صفحة 6 من 13 الأولىالأولى ... 45 678 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 51 إلى 60 من 121
الموضوع:

رسالة الى حبيبتي بغداد ( متجدد ) - الصفحة 6

الزوار من محركات البحث: 79 المشاهدات : 2374 الردود: 120
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #51
    من أهل الدار
    تاريخ التسجيل: November-2020
    الدولة: بغداد
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 35,695 المواضيع: 10,477
    التقييم: 29373
    مزاجي: متفائل دائماً
    المهنة: موظف حكومي
    أكلتي المفضلة: البرياني
    موبايلي: غالاكسي
    آخر نشاط: منذ 15 ساعات
    جمال عبد الناصر يلتقى الشاعرة العراقية نازك الملائكة ويكرمها



    نشر الشاعر والناقد الكبير شعبان يوسف، على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك" صورة تجمع الشاعرة العراقية الكبيرة نازك الملائكة مع الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، أثناء إحدى زياراتها لمصر، وذلك خلال مشاركتها فى مؤتمر لاتحاد الكتاب العرب فى مطلع الستينيات من القرن الماضى، وقد منحها حينها وشاحا تقديرا لأشعارها المساندة للوحدة العربية، وعلق على الصورة قائلا: "عبدالناصر يستقبل الشاعرة العظيمة نازك الملائكة.. تقديرا للثقافة".
    وكانت الوحدة العربية، هى الحدث السياسى الهام الذى تأثرت به نازك و تفاعلت معه و کتبت عنه أکثر من کل الأحداث، وأخذت حيزا کبيرا من فکر و شعر نازك بالنسبة للأمور الأخری، فعبرت عنه الشاعرة بکلمات تتقاطر لهفة و شوقا و انتظارا لحدوثه و فرحا بمجيئه عند النهاية.
    نازك الملائكة عندما سئلت عن حالتها فقالت "أنا مريضة كالعراق" وكان ذلك فى إثر الغزو الأمريكى للعراق وماترتب عليه من أوضاع كارثية وصراعات طائفية فى هذا الوطن العربى الشقيق، ولأن مصر هى الدولة القاعدة أو الدولة الأم فى وعى القوميين العرب الذين تأثرت بهم نازك الملائكة فقد كانت مركز استقطاب لمعظم أدباء وكتاب العالم العربى وكانت نازك من أشهر الشاعرات، انتماء لمصر وحبا لها، ولاشك أن هذا ما يفسر إقامتها الدائمة فى مصر منذ عام 1990 إلى وفاتها فى يونيو 2007 فى عزلة اختيارية بسبب معاناتها من الاكتئاب، وقد احتفل بها المجلس الأعلى للثقافة فى مصر وحضر عنها زوجها كما نالت جائزة البابطين فى الشعر العربى.


    نازك صادق الملائكة (بغداد 23 أغسطس 1923- القاهرة 20 يونيو 2007) شاعرة عراقية، ولدت فى بغداد فى بيئة ثقافية وتخرجت من دار المعلمين العالية عام 1944، دخلت معهد الفنون الجميلة وتخرجت من قسم الموسيقى عام 1949، وفى عام 1959 حصلت على شهادة ماجستير فى الأدب المقارن من جامعة ويسكونسن-ماديسون فى أمريكا وعينت أستاذة فى جامعة بغداد وجامعة البصرة ثم جامعة الكويت.

    يعتقد الكثيرون أن نازك الملائكة هى أول من كتبت الشعر الحر فى عام 1947 ويعتبر البعض قصيدتها المسماة الكوليرا من أوائل الشعر الحر فى الأدب العربي. وقد بدات الملائكة فى كتابة الشعر الحر فى فترة زمنية مقاربة جداً للشاعر بدر شاكر السياب وزميلين لهما هما الشاعران شاذل طاقة وعبد الوهاب البياتي، وهؤلاء سجلوا فى اللوائح بوصفهم رواد الشعر الحديث فى العراق.

  2. #52
    من أهل الدار
    " حمامات السوق في بغداد وحمام الطفولة، ذكريات لا تنسى وحنين للماضي لا ينقطع"



    عاشت المقاهي الثقافية عصرًا ذهبيًا منذ نهاية القرن التاسع عشر وطوال القرن العشرين، وأصبحت أحد محاور صناعة الثقافة العربية انطلاقًا من القاهرة وبيروت ثم دمشق وبغداد وتونس والمغرب والجزائر..، فقد لعبت المقاهي دورًا كبيرًا في تشكيل الحركة الأدبية العربية وبث وترجمة نشاطات الواقع الاجتماعي والادبي والسياسي والاقتصادي، وهو ما تجلّى في حياة الكثير من الكتاب والشعراء والرواة، كما انها كانت المكان المفتوح للقاء الأصدقاء وعقد الندوات والجلسات الثقافية الموسعة،



    صدرت المقاهي، إلى العالم حالات فكرية متنوعة وغنية، كانت طاولات المكان وكراسيه من الشهود عليها أصلا، ما طرأ على الزمان والمكان من تغيرات، كان لا بد له أن يطرأ أيضا على تلك المقاهي شكلا ومضمونا، فالمقاهي اليوم تحتفظ بذكرى سطحية لعالم المقاهي الثقافية، وهي مجرّد لقاء مع أصدقاء وليس عقد ندوة ثقافية، او مقرا لاجتماع الشعراء والفنانين يتبادلون انتاجاتهم ويسردون حكاياتهم الشعبية في قالب يمزج بين الضحك والحزن والهزل المطرزة بقيم الجمال والأخلاق النبيلة المفقودة اليوم، في عالم اليوم كثرت المقاهي وأصبح روادها يتكاثرون يوما بعد يوم ليقظون ساعات أمام مشاهدة مباراة كرة القدم بعد أن حلت شاشات البلازما لنقل الحدث على الحيطان، ومع ذلك تبقى المقاهي هي ملاذ الغرباء، وسلوى، وطمأنينة المحبين، وصديقة الأدباء والمثقفين، وحكايا الأزمنة والعابرين، فناجين قهوتها تحمل من الأخبار والأسرار، والقصص والعبر، تنبئك عن الألم والأمل، الفرح والحزن، النجاح والفشل، في أحدى الصباحات الجميلة المشمسة، كان لنا لقاء مع بعض الأصدقاء، في مقهى الاونديجي المطل على بحيرة خالد الذي اشتهر بتقديمه المعجنات والمشروبات المختلفة كالشاي والقهوة وغيرها، فكل لقاء هو إضافة شيء آخر في دفتر الذكريات، وذلك لأن الذكريات وصور الماضي حاضرة عند كل لقاء، ونحن ننظر الى الجو الجميل البارد عبر نافذة المقهى سرح بذكر احد أصدقائنا الحديث عن جمالية الذهاب الى حمامات السوق أيام الشتاء والاستمتاع بطبيعة تلك الحمامات وجمال مكانتها، كذلك سرحت بنا الذكريات عن الحمامات، البيتية وقسوتها ورعبها عند الأطفال كل جمعة، وبهذا الحديث وتشعباته، بدأنا رحلة مشوقة بالكتابة عن الحمامات الشعبية (حمام السوگ)التي كانت تزدهر بها بلاد الرافدين وبغداد، رغم أن أجيال هذا الزمان لا تعرف الكثير عن تلك الحمامات الشعبية، إلى أن قصصها وحكاياتها لم تغفلها كتب التاريخ ولا أفلام السينما القديمة فحسب، سنحاول في مقالتنا توثيق ذلك وبكل حنين وشوق لتلك الأيام.

    مارس الإنسان الاغتسال تحت الشلالات وفي الأنهار والوديان والبحار، وجميع مجاري المياه الصافية، فكر بوسيلة أكثر عملية وحضارية تمكنه من ذلك كلما أراد أن يستحم، ومهما اختلفت ظروفه المكانية أو الزمانية أو المناخية، ومن هنا خلقت فكرة تشييد عمارة للاستحمام والاغتسال تسمح بتخزين المياه والتحكم في درجة حرارتها، اذ إن البشرية عرفت نوعين من الاغتسال، الاغتسال الذي يقصد به العناية بالجسد، والاغتسال الذي يقصد به التعبد وطقوس العبور الديني، وكلاهما مختلف من حيث الشكل والوظيفة والتقنيات، فمثلاً الحضارات القديمة غالبها يحتوي على فضاء للاغتسال الطقوسي الذي يكون بغطس الجسد كاملاً في الماء، ذلك الغطس المقترن والمستوحى من خروج الإنسان إلى الحياة كيوم ولدته أمه بعد أن كان مغموراً بماء رحمها، يقول الباحث العراقي خزعل الماجدي في كتابه "متون سومر"، "كان حوض الغطس أو الطقسي، يسمى في الحضارة السومرية (أبسو) وكان متصلاً بقنوات مياه جارية خارج المعبد، حيث كان السومريون يمارسون طقس الوضوء قبل ممارسة الصلاة"، ويتابع الماجدي الحديث عن طقوس السومريين ويتحدث عن التطهير عندهم وعند البابليين والآشوريين، فقال إنه "يجري بطرق عدة وهي إحراق البخور وسكب السوائل كالماء والزيت والحرق والدفن والاغتسال، فقد كان التطهر شرطاً أساسياً لكل من يدخل المعبد سواء كان ملكاً أو كاهناً أو من عامة الشعب، ولهذا فقد ارتبطت ظاهرة الاستحمام والطهارة بالإنسان منذ القدم، اذاً فالحمّام في بلاد الرافدين هو في الأصل موروث قديم عرفته البلاد في الحضارات القديمة بدءا بالفترة البابلية حيث برزت ظاهرة الاستحمام وخصصت لها طبيعة بناء مستقلة تشهد عليها الآثار الباقية، وفي الفترة الرومانية تطورت هذه البنى من خلال ما يسمى بـ"الحمامات الرومانية" التي اشتهرت كثيرا في عصرها وبقي ذكرها خالدا إلى اليوم ، ولم تخل حضارة من هذه الظاهرة بما في ذلك حضارات العرب، أقتصر وجود الحمامات في وادي الرافدين فقط على القصور ولم يُثبت وجودها في البيوت الخاصة...



    بُلطت غالبية أرضيات الحمامات بالآجر وبعضها بالحجر والكسر الفخارية وقد جُعلت الأرضية منحدرة قليلاً من أجل السماح للماء بالتدفق إلى زاوية محددة ثم إلى نظام صرف صحي فعال خدم المدينة عبر أنابيب صرف فخارية أو مزالق الصرف الصحي، وكانت مجاري الصرف التي في الطابق العلوي عبارة عن أنابيب فخارية بُنيت داخل جدران البيوت تقوم بصرف المياه إلى مجاري البيت الخاصة ثم إلى مجاري الصرف العامة في الشارع.
    تعود فكرة حمامات السوق إلى الإغريق في القرن الخامس ق.م، اذ اعتبروا النظافة شكلاً من أشكال فن الصحة، وفقاً لمدرسة "أبو الطب أبقراط"، كما يرجح بعض المؤرخين نشأة حمامات السوق إلى زمن الإمبراطورية الرومانية في القرن الثاني قبل الميلاد، والبعض الآخر إلى الفراعنة،



    استخدمت الديانات طقس الوضوء والاغتسال فالديانة المندائية كانت معروفة بديانة التعميد أي تغطيس الجسد بالمياه، وهي الممارسة التي استمرت كذلك في المسيحية، إضافة إلى الاغتسال في اليهودية والوضوء في الإسلام، معتمدين دائماً على مفهومي الطهارة والنجاسة، ثم أصبحت تلك الحمامات مبان مستقلة تديرها المدينة، وقد شكلت ما يشبه الصالونات الأدبية بصيغة اجتماعية وضمت الحمامات في ذاك العهد أحواضاً صغيرة فيها إما مياه حارة أو باردة، وكانت مفتوحة للعامة، واعتنت بتشييدها وزخرفتها، كما اعتنت بتسيير مجاري مياهها، وإتقان أحواضها وصهاريجها.



