تاريخ التعليم الثانوي في العراق ، إذ بدأت في هذه السنة حركة لتوسيع نطاق هذا التعليم ، إذ استعانت وزارة المعارف بالأهالي لمساعدتها ماليا في فتح مدارس متوسطة وثانوية في مناطق مختلفة من العراق . وفي السنة الدراسية 1925 ـ 1926 ابتدأت الامتحانات العامة (البكالوريا) للدراسة الثانوية في العراق لأول مرة .
    عندما تأسست جامعة آل البيت ببغداد في الخامس عشر من آذار / مارس 1924 وعين الأستاذ فهمي المدرس رئيسا للجامعة ، ضمت دار المعلمين العالية إلى الجامعة ، إلى جانب مدرستي (كليتي) الحقوق والهندسة ، والكلية الدينية . لكن عقد الجامعة سرعان ما انفرط عندما ألغيت سنة 1930 ، فعادت الكليات إلى وضعها السابق مستقلة بعضها عن البعض الآخر .
    وفي السنة الدراسية 1930 ـ 1931 نفسها ، اقترحت لجنة الأمور المالية إلغاء دار المعلمين العالية ، فاستجابت وزارة المعارف لذلك، وقررت غلق أبواب الدار بحجة انخفاض مستواها ومستوى هيئة التدريس فيها . كما تقرر التعويل على ( البعثات العلمية) في الحصول على المدرسين والمدرسات ، وكان عد طلاب الدار عند إلغائها (44) طالبا منهم (25) طالبا في الصف الأول و(19) طالبا في الصف الثاني . وقد عين المتخرجون منهم مدرسين على الملاك الثانوي . أما الذين لم يكملوا دراستهم، فقد عين بعضهم على الملاك الثانوي، والباقون على المـلاك الابتدائي . ولم تفتح الدار ثانية إلا في سنة 1935. وفي سنة 1939 أصبحت مدة الدراسة في دار المعلمين العالية أربع سنوات يمنح الطالب في نهايتها ليسانس في العلوم أو الآداب أو التربية، ويرتبط إلغاء دار المعلمين في أوائل الثلاثينات من القرن الماضي إلى سياسة نوري السعيد التي استهدفت تقليص التعليم الثانوي والاعتماد على البعثات العلمية خارج العراق ،وخشية السلطة الحاكمة آنذاك من الدور السياسي الذي بات يلعبه طلبة دار المعلمين العالية والمعاهد العالية الأخرى باعتبارهم جزءا من الحركة الوطنية العراقية . هذا فضلا عن أن سلطات الانتداب البريطاني المفروض آنذاك على العراق، لم تكن تشجع على التوسع في التعليم العالي لأسباب سياسية يتعلق معظمها بالخوف من اشتداد الوعي الوطني، وتنامي الشعور القومي والديموقراطي بين الطلبة في العراق .
    تحدث الأستاذ عبد الرزاق الهلالي عن دار المعلمين العالية، فقال أن الذين تخرجوا في سنة إلغاء الدار هم فرنسيس بدرية ، وعبد القادر جميل ، وجواد الجصاني ، وناجي يوسف ، ومحمد علي راجي كبة ، وصالح كبة ، وصبحي علي ، وبشير اللوس ، وكامل صالح ،وعبد الغني الجرجفجي وبشير فرنسيس ، وعبد الستار فوزي ، وعبد الهادي المختار ، وإبراهيم محمد نوري ، وكانت رواتب الذين يكملون الدراسة في دار المعلمين العلية ( 16,875) دينار شهريا . أما الذين لم يكملوا الدراسة ، فكانوا يعينون معلمين في المدارس الابتدائية براتب شهري قدره (14,250) دينار شهريا .
    وأضاف الهلالي يقول أن دار المعلمين العالية استقبلت أول وجبة من الفتيات العراقيات في مطلع السنة الدراسية 1937 ـ 1938 وذلك في عهد عميدها الدكتور متي عقراوي . وكن (8) فتيات منهن أديبة إبراهيم رفعت ، وبدرية علي ، وعزة الاستربادي ، وزهرة ألجلبي ، وفخرية محمد علي . والبنات كن يأتين الدار ، وكل واحدة منهن تلبس العباءة العراقية ، ويعضهن كن يضعن ( البوشي) على وجوههن . وعند وصولهن الدار ينزعن العباءة ويتحررن من البوشي وكن يجلسن في الصفوف المتقدمة (الأولى) من المقاعد ،وخلفهن يجلس الطلاب وكان وجودهن في الصف باعثا على الهدوء والاحترام وتجنب العبث والمزاح .
    أما الأستاذ الدكتور حسين علي محفوظ ، وكان احد طلاب دار المعلمين العالية أي من الطلاب الذين يطلق عليهم ( الدر معيون) ، فقد كتب عن دار المعلمين العالية في ذكراها الستينية ( خريف 1983) يقول انه قدم إلى رئيس جامعة بغداد في السبعينات من القرن الماضي مقترحا لإحياء ذكرى تأسيس دار المعلمين العالية ، فاستجاب، وأعد الدكتور محفوظ منهاجا واسعا لإحياء الذكرى لكن المنهاج ضاع وكان يتضمن نبذة عن تأسيس دار المعلمين العالية وموجز تاريخها وأسماء عمدائها وقائمة مرتبة على السنين بالأوائل من خريجيها .وقد أسف على ضياع ذلك. وفي جريدة العراق (البغدادية) العدد الصادر يوم 3 شباط ،1985 نشر الدكتور محفوظ جانبا في ذكرياته عن دار المعلمين العالية ، وذكر انه نظم قصيدة خاطب بها الدار في 12 تشرين الثاني / نوفمبر 1949 قائلا :
    يا دار صحبي وحسبي
    أني إلى الدار أنمي
    ويا أهيل ودادي
    أورثتموني سقما
    ويا أحبابي رفقا
    تركتم الكلم يدمى
    وقال: (( كانت دار المعلمين العالية شيئا خاصا في المعاهد يمثل التعليم العالي في إطار أسرة متحابة تضم الأساتذة والطلبة والموظفين والعاملين تجمعه الدار . وقد ترك رباط الأسرة أثرا كبيرا في مشاعر خريجي دار المعلمين العالية يشبه القرابة وربما زاد عليها . وقد ظل ( الدر معيون) يحسون عمق المودة والحب والقربى حتى الآن رغم تباعد الزمن وتقدم العهد . ولفظ ( دار المعلمين العالية) عند خريج الدار يعني ( حنينه أبدا لأول منزل) وذكريات سنين أربع عامرة بالدروس والمواسم والمشاكل والظرائف واللطائف والطرائـف والحب)) .
    لقد كانت دار المعلمين العالية، في نظر الدكتور محفوظ وكل خريجيها ،(( بيتا جميلا ، وأسرة لطيفة وعائلة متآلفة تربط أعضاءها الصداقة والزمالة والدراسة ،وتشدهم المحبة والمودة والرفعة . تؤلف بينهم قاعاتها وساحاتها ورحبها ، وتجمعهم حجراتها وغرفها وحدائقها . ويلتقون في مطعمها وتؤنسهم أحاديث مائدتها صباحا ومساء وتضم غرفات النوم في القسم الداخلي أجنحتها عليهم ليلا إذا اشتد الظلام ، ويطيب حمامها أجسامهم في الجمعات كل أسبوع . وقد تعطر نسمات الدار أحيانا اسارى الهوى يخفون الفتون ، ثم تنم عليهم الآهات والحسرات ، ويشي بهم الوله ، وتشهد عليهم النظرات ، وتدل عليهم الدموع ، وهي حالات كانت تعبق بالعفة ، والصدق ، والأمانة والنزاهة ، وكنا ننظر إلى أصحابها بإشفاق ورحمة ورأفة)) .
    ويستطرد الدكتور محفوظ مع ذكرياته في دار المعلمين العالية، ويعدها ((أم المدارس)) و((نواة الجامعة)) و ((من أمهات معاهد الثقافة والمعرفة والمركز الأول لتخريج رجال العلم والأدب في العراق)) .ثم يقول (( دخلت دار المعلمين العالية في خريف سنة 1944، وحييتها في اللقاء الأول يوم 5 تشرين الثاني 1944 بقصيدة مطلعها :
    أورق العود وازدهى النوار
    وطوى معصم الرياض سوار
    وكانت هذه الأبيات بداية التعريف بي شاعرا في الدار .

    وقد كان شعراء الدار في الأربعينات نخبة يخطر ببالي منهم (الدكتور )عبد الجبار ألمطلبي،و(الدكتورة) عاتكة الخزرجى ،والشاعر بدر شاكر السياب ،والأستاذ شاذل طاقة ،والسيدة لميعة عباس عمارة ،والأستاذ عبد الرزاق عبد الواحد ،والشاعر العربي الأستاذ احمد مجيد العيسمي من سوريا )) .كانت دار المعلمين العالية بالنسبة لخريجيها بمنزلة (الأم )،وكانت شيئا خاصا وقد ظل (الدر معيون )يحسون عمق المودة والحب والقربى التي تجمعهم حتى الآن رغم بعد الزمن وتقادم العهد )) .

    أما عبد الرزاق عبد الواحد فقد تحدث عن بعض ذكرياته في دار المعلمين العالية وقال عنها انها قد خرجت (عمالقة) العراق في الادب والسياسة والثقافة والعلوم والتربية .وأضاف انه دخلها سنة 1947 وكانت ابنة خاله الشاعرة لميعة عباس عمارة قد سبقته وقد عرفته ببدر شاكر السياب الذي استقبله بحفاوة لأنه كان يحب لميعة آنذاك وقال أن الدار اعتادت أن تنظم كل عام دراسي مربدا للشعر، وتعظم دور الدار في حياة العراق الثقافية والسياسية بعد وثبة كانون الثاني 1948 التي اندلعت ضد معاهدة بورتسموث .كما تصاعدت النزعات القومية والماركسية بين طلبة الدار وتفاقم التوجه نحو الدعوة إلى تحرر المرأة وألقت لميعة عباس عمارة قصيدتها المشهورة (أنا وعباءتي ).كما ألقى عبد الرزاق عبد الواحد أول قصيدة له في ذلك المربد ونشرتها له جريدة الوطن لصاحبها السياسي المعروف عزيز شريف وقد حملت القصائد التي ألقيت آنذاك مضامين وطنية تحررية. ولم يكن الشعر في دار المعلمين العالية بعيدا عن مطالب الحركة الوطنية العراقية الداعية إلى التمرد ضد الإقطاع والرجعية والاستعمار وأعوانه ،والى شيى من هذا القبيل يشير عبد الوهاب البياتي في حديث له مع فراس عبد المجيد رشيد في كانون الثاني 1995 عندما يقول : (( كانت دار المعلمين العالية ،بؤرة ثقافية كبيرة، انصهر فيها الكثير من التيارات الثقافية والشعرية ،وكان مثلا السياب ونازك الملائكة من طلبة الدار ،أي من الذين تخرجوا من تلك الدار ... )) . أما عبد الله بن يحيى السر يحي فيقول عن دار المعلمين العالية، وهو يتابع مسيرة احد خريجيها سنة 1946 الأستاذ الدكتور إبراهيم السامرائي أستاذ اللغة العربية المشهور (1916 -2001 ) : ((وقد خرجت دار المعلمين العالية أفذاذ وعباقرة علماء وأدباء العراق في العصر الحديث ،إذ كان مستوى الدراسة والتدريس فيها عاليا ومتميزا ،وكان مدرسوها صفوة رجال العلم في العراق ومصر والشام )) .
    ويقيم الأستاذ الدكتور عبد الإله الصائغ اثر دار المعلمين العالية في حياة العراق الثقافية العاصرة فيقول ان دار العلمين العالية كانت ((منبرا تنويريا مهما ،ولم تكن لتقتصر على الدراسة بل كانت المواسم الشعرية والمباريات والنشرات الجدارية سمتها البارزة .فضلا عن وجود أساتذة عظماء ..علما وادبا ودعاة للتجديد ...وقد تخرج فيها شعراء صاروا نجوما فيما بعد وأكثر هؤلاء كانوا من رواد الشعر الحر أو رواد التجديد في الشكل التقليدي نذكر منهم نازك الملائكة ،وسليمان العيسى ،وعلي جواد الطاهر ،وعاتكة الخزرجي ،وعبد الوهاب ألبياتي ،ورزوق فرج رزوق ،وعبد الجبار ألمطلبي ،ولميعة عباس عمارة ،وشاذل طاقة ،ومحمد جميل شلش ،وعبد الرزاق عبد الواحد ،وكانت المنافسة على أشدها بين أومن الشعراء والأدباء أيام التلمذة ،بل ان بعضهم كتب أجمل قصائده في تلك الأيام ... )) .

    وينقل الدكتور الصائغ عن الشاعر السوري سليمان العيسى وهو أحد ابرز طلبة دار المعلمين العالية تخرج فيها سنة 1947 قوله : ((ولدت عام 1921 ودخلت دار العلمين العالية في بغداد عام 1944 وتخرجت فيها عام 1947 ...كنت قد قدمت من سوريا (الاسكندرونة ) ،وليس لدي أصدقاء بعد من العراقيين ،وكانت الدار تجري مقابلة للطلبة الجدد وقد اتخذت لجنة القابلة من غرفة العميد الدكتور متي عقراوي مقرا لها وعلى باب العميد ...تعرفت على شاب نحيل خجول هو بدر شاكر السياب وهكذا جمعنا فصل واحد ومقعد دراسي واحد ...أما نازك الملائكة فقد تخرجت من الدار قبل دخولنا إليها بأربع سنوات بيد أنها كانت تزور الدار في بعض المناسبات ...وبقية زملائي هم ديزي الأمير ،ومحمد علي إسماعيل (من البصرة )ورمزه عبد الأحد واحمد قاسم الفخري (من الموصل )وكان اقرب الزملاء إلى نفسي ...أما الشاعر عبد الجبار ألمطلبي فكان قد سبقنا بعام أو عامين ...وثمة الشاعر خالد الشواف فهو لم يزاملنا في الدار بيد انه كان يزورنا ...والخيمة التي كانت تظلل جماعة الدار من رواد الشعر الحر فكانت قهوة عرب على طريق الوزيرية ،كنا نلتقي فيها لنشرب الشاي ونتناقش في الشعر ونحضر دروسنا ...