    ظهر التطور والازدهار الحقيقي في بناء الحمامات العامة مع الحقبة الإسلامية، حيث انتشرت في جميع أنحاء البلاد، وأبدع في بنائها الحكام، في بغداد أنشأت الحمامات في عصر الخلافة العباسية، وأصبحت جزأً من حياة المجتمع البغدادي، فكانت تمثل المنتدى الذي يقضي فيه الناس وقتا طيباً سواء للرجال او النساء ويتساوى فيه الأغنياء والفقراء، كما كانت تمثل عنصراً رئيسياً في تقاليد الزواج والختان الكبيرة لتصبح جزءاً من الحضارة الشرقية التي يغفل الكثيرون اليوم فضلها على حضارة الغرب، وأحسن ما كانت في أيام الرشيد، فإلى جانب عددها الكبير، فقد تميزت بطريقة خاصة في بنائها وإبراز مظهرها الخارجي للناس، إذ كانت تطلى بالقار فيتبادر الى ذهن الرائي أنه رخام أسود، وهذا القار يجلب من عين بين الكوفة والبصرة، تنبع به ولا تنقطع حتى يصير في جوانبها كالصلصال، فيجرف منها ويجلب إلى بغداد، وكان الحمام الذي أنشأه المنصور إلى جانب المسجد الجامع والسوق، يشتمل على مدخل صغير يؤدي إلى ممر منكسر، ينتهي إلى المشلح الذي يشتمل على مواضع لخلع الملابس وحفظها وبه مجلس معلم الحمّام الذي يأخذ الأجور ويشرف على العمل بالحمام، ويتصل المشلح بالحجرة الأولى من الحمام، وهي التي تسمى الحجرة الباردة أو بيت أول، وهي مزودة بأحواض الماء أو الهواء الساخن الذي يمر عبر أنابيب فخارية بحيطان القاعة، آتية من جهة المستوقد، وتتصل هذه الحجرة بحجرة ثالثة هي بيت النار أو الحجرة الساخنة، وهي مزودة بمغطس يبلغ فيه الماء الساخن أقصى درجة الحرارة التي يمكن أن يتحملها جسم الإنسان، وغالباً ما يستخدم في بناء الحمامات الآجر والحجر والرخام، وهي مواد تتحمل الماء وهذا ما جعل هندسة الحمام تتناسب مع مواد بنائه في أداء وظيفة الحمام التي تعتمد على الماء.



    ان طاقم العاملين في الحمام يتألف من خمسة أو ستة رجال، وهم حمامي، وقيم، وزبال، ووقاد، وسقاء، وذكر هلال الصابئ ان العاملين في الحمام هم:
    صاحب الصندوق، والقيم، والوقاد، والزبال، والمزين، والحجام، وقد فرض المحتسب شروطاً على طاقم الحمام، ففرض على قامة الحمامات العامة من اللذين يديرونها واجب غسلها وكنسها وتنظيفها بالماء الطاهر، ودلك البلاط بالأشياء الخشنة. حيث كان وقود الحمام يتألف من الزبل والشوك اليابس، كما فرض شروطاً صحية أخرى، ومنع دخول المجذوم، والأبرص، ويظهر ان الحمامات كانت تترك الأوساخ التي تجري في الطرقات العامة وتسبب أذى للناس مما حمل حاكم بغداد، سنة (467 ه‍) على ان يأمر المحتسب بمنع الحمامين من إجراء مياه الحمامات إلى نهر دجلة وان يلزمهم بحفر آبار تجتمع فيها المياه.
    عثر العلماء على موقع المستوقد خلف حمام في بغداد، حيث كان يتم فيه، تسخين الماء في قدور نحاسية كبيرة، وكان الماء والبخار يمران عبر أنابيب فخارية إلى وحدات الحمام المختلفة، كما عثروا على الباب الخلفي للمستوقد، حيث كان يزود بالوقود من حطب وأزبال ونفط، ولقد كثرت الحمامات في بغداد بعد توسعها، كثرة بالغة، فمع نمو مدينة السلام، كانت تزداد الحمامات فيها زيادة عظيمة، وتكشف روايات المؤرخين عن احصاءات عديدة لهذه الحمامات توضح ذلك، اليعقوبي في كتابه (معجم البلدان )في عام 284 هجريه، 897 م ان عدد الحمامات في الجانب الغربي ( الكرخ ) 10 الاف حمام وفي الجانب الشرقي (الرصافه) 5 الاف حمام وفي كل حمام يعمل خمسة افراد (حمامي ، قيم، زبال، وقاد، سقا ) وتناقص عددها الى 150 حمام في عام 1258 م وكانت اهم الحمامات في تلك الفتره وأحصاها الصابي (ت 448ه) بستين ألفاً، ويكشف الفارق بين الاحصائين عن الزيادة في عددها انعكاساً لنمو المدينة في ذلك الزمن، فإنها تدل أيضاً على أن الحمامات البغدادية، كانت من المنشآت البارزة بين التكوينات المعمارية لمدينة السلام، خصوصاً إذا قورنت بالكشوف الأثرية للحمامات في بعض المدن الإسلامية الأخرى مثل القاهرة وفاس، وتحدث بعض المؤرخين عن حكايات طريفة عن تلك الحمامات التي أصبحت جزأً من الفولكلور البغدادي، اما الف ليلة وليلة فقد زخرت بحكايات، كانت احداثها تمر على حمامات بغداد، فيها المؤانسة وقصائد أبي نواس وغناء جواري العصور الذهبية، ومن الحمامات الشهيرة في بغداد على شاطئء دجلة الشرقي، والتي وصلتنا تفاصيل بنائها وتصميمها الحمام الذي أنشأه شرف الدين هارون بن شمس الدين محمد الجويني، ، وحسب ما أورده بدر الدين الحسن بن زفير الإربلي في وصف أحد الحمامات البغدادية قائلا:
    رأيت ببغداد في دار الملك شرف الدين هارون ابن الوزير الصاحب شمس الدين محمد الجويني حماما متقن الصنعة حسن البناء كثير الأضواء قد احتفت به الأزهار والأشجار فأدخلني إليه سائسه وذلك بشفاعة الصاحب بهاء الدين بن الفخر عيسى المنشئ الإربلي وكان سائس هذا الحمام خادما حبشيا كبير السن والقدر، فطاف بي عليه وأبصرت مياهه وشبابيكه وأنابيبه المتخذ بعضها من فضة مطلية بالذهب وغير مطلية وبعضها على هيئة طائر إذا خرج منها الماء صوّت بأصوات طيبة، ومنها أحواض رخام بديعة الصنعة، والمياه تخرج من سائر الأنابيب إلى الأحواض ومن الأحواض إلى بركة حسنة الإتقان، ثم منها إلى البستان،



    ثم أراني نحو عشر خلوات كل خلوة منها صنعتها أحسن من صنعة أختها، ثم انتهى بي إلى خلوة عليها باب مقفل بقفل حديد، ففتحه ودخل بي إلى دهليز طويل كله مرخّم بالرّخام الأبيض الساذج، وفي صدر الدهليز خلوة مربعة تسع بالتقريب نحو أربعة أنفس إذا كانوا قعودا، وتسع اثنين إذا كانوا نياما ورأيت من العجائب في هذه الخلوة أن حيطانها الأربعة مصقولة صقالا لا فرق بينه وبين صقال المرآة، يرى الإنسان سائر بشرته في أي حائط شاء منها، ورأيت أرضها مصورة بفصوص حمر وصفر وخضر ومذهبة وكلها متخذة من بلور مصبوغ بعضه أصفر وبعضه أحمر فأما الأخضر فيقال إنه حجارة تأتي من الروم وأما المذهب فزجاج ملبس بالذهب، وتلك الصورة في غاية الحسن والجمال على هيئات مختلفة في اللون وغيره من هنا ندرك بأن الحمامات الشعبية العربية وخاصة ببغداد كانت على درجة عالية من الإتقان وإبراز الناحية الجمالية، وحسب ما روي أيضا عن بعض الحمامات البغدادية، أنه وجد في صدر إحدى الخلوات حوض رخام مضلع وعليه أنبوب مركب في صدره، وأنبوب آخر برسم الماء البارد والأنبوب الأول برسم الماء الفاتر، وعن يمين الحوض ويساره عمدان صغار منحوتة من البلور يوضع عليها مباخر الند والعود، و قد أنفق عليها أموال كثيرة من هنا تتجلى لنا التقنية الإسلامية في الحمامات في وقت كانت غائبة عن البلاد غير الإسلامية التي كانت تئن تحت نير الجهل والظلام، فهم أي العرب أول من أنشأ شبكة مياه في مواسير من المعدن توصل الماء بانتظام الى الحمامات الشعبية والى البيوت أيضاً، ويتجلى في تلك المرحلة انبهار المستشرقين بأجواء عمارة الحمامات واعتبارها جزءاً من حياة المجتمعات.



    تعتبر الحمامات البغدادية حسب ابن بطوطة الذي زار بغداد س عام 727هـ في القرن13م التي كانت خاضعة لحكم السلطان أبي سعيد بهادر خان تاسع حكام الدولة المغولية الإيل خانية، من أبدع وأبهى الحمامات التي زارها في البلاد التي طاف بها، سواء من حيث طريقة بنائها أو طريقة عملها وتنظيمها، حتى أن بغداد أخذت شهرتها من حماماتها يصف الرحالة ابن بطوطة ، الحمامات البغدادية بقوله: "النصف الأسفل من جدرانها مطلي بالقار والأعلى بالجص الأبيض. وفي الحمام خلوات (غرف) وداخل كل خلوة حوض من الرخام عليه أنبوبان أحدهما يجري بالماء الحار والآخر بالماء البارد، ويـدخـل الإنـسـان الـخـلـوة مـنـهـا مـنـفـرداً لا يـشـاركـه أحـد إلّا إذا أراد ذلـك. وفي زاويـة كـلّ خـلـوة أيـضـاً حـوض لـلاغـتسـال فـيـه أيـضـاً أنـبـوبـان يـجـريـان بـالـحـارّ والـبـارد. وكـلّ داخـل يُـعـطى ثـلاثـاً مـن الـفـوط : إحـداهـا يـتّـزر بـهـا عـنـد دخـولـه، والأخـرى يـتّـزر بـهـا عـنـد خـروجـه، والأخـرى يـنـشّـف بـهـا الـمـاء عـن جـسـده. ولـم أرَ هـذا الإتـقـان كـلّـه في مـديـنـة سـوى بـغـداد"، وضرب بها المثل في الروعة وحُسن البناء!، فقال ايضاً:”حتى يظن الرائي أن القار التي تطلى به رخاما أسود”، وكلما زاد عدد الحمامات في مدينة ما علا شأنها، وكانت الحمامات تزين بالصور وتزدحم أيام الجمع وكان العيارون يأوون إليها وينامون فيها، و لاقى دخول المرأة الحمام في أيام خاصة بها التشجيع وكانت المرأة تتفنن في تبرجها في الحمام، هذا العدد الكبير من الحمامات ودورها الكبير في النظافة البدنية، وفي الصحة العامة لسكان بغداد، وأيضاً في نظافة بيئتها الداخلية.



    ظلّت الحمامات العامة الفاخرة إحدى العلامات الأساسية لمدينة بغداد حتى باغتها المغول إبان اكتساحهم المدينة فاختبأ الناس في أفرانها هرباً من المذابح التي كانت تجري في الشوارع وكانت إيذاناً بانتهاء مجد المدينة،



    ومنذ أواخر العهد العثماني وبداية نشوء الدولة العراقية والى وقت غير بعيد، فان حمام الحي كان جزأً من الحياة البغدادية يأخذون اليه حكاياتهم، وقصصاً تدخل تحت تدفق المياه الساخنة والتكييس والتدليك للاستمتاع بأجوائه، ومن الطقوس الجميلة التي تنعش الذاكرة مع الأصدقاء ومع غيرهم من الزوار في جلسات تملؤها مظاهر المسرة من احاديث وغناء ونكات، فارتياد الحمام مظهر من مظاهر الحياة الاجتماعية وعادة متوارثة من الإباء والاجداد، الذين كانوا يؤمنون بالمعتقدات والعادات والقصص المروية،



    وتميزت الحمامات الشعبية جميعها بالطراز البغدادي ذي الأقواس والقباب والدهاليز، وكانت توقد ممرات الحمامات المظلمة بـ(القناديل والشموع) قبل إشاعة الإنارة (الكهرباء)، وكان لكل حمام بغدادي في سقفه فتحات زجاجية ملونة بالأخضر، والاصفر، والاحمر بغية تسرب الضوء الى داخل الحمام ، ومن أشهر وأقدم الحمامات الشعبية في بغداد بعضها ما زال يشاهد والبعض الآخر انقرض لطول عمره، اذ حلت محله العمارات والمخازن التجارية ومن هذه الحمامات:
    "حمام شامي" ويطلق عليه ايضاً "حمام الشامي" من أقدم حمّامات الكرخ وأوسعها، إن لم يكن أقدم حمامات بغداد وأوسعها، ويعود تاريخ بنائه إلى أوائل القرن السادس عشر، ويقع في علاوي الشيخ صندل وهو دون مستوى الأرض والنزول إليه يتم بسلم من ست درجات، وهذا ما جعل بعضهم يتحمس ويدّعي ان الإمام موسى الكاظم قد إغتسل فيه ذات يوم، على ان من الثابت ان عمره يتجاوز (400) عام، وقد حاولت جاهدة دائرة الآثار وقف تهديمه حين استملاك وفتح شارع حيفا لكونه تراثياً ولكن جهودها باءت بالفشل فهدم ضمن استقامة الشارع.
    في جانب الكرخ كان هناك عدد ضئيل من الحمامات ذكرنا حمام شامي أعلاه كأقدم حمام، والبقية هي: "حمام أيوب" او (حمام اليتيم) وهو عائد الى أيوب اليتيم، والذي كان ملتقى اجتماعي لأهالي الزقاق وكبار الشخصيات في المجتمع مثل بهجت العطية وتوفيق السويدي وعمو بابا، وهذا الحمام لا يختلف عن حمام شامي من حيث البناء لكنه يخالفه في الحوض الكبير الذي يرتفع عن قاعة (التعرق)، هذا الحمام التراثي اصبح ورشة للاخشاب!، و"حمام الجسر" مقابل التقاعد العامة، ويقع في مدخل جسر المأمون من جهة الكرخ بجوار مشهد بنات الحسن، وكان يديره الحمامجي، وحمام "الفحامة" في محلة الفحامة، وحمام "الحاج إبراهيم بن محمد" وحمام "التميمي" في محلة علاوي الحله، وحمام "الجعيفر".



    في جانب الرصافة هناك من الحمامات الكثير لكون الرصافة اكبر من الكرخ، ومن اشهر هذه الحمامات "حمام حيدر" ويقع بجوار ساحة الغريري وكان يسمى حمام المملكة، وهو من الحمامات القديمة والمشهورة بقسمه الرجالي والنسائي نسبة الى حيدر الجلبي الثري المعروف، ذكره المؤرخ العثماني اوليا جلبي سنة 1665م، أيام الوالي العثماني آق محمد باشا، وهو ذو نموذج بنائي نادر الا انه مهجور ومهدم، و"حمام الشورجة" في محلة الفراشة في (سوق الشورجة) يعتقد انه حمام "البقال خانة" و "وحمام بنجة علي" مقابل سوق الصفافير المطل على شارع الرشيد قرب جامع مرجان وتم هدمه وبناء عماره محله، و"حمام كجو" في باب الأغا، في اول شارع المأمون وقد تم هدمه وبني محله البنك اللبناني، و"حمام الكهيه" الذي يقع في محلة دكان شناوه وقد زال بدخوله شارع الجمهوريه بعد افتتاحه، و"حمام عويد" في محلة المربعة، و"حمام كيجة جية" في محلة العاقولية، و"حمام الباشا" قرب سوق هرج في محلة جديد حسن باشا ونهاية محلة الميدان مقابل مقر شرطة بغداد غير بعيد عن قشلة بغداد وبعد ازالته تم بناء المصرف العقاري وهو حمام واسع المساحة، وكان الحمام الوحيد الذي يقبل استحمام بنات الهوى عندما كان القانون يبيح البغاء ولا يمنعه حتى منعه سنة 1958حيث كان يقبل النساء يومين في الاسبوع ويوماً ثالثاً يخصصه لاستحمام بنات الهوى، وهذا الصرح مهدم ولم يبق منه الا القبة التي بنيت من الاجر والجص ، و"حمام المالح" الذي سميت المحلة باسمه، وتقع هذه المحله بين محلات المهديه والقراغول وقنبر علي تنسب الى الحمام هذه واشارت وقفيه الى هذا الحمام بحكم محكمة بغداد سنة 1858، وكان القائمون على هذا الحمام يسمون بالحمامي وكان عميدهم "سلمان افندي الحمامي"، و "حمام الجلبي"، "حمام الراعي" في محلة كهوة شكر، و حمام "السيد يحيى" في محلة سوق الغزل، و حمام"آل جميل"، و حمام "آل المفتي"، و حمام "الحاج رسول" في محلة جديد حسن باشا، و حمام "الحيدر خانة"، و"حمام "تاجه" ويقع في عقد جاموس، وحمام "قنبر علي" في محلة قنبر علي"، وحمام "النقيب" في شارع النهر، وحمام "السيد رووءف" في محلة المربعه، و"حمام جسومة" الخاص بالنساء في محلة دكان شناوة، وحمام "التليخانة" قرب التليخانة عند سوق الهرج، و حمام "الخستخانة" في محلة الخستخانة، وحمام "الخيزرانة في محلة الحيدر خانة، وحمام "السيد" في محلة الصدرية، وحمام "الشفاء" في محلة جديد حسن باشا، وحمام "رأس الكنيسة" في محلة البارودية، وحمام "الشيخ شكر" وحمام "عيفان" في محلة الفضل، و حمام "فضوة عرب"، وحمام "حميدي" في شارع الكفاح في باب الشيخ..



    وحمام "المهدي" و"حمام العقيل" في محلة باب الشيخ، وهو الحمام الخاص برياضي المحلة و حمام "الكمرك" في محلة المصبغة، و حمام "الكريمات" وحمام"السراي"، وحمام "الميدان" في منطقة الميدانوحمام "الشرطة" في الميدان، وحمام "الرافدين" في شارع المتنبي، و"حمّام كيجه جيلر" و"حمّام "بكتاش خان" وغيرها من الحمّامات التي اختفت من بغداد الان، وحمام "الحاج مهدي" في "الكرادة" والذي يقع في الازقة القديمة، فقد أنشأه عام 1936 الحاج مهدي، يعتبر حمام الحاج مهدي من الحمامات التي تعمل الى يومنا هذا، فهو نموذجيا من وجهة نظر تنظيم وهيكلة الحمامات الشعبية في الشرق، ففيه الصالة العامة التي تشبه المقهى الشعبي أو البهو حيث يتناول الزوار المشروبات الساخنة تحت قبته وثمة منازع اشتراكية وأخرى لمن يحجز غرفة خاصة به. وفيه ما يسمونه «الصحن» الذي يعتبر المحطة الثانية بعد الحمام الساخن ومسبح صغير للماء البارد لمن يرغب، وثمة مكان يطلقون عليه "الحارة" يعالجون فيه آلام الظهر بمساعدة "خبراء" في العظام والتجبير بالإضافة الى غرفة المساج التقليدي.
    أن أشهر حمامات الرجال في بغداد كان حمام يونس في باب المعظم، والذي كان يغتسل فيه أبناء المحلات المجاورة للميدان وبعض البغداديين الذين يقصدونه من أماكن قريب، وحمام القاضي بحانب المحكمة الشرعية، هذا الحمام كان رواده من تجار بغداد المعروفين، لذا كانت الخدمة فيه ممتازة، كما كان فيه ايضاً لكل تاجر معروف" مدلكه الخاص"، الذي يعرف كيف يتعامل معه، ومما يؤسف له ان هذا الحمام قد ازيل وانشأ بدله سوقا للأقمشة وبهذا فقد هذا البناء التراثي.


    في الكاظمية فان اول حمام يرجع بناءه الى العهد العثماني هو "حمام الجرموقه" الذي بناه الشيخ العلامه مهدي الجرموقي و"حمام الملوكي" الواقع مقابل مدرسة الخالصي والذي تم بناءه سنة 1930م وحمّام الميرزا هادي سمي حمام الجوادين لاحقاً، وهو من أقدم حمامات بغداد العامة يقع في الجانب الغربي من بغداد بمدينة الكاظمية في محلة الأنباريين جادة قريش بالقرب من باب الأنباريين.والمجاور لجامع الترك، تم هدمه كذلك جامع الترك لتوسعة مرآب للسيارات مجاوراً له وحمام "الأمير" في محلة القطانه وحمام "الدروازه" الواقع في محلة الدروازه، ومن أشهر الحمامات التي مازالت شاخصة حمام "الجوادين" الذي شيد في مطلع الستينيات من القرن الماضي والمزود ب 30 غرفة مجهزة بماء ساخن وبارد ويعمل فيه تسعة عمال ولم يستغن الناس عنه حتى بوجود حمامات حديثة في منازلهم.
    في الاعظمية فان اول حمام وهو حمام الحارة التراثي قرب مسجد بشر الحافي يرجع بناءه الى السلطان العثماني سليمان القانوني عند فتحه بغداد سنة 1534 م وتم تجديده سنة 1870م في عهد الوالي العثماني مدحت باشا وجدد مرة اخرى زمن الوالي ناظم باشا سنة 1910م ازيل هذا الحمام بسبب بناء جسر الائمة وإقامة منتزه بمكانه وبعدها تم بناء حمام واحد تابع للبلديه يستخدم للرجال ليلاً وللنساء نهاراً ومن أشهر الحمامچيه في الاعظميه عبد الرحمن وأشهر المدلكچيه مجيد المزين وحيدر الكردي.



    وزراء مرموقين وباشوات وأغوات ومطربين واشقياء ورياضيين كانوا زبائنه كما الناس العاديون وكانت "وزرة" واحدة تلفهم وينسكب على أجسادهم ماء من مصدر واحد. يقول إنهم كانوا بسطاء للغاية يتسامرون مع بعض ويتبادلون قطع الحلوى ويشربون "الدارسين" من كأس واحدة. فلهذا الشراب حسب عبدالله الصفار فوائد كبيرة لاسيما بعد الحمام الساخن أوجزها بأنه يجنب الإصابة بنزلات البرد ويعتبر منشطا للكبد ويقوي مناعة الجسم وخاصة ضد أعراض الفلونزا.



    كان الباشا نوري السعيد من رواد احد حمّامات بغداد في منطقة الحيدرخانة، حسب قول الحاج رجب رشيد الذي كان يسكن في بيت العائلة قرب الحمّام، ويشير الى ان (الباشا) كان يصحب مرافقه (الشرطي)الذي يحمل (بقجة) ملابس اشهر رئيس وزراء عراقي وهما يدخلان الى الحمّام!!.



    حمّام النساء الذي اشتهر في الامثال البغدادية الشعبية كمكان يضج بالاحاديث الصاخبة للمستحمات ولايفهم من احاديثهن شيئا هو نفسه حمام الرجال إلا أن ذلك الحمام يترك نهاراً لاستحمام النساء ويعمل ليلاً في خدمة الرجال المستحمين،