    أما الشعراء لميعة عباس عمارة وعبد الوهاب ألبياتي وشاذل طاقة فقد جاؤا الدار ودخلوا السنة الأولى وكنت وبدر شاكر السياب في السنة الرابعة ..والشاعرة عاتكة الخزرجي جاءت في مرحلتها الدراسية بالدار بعدنا لكنها سبقت عبد الوهاب ألبياتي ولميعة عباس عمارة فهي متوسطة بيننا ...ولم تسهم في إلقاء شعرها على طلبة الدار إلا مرة أو مرتين...)) .
    ويختم سليمان العيسى شهادته عن الدار بقوله )): ويمكنني القول ان دار المعلمين العالية رزقت أساتذة كبارا ،أثروا في الطلبة تأثيرا واضحا .فضلا عن ان الطلبة الذين تتلمذوا عليهم كانوا جملة مواهب كبيرة .أما الأساتذة فهم الدكتور متي عقراوي عيد الدار حين كنا في السنة الاولى وخالد الهاشمي عميد الدار بعد الدكتور عقراوي وبقي بعد تخرجنا والدكتور مصطفى جواد والدكتور محمد مهدي البصير وزوجته الفرنسية مدام البصير وأستاذ انكليزي اسمه المستر وود والأستاذ طه الراوي والأستاذ حسن الدجيلي والدكتور عبد العزيز الدوري والدكتور عزا لدين ال ياسين والمعيد الأستاذ جاسم محمد ... )) .
    ويقول الأستاذ العيسى:(( إن الدكتور محمد مهدي البصير شكل لجنة ثقافية بإشرافه ورعايته كان ابرز أعضائها السياب والعيسى .وقد وجهت اللجنة دعوة للشاعر محمد مهدي ألجواهري فاستجاب على الفور وأقمنا له (صباحية شعرية )قرأ فيها ألجواهري عشرا من قصائده الثورية والغزلية ،ولم تعبأ اللجنة الثقافية بموقف الدولة المعادي للجواهري ))

    وكانت الدار ترتدي أزهى حللها في يوم المولد النبوي ،إذ تقام الاحتفالات ويقرأ الشعراء السياب والعيسى والبياني ولميعة وآخرون قصائدهم ،وكان يحضر القراءات الشعرية أركان الدولة العراقية ، (( وحين قرأت في يوم المولد النبوي سنة 1946 قصيدتي التي أتوعد حكام العراق بانتفاضة تثأر لشهداء ثورة مايس 1941 كان معظم أركان الدولة حاضرا ،الوصي على عرش العراق الامير عبد الاله ووزير الخارجية الدكتور محمد فاضل الجمالي ،وقد ورد في قصيدتي
    فحذار انفجارهن حذار
    العفاريت في الزجاج لهيب
    أنا أخشى انتفاضة تغسل
    الفردوس غسلا من ألأذى والعار
    غضب الوصي وطلب إلى العميد الدكتور خالد الهاشمي أن يفصلني ،بيد أن العميد هدا من روعه وقال له إن سليمان العيسى طالب سوري هجر من الاسكندرونة وإذا فصلناه فإلى أين يذهب ،فصرف النظر عن فصلي )) . وعن الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد ،قال العيسى انه دخل الدار سنة 1950 ،بعد أن تخرجنا السياب وأنا سنة 1947 .وكما هو معروف فأن دار المعلمين العالية شهدت، خلال السنة الدراسية 1944-1945 ، تشكيل جماعة أدبية بأسم (إخوان عبقر ) ضمت بدر شاكر السياب ونازك الملائكة وكمال الجبوري وعبد الجبار المطلبي وغيرهم . وقد لقيت من عميد الدار الدكتور متي عقراوي والأساتذة تشجيعا لذلك قامت الجماعة بتنظيم المواسم الشعرية والمجالس الأدبية وبكل حرية .


    بعد ثورة 14 تموز 1958 وسقوط النظام الملكي وتأسيس جمهورية العراق ، أبدل اسم دار المعلمين العالية فأصبح كلية التربية وانتهى ( العهد الدر معي) الذي دام خمسة وثلاثين عاما يعتز بها (الدر معيون) الأقدمون في تاريخ العلم والأدب ، والتربية والتعليم .
    تولى منصب عمادة دار المعلمين العالية خلال المدة من 1923 ـ 1958 كل من الأستاذ ساطع ألحصري (1923) ،الأستاذ طالب مشتاق (1927) ، الدكتور ناجي (1939) ، الأستاذ الأصيل (1929) ، الدكتور محمد مظهر سعيد (1936) ، الدكتور متي عقراوي، الأستاذ درويش المقدادي (1940) ، الأستاذ محي الدين يوسف (1941) ، الدكتور خالد الهاشمي (1945) ، الدكتور عبد الحميد كاظم (1948) ، الدكتور جابر عمر (1950) ، الأستاذ تحسين إبراهيم (1952) ، الدكتور عبد الحميد كاظم (1952) ، الأستاذ تحسين إبراهيم (1953) ، الدكتور خالد الهاشمي (1954) ، الدكتور إبراهيم شوكت (1956) ، الدكتور محمد ناصر (1957) ، الأستاذ كمال إبراهيم (1958) .
    احتلت دار المعلمين العالية مكانها التقليدي في الوزيرية، قرب ما كان يعرف في الخمسينات من القرن الماضي (سدة ناظم باشا) ، وقد عرفت الدار عبر تاريخها الطويل الكثير من الأحداث التي اتسمت بالارتباط الوثيق بين الثقافة والسياسة واتضح ذلك من الدور الذي قامت به الدار على مستوى إعداد الكوادر التدريسية أولا ، وما أنجزه خرجوها من أعمال ونشاطات أثرت في الحياة السياسية والثقافية العراقية المعاصرة وأمدتها بالكثير من الاتجاهات والأفكار والنزعات والرؤى المختلفة إلى الحياة والمجتمع والإنسان .. فبقدر ما كان أساتذتها يتمتعون بحس وطني وقومي ، كان طلبتها غير بعيدين عن هموم أبناء شعبهم ..

    لذلك ضمت دار المعلمين العالية خيرة الشعراء والنقاد والعلماء والمؤرخين وكتاب القصة والرواية والمسرحية أمثال الشاعرة نازك الملائكة، والشاعر بدر شاكر السياب، والشاعر عبد الوهاب البياتي ، والقاص ذو النون أيوب ، والشاعر شاذل طاقة ،والشاعر عبد الرزاق عبد الواحد ، والشاعرة لميعة عباس عمارة . وعلى مستوى الأساتذة ، فقد كان أساتذة دار المعلمين العالية من الذين يشار إليهم بالبنان ، بسبب نشاطهم الثقافي والسياسي والتربوي ،

    ويمكن في هذا الصدد الإشارة إلى أبرزهم وهم الأستاذ الدكتور عبد الرزاق يحيى الدين والأستاذ الدكتور مصطفى جواد والأستاذ الدكتور علي جواد الطاهر والأستاذ الدكتور فيصل الوائلي والأستاذ الدكتور فاضل حسين والأستاذ الدكتور عبد القادر احمد اليوسف والأستاذ كمال إبراهيم والأستاذ الدكتور خالد الهاشمي والأستاذ الدكتور إبراهيم شوكت والأستاذ خضر عبد الغفور والأستاذ الدكتور نوري الحافظ والأستاذ الدكتور محمد ناصر والأستاذ الدكتور عبد العزيز البسام والأستاذ الدكتور احمد حقي الحلي والأستاذة الدكتورة سعاد خليل إسماعيل والأستاذ الدكتور مسارع الراوي والأستاذ الدكتور محمد جواد رضا والأستاذ الدكتور حمد ولي الكر بولي والأستاذ الدكتور إبراهيم يوسف منصور والأستاذة الدكتورة نعيمة الشماع والأستاذ الدكتور احمد حسين الرحيم والأستاذ الدكتور عبد الجليل الزوبعي والأستاذ الدكتور زكي صالح والأستاذ الدكتور جواد علي والأستاذ الدكتور محمد محمد صالح والأستاذ الدكتور سليم ألنعيمي والأستاذ الدكتور عبد الجبار عبد الله والأستاذ الدكتور احمد عبد الستار الجواري والأستاذ الدكتور تقي الدين الهلالي والأستاذ الدكتور حسين أمين والأستاذ الدكتور عبد الله الفياض والأستاذ الدكتور محمد حامد الطائي والأستاذ الدكتور ناجي عباس والأستاذ عبد الوهاب الدباغ والأستاذ عايف حبيب خليل العاني والأستاذ الدكتور حسن الخياط والأستاذ الدكتور وفيق حسين الخشاب والأستاذ الدكتور علي محمد المياح والأستاذ رشيد حميد حنونة والأستاذ الدكتور حسن طه النجم والأستاذ الدكتور مكي محمد عزيز والأستاذ الدكتور امجد حسين الحاج علي والأستاذة ساجدة عاصم ألجلبي والأستاذة ساهرة فائق والأستاذ الدكتور محمد عمار الراوي والأستاذ الدكتور مراد بابا مراد والأستاذ الدكتور ناجي عبد الصحاب والأستاذ سعيد خضر والأستاذ الدكتور محمود مصطفى كنونه والأستاذ الدكتور صفاء خلوصي والأستاذ الدكتور إبراهيم السامرائي والأستاذ الدكتور محمود غناوي الزهيري والأستاذ الدكتور يوسف عبود والأستاذ شيت نعمان ، والأستاذ الدكتور جابر ألشكري والأستاذ الدكتور تقي الدباغ والأستاذ الدكتور نوري خليل ألبرازي والأستاذ ناجي عباس والأستاذ جواد علوش والأستاذ الدكتور حاتم عبد الصاحب ألكعبي والأستاذ الدكتور فهد علي حسين والأستاذ الدكتور فيصل السامر والأستاذ الدكتور محمد الهاشمي والأستاذ الدكتور عبد الهادي محبوبة ، والأستاذ الدكتور نوري جعفر والأستاذ خضر عبد الغفور والأستاذة رينه سرسم والأستاذ الدكتور حمودي عبد المجيد . وأية مراجعة لفهارس المطبوعات في العراق، تمكن القارئ من أن يضع يده على مجموعة كبيرة من الكتب والدراسات التي أنجزها أساتذة الدار ، هذا فضلا عن نشرهم لمئات من البحوث في المجلات العراقية والعربية والأجنبية . ولم تكن الهيئة التدريسية في دار المعلمين العالية مقتصرة على العراقيين وأتذكر إنني كنت أرى عددا من الأساتذة الأجانب يقومون بالتدريس إلى جانب زملائهم العراقيين ومن هؤلاء الأساتذة ، ستيفن رونسمان ، وديزموند ستيوارت وارثر بلاومان ، والس هلن هريك وارك فرنس برور وكورون وليام كروس ومار كوري رحمة الله ولورس باترن وجوزف دايف ترنر ونيكولاس او هاكر ، ويان فوسين وال . سشنغ ، واف آر دوش .
    ومما ينبغي ذكره أن مناهج دار المعلمين العالية كانت تجمع بين ثلاثة أنماط من الدراسات وتوحد بينها وهي دراسات الاختصاص وتشمل العلوم الطبيعية والرياضية والاجتماعية والأدبية ودراسات الثقافة العامة كاللغات الأجنبية، ومعالجة المشكلات المعاصرة التي تتعلق بالعراق والبلاد العراقية، وأخيرا الدراسات المهنية ومنها التربية وعلم النفس وأصول التدريس .
    وقد ارتبط أساتذة الدار وطلبتها بالحركة الوطنية العراقية المعاصرة ، والمتمثلة بالأحزاب السياسية التي كانت تعمل على الساحة العراقية آنذاك ، كما أن لهم مواقفهم تجاه الأحداث التي شهدها الوطن العربي منذ العشرينات من القرن الماضي ، وقد تعرض عدد من الأساتذة والطلبة للاعتقال والفصل مرات عديدة ، ولم يتوان هؤلاء الأساتذة عن نصرة قضايا شعبهم وأمتهم ، فكانوا يقدمون المذكرات السياسية إلى الملك ورئيس الوزراء ومنها المذكرات التي قدموها إبان أزمة السويس سنة 1956 والتي طالبوا فيها الحكومة بإسناد مصر وإقالة الوزارة وإقرار النظام الديموقراطي وكان من نتيجة تلك المذكرات ، كما يشير الاستاذ باسم عبد الحميد حمودي ، احد طلبة الدار آنذاك ، فصل عدد من الأساتذة منهم الدكتور عبد القادر احمد اليوسف ، والدكتور فيصل الوائلي والدكتور حميد يونس ، وفيما تم تنحية الدكتور خالد الهاشمي من منصب عمادة الدار .
    ومن الأمور الملفتة للنظر أن الدار كانت تقيم صباح كل يوم اثنين(اجتماع الاثنين الصباحي ) يلقي فيه احد الأساتذة محاضرة وتعقبها مداخلات ومناقشات ممتعة ومفيدة .وتعتبر اجتماعات الاثنين الصباحية، من التقاليد التي كانت الدار تعتز بها، حيث تتاح لطلبتها الفرصة للإفادة من خبرات ذوي الاختصاص في مختلف ميادين الخدمة العامة ،وذلك بغية توجيه الطلبة وجهة علمية ووطنية صحيحة وتقديم المعارف التي تتصل بمناهج دراساتهم .كما تهيئ لهم الفرصة للتعرف على شخصيات بلادهم، ووجهات نظرهم في شتى الموضوعات الحيوية. وقد افتتح موسم الفصل الدراسي الأول 1955-1956 سعادة الدكتور خالد الهاشمي عميد الدار وتلاه الأستاذ شيت نعمان مدير المباحث الصناعية فألقى محاضرة عن الصناعات العراقية أما فخامة العميد الركن السيد طه الهاشمي نائب رئيس مجلس الاعمارفقدم محاضرة عن نشأة العقيدة وأهمية الدين لدى البشر .وألقى بعده الدكتور جابر عمر الأستاذ في الدار محاضرة عن انطباعاته عن المغرب العربي وتركزت محاضرة الأستاذ محمد محمود سامي عن الموسيقى الشرقية وتطورها وكان الدكتور محمد عزيز الأستاذ في كلية التجارة والاقتصاد آخر الذين حاضروا في الموسم الأول اذ تحدث عن تجربته في جامعة وستكنس الأميركية .أما في الموسم الثاني والذي يبدأ بعد امتحان نصف السنة فقد كانت محاضرة الدكتور صلاح العبد الاولى في سلسلة المحاضرات وكانت في موضوع القرية العربية .أما الدكتور عبد الطوخي فكانت محاضرته عن الصحة العامة في العمران تلته السيدة مائدة الحيدري التي حاضرت عن الجامعي المكافح وألقى الدكتور عبد الرحمن ألجليلي محاضرة عن العراق بعد عشر سنوات والأستاذ منير القاضي عن نشأة التعليم ودار المعلمين العالية والآنسة صبيحة الشيخ داؤود عن المرأة العراقية والمقدم عبد الحميد حسين عن معركة اليرموك والدكتور صبيح الو هبي عن المؤتمرات الدولية للصحة العالمية والدكتور محمد ناصر عن حياة الطلبة في أميركا والأستاذ إبراهيم موسى عن فعاليات الشباب في الولايات المتحدة الأميركية والأستاذ هاشم جواد عن الخدمة الاجتماعية .