    تعودت النساء ان تصطحب معها (الركية) وهي اناء دائري مضلع على شكل (اشياف) الرقي مصنوع من (الصفر) أي النحاس، وله غطاء وتستخدمه لحفظ التجهيزات الخاصة بها مثل (الديرم وسبداج الوجه وكيس الحمام والليفة والصابونة ومشط الخشب والحجارة السوداء)،
    احبت النساء البغداديات للقاء جاراتهن حيث يتمكنّ من الحديث بشكل جماعي في القيل والقال، وتبادل الأخبار، والترويح عن النفس، كما ان بعض النسوة المستحمات يقضين معظم النهار في الحمّام، لذلك تراهن يستحضرن جميع ما يلزمهن من الطعام مثل الكباب والكبة وخبز العروك والفواكه، وخصوصا البرتقال لما يمنحه من رطوبة وانتعاش بعد جولات الاستحمام بالماء الساخن، وكانت هنالك مناسبات اخرى مكانها الحمام منها، "حمام العروس" من أبرز طقوس الأعراس؛ إذ تتم فيه دعوة الأقارب والجيران وصاحبات العروس وأهل العريس من النساء، من جانب أم العروس، إلى الحمام للاحتفاء بابنتها المقبلة على الزواج؛ فتستحم النساء وسط أجواء من الاحتفال، تتعالى فيه الزغاريد والاغاني والرقص حيث تكون (طاسات الصفر)، في مقدمة آلات العزف المصاحبة للغناء!، وتختتم بمائدة غداء تتحلّق حولها النساء في الحمام ذاته، كثيراً من البغداديين يتذكرون قصصا طريفة عن ايام طفولتهم وهم في سن الخامسة أو السادسة من العمر حين كانت امهاتهم يصطحبنهم الى 'حمامات النسوان' وبعضهم لايسمح له بالدخول رغم ان عمره كان دون السابعة. حيث كان يمنع من دخول حمام النساء من هو في سن السابعة، اعتقادا بان الولد في هذه السن يبدأ بمعرفة اشياء عن المرأة، وقبل أن تجتاز الأم عتبة الحمام مع أطفالها تكون المراقبة قد تفحصتهم جيدا واستخدمت خبرتها ودقة حساباتها في تقدير عمر الولد قبل ان تسمح له بالدخول. وتحصل الكثير من المشاكل تتطلب عادة تدخل المسؤولة:
    المراقبة: عيوني أم حمودي، أوليدج هذا حمودي مايدخل الحمام، ممنوع، ماشاء الله وليدج صاير رجال، الله يخليه!
    ام حمودي: دادة أم حسون، وليدي حمودي العام فطمته، السنة الفاتت بعده يرضع، بعده مامكمل الست اسنين، اليسمعج ايقول وليدي حمودي رجال وعايزله زوجة؟
    المراقبة: ام حمودي قلت لج حمودي مايدخل، هذا أخوه جمولي الله يخليه يدخل وياج، لأن أمبين بعده وليد زغير، بس هذا حمودي اكبر من سبع سنين، وليدج ماشاء الله راح تطلع له شوارب.
    ام حمودي: وين اخليه دادة؟ مو معقولة أنا أدخل الحمام ووليدي يبقى بالدرب؟؟ أخاف عليه دادة أم حسون، يمكن ينباق، يمكن أتسحقه عربانه أو يرفسه زمال.
    المراقبة: ابكيفج عاد، أرجعي خليه بالبيت وبعدين تعالي للحمام.
    ام حمودي (زعلانة): مالازم الحمام اليوم، ولا الأحسن اروح لحمام ثاني وبعد ما أجي لحمامكم، اوي عشتو على هيج حمام عبالك مخفر شرطة مو حمام!!
    يعد ألم العضلات من الظواهر الشائعة‬ ‫لدى الرياضيين، للتخفيف من حدة ألم العضلات، ولذلك ‫فحمام السوق والساونا والتدليك كان الملجأ على إرخاء العضلات والتخفيف من حدة‬ ‫الألم ولتنزيل الوزن، ‬ولهذا كانت حمامات السوق المشهورة تستقبل الرياضيين من لاعبي كرة القدم والسلة والطائرة والساحة والميدان والملاكمة والمصارعة وكمال الاجسام. ‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬ ‬
    الحمام البغدادي يعتبر محلاً للتكريم يذهب اليه العريس قبل زفافه بساعات، حيث يأتي العريس وبصحبته مجموعة من أصدقائه المقربين وبعد أن يتم غسله وتشجيعه، يخرجون به الى الزّفة وطبعا مع اغتسال الجميع على نفقة المعرس، وكذلك يذهب اليه من لديه مجلس فاتحه في اليوم السابع اذ يذهب للحمام لإزالة اثر الفاتحه والعزاء.
    الحمام البغدادي كان موضع صياغة النكتة البغدادية فعلى مايروى أن أحد ظرفاء بغداد أراد التخلص من اجرة الحمام، وحالما انتهى من الاستحمام في حمام الباشا ذات يوم واتجه خارجا وكان عليه ان يدفع اجرة الحمام لصاحبه الذي يجلس في المدخل، ادعى سرقة ماله. ادخل يديه في جيبوبه وراح يردد 'اويلاخ يابه انسرقت'!، وبعد أخذ ورد مع صاحب الحمام، اعفاه الأخير من الأجرة، وبعد ان كرر هذا الصعلوك الظريف فعلته في الحمام. اضطر صاحب الحمام الى سرقة ملابسه هذه المرة واخفائها عنه. وحين خرج من الحمام في المرة الثالثة لم يجد من ملابسه سوى الحزام والحذاء وغطاء الرأس فشد الحزام على وسطه وهو عار واحتذى حذاءه ولف (الجراوية) حول رأسه وتقدم وسط الحضور وامام صاحب الحمام وهو يسألهم بصوت عال: ابربكم ياجماعة أنا دخلت الحمام هالشكل؟؟!.
    عالم الطفولة وطقوس الحمام عادة تبدا يوم الجمعة، فالأم هي بطلة الساحة واحيانا المربية عند بعض العوائل وفي محلتنا كانت اكثر المربيات حبشيات ولا أزال أتذكر احد الأصدقاء كان يقول لنا : "انا كرهت الحمام من ورا غسل الحبشية وهي مشمرة عن يديها، وداسة طرف ثوبها في حزامها العريض لي ولاخوتي"، فلا أظن أن أحدًا من الكثيرين ينسى كيف كانت أمه تجره كأنه اقترف إثمًا إلى غرفة الحمام، ولهذا فالكثير كان يتهرب من الاستحمام ولكن بالنهاية نستحم سواء باللين او بالراشدي!، وتبدأ عملية فترة الاستحمام كأنها يوم القيامة، حيث طشت واسع بالقرب منه دكة صغيرة للجلوس، ووعاء فيه الماء الساخن وأدوات الاستحمام: ليفة خشنة، وصابون ركي، الحمام بالدور واحد وراء الاخر، تستغرق العملية ربع ساعة او اكثر، فالماء حار جداُ "يسمط سمط" ، فرك الرأس كانه فرك لمصباح علاء الدين عبر رغوة الصابون الكثيفة وعينكم ما تشوف الصراخ من حرقة العيون من صابون الركي "الغار" ، ثم تأتي فقرة التليف، فالليفة خشنة من شجرة الليف كأنها سكين تغس بالجسم تستعمل في فركِ الجسد لتزيح الاوساخ وتنضفه من السموم المتراكمة والخلايا الميتة ولتصفي البشرة لتزيح الاوساخ وتنضفه من الجلد الميت لتصفي البشرة، وكنا نخرج بجلود قرمزية اللون كَديكٍ تم نتف ريشه، لا نترك من غسل الام او المربية الا وقد اصبحنا قادرين على الاستحمام لوحدنا، ومع ذلك فصوت الام ينادينا بين وقت واخر للأطمئنان وعدم هدر المياه، فرغم قسوة تلك الأيام ورغم العناء والصعوبات ما يسودها من مظاهر القسوة والخشونة بطقوس الاستحمام المتصل بعالم الطفولة الجميل، فان ذكريات الأم لا تنسى، فتلك الذكريات تبعث في الإنسان الحنين إلى حضنها الدافئ، المُخضَّب بأنفاس من رحلوا وذكريات من تلك الايام المليئة بالبراءة والبساطة.



    بدأت الحمامات بالتلاشي تدريجياً، ومن أصل 67 حماماً في بغداد، لم يبق سوى تسعة منها فقط، إن الحمّامات الشعبية مثّلت منذ ظهورها والى يومنا هذا مقصدا شعبيا له مزاياه الخاصة، يجد فيه قاصده ملاذا للتخلص من متاعبه الجسدية وضغوطاته النفسية ومكانا للاغتسال والتطهر، بل تعدت ذلك لتتحول الى مقراً البعض للشفاء من الكثير من الأمراض، كما مثلث ناديا مصغرا يلتقي فيه الأحبّة لتجاذب أطراف الحديث والترفيه عن الذات، رغم ظهور الحمامات المنزلية أو حمامات البخار العصرية التي يطلق عليها اسم «الساونا» الحرارية والملحية والجاكوزي والحجامة وحتى الحلاقة، التي صممت لتعوضها أو تقوم بنفس دورها، ومع ذلك تبقى حمامات السوق عراقة الماضي ونكهة التاريخ ورائحته، وبما تستحضره من عادات وتقاليد وممارسات الاقدمين، وانطلاقا من الحرص على إنقاذ ما يمكن إنقاذه منها، يطالب الكثيرون ممن يؤمنون بقيم التراث بصيانتها وحمايتها من الإندثار باعتبارها موروثا إنسانيا ساهم في نحت خيال تراثي يميز بغداد بقصصها وأساطيرها الكثيرة، ومن الله التوفيق.

  3. #53
    من أهل الدار
    بغداديات .... الطب والعلاج ايام زمان








    بغداد ايام زمان

    بقسميها بكرخها ورصافتها ودجلتها كانت فقيره في الخدمات كافه والتي ترتبط الواحده بالاخرى فتوفر الصحه لابد له من نظافه وثقافه والنظافه شخصية وبيتيه ونظافة العكد ( الدربونه ) وبالتالي نظافة المنطقه واهتمام البلديه كما يجب ان تكون هناك دوائر صحيه تقدم خدماتها للناس وتقدم ثقافه صحيه توعي الناس وتعلمهم ,,

    لم يكن هذا كله متوفرا سوى جزء يسير منه في النصف الاول من القرن العشرين ولم تكن بغداد تمتلك عيادات طبيه شخصيه الا على عدد الاصابع ومستشفياتها تنحصر بالمجيديه ( المستشفى الملكي ) في جانب الرصافه ومستشفى خضر الياس في الكرخ ومستشفى العزل بالكرخ ثم نقل الى منطقة جسر ديالى وكان المواطن يستثقل الذهاب الى المستشفى ويعتبرها وكانها نقيصه بحقه ولذلك ظلت الناس باكثريتها مواظبه على ماورئته من آبائها واجدادها لعدم توفر الثقه في ماهو جديد ..
    في جانب الكرخ كان عدد الاطباء لايتجاوز اصابع اليد الواحده وهم على مااذكر ( صميم الصفار , سعدي السامرائي , توما كافي الموتى) , وتنحصر عياداتهم في الشارع الرئيسي لجسر الشهداء اما في جانب الرصافه فكان الاطباء ( جاك عبود , بهنام قندلا , كمال السامرائي , سلمان فايق , كرجي ربيع , علي كمال , كارنيك , واخرين ) وكانت الرصافه لها رصيد من الاطباء اكثر من الكرخ بحكم رقعتها الجغرافيه الاكبر ونفوسها الاكثر ,,
    ولم يكن لاجدادنا طبيب او مستشفى او صيدلية كما هو حالنا اليوم و لمعالجة امراضهم وامراض ابنائهم فكانوا يلجؤن الى الوسائل البدائيه والعطارين والملالي واذا مرض احد الاطفال تقوم الام بعرضه على الجدة القابلة التي اولدتها فهي صاحبة خبره ومعرفه بحكم العمر والتجربه ولديها امكانية تشخيص المرض و تصف له العلاج من العطار ليعطيها بعض الاعشاب لتسقيها الى الطفل او تذهب به الى الملا لكتابة حجاب له او القراءه على راس الطفل واذا كان المرض يتطلب جراحه او مداواة فقد كان جراح المحله ومعالجها هو الحلاق ..



    كان الحلاق (المزين) يقوم بعدة اعمال طبية منها الحجامة لسحب الدم الفاسد ويداوي الجروح ويجبر الكسور ويقلع الاسنان ويقوم ايضاً بختان الاطفال اضافة الى حلاقة شعر الرأس واللحية ..



    كذلك كان للعطار دور فاعل في معالجة الامراض ووصف العقاقير فبعد ان يقف على اعراض المرض الذي يشكو منه المريض فيسرع العطار الى العلب التي تحتوي على الاعشاب والنباتات وتكون مرتبة على رفوف دكانه يجمع بعض البذور والاعشاب والنباتات والتي يعتقد بأنها الدواء الناجح لمرض ذلك المريض وبعد تقدم العلوم الطبية وانتشار المستشفيات والصيدليات في عموم العراق وتخرج مئات الاطباء والصيادلة سنوياً اوشكت معظم الادوية الشعبية وطرق تحضيرها بالاساليب القديمة الى قلة الطلب وضعف الاقبال عليها من الناس وقد ورد اسم العطارة في تراثنا حيث قال احد الشعراء حكمة شعرية نظمها بقولة (لايصلح العطار ما افسد الدهر) كذلك ذكر اسم العطار في الامثال الشعبية والترانيم التي ترددها النسوه ,,

    رأسي وجعني كومي شديه
    ودوايه من العطار جيبيه
    شد الغريبة مانفع بيه

    وهناك انواع كثيرة من الاعشاب والنباتات المعروفة لدى البغداديين ومنها لاتزال تستخدم ومنها ( ورد لسان الثور ) كمهدىء الباببنك للصدر والكحه وزيت الخروع للامساك وقشور الرمان للمعده ودوه الحمام لازالة الشعر والديرم بدل قلم الحمره والسبداج للخدود والشب والكحل وغيرها.
    وكان عطار المحله الملا عبد الله العطار الذي كان يحتوي محله على خزين من الاعشاب وذاكره قويه لوصف الدواء لكل طالب مشوره وعلاج وكان رجلا من اهل الله والدين وكان الاطفال يسألونه عن دواء لاهاليهم وكان يضع الخلطه في ورق يلفه بشكل مخروطي هندسي جميل ويغلق فتحته باسلوب رائع وكثيرا ما كان يعطي العلاج مجانا للفقراء كما هو حال بعض الاطباء الذين كانوا يخصصون يوما في الاسبوع مجانا للفقراء ..
    وكثيرا ماكنا نرى الاطفال وهم معلقين الحجاب على الدشاديش والثياب دفعا للحسد او علاجا للمرض وحتى الكبار كان البعض منهم يعلق (باز بند) على ذراعه اما للعشق او للعلاج او للقوه ومنهم من يضع الحجاب في جيبه لجلب الرزق او دفع الحسد او المحبه وغيرها ..
    ولم تكن المستشفيات تستقبل الا القليل ولكن بمرو الوقت تعودت الناس على مراجعة الطبيب والمستشفى واستخدام الادويه حيث كانت وصفة الابر للمريض هي دلاله على مرضه الثقيل اما اذا ادخل المستشفى فان الامر في غاية الخطوره وترى النسوه والگرايب متجمهرين عند باب (القاووش) ينتظرون الفرج معهم عدد من قناني شربت برتقال ( الجميلي) والعلاليك والزنابيل لان اكثر المرضى لايستسيغون اكل المستشفيات ..
    لم تكن المستشفيات بهذا التطور الحالي في العالم طبعا وليس عندنا ولكن اخذ الناس بالاعتياد عليها تدريجيا حتى اضمحل العشابين ( وقد عادت الاعشاب في السنين العشره الاخيره بقوه ) كما توقف شغل ملا جواد ..



    واختفت الحجب وام سبع عيون والعفص الذي كان يعلق على صدر الطفل لحمايته وسن الذيب لطرد الحسد ,,



    وكانت اكثر المواد تداولا هو ماء غريب(قناني زجاجيه صغيره انكليزية الصنع )للاطفال يقضي على الانتفاخ والمغص ويهدىء الطفل وعلج بستك للجالي اضافة الى حبوب الجالي وحبة حلوه والهيل وغيرها الكثير ..

    من علاجات ايام ذلك الزمان

    رفة العين : عود من تبن او ورقه زرع خفيفه على العين



    الدمامل : حب دبج وهوحبوب سوداء لزجه تخلط وتوضع على الدمامل لتفتحها وايضا الفطيرايه وهي عجين وعليه صابون ( رگي ) وتشد على الدمامل ليفتحها
    الكآبه والضغط النفسي : تخدير ورد لسان الثور او مايسمى ورد ماوي وخاصة بعد المغثه او الشجار .
    علاج الراس : وهو الراس الذي يوصف بانه ساقط من المخده اي النوم غير الصحيح وذلك بواسطة قطعة قماش ,, عصبه او ربطه ,, وتتم عملية قياس الراس من جميع الجهات وايجاد الاختلاف ثم وضع الربطه حول الراس ووضع قدم المعالج على الجهه الاخرى وتعديل الراس وهكذا للجهات الاخرى وهونافع فعلا ,
    علاج الاسنان : بوضع القرنفل ومضغه او الماء والملح
    علاح رمد العين : بوضع الشاي الاسود بعد تخديره على العين بواسطة قطعة قماش .
    الام المفاصل : حمام السوق والتدليك ( المدلكجي ) .



    الاسهال : نومي بصره يخدر ويسقى به المريض او لبن خاثر مع الرز .
    السعال : شراب الباببنك بعد تخديره او العسل
    الحساسيه : وتسمى الهرش اي الحكه وتعالج بالماء البارد والملح وتناول عصي الليمون الحامض .

    وهناك العديد من العلاجات الشعبيه الاخرى ,,
    كيف نشأنا وكيف اجتزنا مجموعات غريبه من الامراض ولكننا ادركنا التلقيحات التي تجريها وزارة الصحه الملكيه في المدارس ضد الجدري والتايفوئيد والكوليرا وكان اكثر ما يخوفنا هو مرض النكاف ولكنه يفرحنا في نفس الوقت لانه يتيح لنا اجازه لمدة ثلاثة ايام من المدرسه ..
    هكذا كنا وهكذا كانت الحياة مستمره و كنا نضع الامور على خالقها والحمد لله

    عبد الكريم الحسيني

  4. #54
    من أهل الدار
    جسر الصرافية





    جسر الصرّافيّة جسر يقع على نهر دجلة في بغداد سمي شعبياً الجسر الحديدي، وسماه من يعيش بقربهِ جسر العلوازية أو جسر العيواضية أو جسر الصرافية والاسم الأخير هو الأشهر، وهو أحد جسور بغداد الثلاثة عشر فوق نهر دجلة ومن أقدمها عمراً. ولقد بدأ البناء في عام 1948 على يد الحكومة العراقية، وبالتعاقد مع الشركة البريطانية (هولو) في أواخر عام 1946 التي باشرت بتنفيذه. ويربط جسر الصرافية منطقتي الوزيرية التابعة لقضاء الأعظمية من جهة الرصافة ومنطقة العطيفية التابعة لقضاء الكرخ من جهة الكرخ.كان مُعدّا لمدينة سيدني الإسترالية
    كان جسر الصرافية معداً للإنشاء في مدينة سيدني في أستراليا قبل أن تقرر وزارة الأشغال والمواصلات العراقية شراء هيكله الحديدي ومن ثم تعهد إلى شركة كوبربلايزرد بإدخال التحويرات المقتضية على هيكله، ولقد بدأ العمل بتنفيذه أواخر سنة 1946 من قبل شركة (هولو) البريطانية.
    بناء الجسر
    قامت الشركة البريطانية (كوردبلايزرد) الهندسية بوضع تصاميمه لمدة استغرقت عامين، في حين قامت الشركة البريطانية (هولو) في أواخر عام 1946 بتنفيذه، وقد دفعت الحكومة العراقية تكاليفه، ويبلغ طول الجسر مع مقترباته 2166 متراً بينما يبلغ الجزء الواقع على النهر 450 متراً لذا عُدَّ أطول جسر حديد في العالم آنذاك، لأن الجسر الحديد المقام على نهر الراين بألمانيا كان يحمل الرقم القياسي بين الجسور الحديدية ولم يكن يتجاوز طوله 1500 متر مما أدى إلى أن يحطم جسر الصرافية الرقم القياسي المذكور، سيما إذا علمنا أنه يتكون من سبعة فضاءات خمسة منها بطول 58 مترا وفضاءان آخران بطول 80 مترا كما يبلغ عرض ممر السيارات 6 أمتار وعرض ممر السكة الحديد 4 أمتار وقد روعي في تصميمه وتنفيذه احتوائه ممرين للسيارات مع إمكانية جعل خط السكة المتري خطاً قياسياً من دون إجراء أية تحويرات عليه باستثناء تبديل قضبان السكة والعوارض الخشبية وملحقاتها ومن الجدير بالذكر أن سقف الجسر يتكون من هياكل الحديد الجاهزة فقد كانت مديرية السكك الحديد تعتمد على استعمال هياكل الحديد الجاهزة لسقوف الجسور التي أنشأت في تلك الحقبة وما قبلها.
    تعثر البناء
    تعثر بناء الجسر بسبب انتفاضة الوثبة سنة 1948 واعتبره المواطنون الذين قاوموا عقد معاهدة بورت سموث بين العراق وبريطانيا جسراً يبنى لخدمة الأغراض البريطانية فهاجموا المهندسين الإنجليز والعمال الهنود الذين يعملون فيهِ ورموهم بالحجارة وقطع الحديد كما رُميت بعض القطع من الحديد في النهر.
    العودة إلى العمل
    عند تأسيس وزارة الإعمار ومجلس الإعمار رصد لهُ مبلغ إلّا أنه لم يكن كافياً لتنفيذه بالصورة المتفق عليها وفق الخارطة الأصلية التي كانت قد رسمته على صورة ممرين للسيارات واحدة ذهاباً والأخرى إياباً وبينهما سكة الحديد لسير القطار إلّا أنه أُنجز بممر واحد للسيارات وممر سكة الحديد، تمت العودة إلى العمل خلال وزارة السيد محمد الصدر واستمر حتى افتتاحه في عام 1952 إذ جرى احتفال رسمي كبير حضره السيد جميل المدفعي رئيس الوزراء حيث شاهد البغداديون لأول مرة قطاراً يسير على جسر حديدي يعبر على نهر دجلة ولقد قاده سائق القطار الأقدم السيد عبد عباس المفرجي وكان يشرف على سيره الفني ياس علي الناصر باعتباره فنياً متخصصاً بسير القطارات الحديثة.
    الجسر وحسب مواصفاته الأصلية كانت السيارات تعبر من فوقه في اتجاه واحد، ولكن في التسعينيات قامت الحكومة العراقية بتحوير الجسر كي يتناسب مع ازياد حركة المرور في الشوارع ليستوعب اتجاهين في آن واحد وليحد من الاختناقات المرورية التي كانت تحدث قرب جسور أخرى واستخدم الحديد الموجود في سكة القطار الملحقة في نفس الجسر لعملية التحوير كي يحتفظ الجسر برونقه المعماري الأثري.أطول جسر في العالم حينذاك
    بلغ طوال الجسر مع مقترباته 2166 متراً بينما بلغ طول القسم الواقع على النهر (450) متراً وكان بذلك أطول جسر في العالم في حينه.
    تدميره في حرب الخليج الثانية
    هاجمته طائرات قوات التحالف وقصفته خلال حرب الخليج الثانية عام 1991 خلال عملية الحرب الجوية ضد العراق ملحقة به أضرارا شديدة.
    تدميره في 12 أبريل 2007
    أصيب جسر الصرافية العريق بتفجير انتحاري في شاحنة أدت إلى تدمير جزئي للجسر ومقتل ما لا يقل عن 10 أشخاص وجرح حوالي 26 شخصا وسقوط عدد من السيارات في نهر دجلة وإلحاق أضرار بالمنازل المجاورة بالجسر ولا سيما من جهة منطقة العطيفية.
    إعمار الجسر
    بدأ العمل في إعادة بناء جسر الصرافية بتاريخ 1 أيار/مايو 2007 وبعمالة عراقية من عمال ومهندسين واستشاريين.
    الجهات المساهمة
    وزارة الإعمار والإسكان
    ساهمت وزارة الإعمار والإسكان عبر شركتا الفاو والفاروق للمقاولات الإنشائية، إضافة إلى الهيئة العامة للطرق والجسور.،
    وزارة الصناعة والمعادن
    ساهمت وزارة الصناعة والمعادن بشركاتها الثلاث وهي كل من الشركة العامة للمعدات الهندسية الثقيلة، والشركة العامة لصناعة السيارات وشركة ابن ماجد العامة.
    المركز الوطني للمختبرات والبحوث الإنشائية
    كان للمركز الوطني للمختبرات دورا كبيرا في فحوصات أعمدة الجسر وإعطاء التوصيات اللازمة لمعالجتها بشكل فني وسليم للشركات المنفذة، ومن ثم إعادة فحصها للتأكد من سلامة التنفيذ.











  5. #55
    من أهل الدار
    الملك غازي (١٩١٢ - ١٩٣٩)



    الملك غازي (١٩١٢ - ١٩٣٩)



    هو غازي بن فيصل بن حسين بن علي بن محمد بن عبد المعين المتصل نسبه بالحسن بن علي بن ابي طالب.

    امه حزيمة كريمة الشريف ناصر باشا بن علي شقيق الشريف حسين.
    وُلِدَ غازي في مكة المكرمة يوم 21 اذار 1912 وكان ابوه يوم ميلاده يقود حملة عسكرية في عسير لتاديب محمد بن علي الادريسي امير عسير الذي شق عصا الطاعة على الدولة العثمانية ولهذا سمي (غازي) تيمنا بتلك الغزوة الموفقة.

    اما جده الشريف حسين فقد سماه عونا على اسم جد الاسرة الهاشمية (عون بن محسن) وظل جده يناديه بهذا الاسم ويناديه والده وافراد الاسرة باسم غازي. حيث عاش في كنف جده الحسين مدة طويلة من الزمن لان والده كان كثير السفر والترحال والابتعاد عن عائلته واهله فكان جده يرعاه ويرعى امه واخواته.

    جاء الملك فيصل الاول الى العراق سنة 1921 وحيدا وترك عائلته في الحجاز ثم انتقلت الى شرق الاردن وصارت تعيش في كنف الامير عبد الله شقيق فيصل وامير شرق الاردن.
    ولما وضع الدستور العراقي سنة 1924 قرر فيه ان يكون عرش العراق وديعة جلالة الملك فيصل الاول وانه ينتقل الى الاكبر فالاكبر من ابنائه على خط عمودي وقرر عندها الملك فيصل استقدام عائلته الى العراق فارسل في طلب الامير غازي ولي العهد واهله .
    جاء الملك غازي الى العراق مزودا بتقاليد البيت الهاشمي وآدابه ودينه من جده وبصفاء الذهن ودوام الحركة وحرية العمل من البادية التي احتضنت طفولته وفي هذه الثقافة ذخر ثمين لملك مما جعل غازيا محبوبا لشعبه الذي اخلص له كل الاخلاص. فتعلق الشعب به وعني بشؤونه الخاصة والعامة فكان الناس على اختلاف طبقاتهم يتتبعون اخباره في حياته الاعتيادية والرسمية ويقيمون له الدعوات والولائم.
    ففي يوم 10 تشرين الاول1924 اقيمت للامير غازي دعوة خاصة في سينما الوطني في الدور الثاني واعدت منهاجا حافلا فوق العادة احتفاءا به. كما دعت المدرسة الجعفرية الى حفل توزيع الجوائز على المتفوقين من طلابها حيث توافد عليها العديد منهم الشيخ محمد رضا الشبيبي وزير المعارف وناجي شوكت متصرف لواء بغداد وساطع الحصري مدير المعارف ورشيد الخوجة امين العاصمة.

    حيث وصل الامير غازي بصحبة رستم حيدر رئيس الديوان الملكي وسكرتير الملك الخاص والقى الملا عبود الكرخي قصيدة من الشعر العامي رحب فيها بالامير غازي في بغداد كما جاءت وفود من خارج بغداد للترحيب بالامير غازي فمن البصرة جاء وفد برئاسة الشيخ صالح باش اعيان وزير الاوقاف الاسبق ومعه عبد القادر باش اعيان ويوسف البدر ومحمد سعيد آل عبد الوهاب مدير شرطة البصرة.