    تخرج في دار المعلمين العالية - بغداد 1958

    صورة تاريخية نادرة للملك فيصل الثاني ملك العراق الاسبق 1953-1958 وهو يرعى احتفال تخرج في دار المعلمين العالية -كلية التربية فيما بعد ، والى جانبه عميد دار المعلمين العالية الاستاذ الدكتور خالد الهاشمي وهو يرتدي روب الدار الجميل ويسير خلفهما الامير عبد الاله ولي العهد واحمد مختار بابان رئيس الوزراء
    وكان في دار المعلمين العالية نظام متكامل للإرشاد الطلابي وثمة استمارة توزع على الطلبة تملا من الطلبة في مطلع العام الدراسي لتساعد المرشد في فهم طالبه والتعاون وإياه في الفترة التي يقضيها في الدار .وكثيرا ما كان الزوار العرب والأجانب يزورون الدار ويسجلون انطباعاتهم عنها وهناك سجل لذلك وكان أساتذة الدار وطلبتها يحرصون على توثيق نشاطاتهم من خلال الصور الفوتوغرافية التي تعد اليوم من الوثائق التي تعين المؤرخ في تدوين تاريخ هذه المؤسسة العلمية الكبيرة . كما كان في الدار فرقة مسرحية ،ويقول الأستاذ باسم عبد الحميد حمودي أن المخرج جاسم العبودي شكل بعد عودته من دراسته الفنون المسرحية في الولايات المتحدة الأمريكية أواخر الخمسينات من القرن الماضي ، فرقة مسرحية من طلبة الدار وقد قدمت الكثير من المسرحيات منها مسرحية مكبث لشكسبير . كما تشكلت، ولأكثر من مرة، لجان أدبية وتجمعات ثقافية ضمت أساتذة وطلبة الدار ، منها التجمع المعروف بـ (أهل الأدب) وكان ذلك برعاية الدكتور صفاء خلوصي وكان التجمع يقدم مساء كل ثلاثاء نشاطا ثقافيا يقرأ فيه الطلبة قصصهم وقصائدهم . وكان للدار مجلة علمية أكاديمية رصينة هي مجلة ( الأستاذ) ينشر فيها أعضاء الهيئة التدريسية بحوثهم . وقد كانت مجلة نصف سنوية تباع للطلبة بسعر زهيد لايزيد عن (150)فلسا لعددين في السنة ومائة فلس لعدد واحد،في حين تباع للاخرين بربع دينار (250) فلسا لعددين سنويا و150 فلسا للعدد الواحد . وقد جاء في ترويسة المجلة ((أنها مجلة تصدر عن دار المعلمين العالية في بغداد)).وكانت تطبع في مطبعة الرابطة المشهورة آنذاك .وقد يكون من المناسب الإشارة إلى أن للمجلة لجنة مشرفة على تحريرها وإصدارها. وفي سنة 1956 كانت اللجنة المشرفة تتألف من الأستاذ كمال إبراهيم الأستاذ في قسم اللغة العربية والدكتور محمد ناصر الأستاذ في قسم التربية وعلم النفس والدكتور محمد الهاشمي الأستاذ في قسم العلوم الاجتماعية والدكتور عبد العزيز كاظم المدرس في قسم الكيمياء والدكتور علي جواد الطاهر المدرس في قسم اللغة العربية والسيد عبد الحميد عبد الكريم المدرس في قسم التربية وعلم النفس (سكرتير التحرير ) .

    خريجوا عام / ١٩٥٤
    وقد تضمن المجلد الخامس بعدديه الصادر سنة 1956 مقتطفات من حديث معالي وزير المعارف (التربية ) آنذاك الأستاذ منير القاضي وجهه إلى طلبة دار المعلمين العالية في الساعة العاشرة من صباح الاثنين 12 آذار 1956 جاء فيه(( منذ جئت الى وزارة المعارف ،وانا ارغب رغبة قوية في زيارة دار المعلمين العالية ،وأتحدث إلى هذه العقول النيرة المتفتحة التي تتلقى العلم .يلذ لي أن أتحدث إلى هذه الزمرة المنتقاة وهذا الشباب الذي هو طليعة امتنا والذي عليه الاعتماد في نشر العلم في ربوعنا )) .ثم قال (( نشأ التعليم في العراق في غرفة واحدة ولاتزال هذه الغرفة قائمة أمام دار الضباط ،تسع وثلاثين طالبا ...وكنت من طلابها ))وتهد بان سيكون لدار المعلمين العالية منزلة مرموقة في الجامعة العراقية التي كانت في طور الإنشاء وقد افتتحت سنة 1958 وسميت ( جامعة بغداد) وصارت دار المعلمين العالية واحدة من كلياتها ولكن بأسم جديد هو كلية التربية .كما احتوى العدد ذاته على خلاصة نشاطات الدار الاجتماعية والثقافية للعام الدراسي 1955-1956 من هذه الخلاصة نكتشف جوانب مهمة مما كانت الدار تقوم به فلقد نظمت اللجنة الرياضية فضلا عن المباريات لمختلف الألعاب ،سفرتان للطلبة الأولى إلى إيران والثانية إلى تركيا وقد انشأ طلبة قسم علوم الحياة ناد باسم نادي رواد الطبيعة كما تشكلت جماعة الموسيقى وجماعة اللغة الألمانية وجمعية تعمل لتنمية الملكات الأدبية والتدريب على الخطابة باسم جمعية الثقافة العربية كما اعتادت الدار ، يقول الأستاذ أنور عبد العزيز ،وهو احد طلبتها ، تنظيم حفلات للتعارف في بداية العام الدراسي وحفلات التخرج في نهايته ، هذا فضلا عن اضطلاعها بتشجيع الطلبة على القيام بالرحلات والسفرات العلمية ليس إلى داخل العراق وإنما إلى خارجه . وقد أرخ الشاعر السوري الكبير سليمان العيسى، وكان طالبا في الدار حفلات التخرج بقصيدة شهيرة حفظها خريجو الدار على مر الأجيال وهم يودعون الدار بوفاء المحب وحزنه وأسفه ووجعه لهذا الفراق :
    أقول وقد أوفى على السفر الركب
    أعام مضى يا دار أم حلم عذب
    كما حرصت إدارة الدار على استضافة الأساتذة الزائرين ويتذكر خريجوها كيف أنها استضافت الأستاذ الدكتور جمال الدين الشيال والأستاذ محمد سعيد العريان والأستاذ محمود الحفيف والدكتور احمد أمين ..هذا فضلا عن المسؤلين في الدولة وفي مقدمتهم الملك وولي العهد ورئيس الوزراء والوزراء والمديرين العامين كانوا يحضرون الندوات والمهرجانات الشعرية والمؤتمرات والمعارض الفنية والحفلات الغنائية والموسيقية والاستعراضات الرياضية التي تنظمها الدار على مدار السنة .لقد كان للرياضة حصة كبيرة من اهتمامات الدار، كما كانت للفنون التشكيلية والموسيقية حصتها كذلك ، ففي الكلية قاعة كبيرة ومرسم كبير ومكتبة كبيرة ، كما كان هناك أستاذ يدرب الطلبة في العزف على الآلات الموسيقية وروى الأستاذ أنور عبد العزيز جانبا من ذكرياته في دار المعلمين العالية فيقول كانت دار المعلمين العالية كلية اهتمت بالبحوث التربوية والنفسية والإرشادية ، وكانت فيها مكتبة عامرة متخصصة ، وتوفر ، فضلا عن مواد التخصص ، كتبا ومجلات ثقافية متنوعة وكان أمينها الفنان الممثل الراحل عبد الواحد طه الذي أدى دورا رائعا مع يوسف العاني في فيلم ( سعيد أفندي) ، وكانت الدار ، وطيلة أجيال ، تعنى بإقامة المواسم الثقافية والمهرجانات والأمسيات الشعرية الجميلة للشعراء الكبار وفي مقدمتهم الشاعر محمد مهدي ألجواهري والشاعر بدر شاكر السياب والشاعر عبد الوهاب البياتي والشاعر سعدي يوسف والشاعر عبد الرزاق عبد الواحد والشاعرة نازك الملائكة والشاعرة عاتكة الخزرجى والشاعرة لميعة عباس عمارة وكان عدد من هولاء الشعراء من طلبة الدار نفسها في الخمسينات من القرن الماضي . ومما يذكر ان الجمعيات والمنتديات التي كانت قد تشكلت في الدار قد قامت بالكثير من النشاطات ولعل من أبرزها الأمسيات الأدبية فعلى سبيل المثال نظمت جمعية الإنشاء العربي خلال العام الدراسي 1955-1956 أربع أمسيات اشترك فيها نخبة من الطلبة منهم صلاح نيازي وكاظم الخليفة وأمل احمد الخطيب وهادي الحمداني وشاكر النعمة وقاسم السامرائي وعبد الحسن جميل واحمد عبد الستار وجعفر الحمداني وجلال الخياط وعاطفة فرج ومحمود منير ومحمود فوزي الصراف ورتيبة خلوصي وناظم يونس ووليد احمد وعصام عبد علي . أما جمعية الثقافة العربية فقد اهتمت بإقامة المباريات الشعرية والخطابية والمناظرات الجدلية وبإشراف رئيس قسم اللغة العربية الأستاذ كمال إبراهيم وقد قامت في السنة المذكرة ذاتها بحفلة سمر جمعت ألوانا شتى من قصائد شعرية ألقيت وندوة أدبية وفصول تمثيلية وألوان من الموسيقى والغناء وشيي من الأحاجي والألغاز وكان من شعراء الحفل هادي الحمداني وسهام طه مكي وصلاح نيازي وكان عريف الحفل عبد السلام إبراهيم ناجي . ولم يكن أساتذة الدار وعمدائها بعيدين عن تلك الأنشطة فقد كانوا يشاركون في إلقاء القصائد والمحاضرات والخطب على طلبة الأقسام العلمية في الدار .. كما كان للدار اهتمام بتقديم العروض المسرحية ولها مرسم ومعارض تشكيلية وكان الفنان جواد سليم من أوائل من أسس فيها (المرسم) .. وللدار نشاط لاصفي في الموسيقى .. ولها نشاطها الرياضي وساحات القدم والطائرة والسلة والعاب الساحة والميدان بأشراف كل من الأستاذ محمود القيسي صاحب الكتاب المشهور ((الملاكمة ليست رياضة ..حرموها )) والأستاذ حميد حمدي الاعظمي ، والأجمل تلك الساحة المخصصة للعبة ( التنس) وكنا نراها لعبة حديثة يشارك فيها الأساتذة الأجانب مع أساتذة الدار وطلابها وطالباتها ، وكانت الماهرة والبارزة في هذه اللعبة ( مسز رحمة الله) ببنطلون الشورت الأبيض والحذاء الرياضي الأبيض ، وكان للكلية (ناديها) الشهير بين نوادي الكليات ، لتوفير سبل الراحة والترفيه للطلبة مع توفر الصحف اليومية المجانية فيه ، وكان لها (أقسام داخلية) مجانية ويقع اغلبها مع مباني الكلية في الوزيرية ، وكان في الكلية فضلا عما هو موجود في الأقسام الداخلية ، حمام عام للطلبة وحلاق خاص وغرفة طويلة للطالبات لفترات (الفرص والاستراحة) ودواليب كبيرة (لوكرات) بأقفالها لمن يرغب من الطلبة بحفظ كتبه وأوراقه وحاجياته فيها )) .
    وكانت الدار معنية بالشأن الثقافي والمعرفي، وكثيرا ما وزعت الكتب على الطلبة مجانا , ولم تكن الدار مقتصرة في طلبتها على العراقيين ، بل كان هناك طلبة عرب وأجانب ويكاد معظم خريجي الدار يتذكرون أسماء زملائهم الذين ينتمون إلى أقطار الوطن العربي والعالم ، ومن الطريف أن يكون بين الطلبة آنذاك ، صينيون وبلغار وانكليز ، فضلا عن الطلبة البحرينيون والسوريون والتونسيون والمغاربة والأردنيون والفلسطينيون .
    لقد كانت دار المعلمين العالية بحق ، صفحة ناصعة في سجل الصفحات الكبرى من تاريخ التعليم ليس في العراق وحسب وإنما في الوطن العربي كله .
    *كتب المقال سنة 2008

  3. #73
    من أهل الدار
    جوزفين حداد أول إمرأة عراقية تقود طائرة ١٩٤٩



    أول إمرأة عراقية تقود طائرة 1949
    "جوزفين حداد" أول إمرأة عراقية برتبة "كابتن طيار" عام 1949، في تلك الحقبة من الزمن يوم كان العالم منشغلا بمحو آثار الحرب العالمية الثانية التي دمرت معظم اوربا، وكانت المرأة تعيش حالة الاستعباد في كثير من دول العالم، أي قبل 67 عاماً كانت إمرأة عراقية تقود طائرة مدنية، متقدمة على سائر الأقطار العربية ودول أخرى في العالم.
    يوم كان العراق حاضرا بقوة في صياغة وتوقيع ميثاق سان فرانسيسكو لانشاء الأمم المتحدة، وكان العراق صوت مدوي في المحافل العالمية، ليثبت أنه مهد الإبداع والتحضر والرقي والتطور، ومحط رحال العلوم والآداب والثقافة والفنون.

    "جوزفين سمعان ابراهيم حداد" أول إمرأة عراقية تقود طائرة، أجرت معها جريدة "الثورة" البغدادية حديثا صحفيا قالت فيه أنها في 1949/12/17 منحت الإجازة المرقمة 23 والتي تسمح لها بقيادة طائرة التي كانت تستعملها جمعية الطيران العراقية بعد أن أنهت 72 ساعة طيران تخولها الحصول على الرخصة.
    هذا إنموذج واحد من المرأة العراقية التي أبدعت وتقدمت واثبتت شخصيتها وحضورها في كل الميادين منذ وقت مبكر من القرن العشرين طبيبة، وقاضية، ومفكرة، وأديبة، وشاعرة، ومهندسة، و و و و ... في وقت مازالت المرأة في العديد من البلدان العربية تعامل معاملة من الدرجة الثانية.. وللأسف الشديد اليوم تتراجع عموم الأمور في بلدنا الى الخلف بفضل سياسات الأحزاب المتخلفة المتسلطة في البلاد..

  4. #74
    من أهل الدار
    تاريخ الجندي المجهول



    تاريخ الجندي المجهول




    الكثيرون في أغلب دول العالم يعرفون الجندي المجهول كرمز للجنود اللذين قتلوا في الحروب وهم مجهولي الأسماء لذا تقوم الدول بعمل رمز لهؤلاء الجنود تخليدا لذكراهم وأعترافا بجهودهم وتضحياتهم , لكن الكثيرين يجهلون فكرة هذا الرمز وتاريخه وكيف تم تبني هذه الفكرة من قبل أغلب الدول وعملت له رموز خالدة .
    خلال قراءتي لأحدى مجلات المختار من (ريدر دايجست الأمريكية) التي صدر اول عدد منها عام (1922) وهي مجلة ثقافية عالمية معروفة في أغلب دول العالم ومنها العراق الذي كانت تصله من القاهرة منذ أربعينات القرن الماضي حتى السبعينات عندما منع دخولها الى العراق . كنت ممن له هواية جمع أعداد من هذه المجلة منها ما وجدتها في مكتبة الوالد منذ الأربعينات ومنها ما جمعته من مكتبات مختلفة حنى صار عندي ما يزيد على المائة مجلة .
    في مجلة صدرت في شهر حزيران عام 1958 وجدت مقال كتبه (دون هوارتون) يتكلم فيها عن فكرة الجندي المجهول تحت عنوان (لا يعرفه إلا الله ) هذا نصه :
    تعزى فكرة قبرالجندي المجهول وما تنطوي عليه من مغزى رفيع الى صاحب مطبعة في مدينة (رينس) بفرنسا . ففي احد الأيام العصيبة الحالكة من عام (1916) ,فقد (فرانسوا سيمون) احد أبنائه في ساحة الوغى ,كما أصيب أبن آخر له بجراح بليغة . وقد أهتم (سيمون) في مناسبات عديدة بتنظيم الأحتفالات الجنائزية التي صاحبت دفن الجثث الوافدة الى (رينس )من جبهة القتال , وتطرق تفكيره الى الجند اللذين فقدت جثثهم , والى الجثث التي تعذر التعرف عليها .
    فلما أحتفلت المدينة في شهر نوفمبر من ذلك العام بتأبين قتلاها في الحرب , تساءل (سيمون) : لماذا لاتفتح (فرنسا) أبواب مقبرة "البانتيون " لواحد من أولئك المحاربين المجهولين اللذين سقطوا في سبيل الدفاع عن أرض الوطن ؟ على أن يحمل القبركلمتين فقط (احد الجنود ) , وتاريخين هما (1914 – 19 ) . ثم تبنى الفكرة نائب فرنسي وتناقلتها الصحف ,وأخيرا أقرها مجلس النواب رسميا في عام (1919) وبذلك ولدت تلك الفكرة السامية التي لقيت في معظم أقطار العالم آذانا مصغية .

    وقبيل الأحتفال بذكرى الهدنة في (11 نوفمبر 1920) قرر الفرنسيون دفن جنديهم المجهول في )البانتيون( , وزيادة في التكريم أفردوا له نصبا خاصا تحت (قوس النصر) , وهو شرف يكاد يحسده عليه (نابليون) نفسه , أما الطريقة التي أختير بها الجندي الفرنسي المجهول فقد سنت لهذا العمل تقليدا أتبع في كل مكان منذ ذلك الحين ...أذ طلب الى قائد كل قطاع على طول الجبهة من الحدود (البلجيكية) حتى جبال (الفوج) ,ان يختار أحدى الجثث التي تعذر التعرف عليها ثم يرسلها الى (فردان) حيث يجري الأختيار النهائي , وفي اليوم التاسع من شهر نوفمبر تتابع وصول التوابيت ,وشهدت الجموع الصامتة ثمان سيارات تفد الى مكان الأحتفال ولم تأت التاسعة قط . وأنما وردت أشارة تفيد بأن جثث الفرنسيين والألمان قد دفنت معا في ذلك القطاع , وان القائد قد أختلط عليه الأمر فرأى أن لايرسل أحدا .
    باتت التوابيت في تلك الليلة وهي خالية من العلامات المميزة كما غيرت أوضاعها لأكثر من مرة لكيلا يعرف من أي القطاعات أتت ....ثم أسند شرف الأختيار الأخير الى جندي من المشاة يدعى (أوجست تين) وهو جندي شاب أفتقد أباه ضمن القتلى المجهولين ..وتسلم (تين) أكلبلا من زهورحمراء وأخرى بيضاء جمعت من حقول (فردان) ,ثم مشى أمام كبار رجال الدولة وكتائب الجند المصطفة الى حيث رصت النعوش تكسوها الأعلام فوقف أمام واحد منها ووضع عليه الزهور .
    وفي الوقت ذاته الذي حمل فيه النعش بالقطار الى (باريس) لتشييعه الى مثواه الأخير كانت المدمرة البريطانية "فردان" تحمل جثمانا آخر الى أنكلترا عبر القنال ..وهو جثمان رجل لايدري أحد ان كان من المشاة أو بحارا أو طيارا ,أو كان انكليزيا أو كان من الدومينيون , لقد مات في فرنسا ودفن في مقبرة غير معروفة ثم اعيد دفنه في (وستمنسترآبي) بأحتفال مهيب , حيث رقد مرة أخرى على تراب فرنسي نقل في أكياس من أرض المعركة حول مدينة (أيبر) .

    وبالمثل عندما جيء بالجندي الأمريكي المجهول الى بلاده بعد ذلك بعام أعد قبره بمدافن (أرلنجتون ) الوطنية في مشارف مدينة (واشنطن) بحيث يستقر النعش فوق بقعة سمكها خمس سنتمترات من التربة الفرنسية .
    وهكذا خلدت ثلاث دول عظمى فكرة نبيلة ولدت في ذهن طباع فرنسي بسيط أستودعها فجيعتة في ولده .
    الفريق الركن د.محمد عبد القادر الداغستاني
    8/9/2015

  5. #75
    من أهل الدار
    بغداديات .. شارع الخلفاء



    ساحة باب المعظم /1918



    كانت بغداد في اواخر القرن التاسع عشر شحيحه بالطرق ولم يكن فيها شارع بمعنى الكلمه عدا ما اصابها في مطلع القرن العشرين من جادة خليل باشا ( شارع الرشيد ) وتطويره لاحقا بعد الاحتلال الانكليزي..

    وفي جانب الكرخ لم يكن هناك سوى طريق السكه الذي يحتوي على سكة حديد ( الكاري) التي تربط منطقة جسر الكطعه ( جسر الشهداء حاليا ) ومدينة الكاظميه وعندما بدأت حملة الاعمار الشحيحه في بداية الربع الاول للقرن العشرين...


    اي بعد اعلان الحكومه العراقيه وتنصيب فيصل الاول ملكا على العراق بدأت بوادر نهضه عمرانيه استمرت الى القرن الحادي والعشرين مع الكثير من التوقفات والاخفاقات نتيجة التغيرات السياسيه ..
    ومما يستحق القول فأن مجلس الاعمار الذي انبثق في 25 نيسان 1950 وباشر اعماله في عام 1952 - 1953 وتخصيص ميزانيه تعد الاكبر في تاريخ العراق في حينه وهي 70% من واردات النفط لغرض الاعمارو 30% للاغراض العامه للدوله ووضع هدف ان تكون بغداد الرابعه عالميا في عام 2000 ضمن (مشروع بغداد 2000 ) ...


    ولم يتحقق الهدف لاسباب ليس هنا مجال بحثها ومن هذه المشاريع الكثيره التي انجزت في حينها مثل جسر الملكه عاليه ( جسر الجمهوريه ) وشارع الملكه عاليه ( شارع الجمهوريه )...


    وقد انجز الجسر عام 1957 وافتتح من قبل الملك الراحل فيصل الثاني وتبعه شارع الملكه عاليه الذي سمي لاحقا بالجمهوريه ثم تم تعديل الاسم في مطلع السبعينات الى اسم شارع الخلفاء وسبب ذلك وجود اقدم جامع للخلفاء العباسيين فيه وهو جامع الخلفاء الذي شيد في عام 908 م ويعد من اقدم الجوامع في بغداد ..
    ظهرت الحاجه ملحه بعد الحرب العالميه الثانيه وتطور الاقتصاد العراقي والحركة التجاريه النشطه الى توسيع المنطاق التجاريه وكانت الفكره شق طريق موازي لشارع الرشيد الذي ازدحم تجاريا واصبح مختنقا وغير قادر على الاستيعاب ووضعت التصاميم من التصميم الاصلي لمدينة بغداد الذي وضعته الشركات البولونيه التي كانت مشهوره في مجال تخطيط المدن ..
    يبدأ الشارع من الباب المعظم ويسير بموازات شارع الرشيد من بدايته الى نهايته ويلتقي مع شارع الرشيد في ساحة الميدان بطريق رابط يقع بجانب وزارة الدفاع وسوق الهرج ويستمر الى ساحة الامين ومنها متفرع الى شارع الرشيد ثم متفرع آخر الى منطقة الفضل والعوينه...


    ويخترق سوق الشورجه حيث شطرها الى قسمين على اليمين سوق العطارين وعلى اليسار سوق الغذائيه والبعض يسميه سوق البسكت وفيه علاوي الخضروات والفواكه قبل نقلها الى جميله ,, ويستمر الى ساحة الخلاني ومنها فرع يربط مع شارع الرشيد ...


    وفرع آخر مع مرقد الشيخ عبد القادر الكيلاني رحمه الله ومن هذه الساحه يستمر الشارع الى ساحة الملكه عاليه والتي سميت باسمها عندما اقيمت مراسم العزاء بوفاتها حيث نصبت السرادق الخاصه بالمعزين وهنا ينتهي شارع الخلفاء امام شبكه من الطرق حيث يرتبط مع شارع الرشيد عن طريق متفرع يؤدي الى شارع الرشيد وعلى اليسار الى شارع ابو نواس عند محلات جقمقجي .