    اخذ الملك فيصل يتشاور مع ياسين الهاشمي رئيس الوزراء حول اتخاذ الوسائل الناجحة لاعداد الامير غازي اعادا علميا وتهيئته بشكل يمكنه الدخول الى المدارس العراقية والاهتمام بصحته وبناء شخصيته بناءا سليما فاصدر الملك فيصل الارادة الملكية الى رئيس الوزراء باتخاذ التدابير اللازمة وبالفعل بوشر يوم 24 تشرين الثاني 1924 بتدريس الامير غازي المواد التدريسية وفق المنهج المقرر الذي يتضمن اللغة العربية والعلوم الدينية حيث اختير منير القاضي لذلك ومحمود شكري لمبادىء التاريخ وعزالدين علم الدين لمعلومات المحيط اي جسم الانسان واعضائه والظواهر الزراعية والحيوانية وابراهيم دباس للرياضة البدنية والخط وتولت مربية انكليزية (المس فيرلي) مهمة العناية به وتدريبه على اللغة الانكليزية والالعاب اليدوية والميكانيكية والخشبية الانكليزية وكسب الاصدقاء بمجاملاته ولطفه .

    وطلب مجلس الوزراء الى العقيد طه الهاشمي في 12 كانون الثاني 1925 ان ياخذ الامير غازي لزيارة المدارس من حين الى آخر ودعوة الهاشمي بعض الاطفال المقاربين له في العمر الى البلاط الملكي للاشتراك معه في العاب الرياضة والاهتمام باوقات فراغه وكيفية قضائها بعد ساعات العمل وقد وجدت اللجنة من المناسب ان يعين له مرافقا لمراقبته والاهتمام به واخذت اللجنة تنمي بالامير غازي روح العمل الجماعي وحب الالفة والصداقة مع الشباب..

    واقترحت ان يشارك في فرق الكشافة وتقرر تشكيل فرقة كشافة ينضم اليها الامير غازي.
    كما اقترح طه الهاشمي على مجلس الوزراء ان يرتاد الامير غازي المسارح ودور السينما بصحبته ليتعرف على احوال المجتمع العراقي ويقف على مجريات الحياة اليومية وان يحضر الحفلات الرسمية والمناسبات الوطنية التي تقام تحت رعايته وان يقوم بسفرات الى مناطق مختلفة من العراق ليحتك بالمواطنين بشكل مباشر وان يزور المعامل والمصانع ويتعرف على مصنوعاتها الوطنية. وعلى هذا الاساس صاحب الامير غازي والده في سفراته الى الالوية والمدن العراقية فذهب الى كربلاء والنجف والشامية والحلة والديوانية وزار العتبات المقدسة واطلع على الاماكن الاثرية.
    وخلال وجود الملك فيصل في انكلترا عام 1925 جرى الاتفاق على ان يدخل غازي (مدرسة هارو العامة ومدرسة ايتن ) من ارقى المدارس الانكليزية في التربية والتعليم انذاك حيث وصلها غازي في 10 نيسان 1926 حيث اظهر هناك ذكاءا واضحا في الهندسة وتحسن لغته..

    في تشرين الاول 1928 استدعى فيصل ولده غازي من لندن وادخله الكلية العسكرية الملكية في بغداد ..

    اذ كانت رغبة والده ان يتخرج ابنه فيها ضابطا خيالا فطلب الى وزير الدفاع ان تبذل العناية لتدريبه على ركوب الخيل والتمرن على الفروسية اذ كان يرى في جسم غازي الصغير يتلائم مع الفروسية وطلب وجوب اعتباره كبقية التلاميذ ومعاملته بنفس الطريقة التي يعامل بها التلاميذ دون تمييز في الدروس والمأكل والمنام لغرض ان يعتمد على نفسه وأمر أن لا يلقب بالقاب الامارة بل باسم الشريف غازي وقد ادت هذه الملاحظات الى اندماج غازي مع التلاميذ وقد هيأت المدرسة العسكرية له دروسا خصوصية باللغة العربية واللغة الانكليزية والرياضيات وكان يقوم بتدريسه تلك المواد فاضل الجمالي كما تولى الحاج سليم والد الفنان جواد سليم اعطاء غازي دروسا في الجغرافية وكذلك احمد حامد الصراف الذي كان يحدثه عن تاريخ الامويين والعباسيين وكذلك سيرة الامام علي بن ابي طالب واستشهاد ابنه الحسين رضي الله عنهما اضافة الى الشعر.

    وقد تاثر بافكار الضباط القوميين انذاك ومنهم محمود سلمان الذي اشرف على تدريب غازي اذ كان هناك تنظيم سياسي بين صفوف الضباط ويدعى بالميثاق القومي العربي بقيادة صلاح الدين الصباغ وفهمي سعيد ومحمود سلمان وكامل شبيب وقد اظهر غازي خلال وجوده في العسكرية جرأة ونشاطا ملحوظين في الالعاب الرياضية والضبط العسكري فحاز على تقدير اساتذته واعجاب رفاقه.
    وقد تخرج في المدرسة العسكرية في تموز 1932 برتبة ملازم ثان خيال حيث كان الاول في الفروسية فتسلم من ابيه الجائزة الاولى في طفر الموانع وقرر بعد ذلك تعيينه مرافقا له للاطلاع على اساليب الادارة والتعامل مع مختلف القضايا.

    اعتلاء العرش
    لقد اثارت وفاة الملك فيصل في 8 ايلول 1933 جملة تساؤلات على الصعيد الرسمي على اعتبار انه كان يلعب دورا اساسيا في سياسة الدولة العراقية خصوصا في ايجاد التوازن السياسي بين المصالح البريطانية والمطامح الوطنية او بين الساسة العراقيين انفسهم فقد اعتبرت وفاته في نظر البعض خسارة جسيمة لابد ان تعيق تقدم العراق لانها جاءت في وقت اصبح العراق فيه احوج الى خدماته اكثر من اي وقت مضى في حين عكف قسم اخر على اظهار وجوه المقارنة بين غنى تجربته وقلة خبرة خليفته غازي مما كان يوحي بالقلق على مستقبل البلاد.

    اقسم غازي وريث الملك فيصل الاول الذي ارتقى العرش يمين الاخلاص الرسمي وتبادل البرقيات مع الملك جورج الخامس ، كما تقبل استقالة وزارة رشيد عالي الكيلاني.وكلفه بتشكيلها مرة ثانية.اعقبه جميل المدفعي الذي شكل وزارة جديدة ضمت كلا من جمال بابان للعدل ونوري السعيد للخارجية وناجي شوكت للداخلية ورستم حيدر للاشغال ونصرت الفارسي للمالية وصالح جبر للمعارف. وشرعت وزارة المدفعي باجراء تغييرات اعتيادية بين كبار الموظفين . كما استطاع المدفعي ان يجري الترتيبات اللازمة لاعلان خطوبة الملك غازي على اول مولودة لعمه علي هي الاميرة عالية وذلك في اليوم الخامس والعشرين من شهر كانون الثاني /يناير 1934 .وبعد عام توفي في بغداد الملك علي والد الملكة عالية والامير عبد الاله وذلك في الثالث عشر من شباط 1935 وشيع باحتفال الى مرقده في المقبرة الملكية حضره شقيقه عبد الله امير شرق الاردن . ثم توفيت والدة الملك غازي الاميرة حزيمة في شهر اذار/مارس 1935 .وبعد شهرين اي في الثاني من ايار/مايو 1935 رزق الملك غازي والملكة عالية بمولودهما الاول فيصل الثاني.
    بقي الملك غازي وفقا للنصح الذي قدم اليه يرفض اجراء انتخابات عامة وذلك هو الشرط الذي قد يستعيد الاخائيون به الوزارة. وبدلا من ذلك رأى غازي ان من الحصافة ان يستدعي جميل المدفعي مرة اخرى الى تاليف الوزارة التي استبعد فيها كل من نوري السعيد ورستم حيدر وناجي شوكت وصالح جبر واختار بدلا منهم كلا من ناجي السويدي وعباس مهدي ورشيد الخوجة وجلال بابان والطبيب عبد الله الدملوجي لاول مرة والذي كان وزيرا للخارجية خلال سنتي 1930- 1931
    كان الملك غازي انذاك في الحادية والعشرين من عمره، فتى نشطا ووطنيا متحمسا ومحبوبا وكان يتمتع بالشعبية من لدن الجماهير ومن ضباط الجيش الذين درس معهم في كلية "هارو" لفترة غير ناجحة. لكن مع ذلك كان ينقصه الاعداد الذهني والاهتمام بالشؤون العامة. وهذا النقص بالاضافة الى تكريس وقته للمرح والالعاب قد اضعف الامل في البرهنة على كماله بالنهوض بوظائف الملكية في العراق.
    فمن جهة نظروا الى الملك الجديد على انه لا يمتلك تدريبا ولا تجربة تمكنانه من فهم عقلية الناس بحيث يستطيع ان يؤدي دور والده في التعامل بصورة خاصة مع رؤساء العشائر فتضطرب الاوضاع ومن جهة اخرى توقعوا ان قلة تجربته وحداثة سنه لن تجعلاه قادرا سواء بالاقناع او بالضغط على ممارسة نفوذ مؤثر على وزرائه وبالتدريج ستنتقل السلطة الفعلية الى الوزراء.
    اما الموقف الشعبي فقد تجددت الامال بتولي غازي العرش في ان يكون عهده بداية جديدة لسياسة تطمئن تطلعاته في ازالة كل معالم النفوذ ومواصلة السير بخطوات اكثر سرعة لتحقيق الاهداف الوطنية وذلك استنادا الى السياسة الحازمة التي انتهجها في مواجهة تمرد الاثوريين عندما كان وليا للعهد وتوسمت الصحف فيه خيرا . وهكذا وفي احتفال حضره رئيسا مجلسي الاعيان والنواب ورئيس الوزراء والوزراء ادى غازي يمين القسم وتوج ملكا على العراق وكان
    غازي قد تولى العرش عمليا بالنيابة عن والده مرتين اثناء غياب والده الاولى في 5 حزيران الى 2 آب 1933 والثانية في 1ايلول الى 8 منه عام 1933 بالرغم من ان الملك فيصل كان يرى ان غازي لم يكن مؤهلا بعد للقيام بمسؤوليات ملك في العراق وان تولي غازي العرش مؤقتا من اجل الدخول في تجربة فعلية تصقل مداركه وتضعه وجها لوجه امام القضايا المختلفة وتعطيه فرصة لاختبار النفس .كان الملك غازي لايرتاح للسفير البريطاني في بغداد ولا للسياسة البريطانية في العراق وقد بدا ذلك واضحا في مذكرات السفير البريطاني لحكومته حيث
    يقول السفير البريطاني في بغداد( السر موريس بيترسن ) 1938 و1939 كانت طبائع الملك غازي مشكلة ليس لها حل وكان يجيد التحدث بالانكليزية فقد درس في هارو ولم تخل تصرفاته من الجاذبية التي اتصف بها والده فيصل. ولكنه كان ضعيفا ومترجرجا وكانت نزواته مضافة الى اختياره اصدقائه من الضباط الشبان الطائشين وحتى من بين خدمه في القصر قد جعلت السيطرة عليه مستحيلة والتاثير فيه عسيرا كما جعلت منه خطرا على الجميع.وخاصة على نفسه وكانت هوايته المعقولة الوحيدة هي الطيران وهو موضوع الّم به الماما صحيحا ويلذ له التحدث فيه وكان يمتلك في مطاره الخاص على بعد اميال قليلة شمالي بغداد عدة طائرات خاصة ويجيد قيادتها بنفسه وكان شديد الكلف بذلك على الرغم من التعليمات الدائمة التي تمنعه عن قيادتها.
    ويضيف السفير البريطاني لقد بذلت جهدي لاخراج الملك غازي من تلك الحلقة الضيقة التافهة من الاصدقاء الذين احاط نفسه بهم وكان كثير الاحجام عن الظهور في الاماكن والمناسبات العامة ولم يفعل الا في اندر الاحوال ولكني سمعت انه مارس لعبة التنس زمنا والححت عليه مرارا ان ياتي ليلعب في السفارة حيث كانت عندي ساحتان واخيرا جاء ولعب اربع لعبات او خمسا من التنس المزدوج وتناول الشاي وغادر بنفسية مرحة ولكن علامات عدم الرضى التي ارتسمت على وجوه الضباط والموظفين الصغار الذين رافقوه دلتني على صعوبة تكرار التجربة . في الواقع تملص الملك مني على الدوام كلما حاولت دعوته مرة اخرى.
    اراد الملك غازي ان يتزوج الانسة (نعمت) اصغر بنات ياسين الهاشمي حيث كانت هناك صداقة بين بنات الهاشمي وبنات الملك فيصل الاول شقيقات الملك غازي وربما تكون اخوات الملك قد حبذن لاخيهن الاقتران باحدى بنات ياسين الهاشمي .