    ومن الجهه الاخرى الى شارع سينما دار السلام المؤدي الى شارع الشيخ عبد القادر الكيلاني ثم افتتح شارع فرعي يؤدي من ساحة ( الحصان ) الى ساحة الخلاني ..
    اعتبر شارع الجمهوريه من اكثر الشوارع اهمية من الناحيه التجاريه وتحولت الكثير من الفعاليات التجاريه اليه من شارع الرشيد وساعد في ذلك لاحقا افتتاح شارع السعدون واشغاله بالنشاط التجاري ايضا ,,
    اسم الشارع تغير كما ذكرنا والمفارقه ان اسم شارع الجمهوريه موجود في جميع محافظات العراق وتحمل الشوارع اسم شارع الجمهوريه ,,
    الشارع بعد ان نال حظه من التخريب والاهمال اصبح اليوم لايسر الناظرين وتتكاثر فيه البسطيات العشوائيه والتجاوزات على ارصفته وحدائقه القليله ولم يسلم حتى جسر المشاة من هذه التجاوزات والنفايات لها قصه اخرى وهي لايمكن وصفها لان الشارع ينتج نفايات تعادل اكثر من عشرين منطقه سكنيه وخاصة من الورق والكارتون والاكياس والزجاجات وغيرها اضافة الى الازدحامات المروريه للمشاة والسيارات والصور التي يلتقطها البعض تشير الى ذلك بشكل واضح ..
    لايعتبر شارع الخلفاء استثناء من العام الذي يشمل كل بغداد ومرافقها وشوارعها ومنتزهاتها والتي وصلت الى حد من البشاعه تبكي من احبها وعاش ايام عزها وجمالها ..

    دَمعٌ لـبـغـــداد .. دَمعٌ بالـمَـلايـيــن ِمَن لي بـبـغــداد أبـكـيـها وتـبـكيـني ؟
    مَن لي ببغداد؟..روحي بَعدَها يَبـسَـتْ وَصَوَّحـتْ بَعـدَها أبـهـى ســناديـني
    عـدْ بي إلـيهـا.. فـقـيرٌ بَعـدَها وَجـعي فـقـيـرَة ٌأحـرُفي .. خـرْسٌ دَواويـني
    قد عَرَّشَ الصَّمتُ في بابي وَنافِـذ َتي وَعـشـشَ الحُزنُ حتى في رَوازيـني
    والشـعرُبغـداد, والأوجاعُ أجمَعـها فانظـرْ بأيِّ سـهـام ِالمَوتِ تـرميني ؟!
    عبد الكريم الحسيني

  6. #76
    من أهل الدار
    مدرسة الحقوق في القشلة.. أم أنجبت القادة والمشهورين



    مدرسة الحقوق في القشلة..أم أنجبت القادة والمشهورين


    نرجس/رجاء داود:توقفت كثيرا امام (القشلة) متأملةماضيا عريقا افصحت عنه هذه البناية القديمة..واستغرقت في تأملاتي مسترجعة شريطا من الماضي البعيد الذي لاانتسب اليه، ولكنني اجد فيه صلة حميمية تربطني بسحر الماضي القريب.
    لاادري ان كنت اجد في (القشلة) شيئا يقودني الى موضوعي ولكني متأكدة ان هذه الخزانة تحتوي في احشائها على الكثير من القصص والحكايات. وفجأة مضت امامي هذهالبناية الشامخة مثل نخلة باسقة، وراحت تحدثني بهدوء عن الكائنات التيلم نزل حتى الان تتخذ من مرابعها مكانا يتشح بقداسة الماضي. هنا يتجمع محامون وكسبة وموظفون ونساء واطفال يحيطون بهذا البناء ويدورون حوله، وعندنا استفسرت من شيخ يقف الى جانبي مشدوهامثلي عن معنى هذا الذي يحصل اليوم وغدا وربما حصل بالامس فأجابني بلا مبالاة «هذه هي القشلة او دواوين الحكومة او هي بيت المحاكم يا ابنتي».


    البداية

    تصفحت اوراق الامس التي لم تزل تنبض بحرارة الحياة واخبرتني ان القشلة وما يحيط بها من مبان، وتحديدا في شارع السراي في بناية المدرسة الحميدية قبالة القشلة، قد احتضنت منذ 106 اعوام، اشهر مدارس العراق الاكاديمية تلك هي (مدرسة الحقوق).

    ومدرسة الحقوق -كما اخبرني ملفها التاريخي- انها تأسست في اواخر العهد العثماني وبالتحديد في عهد الوالي (ناظم باشا ) 1908.

    إن عراقة هذه المدرسة تِؤكد انها سيدة ولود انجبت لنا مئات الاسماء التي لمعت في سماء خدمة الوطن..ومنها تدرجت الى الحياة قادة ومفكرون وعلماء وساسة ورؤساء حكومات وقضاة وبرغم هذا المسار الطويل من الابداع والمعرفة،فقد سجلت مدرسة الحقوق قفزة سريعة الى الامام عندما حملت اسمها الجديد(كلية القانون) لتحقيق العدالة والانصاف وهي المبادئ التي حملتها هذه الكلية منذ106 اعوام.


    للتاريخ نكهته

    في عام 1908 احتفلت بغداد بافتتاح بغداد (مدرسة الحقوق) والقى الشاعر محمد صدقي الزهاوي وهو مدرس فيها ايضا،قصيدة بعنوان (فصول) عبر فيها عن رغبة العراقيين بدراسة القانون، وهم صناعه منذ عهد بابل وحمورابي، ومن بعد تولى ادارة هذه المدرسة مجلس مؤلف من اساتّذة عراقيين وموظفين عثمانيين وقضاة ومحامين، يرأسهم (موسى جلبي الباجه جي) والاساتذة يوسف عطا وحمدي الباجه جي وعارف يوسف السويدي وغيرهم.

    لقد ضمت المدرسة في بداياتها الاولى اربعة صفوف بمعدل 30-40 طالبا عدا الصف الرابع الذي تجاوز عدد طلابه العشرة، وفي عام 1911 احتفل العراق بتخريج اول دفعة (حقوقية) وكان عددهم عشرة طلاب لمعت اسماء بعضهم في ميادين الحياة المتعددة.


    وعند اندلاع الحرب العالمية الاولى اغلقت المدرسة ابوابها وجند طلاب الصف الرابع في الجيش العثماني.

    وعند دخول الانجليزالى بغداد واحتلالهم العراق،اعلن المسؤول الانجليزي عن شؤون المعارف الميجر يوحنا عن نية سلطات الاحتلال في افتتاح مدرسة الحقوق،واختيرموريس رئيس محكمة الاستئناف مديرا فخريا للمدرسة،وكانت المدرسة في هذه الفترة تضم مرحلتين فقط وبلغ مجموع الطلبة فيها 45طالبا وفي عام 1920 تخرجت الوجبة الثانية.


    بعد استقلال العراق الشكلي عام 1921 وتنصيب فيصل الاول ملكا صدر النظامالاساسي لمدرسة الحقوق والتي اصبحت تعرف بعد ذلك بكلية الحقوق وتولى العراقيون ادارتها بعد ان الغيت جميع الانظمة الصادرة في العهدين العثماني والاحتلال البريطاني.

    واخذت المدرسة تضخ شبابا للمجتمع من اجل خدمة الوطن.


    في رحاب كلية الحقوق

    تولى ابناء العراق شؤون كليتهم الجديدة، فقد اسهمت اسماء كثيرة في تطوير الصرح الحضاري العريق مثل المربي ساطع الحصري ومنير القاضي... ولعراقتها امتدت الخبرة العربية لتسهم في تطوير هذه الكلية وقد تولى ادارتها العلامة القانوني عبد الرزاق السنهوري ومحمود عزمي والقاضي عبد الصمد الوشامي وحامد زكي وعبد الحكيم الرفاعي ومحمد عبد الله وعبد الرحمن البزاز وعبد الجبار عريم وشاكر ناصرومحمد طه البشير وعلي حسين خلف وعبد الحسين القطيفي ورياض عزيز هادي ومحمد الدوري ونزار العنبكي.


    واحتضنت كلية الحقوق (كلية القانون) العديد من التدريسين المعروفين مثل المرحوم رشيد عالي الكيلاني قائد ثورة مايس1941 الذي كان يدرس مادة العقوبات ومالك الحسن (وزير سابق) وسلطان الشاوي سفير العراق السابق في جامعة الدول العربية ومنذر الشاوي (وزير سابق )وعشرات الاسماء التي شغلت مسؤوليات كبيرة في اجهزة الدولة المختلفة.


    الحقوقية الاولى

    مع افول الدولة العثمانية برزت الحاجة الملحة لتعليم البنات ومع حملة افتتاح المدارس الخاصة بالبنات اندفعت العوائل العراقية الى تسجيل بناتها في هذه المدارس غير ان الذي حصل فيما بعد واثار زوبعة من الاثارة الاجتماعية اقدام عائلة المرحوم الشيخ احمد الداود على تسجيل ابنتهم (صبيحة) في مدرسة الحقوق،وكانت العراقية الاولى من رعيل هذه المدرسة التي تخرجت ضمن دفعة عام 1936-1940 وحملت لقب (الحقوقية الاولى) وكانت بعد تخرجها _اول خبيرة نسائية في هيئة التحكيم في محكمة الاحداث الجانحين، وقد اعقبتها اناث فاضلات كثيرات منهن امينة رحال وسعاد خليل اسماعيل ونزيهة جودة واقبال منير ومديحة عوني ثم حصل التطور الكبير عندما جاءت ثورة 17-30 تموز وافتتاح المعهد القضائي لاعداد القضاة وقد انتسب اليه عدد من الخريجات الحقوقيات وبعد استكمالهن عدة القضاة تولين مراكز قضائية مهمة في الاجهزة العدلية ومنهن باكزة عبد القادر وسعاد الدباغ، ورجاء عبد الزهرة وساهرة يوسف.


    وجوه تتحدث

    في جولة لنا في عالم الخريجين الذين تركوا مقاعد الدراسة الحقوقية منذ زمن طويل وانغمسوا في الحياة..اذكر أستاذي الفاضل الدكتور عبد اللطيف القصير الذي حدثني قبل سنوات حيث كنت احدى طالباته عن جانب من حياته في الكلية قائلا :

    كنت احد طلاب الكلية عام 1941 على الرغم من اني اكملت الدراسة الاعدادية الفرع العلمي،وتم قبولي في كلية الطب مع ثلاثة من زملائي لكن رغبتي كانت تتوجه نحو دراسة القانون، واذكر اني زرت الاستاذ توفيق السويدي رئيس وزراء سابق وطلبت منه التوسط لقبولي في كلية الحقوق،فاتصل بالدكتور منير القاضي وكيل الكلية انذاك،وقال له بالحرف الواحد : (عندي اربعة مجانين مقبولين في كلية الطب ولكنهم يريدون القبول في كلية الحقوق).

    فطلب القاضي مقابلتنا وعندما تمت المقابلة اعتذر عن قبولنا بحجة ان مدة القبول قد انتهت،ولسنا من خريجي الفرع الادبي ولكننا قبلنا فيما بعد في كلية الحقوق.

    واضاف الدكتور دراسة القانون تنمي الشخصية وتؤطرها بفهم عميق لمعنى المسؤولية،واحترام القانون وتطبيق العدالة،وكانت دفعتنا تتكون من (70)طالبا ومن دون طالبات،وقد شكلت كلية الحقوق بؤرة سياسية وطنية في مواجهة الظلم الاجتماعي والدفاع عن حقوق الشعب في المراحل المختلفة من تاريخ العراق السياسي الحديث.لهذا فان معظم خريجي دفعتنا رفضوا العمل لدى الحكومة الموالية للانكليز واتجه معظمنا الى مزاولة المحاماة والصحافة.


    اما الفنان يوسف العاني فهو احد خريجي كلية الحقوق فحدثني عن ايام زمان قائلا:

    كنت قد التحقت بالجامعة الامريكية في بيروت لدراسة الطب، ولكنني اخفقت في هذه التجربة وعدت الى العراق لالتحق بكلية الحقوق عام 1949 وكان همي من دراسة الحقوق معرفة الحياة عن طريق القانون واسست (جمعية جبر الخواطر)باتجاه نقدي كوميدي من خلال عروضها المسرحية التي تولت نقد الظواهر شعبيا واجتماعيا وسياسيا.

    قلبنا اورقا تعود للعاني عن تلك المرحلة،فاخبرتنا : انه كان طالبا جذابا التفت حوله الكثيرات من زميلاته اللاتي يدرسن القانون وان احداهن شغلت قلبه لزمن ليس بالقصير وان كل زميلاته في الكلية تزوجن من زملائهن الا يوسف!!.


    قال لنا يوسف مواصلا حديثه معنا :

    بعد التخرج كنت ازور جمعية جبر الخواطر في كلية الحقوق واشاهد كل عمل من اعمالها، وفي احدى حفلات الكلية القيت قصيدة كوميدية اثارت فرح الطلبة والاساتذة وقلت في القصيدة :

    قفا نبك من ذكرى حقوق وندوة

    وحجية حسناء بطت مرارتي

    والندوة هي المقهى القريبة من الكلية،اما الحجية فهي بائعة السكاير التي كانت تجلس في بابها،وهكذا تمضي القصيدة بحشد رموز الاثارة والضحك البريء الصاخب.
    وتواصل هذه الكلية اليوم مسيرة اجدادنا لترفد القطر سنويا برجال العدالة لترسيخ اسس العدالة ولتقول للعالم انها البناء الاساسي الذي تقوم عليه كل حقوق البشرية.

  7. #77
    من أهل الدار
    قصة أقدم ساحات بغداد



    قصة أقدم ساحات بغداد....

    صادق الازدي:بغداد اليوم، الممتدة الضواحي شرقاً وغرباً..شمالاً وجنوباً..
    بغداد هذه لم تكن تمتد الى ما هو اكثر من باب المعظم حتى الباب الشرقي، ومن نهر دجلة الى باب الشيخ حتى الشيخ عمر، هذا في جانب الرصافة، اما كرخ بغداد فكان يمتد من الجعيفر حتى الشواكة طولاً.. ولايزيد العرض على العلاوي ، وما جاورها!
    وبغداد العشرينيات والثلاثينيات عرفت بعض الساحات ذات الاشجار واقدم تلك الساحات ذات الاشجار، كانت تقوم في منطقة الميدان مقابل جامع الاحمدي، فقد كان الميدان من اشهر معالم بغداد في اواخر العهد العثماني واوائل العهد الملكي..
    وقد اقيمت في الميدان نافورة ماء يتجمع الماء المندفع منها في حوض اسمنتي اسفلها، وكان ذلك الحوض يقع مقابل مدرسة المأمونية الابتدائية، «وكانت تقع في مدخل محلة البقجة»...


    ويقع خلفها مباشرة المدفع العثماني القديم المشهور باسم «طوب ابو خزامة» وكانت النسوة البغداديات يزرنه ومعهن اطفالهن المرضى، ويوقدن الشموع عنده، ويعلقن قطع القماش به. فقد كان الاعتقاد السائد يومذاك ان المدفع له «كرامات»، وقد نقل فيما بعد الى الباب الوسطاني في الشيخ عمر عندما اقيم المتحف العسكري هناك، ونقل مرة ثانية ليوضع في الحديقة التي قامت مقام الحوض السابق ذكره عندما نقل المتحف الحربي الى المبنى الذي يحتله اليوم قصر الثقافة والفنون، وقد وضعت لوحة تنبه الناس الى مكان المتحف، ونقل مرة ثالثة بعد ان نقل المتحف الى مكان جديد، وتقوم اليوم حديقة وسطية صغيرة في المكان الذي كان فيه المدفع – طوب ابو خزامة-!
    منطقة الميدان..
    وكانت منطقة الميدان معروفة جدا بالنسبة لسكان بغداد.. ومعظم الذين يزورونها من سكان المحافظات ، ذلك ان جميع الملاهي البغدادية كانت تقوم في المنطقة.
    وكذلك «البارات» والمقاهي والفنادق، قبل ان تنشب الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، صارت الملاهي تنتقل سلفاً الى اماكن اعدتها لها امانة العاصمة، وهي من المحلات الصيفية المكشوفة، وكانت تقوم في «حديقة المعرض» بباب المعظم، وقد حلت بمكانها بنايات بعض الدوائر، وظلت الملاهي تحل فيها صيفاً وتعود الى اماكنها شتاء بعضها في الميدان وبعضها الاخر صارت تحتل اماكنها الجديدة في الباب الشرقي.
    وقد صارت كلها في ذلك الجزء من بغداد وبعضها انتقلت ابعد من ذلك! ولكن ذلك تم خلال سنوات.
    حديقة ثانية!
    وبعد ان أزيلت بعض الدور وقامت مكانها محطات بدايات انطلاق حافلات نقل الركاب العامة، قامت امامها من ناحية شارع الرشيد حديقة وسطية، استقرت على وضعها الراهن بعد تغييرات جمة..
    حديقة جسر الاحرار
    ويقوم هذا الجسر الحديدي حيث كان يقوم «جسر مود».. وهو الجسر الذي انشأه الانكليز في بغداد بعد احتلالهم لها، وكان في بغداد كلها جسرها الذي كنا نسميه «جسر العتيك» تمييزاً له عن الجديد، ولما تم بناء الجسر الحديدي قبيل الحرب العالمية الثانية، انشأوا حديقة صغيرة امام مدخله لغرض تنظيم مرور وسائط النقل المقبلة من الكرخ الى الرصافة عبرذ لك الجسر.. وقد تم زرع نخلتين فيها شاهدناهما وهما ليستا غير فسيلتين وهما الآن من النخيل العائطة!!
    ساحة الباب الشرقي
    وكما ان ساحة الميدان تعود الى بداية القرن الحالي فكذلك ساحة الباب الشرقي التي تعود الى اوائل الثلاثينيات وقد اقيمت بعد ان انشأت امانة العاصمة يومذاك «حديقة غازي» التي صار اسمها فيما بعد «حديقة الامة»، وقد قامت الحديقة على ارض منخفضة كانت عربات «الزبل» تلقى فيها حمولتها!..
    مقابل تلك الحديقة كانت تقوم «الكنيسة الانكليكية» في بناية قديمة هي من اجزاء سور بغداد. فتم هدمها عند فتح شارع غازي الذي اسمه اليوم شارع الخلفاء فاقامت حديقة وسطية –ساحة – وبعد اجراء التغيرات التي تلت اقامة جسر الباب الشرقي الحديدي حصلنا على ساحة ، ما لبثت ان تحولت الى نفق للسيارات.

    أقدم عمارة!
    وكانت عمارة مرجان هي اول عمارة تقام في الباب الشرقي وتقابل حديقة الامة وتطل عليها كما تطل على تمثال عبد المحسن السعدون الذي نقل الى مكانه الحالي من مكانه الاول الذي صار شارعا تقف على جانبيه حافلات نقل الركاب العامة.

  8. #78
    من أهل الدار


    الاميرة هيام زوجة ولي العهد الامير عبد الاله الناجية الوحيدة من مجزرة قصر الرحاب

    في رسالة المحامي شاكر جميل بخطه وتوقيعه بعثها الى الاستاذ والمؤرخ العميد خليل ابراهيم الزوبعي معاون المرحوم رفعت الحاج سري مدير الاستخبارات العراقية يتحدث فيها عن مصير الاميرة هيام الناجية الوحيدة من مجزرة قصر الرحاب فيتحدث المحامي شاكر جميل عن دوره في إنقاذها من الموت ، ولوضع حد للروايات والاشاعات التي قيلت بهذا الخصوص ، فيقول :أبين للناس وللتاريخ ما يأتي:
    في صبيحة يوم الاثنين الموافق 14 تموز 1958 استيقظتُ على صوت إطلاقات نارية ورشقات الرشاشة ، وعلى صيحات مذيع لم نألف صوته من قبل ،كان ينبعث من جهاز الراديو وهو يبشر بقيام الثورة المباركة ويدعو الجماهير الى التوجه نحو قصر الرحاب للقضاء على الدكتاتورية والفوضى والفساد.



    وبدافع خفي هرعتُ مع شقيقي بسيارتي الى حي الحارثية في الجهة المقابلة لقصر الرحاب، وفي مكان ما وقفنا كبقية المتفرجين نشاهد مجريات الحصار العسكري الذي كان مضروباً على القصر الملكي والساكنين فيه. وبعد حوالي نصف ساعة من القصف المدفعي ورشقات الرشاشة شاهدنا من العسكريين يساعدون جريحاً وهم يغادرون القصر بإتجاه الشارع العام ، وعلى الرصيف راح احدهم ينادي على سيارة لنقل المصاب الى المستشفى ، ولكن دون جدوى، فقد كان الشارع خالياً من المشاة والسيارات وكانت حركة السير قد توقفت تماماً. وتكررت صيحات الاستعانة وطلب النجدة ، ولما لم يكن هناك من مجيب توجهتُ بسيارتي نحوهم، وتحت وابل من الرصاص صعد الشخص المصاب ، وكانت إمرأة تحت حراسة إثنين من العرفاء بكامل سلاحهما ولباسهما الميداني وجلسوا ثلاثتهم في الحوض الخلفي وجلس الى جانبي شقيقي وقد تخلف العسكري الثالث وهو برتبة نقيب عن مصاحبتنا بعد أن طلب منا إيصال الجريحة الى اقرب مستشفى وموافاته بالنتيجة.
    إنطلقتُ بسيارتي اقودها بسرعة فائقة قاصداً مستشفى الكرخ وكانت حينذاك على مقربة من البوابة الرئيسة لمعسكر الوشاش ( حاليا متنزه الزوراء. ) ضاق الطريق وكاد السير ينعدم بسبب الحشود البشرية التي كانت متوجهة نحو قصر الرحاب . وفي واحدة من هذه الحشود كانت الجماهير تحيط بسيارة (فان) ويتدافع الناس من حولها لمشاهدة ما بداخلها،ولدى معرفتي سبب ذلك غادرتُ سيارتي وشقيتُ طريقي نحو تلك السيارة بصعوبة بالغة واذا بي وجهاً لوجه أمام جثتي الملك والوصي وهما ما زالا بملابسهما. عدتُ ثانية الى سيارتي وإستأنفتُ السير نحو المستشفى التي كانت ابوابها ما زالت مغلقة ولم تكن مستعدة لاستقبال المرضى ولا الحالات الطارئة مما اضطرني للذهاب الى مستشفى الشعب ( مير الياس سابقا)



    وتوجهنا نحو جسر الصرافية الحديدي الذي وجدناه مقفلاً بوجه السيارات بسبب الكتل البشرية الهائلة التي كانت تروم العبور من جانب الرصافة والاعظمية نحو الكرخ في طريقها الى قصر الرحاب، وسرنا وكأننا بسيارة اسعاف نلوح بأيدينا تارة وبمنبه السيارة تارة اخرى لافساح الطريق امامنا حتى تمكنا من اجتياز الجسر بشق الانفس.. وفيما نحن نقترب من المستشفى تعرضنا الى هجمات كلامية وتهديدات أطلقها علينا نفر من المواطنين الغاضبين والمتحمسين للثورة



    بعد أن تعرّف هذا النفر على هوية الجريحة وشخصيتها انها ( هيام ) زوجة الوصي. يا لهول المفاجأة كادت الجماهير تطبق علينا وتمزقنا شر تمزق ولولا الحماية العسكرية التي كانت معنا في السيارة وإطلاقها الرصاص في الهواء لاصبحنا في خبر كان.
    لقد كان الموقف رهيباً يهدد حياتنا بخطر الاموت بابشع صورة خصوصاً بعد أن شاهدنا وعرفنا الطريقة التي مات عليها كل من الوصي ، فكان الافلات من هذا الطوق الذي احاط بسيارتي يعتمد على الشجاعة والثبات وعلى شيء من حسن التصرف فانطلقتُ سريعاً بالسيارة نحو الشارع المؤدي الى مقبرة الاتراك ثم غيرتُ مساري يمينا وشمالاً داخل الشوارع الفرعية الضيقة حتى تمكنتُ من دخول المستشفى من الجهة المعاكسة.
    عرضت على الطبيب الخفر أمر معالجة المصابة وبينتث له انها كانت واقفة مع جمهور المتفرجين في الحارثية واصيبت برصاصة طائشة ، ولم اقل له كونها من سكنة القصر الملكي ، فقرر الطبيب بعد فحصها إبقاءها في المستشفى تحت المعالجة والمشاهدة المستمرة وخصصت لها غرفة بإحدى الردهات فتركناها في المستشفى تحت اسم مستعار هو اسم( سعاد نافع).
    عدتُ بالعريفين الى قصر الرحاب بعد دعوتهما وتناولهما طعام الغداء في داري الكائنة بالمنصور.؟
    رجعتُ الى المستشفى وحدي لمواصلة المهمة فدخلتُ غرفتها وكانت نصف نائمة فإنتبهت لمجيئي وباردرتني بكلمة شكر ودعاء فأجبتها بأن ما قمتث به ما هو الا واجب إنساني وأنا مستعد لكل مساعدة ، فقالت أنا دخيلك، ويظهر عليك ابن حلال فارجوك ساعدني على الخروج من المستشفى فحياتي الان في خطر وكل ما ارجوه منك الان ان تذهب الى بيت صديقتي (ن) في محلة البتاوين وستدلك على بيت اهلي في محلة السعدون وتخبرهم بقصتي ، ثم تدبروا الامر فيما بينكم لاخراجي من المستشفى.
    فبأقل من نصف ساعة وصلتُ دار صديقتها (ن) في البتاوين ثم إنتقلنا الى دار اهل( هيام) فوجدنا والدتها وهي تهم بمغادرة المنزل بسيارتها مع سائقها فاستوقفتها واخبرتها بقصة ابنتها هيام وكيف تمّ نقلها من القصر الى المستشفى بأمان، وطلبتُ منها ان ترافقنا الى المستشفى لاخراج ابنتها، ثم توجهنا جميعاً الى المستشفى كل بسيارته، وعلى بعد بضعة امتار منها تركت سيارتي خارجا وانتقلتُ الى سيارتهم فدخلنا معاً ثم طلبتُ من ام هيام ان تعطيني عباءتها وتبقى داخل السيارة واستصحبتُ معي (ن) الى غرفة هيام والقيتُ عليها العباءة لتلبسها ولتنتظرني مع صديقتها (ن) في الغرفة ريثما استكمل الاجراءات اللازمة لاخراجها .
    ثم ذهبتُ الى إدارة المستشفى وبينتُ للطبيب الخفر بأن المريضة سعاد نافع تريد مغادرة المستشفى فلم يوافق في باديء الامر على الطلب الا انه وبعد الحاح مني وافق بشرط أن تكون مغادرتها على مسؤوليتنا فكنتُ عند المسؤولية الانسانية وغادرت هيام المستشفى بسلام وأمان وهي ما زالت حية ترزق ومعافاة حتى كتابة هذه السطور في 15/1/1980
    المحامي شاكر جميل
    معلوماتي انها توجهت الى الاردن وبقيت ضيفا على عائلة العاهل الاردني الملك حسين رحمه الله حتى وفاتها.