    وصار هذا الخبر يتردد في الاوساط وعندما سمع نوري السعيد هذا الخبر طار صوابه واسرع يوحد جهوده ومساعيه مع جعفر العسكري لافشال تلك الزيجة اعتقادا منهما انها اذا تمت فسوف تتيح لياسين الهاشمي مركزا خاصا يقضي به على طوحهما السياسي. وقد سافر نوري السعيد الى الاردن واتصل بالملك عبد الله من اجل الاسراع بتزويج الملك غازي بالاميرة عاليا ابنة عمه الملك علي .ويؤكد ذلك ناجي شوكت فيقول دعيت لاجتماع مجلس الوزراء ولما وصلت وجدت نوري السعيد في حالة هياج شديد وهو يقول(هاي عايزة يصبح ياسين عم الملك) وليس من المستبعد ان يكون نوري السعيد وبقية افراد العائلة المالكة والمقربين منهما اقنعوا الملك غازي بالتخلي عن فكرته وهكذا اتخذت التدابير المستعجلة لانجاز هذا القرار.

    وتمت الخطوبة والملكة عاليا في الاستانة بعد وفاة الملك فيصل بعشرة ايام وكلف الامير عبد الاله بالذهاب اليها واحضارها فجاءت الى بغداد في يوم 2 كانون الاول 1933.

    وفي الساعة الثامنة والنصف من صباح يوم 2 ايار/مايس 1935 رزق الملك غازي بولي عهده الامير فيصل الثاني.

    وفي سنة 1936 انشأ الملك غازي اذاعة صغيرة جعلها في دار ملاصق لقصر الزهور واسماها باذاعة قصر الزهور وكانت تبث الاغاني والاخبار والمحاضرات العسكرية .

    وقد اهتم الملك غازي اهتماما كبيرا بامر الاذاعة فاخذ يطورها ويحسنها بشكل مستمر وفي 20 يناير كانون الثاني 1937 امر غازي بنصب محطة ثانية بعد ان وجد في المحطة الاولى لا تفي بالغرض وفي 10 نيسان 1938 امر بنصب محطة ثالثة حصل لها على موجة دولية من اتحاد البث اللاسلكي العالمي واصبحت المحطة مسموعة في عدد من الاقطار المجاورة ولا سيما الكويت وفي عام 1939 زيدت محطات الاذاعة الى خمس محطات.
    يقول السفير البريطاني في بغداد ان محطة اذاعته الخاصة في القصر والتي كانت مبعثا للقلق منذ مدة طويلة قد اصبحت لهجتها ضارة بصورة متزايدة وخاصة تجاه شيخ الكويت جار العراق الملاصق في راس الخليج والحاكم الذي كانت صلته وثيقة بالحكومة البريطانية . ان الاتجاه الذي اتخذته الاذاعة هو ان الشيخ حاكم اقطاعي مستبد من طراز بال وان حكمه المتاخر مناقض لنظام الحكم المستنير القائم في العراق وان الكويت ستكون في وضع افضل اذا اندمجت في جارتها الشمالية.

    وكان القصر الملكي يتلقى يوميا العديد من الرسائل التي يبدي فيها مرسلوها اعجابهم بسياسة الملك غازي واعجابهم به . ويقول السفير البريطاني كان لابد لمراسلات القصر ان تغلق ولكن اي حكومة من الحكومات العراقية المتعاقبة التي تعاملت معها لم تكن مستعدة للقيام بذلك زاعمة انه سيجعل من الملك ضحية مبدأ . على ان نوري السعيد اتخذ خطوة واحدة مفيدة حين وافق على فرض رقابة على المراسلات الخاصة المعنونة الى القصر وكان المعروف ان هذه المراسلات تضمنت رسائل من المعجبين تداعب غرور الملك وتستفزه وكان من شان ذلك زيادة عدم اتزانه وتقوية اللهجة الاستفزازية للاذاعة التي كان يشرف عليها شخصيا.

    الملك غازي وانقلاب بكر صدقي
    تميزت فترة الحكومة الهاشمية الثانية ببروز الجيش على الساحة ودخوله المعترك السياسي وذلك نتيجة ما قام به من اعمال لقمع التمردات العشائرية وقبلها تمرد الاشوريين هذه الميزة التي اسفرت عن الانقلاب العسكري الذي قاده الفريق بكر صدقي واطاح بحكومة ياسين الهاشمي في 29 تشرين الاول 1936 وادى الى مقتل وزير الدفاع جعفر العسكري على يد اتباع صدقي. ومما ساعد الانقلاب الاشاعات التي ترددت عن نية الهاشمي ازاحة الملك غازي واعلان الجمهورية ووصلت تلك الاشاعات الى مسامع الملك غازي الذي تحدث مع صفوت العوا الذي شغل وظيفة ناظر الخزينة الملكية الخاصة واخبره بان ياسين يدبر مؤامرة ليكون رئيسا للجمهورية. لذلك قيل ان الملك غازي لم يعترض على انقلاب بكر صدقي ليتخلص من ياسين الهاشمي بل ان الملك غازي كان يخشى من فشل انقلاب بكر صدقي وعودة ياسين الى الوزارة مما يعني انتقامه من الملك الذي فكر في ان يتوجه بالطائرة الى الاردن في حال فشل الانقلاب اذ يقول حفظي عزيز طيار الملك الخاص انه كان قد استدعاه الملك قبل يوم من وقوع الانقلاب وبادره بالسؤال ( هل الطائرة جاهزة وهل تستطيع ان تصل الى عمان دون الوقوف في الرطبة؟)
    في هذا الوقت كانت حكومة ياسين الهاشمي مستعدة لمقاومة الانقلاب فكان وزير الداخلية رشيد عالي الكيلاني مقيما في الوزارة ويتصل بالمتصرفين ليستعينوا بالعشائر . بل ان احمد المناصفي سكرتير وزير الدفاع اتصل بالملك غازي واخبره ان القوات المسلحة مستعدة تحت امرة امين العمري للمقاومة وهي تنتظر اوامركم . فاجابه الملك ( لا) سرح القوات لقد استقالت الوزارة.وانا ساحاول دون دخول بكر بغداد.الا ان بكر صدقي لم يسمح للملك غازي بالتدخل في شؤون الجيش بصورة تمس سلطاته او تشاركه في السيطرة على الضباط فعندما تدخل الملك لياخذ ذلك الاتجاه لم يتورع بكر بان يبين للملك بواسطة قائد القوة الجوية محمد علي جواد ( انك ملك غير مسؤول بجب الا تتدخل فنحن طوع امر بكر صدقي فهو الذي يسير الامور). لقد اراد غازي ان يكون قائدا اعلى للجيش العراقي نظريا وواقعيا بينما كان بكر يهدف ان يجعل منه رمزا فقط.
    لقد ترك انقلاب بكر صدقي في نفوس الكثيرين من اقطاب السياسة العراقية نقمة كبيرة تجاه الملك غازي ورجال الانقلاب بما فيهم جميل المدفعي الذي كان يعد من اقرب المقربين للملك فاخذ يرى بسبب اضطهاده من قبل حكومة الانقلاب وهربه الى سوريا ان من الانسب لمصلحة العراق ابعاد الملك غازي عن العرش وابداله بولده الصغير تحت نظام الوصايا او بالامير عبد الاله واتفق في ذلك مع ناجي السويدي وتوفيق السويدي اما رشيد عالي الكيلاني وناجي شوكت فقد اتفقا مع نوري السعيد على ضرورة التخلص من غازي بابعاده الى الخارج واحلال شخص مناسب مكانه فقد برز نوري السعيد اكثر حقدا على الملك ورجال الانقلاب ليس بسبب اضطهادهم له فقط بل وبسبب مقتل زوج شقيقته جعفر العسكري فقد خرج نوري من العراق ناقما على الملك غازي ومتهما اياه بالتواطؤ مع الانقلابيين حيث عاش نوري السعيد في القاهرة وضعا ماليا صعبا وسيئا اجبره على طلب مساعدة الامير عبد الله وحين اراد السفر الى الاردن اعترض الملك غازي على ذلك وفسر سفره بانه محاولة للتامر على العراق.
    كان الملك غازي يعلم بما يبيته له نوري السعيد من غدر فقد كان خال الملك ( الشريف علي بن ناصر) الذي ظل مقيما في القاهرة احد الذين يزودون الملك بتحركات نوري ضده وضد الحكم في العراق وبعد اغتيال بكر صدقي اكد الشريف علي بن ناصر على الملك في رسالة بعثها اليه في 15 آب 1937 بان يحذر نوري السعيد كما انذره قائلا( دبر امرك بنفسك وكن دائما حذرا منه ومتنبها للحوادث) ولذلك ظهر على الملك عدم الارتياح بمجرد ان شاع في ايلول 1938 خبر وصول نوري الى العراق.
    حاول الملك غازي ايجاد تكتل ملكي خاص به لمناهضة التكتل الملتف حول طه الهاشمي فقرب حكمت سليمان الذي كان يثير الملك على نوري ويخبره بانه سوف يزيحه عن العرش وكذلك العناصر العسكرية المحسوبة على بكر صدقي كجواد حسين احد المشتركين في اغتيال جعفر العسكري وجعله طياره الخاص والعقيد علي رشيد رئيس المرافقين بواسطة مرافقه فؤاد عارف الذي كان ينقل حكمت بالسيارة الى قصر الزهور وقد علم جميل المدفعي بتلك الاتصالات فارسل الى فؤاد عارف واخبره بانه على علم بما يجري كما تناقش المدفعي مع السفير البريطاني واعرب عن قلقه من تقريب الملك لهؤلاء . السفير البريطاني من جانبه اكد انه اخذ يرى تحاشي الملك مقابلته .
    تكتل الملك هذا دفع بكتلة الضباط القومية في الجيش الى ان تتوجس خيفة من ازدياد نفوذ خصومها فاتجهت الى الضغط على جميل المدفعي فطالبته بان يطهر الجيش والبلاط من العناصر( الفاسدة جماعة بكر) وان يبعد حكمت سليمان الى الخارج الا ان المدفعي لم يوافقهم فاخذوا يفكرو برستم حيدر وصادق البصام وتحسين علي ومولود مخلص . وقد تضاعف قلق الكتلة القومية بعد ان اشيع ان الملك غازي بتحريض من حكمت سليمان ومن رئيس مرافقيه رشيد علي ضرب كتلتهم القومية خاصة بعد شاع خبر تبديل الفرقة الاولى فرقة امين العمري المرابطة في بغداد بالفرقة الثانية فرقة امين زكي الموجودة في كركوك واعتزام غازي احالة العمري الى التقاعد فحاولت التقريب بين الملك ونوري السعيد اولا واشراكه في الوزارة ثانيا وكذلك حاولت تقريب طه الهاشمي اليه كما قررت القيام بانقلابها في 24 كانون الاول 1938 حين حشدت قواتها في معسكر الهنيدي( معسكر الرشيد) وارسلت العقيد عزيز ياملكي للاتصال برئيس الوزراء المدفعي ومطالبته بالاستقالة الذي اعلنها فورا وقد ادرك الملك غازي ان هذه الحركة تعني اعادة نوري السعيد وطه الهاشمي وفرضهما عليه الا ان الكتلة القومية هددت بخلع الملك اذا لم يوافق على تكليف نوري السعيد بتشكيل الوزارة فذعن الملك غازي للامر وكلف السعيد بتشكيل الوزارة.
    الملك غازي والكويت
    شهد عهد غازي جدلا واسعا بين انصار ضم الكويت الى العراق من العراقيين والكويتيين وبين الجهات الرسمية الكويتية التي فسرتها بانها تدخل في شؤون الكويت وطالبت الحكومة العراقية بوضع حد لها وقد حاولت الصحافة العراقية ان تحصل خلال ذلك على تاييد الحكومة العراقية للدعوة بتجسيدها للمشاكل التي اخذت تظهر بين امارة الكويت والحكومة العراقية كمشكلة تهريب الشاي والقهوة وفسائل النخيل والاسلحة من الكويت الى العراق وتاثيرها المباشر في الاقتصاد العراقي وخصوصا تهريب الاسلحة الى العشائر العراقية في الفرات الاوسط التي فسرتها الصحافة بانها لغاية اثارة المشاكل في وجه الحكومة العراقية هذا في الوقت الذي حاول امير الكويت انذاك الشيخ احمد الجابر تعزيز العلاقات مع الحكومة العراقية والملك غازي فقام بزيارة بغداد في 10 ايلول 1935 التي مكث فيها ثلاثة ايام اجرى خلالها مباحثات مع الملك غازي والحكومة العراقية حرصا خلالها على تجنب كل ما يعكر صفو العلاقات الاخوية بين البلدين. ثم قام الشيخ احمد بزيارة ثانية لبغداد عام 1936 بحث خلالها مسالة التهريب وموضوع الجدل حول ضم الكويت حيث كان الملك غازي قد اقام اذاعة في قصر الزهور تثير همم الشباب الكويتي وتخاطب فيهم مشاعرهم الوطنية والقومية وتحثهم على الثورة على اميرهم من اجل الانضمام الى ( الوطن الام – العراق).كما امر بمصادرة املاك شيخ الكويت في البصرة. وكان نوري السعيد قد شجع الملك غازي على الاندفاع في الدعوة لضم الكويت . وقيل ان نوري اراد الانتقام من غازي بذلك لانه سيزيد نقمة الانكليز عليه ورغبتهم في التخلص منه. وقد وضع غازي خطة لاحتلالها عسكريا وتظاهر بانه ترك التفكير فيها ولكنه ظل في الحقيقة يتحين الفرصة لاحتلالها حتى مماته.

    وفاة الملك غازي
    في يوم 4 نيسان 1939 فوجىء العراقيون بنبا مصرع الملك غازي في حادث سيارته الخاصة ونعت حكمومة نوري السعيد الوفاة في بيان اذاعته كما اطلقت 27 اطلاقة مدفع تمثل سنوات عمر الملك..


    ورتبت الحكومة مراسم نقل الجثة من الحارثية الى المقبرة الملكية في الاعظمية حيث يرقد والده فيصل الاول وعمه الملك علي فيما تجمع المواطنون بعشرات الالاف معلنين اتهامهم للانكليز ولنوري السعيد بافتعال الحادث تخلصا من الملك غازي وقد عمت التظاهرات عموم مناطق العراق حيث قام المتظاهرون بقتل القنصل البريطاني في الموصل
    يقول السفير الالماني في بغداد انذاك( الدكتور غروبا في مذكراته ) في ساعة مبكرة من صباح يوم 4 نيسان 1939 جاءني خادميّ في حالة هياج واضطراب قائلين ان الانكليز قتلوا ملكنا. وعلمت بعد قليل ان الملك غازي الذي كان مولعا بالميكانيك ومعنيا بمحطة اذاعته الخاصة في قصر الزهور قتل في حادث سيارة وهو في طريقه الى دار الضيافة في الحارثية . وقيل ان الملك اراد ان يجلب من دار الضيافة بعض الادوات الاحتياطية لاصلاح خلل ميكانيكي في محطة الاذاعة .كما ان السيارة التي كان يقودها بنفسه من ماركة – بيويك- وكانت جديدة لا تزال في الفترة التي لا يجوز السير بها بسرعة تزيد على اربعين كيلومترا . ولما كان الملك معتادا الاسراع في السياقة فلعله تجاوز تلك السرعة . وكان في السيارة سائقه ابراهيم واذيع ان احد عبيد القصر واسمه عبد سعيد وملاحظ اللاسلكي علي بن عبد الله كانا مع الملك غازي في السيارة جالسين في المقعد الخلفي وان عبد سعيد اصيب برضوض او كسور نقل على اثرها الى المستشفى ولم يعرف احد بعد ذلك ماذا جرى له وكذلك كان امر الشخص الاخر).
    ويضيف غروبا( وهنا لابد ان تكون السيارة قد حادت عن الطريق واصطدمت بعمود كهربائي فسقط على سيارة الملك واصابه في راسه اصابة قوية مات على اثرها في قصر الضيافة بعد بضع ساعات.)
    ويقول غروبا ( كان الملك غازي قد اثار الانكليز وازعجهم باذاعته من محطة قصر الزهور وكان يحرّض اهل الكويت على الثورة على شيخها والانضمام الى العراق كما كان يحمس الثوار العرب في فلسطين ويحث العرب الذين يحاربون الفرنسيين في سوريا على مواصلة كفاحهم مؤكدا ان لهم في العالم العربي اصدقاءا واعوانا).
    https://www.facebook.com/watch/?v=359962969578134
    لقد ساد الشعب العراقي الحزن والهياج حين سار موكب جنازة غازي في الشارع العام من البلاط الملكي الى المقبرة الملكية في الاعظمية وغص جانبا الطريق بالناس وركعت النسوة باكيات منتحبات ينثرن التراب على رؤوسهن . كما شارك في التشييع اعضاء الحكومة واعضاء السلك الدبلوماسي العربي والاجنبي في بغداد فيما اصطف الجنود على جانبي الشارع يتصدون الناس عن كسر طوقهم والهجوم على الضيوف البريطانيين الذين حضروا للاشتراك في التشييع وقد اغلقت جسور دجلة لوقف تدفق الجماهير في الخارج وكان هياج الشعب وتاثيره في مدن العراق الاخرى بنفس القوة . ففي الموصل سارت الجماهير الى القنصلية البريطانية واحرقت سيارة كانت امام دارها ولما خرج القنصل ( مونك ميسن) الى الشرفة لتهدئة الجمهور هاجمه من الخلف احد المتجمهرين الذين تدفقوا الى القنصلية واهوى على راسه بفاس فقتله واتهم الانكليز الالمان بانهم هم الذين بثوا الدعاية بان الانكليز وراء مقتل غازي.
    وفي بغداد قام طلاب المدارس يوم 6 نيسان بالتظاهر وحاولوا عبور الجسر للوصول الى السفارة البريطانية في جانب الكرخ وتعالت الهتافات ضد نوري السعيد والانكليز كما وزعت منشورات تتهم نوري السعيد بتدبيره مقتل الملك غازي وقد افاد بعض الطلاب الذين اوقفتهم السلطات انهم اشتراكيون وطنيون وهو اسم الحزب الذي اسسه هتلر مما حمل نوري السعيد على اتخاذ الاجراءات ضدهم فطرد من العراق الدكتور (يوليوس يوردان) المستشار في مديرية الاثار . وفيما بعد اتضح ان اليهود في العراق هم الذين اختلقوا هذه الاشاعات كما يقول الدكتور سامي شوكت الذي كان وثيق الصلة بنوري السعيد وذلك لزعزعة مكانة المانيا وايطاليا في العراق بعد الحملة التي شنها هتلر ضد اليهود وان الطلاب اليهود في المدرسة الثانوية قدموا اخباريات ووشايات بالمدرسين الالمان الذين يدرّسون في هذه المدرسة وقالوا ان المدرسين يقومون خلال واجباتهم بث الدعاية للاشتراكية الوطنية وان اليهود استغلوا الى ابعد الحدود هياج الشعب بعد موت غازي ومقتل القنصل البريطاني للتحريض على الالمان.

    اختيار الامير عبد الاله وصيا للعرش
    بعد مناقشات طويلة لاختيار وصيا على العرش باعتبار فيصل الثاني ما يزال قاصرا فقد اختير الامير عبد الاله وصيا للعرش حتى بلوغ فيصل الثاني سن الرشد اي 18 عاما اذ كانت بعض الاراء تفضل الامير زيد بن الشريف حسين لذلك الا ان الاختيار في الاخير وقع على الامير عبد الاله حسب ما قالته الملكة عاليا زوجة الملك الراحل غازي من انها سمعت الملك يرشح عبد الاله للوصايا فيما لو تعرض لاي حادث مفاجىء.
    كان الشعب العراقي قد احب الملك غازي الذي اثبت انه مدافع شجاع عن القضايا العربية وانه لما اناب عن والده الذي كان في سويسرا في تموز 1933 كانت له مناقشة حامية مع القائم بالاعمال البريطاني (اوغليفي – فوربس) اذ جهز البريطانيون الاثوريين بالدبابات والعتاد فراى الشعب في الملك غازي رجلا وقف في وجه الانكليز بالحقائق..

  6. #56
    من أهل الدار
    بين بغداد والعتبات المقدسة .. عندما كان الزوار يستريحون في خاني المحمودية والأسكندرية

    بين بغداد والعتبات المقدسة.. عندما كان الزوار يستريحون في خاني المحمودية والأسكندرية
    كانت الخانات تستخدم كمحطات استراحة من قبل المسافرين وقوافل التجارة التي تروم التنقل عن طريق الفرات من بغداد إلى البصرة أو بالعكس، وكذلك قوافل الزوار التي تقصد الأماكن المقدسة في مدينتي النجف وكربلاء.
    كما أن للخانات أهمية حينما يتعذر على القوافل أن تحط رحالها في بقعة ما بالصحراء فإنها تخيم في خانات القوافل التي كانت في الغالب وقفاً خيرياً أوقفه أغنياء المسلمين، فالخان الكبير يتسع لما مجموعه أربعمائة شخص مع حاجاتهم، والخانات شأنها شأن الفنادق ذات مستويات مختلفة.
    وفي بعض الحالات تعتبر الخانات هي أقدم من القرى والمدن التي قامت بالقرب منها، والدليل على ذلك هو قيام بالقرب من كل خان عدد من الأكواخ تطورت فيما بعد فأصبحت مدن مثل مهافيه وبيرونوس والإسكندرية وغيرها.
    وكانت الخانات تقدم بعض الخدمات مثل الأطعمة والقهوة والأعلاف والماء ومبيت الجنائز وغيرها من الأمور الهامة.

    أنواع الخانات:- تقسم الخانات إلى مجموعة أنواع هي:
    1. خانات نزول المسافرين:-
    وهي أشبه ما تكون عليه حالة الفنادق اليوم، ولكنها تقدم ا لخدمات إلى الزوار والمسافرين مجاناً، ويكلف بالقيام على إدارة أعمال الخدمات في الخان (صاحب الخان) أو أحد الموسرين في المدينة، وكان الطلبة الوافدين إلى الحلة أو الزائرون للعتبات المقدسة في النجف الأشرف أو كربلاء المقدسة مروراً بالحلة ينزلون في تلك الخانات مدة تعليمهم.
    2. خانات حفظ البضائع التجارية:-
    لقد اهتم الملاكون والتجار والمزارعون بهذا النوع من الخانات لتسهيل مهام خزن بضائعهم، وتكون منتشرة في مختلف أنحاء المدينة.
    3. خانات إيواء الحيوانات:-
    وتهتم بإيواء الخيول والحمير والجمال وتقديم العلف المناسب لها، وتكون على الأغلب بالقرب من الأسواق في داخل المدن.
    وقد تنوعت الخانات منذ إنشائها إلى ثلاثة أنواع، فقسم منها أنشأه أناس أتقياء لتكون مكاناً لاستراحة زوار العتبات المقدسة، وقسم آخر أنشأه أناس أثرياء بقصد الربح المادي والقسم الثالث أنشأته السلطة أو الدولة لتكون محطات لسعاة البريد ومكاناً لاستراحة الوفود العسكرية والمدنية وثكنات لجيوشها.

    خانات طريق حلة – بغداد:-
    تكمن أهمية خانات هذا الطريق بشكل خاص باعتباره طريق تجاري وطريق الحجاج أيضاً، حيث وجدت مجموعة كبيرة من الخانات المتصلة ما بين الحلة وبغداد، وكانت تبعد الواحدة عن الأخرى مسيرة ساعتين إلى أربع ساعات تقريباً.
    خان المحمودية:
    ذكر لنا الرحالة (جمس بكنغهام) عن خان المحمودية فقال: "ففي الخامس والعشرون من تموز سنة 1816 م، وفي حوالي الساعة الثانية بعد منتصف الليل مررنا بخان ثالث يدعوه الأتراك (خان أورطه)، وتسميه العرب (خان بير يونس)، فاسمه الأول مأخوذ من طراز بنائه المعماري، واسمه الثاني أخذ من اسم بئر قيل أن النبي يونس كان يستقي منه أثناء سفراته من نينوى وإليها، مررنا بهذا الخان من دون أن ندخله وبعده بنحو ساعة وجدنا طريقاً يتفرع نحو الغرب بينما الطريق المستقيم ما يزال مستمراً".
    ووصفت السائحة (مدام ديولافوا) في معرض رحلتها من بغداد إلى بابل خان المحمودية فقالت: "... ظهرت على الأفق بناية كبيرة من الآجر وهي خان كبير شيده الإيرانيون بجهودهم وفلوسهم، فيه بضع حجر واسعة معدة لاستراحة زوار العتبات المقدسة من الشيعة، وهذا الخان يناظره خانات إيران التي شاهدتها لدرجة كبيرة إذ تحيط بصحنها الحجر من جميع الجوانب التي يتقدم كل منها إيوان واسع، والمسافرون عادة عندما يكون الجو لطيفاً ينزلون في هذا الإيوان وعند برودة الطقس يأوون إلى الحجر ويجعلون دوابهم وحيواناتهم الأخرى في الإسطبل المقابل لهم لكي تكون على مرأى منهم على