  9. #79
    من أهل الدار

    ذكريات سوق السراي وشارع المتنبي ومكتبة المثنى


    ارتبط اسم "سوق السراي" و"شارع المتنبي" في الذاكرة البغدادية، وبخاصة لدى جيل الخمسينات والستينات، ومابعدها، بأنه الرئة الثقافية التي يتنفس فيها المثقف البغدادي، حيث المكتبات والكتب والمطبوعات بكل أشكالها العلمية والدينية والثقافية.
    السراي والمتنبي إرتبطا في ذاكرتي الشخصية، ومرحلة شبابي، بأنهما كانا عنوان الثقافة، والمكان الذي أجد فيه راحتي، وضالتي، كما هو كثيرين من جيلي، ففي سوق السراي أشعر أنني في عالمي الخاص، كتب ومجلات ومطبوعات من كل الأنواع والمصادر تباع بأسعار زهيدة، حتى أنني كنتُ خلال سنوات دراستي المتوسطة والثانوية بالكرخ، أزور سوق السراي والمتنبي يومياً بلا إنقطاع، لمجرد الاستمتاع بالوقت هناك والبحث عن الجديد، وغالبا أذهب للسراي دون أن تكون في ذهني كتاب معيّن أو مجلة معينة، أو مطبوعة مُحدّدة أبحث عنها بل صار السراي مكاناً أدمنت على زيارته، وفي بعض الأيام أزوره مرتين باليوم. أركب دراجتي الهوائية وأعبر جسر الصرافية بإتجاه باب المعظم والدفاع والميدان ثم القشلة فالسراي.

    أما مكتبات المتنبي فكنت أزورها جميعها تقريباً، باستمرار.. ولكن المكتبة الأبرز والتي أثرت بي، وكنت أرتاح لها وأمضي أغلب الوقت فيها هي مكتبة المثنى منذ صغر سن المراهقة والشباب، فقد كانت هناك حجرة خاصة خصصها صاحب المكتبة، لكتب الناشئة حتى لاتختلط كتبهم بكتب الكبار، وكان يسمح لنا بتقليب الصفحات ومطالعة الكتب والمجلات داخل الحجرة الخاصة بكتب الناشئة.
    إضافة إلى تجوّلي في أرجاء المكتبة، وكان المرحوم قاسم محمد الرجب صاحب مكتبة المثنى يرحب بكل الزائرين من كل الأعمار ويأمر عمّاله بتوفير الخدمات والطلبات لهم، وهذا ما ميَّزَ مكتبة المثنى عن غيرها من مكتبات شارع المتنبي.


    سوق السراي كان يشهد تنافسا بل (صراع وجود) بين أصحاب مهنة الجلود، وبين أصحاب القرطاس والكتب والمجلات، وتنافساً آخر بين باعة القرطاسية وبين باعة الكتب.
    كان من أشهر المكتبات داخل السراي مكتبات الحاج نعمان الأعظمي، وحسين الفلفلي، ومحمود القالبجي (صاحب مكتبة السلام)، يرحمهم الله جميعاً، وكانوا يجلبون أحدث الكتب إضافة إلى المُستعمل من روائع الكتب، وتربطني بالثلاثة علاقات وثيقة، فالمرحوم القالبجي كان متخصصا بالكتب والمجلات الدينية، أما حسين الفلفلي فهو والد لصديقي العزيز محمد زميلي بالثانوية وفي الشرطة واستشهد في الحرب العراقية الايرانية، وخلفه من بعده أخوه (أكرم) الذي مازال يدير المكتبة بعد أن تحولت وتخصصت في بيع الصور التاريخية لمعالم بغداد إضافة إلى الكتب.

    شارع المتنبي.. جامع المتناقضات!:
    يقع شارع المتنبي في الذاكرة العراقية الحيّة بوصفه شارعاً "للعقل" والاحتفاء بنتاجه الجمالي والفكري والانساني، ومن أهم صفات هذا الشارع إنه جامع
    المتناقضات، بل ربما كان وما زال هو السمة البارزة للتعبير عن الشخصية العراقية المتجولة في هذا الشارع، الذي ينحصر بين نهر دجلة وشارع الرشيد ويعود تأسيسه الى فترة الحكم العثماني ويُعدّ مركزاً لتجارة الكتب في المنطقة التي كانت تعرف بـ (سوق الوراقين) في العصر العباسي، أنه الشارع المتخم بالحكايات، وهو متحف لتاريخ الفكر العالمي والعربي والعراقي.
    يقال أن شارع المتنبي لم يكن عند إنشاءه متخصصا بالكتب والمكتبات، اللهم إلا المكتبة العصرية التي كان صاحبها المرحوم محمود حلمي قد أسسها في نهاية العقد الثالث، واستورد الكتب لها من مصر وبلاد الشام، وكان وكيلا لدار المعارف بمصر في العراق، ثم انتقلت ملكية المكتبة الى السيد محمد صادق القاموسي بعد وفاة حلمي. وكانت معظم المكتبات الرئيسية بما فيها مكتبة المثنى لصاحبها قاسم محمد الرجب والمكتبة العربية لصاحبها الحاج نعمان الاعظمي ومكتبة الفلفلي ومكتبة ابراهيم السدايري ومكتبة المعارف لصاحبها محمد جواد حيدر ومكتبة السلام لمحمود قالبجي وغيرها من المكتبات موجودة ومتراصة في سوق السراي، ثم اسس الاخوان عبد الكريم وعبد الحميد زاهد مكتبتهما...



    واعمالهما في القرطاسية في بداية شارع المتنبي قريباً من شارع الرشيد، وعلى مقربة من صيدلية كاكا الشهيرة انذاك.
    وكان التحوّل الكبير في هذا الشارع الذي كان شارعاً يضم الأفران أو المخابز العسكرية، عندما انتقلت مكتبة المثنى عام 1950 ثم توالت انتقالات المكتبات الاخرى مثل مكتبة المعارف والمكتبة الحيدرية فيما اسس الشيخ علي الخاقاني مكتبة (البيان) فيها واسس عبد الرحمن حياوي (مكتبة النهضة) وظهرت مكتبات جديدة ومتخصصة بالعلوم وبالتراث. ازدادت اهمية شارع المتنبي الثقافية تدريجياً فيما ضعف شأن سوق السراي الذي تحول تدريجياً الى دكاكين لبيع المواد القرطاسية والكتب المدرسية القديمة وانتشرت فيه (بسطيات) المجلات القديمة.


    وجد مثقفو الستينيات وما بعدها في المتنبي رئة ثقافية تنتشر فيها المكتبات بكل اشكالها العلمية والدينية والتراثية ودخلت سوق الكتب الممتع الثري هذا وجوه جديدة تولت عملية شراء المكتبات الشخصية للادباء والفنانين واساتذة الادب واساتذة الجامعات الذين آذاهم الحصار حيث صار شارع المتنبي معلماً ثقافياً عربياً يزوره كل مثقف يصل بغداد ويكتنز من خبرتها ومخطوطاتها وكنوز المعرفة فيها.
    لمعت في المتنبي والسراي أسماء لشخصيات عراقية ثقافية كان لها دور في مسيرة الثقافة في البلاد، ومن الاسماء الاولى في شارع المتنبي المكتبة العربية لصاحبها نعمان الاعظمي تاسست سنة 1908 وتلاها افتتاح المكتبة العصرية لصاحبها محمود حلمي قبل الحرب العالمية الاولى ثم ظهرت قائمة لكتبيين عراقيين، جديرة بالتنويه، منهم:
    شمس الدين الحيدري، محمد جواد حيدر، عبد الكريم زاهد، عبد الكريم خضر، حسين الفلفي، كاظم الحيدري، ابراهيم الكتبي وغيرهم، غير ان اسم قاسم محمد الرجب الذي افتتح مكتبة صغيرة في سوق السراي سنة 1935، اخذ شهرة ذائعة في سنوات قليلة ليصبح الاسم الاول بين الكتبيين العرب، بله العراقيين.


    مكتبة المثنى ...مفخرة ثقافية عراقية
    قاسم محمد الرجب (1917 ـ1974) مكتبي عراقي يعشق مهنته، بل هو من ابرز المكتبيين العراقيين الرواد،

    فلقد كانت مكتبته ( المثنى)، بمثابة منتدى ثقافي ودار للنشر ومطبعة وأداة لتسهيل وصول الكتاب إلى أيدي محبيه رغم الكثير من العوائق .. فهو من الأوائل الذين اهتموا بنشر أمهات الكتب العربية فضلا عن إصداره مجلة تعنى بالكتاب، علما وفنا وتجارة، تلك هي مجلة المكتبة.
    ولد قاسم محمد الرجب العبيدي الاعظمي سنة 1917 في الاعظمية وبها نشأ واكمل دراسته وتفرغ للعمل منذ يفاعته لمساعدة اسرته على مواجهة مشاق الحياة وعمل في مكتبة أحد أقاربه، وهو الكتبي العراقي الرائد الحاج نعمان الاعظمي صاحب المكتبة العربية ببغداد (1888- 1953) وكانت هذه المكتبة أشهر دور الكتب، وكانت منتدى لرجال الفكر والعلم والادب، كما يُعد نعمان الاعظمي من اوائل الناشرين العراقيين ومن اشهر مطبوعاته (تاريخ بغداد) للخطيب البغدادي. وعلى الرغم من الفوائد الكبيرة التي جناها الرجب من عمله في هذه المكتبة، اذ تعلم اسرار الكُتبيين والناشرين، لكنه عانى شظف العيش ومشاق الحياة، وقد قدم في مذكراته صورة طريفة لاستاذه نعمان الاعظمي ووسائله الطريفة في العمل الكتبي، غير أنَّ ألمَعيّة الرجب وعُصَاميته، وَضَحت منذ البداية، فقد برَع في عمله وكسبَ خبرة واسعة في تجارة الكتب وأحوالها.


    إفتتح الرجب مكتبة صغيرة في وسط سوق السراي- سوق الكتبيين قبل انتقالته الى شارع المتنبي في منتصف الاربعينيات من القرن المنصرم- سماها (مكتبة المعرّي) سنة 1935، ثم غير اسمها الى (مكتبة المثنى) طبقاً لنصيحة صديقه عبد الستار القره غولي- وهو من رواد اليقظة الفكرية- ليحصل على تخويل توزيع مطبوعات نادي المثنى بن حارثة.
    وفي غضون سنوات قليلة نمت مكتبة المثنى واتصل صاحبها بدور النشر العربية الكبيرة، وتوسعت خبرته وذاع أمره بين كبار الكتبيين العرب بعد أن بَزَّ العراقيين منهم، فتراجعت المكتبات الكبيرة الاخرى امام نشاطه واخذت منشورات مكتبة المثنى- وقسم كبير منها يُطبع في القاهرة وبيروت- تنتشر بصورة مدهشة ولسعة نشاطها، انتقلت الى بناية كبيرة في وسط شارع المتنبي في النصف الثاني من الخمسينيات، كما حصلت على حق توزيع معظم الصحف والمجلات العربية حيث كانت كل المجلات العربية مختوم عليها بختم بيضوي: ((وصلت بالطائرة، سعر المجلة، توزيع مكتبة المثنى)) أما الكتب العربية فأغلبها كان يحمل على الغلاف (توزيع مكتبة المثنى بغداد).


    وفاة قاسم الرجب في بيروت:
    في الاول من نيسان سنة 1974 توفي في بيروت قاسم محمد الرجب اثر نوبة قلبية مفاجئة، بعد مسيرة طويلة من العطاء والبذل.وبقيت مكتبة المثنى بعهدة
    تخمد النار المستمرة في المكتبة التي اتت على جميع رفوفها فتركتها ركاماً من رماد واعمدة من دخان، فمن يستطيع يا ترى أن يُخمد نيران القلوب التي تأجّجت في صدور رواد المكتبة ومريديها الذين إرتووا مما قدمته لهم من ينابيع الثقافة والمعرفة خلال ستة عقود من الزمان وتزيد، ذلك أنَّ مكتبة المثنى لم تكن ملكاً خاصاً لاصحابها من أسرة قاسم محمد الرجب، ولا لذويهم فحسب.. ،بل كانت ملكاً مُشاعاً لجميع العراقيين من أهل الادب وحملة الاقلام ورجال العلم في هذه البلاد كما كانت جزءً لا يتجزأ من تراث هذه الامة.. فقد ذهبت بذهابها أنفس المطبوعات واندرها التي كانت قرّة عين أصحابها ومفخرة من مفاخر والدهم تذكرهم بجهوده وجهاده وما لقى خلال نصف قرن من النصب والرهق، فطالما ركب الاهوال، وتجشم المخاطر، حتى استطاع ان يقيم قواعد هذا الصرح الثقافي الشامخ، الذي صار مصدر اشعاع لا في العراق فحسب، بل في جميع الاقطار العربية والدوائر العلمية والجامعية في العالم اجمع ).


    مجلة المكتبة:

    بدأت المكتبة منذ اوائل الستينيات من القرن الماضي مشروعها الكبير بأحياء المطبوعات العربية النادرة وهذا المشروع من اهم المشاريع الثقافية التي اضطلعت بها
    جهات غير رسمية فقد نهدت المكتبة الى اعادة طبع نوادر الكتب العربية ونفائسها لتيسيرها الى طلاب الثقافة والمعرفة.
    كما أصدرت المرحوم قاسم محمد الرجب مجلة (المكتبة) تعنى في بدء امرها باخبار الكتب ومؤلفيها، وقد صدر العدد الاول منها في آيار 1960 وصدر عددها الاخير سنة 1972. وسرعان ما تحولت هذه المجلة من نشرة مكتبية الى مجلة ادبية وعلمية قيمة وقد حملت الاعداد الاولى من المجلة عبارة قائمة شهرية تصدرها المثنى لصاحبها قاسم محمد الرجب، ثم تغيرت هذه العبارة الى: المكتبة مجلة الكتب والكتاب، واصبح المرحوم مهدي القزاز رئيساً لتحريرها والمحامي عبدالكريم جواد مديراً مسؤولاً لها، وتطبع في مطبعة شفيق.
    وقد اسهم في تحرير هذه المجلة الرائدة في بابها نخبة من كبار الكتاب والمثقفين في العراق وخارجه، واكثرهم لهم صلة وثيقة بصاحبها ويحضر مجلسه الادبي الرائع في باحة المكتبة التي كانت تشغل داراً تراثية كبيرة في منتصف شارع المتنبي ولم تزل قائمة، ومن هؤلاء: مصطفى جواد، احمد حامد الصراف، كوركيس عواد، صالح احمد العلي، يوسف عز الدين، محمود العبطة، عبدالقادر البراك، سلمان هادي الطعمة، فؤاد جميل، جليل العطية، محمد هادي الاميني، علي جواد الطاهر، علاء الدين خروفة، مشكور الاسدي، حكمت توماشي، عبد الكريم الامين، خضر عباس الصالحي، احمد حامد الشربتي، سليم المعروف، يوسف سعيد، فاروق عمر فوزي، خالد محسن اسماعيل، صفاء خلوصي، ناجي محفوظ، عبد العزيز الدوري، جميل احمد الكاظمي (الاسماء وردت هنا بدون ترتيب معين) ومن الكتاب العرب: محمد سعيد العريان، حسين مؤنس، فؤاد افرام البستاني، عبد اللطيف حمزة، شكري فيصل، وغيرهم.
    وتضمنت ابواب المحلة المختلفة الكثير من الفوائد التاريخية وحركة الكتاب العربي في كل مكان، واخبار المخطوطات وخزائنها وفهارسها. ومن هذه الابواب: مطالعات في الكتب، اخبار الادب والادباء، معرض الكتاب، رسائل القراء، اخبار ثقافية، صدر حديثاً، كتب جديدة.
    غير ان اطرف ما نشرته هذه المجلة واهمها حلقات كتبها قاسم الرجب باسم (مذكراتي في سوق السراي) ضمّنها ذكرياته عن تجارة الكتب واحوال الكتاب والمؤلفين منذ ان كان عاملاً في المكتبة العربية لصاحبها سلمان الاعظمي، وقد نشر عشرين حلقة من هذه المذكرات ونشر بعض الحلقات في جريدة (البلد) البغدادية لصاحبها عبد القادر البراك الذي اصبح محرراً لمجلة (المكتبة) بعد مهدي القزاز وقد اعدت اسرة الرجب هذه المذكرات للنشر ثانية.


    مجلس مكتبة المثنى
    كان للمرحوم الرجب مجلس أدبي كبير في الفرع الرئيسي للمكتبة في شارع المتنبي وكان يحضره كبار الكتاب والادباء والعلماء والوجوه الشهيرة في المجتمع، وقد بقي هذا المجلس الى السنوات الاخيرة من حياة المكتبة.

    الرجب: مذكراتي في سوق السراي:

    كما ذكرنا تواً، فقد كتب المرحوم الرجب مذكراته ومشاهداته سماها (مذكراتي في سوق السراي) وهي صفحات مطوية وطريفة من تاريخ الفكر العراقي الحديث، نشر القسم الكبير منها في مجلته (المكتبة) ونشرت فيما بعد بكتاب مستقل.
    كتب في الحلقة الاولى): صلتي بسوق السراي تعود الى سنة 1930-1931 يوم تركت المدرسة واتصلت به وكان عمري اثنتي عشرة سنة عندما اشتغلت عاملاً صغيراً بالمكتبة العربية لصاحبها نعمان الاعظمي، وكنت يومذاك في الصف السادس من المدرسة الابتدائية وكان مرتبي الشهري 600 فلس ولم أكن قد رأيت بغداد كثيراً، لانني كنت من سكنة الاعظمية فكنت اراها بالسنة مرة او مرتين وفي ايام الاعياد فقط، فلما اتصلت بالمكتبة
    وبالسوق كنت اعجب لما تحتويه من كتب اذ لم اكن قد رايت مكتبة من قبل. كان سوق السراي آنذاك زاخراً بالمكاتب الصغيرة منها والكبيرة امثال المكتبة الوطنية لعبد الحميد زاهد والمكتبة الاهلية لعبد الامير الحيدري والمكتبة العصرية لمحمود حلمي ومكتبة الشرق لعبد الكريم خضر.. وهناك مكتبات صغيرة منتشرة من اول السوق الى آخره ومنهم من يعرض بضاعته على الرصيف امثال حسين الفلفلي واحمد كاظمية والحاج محمد وسامح اسماعيل ومن المكتبات الصغيرة التي ما زالت صغيرة حتى اليوم مكتبة التجدد لحقي بكر صدقي ومكتبة الشبيبة لرشيد عبد الجليل والمكتبة الحديثة للحاج محمد ومكتبة الزوراء لحسين الفلفلي اذ لم تتقدم هذه المكتبات بالرغم من وجود طاقات من الذكاء عند البعض منهم ومن حسن المعاملة عند الاخرين.)
    وأضاف الرجب في مذكراته :


    ( وكان من عملاء سوق السراي ولا سيما عملاء نعمان الاعظمي زبون من اكابر شيوخ العمارة ونائب في مجلس الامة هو الشيخ فالح الصيهود وكان عند انعقاد دورة المجلس يسكن بغداد ويتردد على السوق فيطلب من عندنا كل الكتب التي تبحث في الامور الحسنة كالقصص والملح والمناظرات مثل :
    رجوع الشيخ الى صباه والايضاح في علم النكاح واخبار النساء لابن الجوزية ومحاضرات الادباء للراغب الاصبهاني وزهر الربيع وغير ذلك من الكتب وكان يقتني الكتب دون مساومة وربما دفع ثمن الكتاب مضاعفاً باختياره، فمثلاً كتاب عيون الاخبار لابن قتيبة يتكون من اربعة مجلدات وفي المجلد الرابع منه كتاب خاص بالنساء ولذا فانه يشتري الكتاب كاملاً ويدفع ثمنه، الا انه يترك المجلدات الاخرى ويكتفي بالرابع.


    واذكر ان عبد الستار القره غولي رحمه الله كان يحتفظ في مكتبه بنسخة مخطوطة من كتاب رشف الزلال من السحر الحلال للسيوطي، وهو يتالف من عشرين مقامة كتبت على لسان عشرين علماً دخلوا على زوجاتهم في عيد الفطر، فوصف كل واحد منهم ما بان له من ذلك حسب علمه وعمله وفنه فقدمه الى نعمان الاعظمي الذي استنسخ منه نسخة اعطاها الى القره غولي وباع الاصل للشيخ فالح الصيهود وعرض القره غولي النسخة التي اخذها الى احد كبار الضباط هو عبد المطلب الامين، فاعطاها الى صبري الخطاط الذي نسخ بخطه الجميل منها نسختين اعطاني احداها وما زلت احتفظ بها الى يومنا هذا.).


    عبد الكريم خضر

    (كان سوق السراي يتأثر بالروح الوطنية المتأججة بسبب فلسطين ووعد بلفور والثورة في كافة المدن الفلسطينية اشد التاثر، وكان يهيئ السوق للمظاهرات والاضرابات ويحثهم عليها عبد الكريم خضر صاحب مكتبة الشرق فكان يحرضنا جميعاُ على غلق مكتباتنا فاذا ما تاخر احدهم ذهب اليه مسرعاً واذا ما لاحظ ان السوق يتباطأ في غلق الابواب فانه ينزل من مكتبته ويمر على المكتبات واحدة بعد الاخرى وخلفه بعض الشبان والصبيان وهو ينشد هذه الكلمات المؤثرة:
    قم من القبر حزينا يا امير المؤمنين....
    قتل الصهيون في القدس خيار المسلمين
    وكنا نرددها جميعاً بعده ونمشي خلفه، ولابد من امتثال امره، اذ كان مخلصاً صادقاً وهو لا ينفك يصف احوال العرب والمسلمين في فلسطين واذلالهم من قبل اليهود، واول من يتاثر به السوق هو غلق خان الشابندر للصاغة حالياً يسمعون الاناشيد.. وكنت اشاهد السيد حسون ابو الجبن لابساً الكفن مضرجاً بالدم في منظر مؤثر جداً يتقدم المظاهرة وهي تسير في شارع الرشيد).
    شيخ علماء العراق أمجد الزهاوي:

    الازهر مجاورين فيه يطلبان العلم، فتخرجا فيه وفتح كل واحد منهما مكتبة ومطبعة سمياها مطبعة كردستان العلمية ونشرا كثيراً من الكتب الاسلامية القيمة مثل مشكل الحديث لابن قتيبة وكثيراً من رسائل ابن تيمية ومؤلفات ابن القيم الجوزية وغير ذلك مما لم يسبق لاحد ان طبعه طبعة علمية صحيحة ونشره، ولكنهما بعد مدة اعتنقا البهائية واخذا ينشران الكتب والرسائل البهائية موافقة لمبادئهم ومؤيدة لها ونشرا خطب عبد البهاء في امريكا وغير ذلك، وكان يصدران مطبوعاتها بعبارة (يا الهي بهاء) وهذا من المفارقات الغريبة التي قلما تقع.)

    روفائيل بطي والاعلان:
    (كان روفائيل بطي من محبي مكتبة المثنى الناشئة ومشجعيها، وكان لا يمر يوم الا وزارها، واقترح علي يوما ان يحجز لي حقلاً صغيراً في جريدته (البلاد) ليقرض بعض الكتب التي تصل إليَّ ولم أكن يومئذ أهتم بمثل هذا، ولكن ترغيبه والحاحه عليَّ باستمرار، حملاني على قبول الاقتراح، فهيأت بعض الكتب واعددتها للتقريض بناء على رغبته، وكان أول إعلان كتبه لي ونشره في جريدته إعلاناًَ عن كتاب صغير هو (النزاع والتخاصم فيما بين بني امية وبني هاشم) لتقي الدين المقريزي، بعد ان كان قد أعيد طبعه في القاهرة عن طبعة ليدن، ولم اكن اتصور ان يكون لمثل هذا الاعلان البسيط كل هذه الاهمية، وهذا الاثر فقد جئت –كعادتي- صباح يوم الى المكتبة واذا بي أرى جمعاً من الناس ينتظروني لافتح المكتبة وكلهم يبتغون شراء هذا الكتاب فبعت لهم وبقيت أبيع منه طول النهار حتى نفدت جميع نسخه.. ورفائيل بطي أديب ألمعي وصحفي قدير وهو ممن يمتلك مكتبة صحفية فيها كل طريف، وقلَّ من يهتم من الصحفيين بهذه الناحية الا انني رأيت كلاً من كامل الجادرجي السياسي والصحفي لا يصل كتاب الا اقتناه وتوفيق السمعاني الذي فاقت مكتبته جميع المكتبات بما فيها من مختلف الكتب والمراجع بالعربية والسريانية وهو ممن يرتاد المكتبة العصرية ويجلس فيها ثم يقصد مكتبة المثنى وهو صديق الجميع).

    سوق السراي اليوم يفقد خصوصيته:
    لقد تحوّل سوق السرّاي الى سوق عام بعد ان كان مختصاً في العلم والفن وهو الآن للتجوّل وليس للتبضع، والمحلات شيئاً فشيئاً تحولت الى تجارية لبيع الهدايا....


    ورغم هذا لازال لدى روّاده ومحبيه سوقا للعلم والمعرفة.. كما أن الفوضى والعشوائية صارت تشوه السوق بسبب تجاوز الباعة الجوالين وأصحاب المحلات على طريق مرور الناس... كما هو الحال اليوم في معظم أسواق وشوارع بغداد التي تفتقد للإنضباط والنظام، وتمتاز بشيوع المخالفات والتجاوزات.

    وقد شكل سوق الجمعة في المتنبي ظاهرة حية في الحياة الثقافية البغدادية فقد كان المشتغلون بالادب والفن والصحافة يجتمعون في مقاهيهم الاثيرة كل جمعة صباحاً، حسن العجمي والبرلمان (التي زالت) بعد ان بقيت طويلاً تحت اسم مقهى الرشيد والمقاهي القريبة ثم يتحولون الى شارع المتنبي، يتجولون بين مكتباته ويقفون عند مكتبة الشطري حيث يبدأ مزاد الكتب النازلة حديثاً للسوق حيث توزع مكتبة عالم او اديب راحل الى اشلاء، بعد ان تباع بالمزاد في وقت يتهامس فيه اديب مع كتبي محاولاً الحصول على كتاب ممنوع ومستنسخ!!.

    وبعد:
    ختاماً أقول: ما أجمل ذكريات السراي والمتنبي لمن عاشها، ولمن تذوق طعمها وأحس بنكهتها.. وتبقى كبة السراي ورائحتها التي تشمها من بعد أمتار علامة مميزة من علامات سوق السراي، والأفضل أن تتناولها في مقهى الشابندر مع شاي عراقي سنكين من النوع الذي تخصصت فيه مقهى الشابندر...ولا أنسى أن أترحم على روح أعز أصدقائي الأوفياء الأخ صباح صاحب مطبعة الصباح الذي وافاه الأجل مبكرا في شبابه وكان ممن أحرص على السلام عليهم حين أزور المتنبي والسراي...

  10. #80
    من أهل الدار
    سلام على بغداد


صفحة 8 من 13 الأولىالأولى ... 67 8910 ... الأخيرةالأخيرة
تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال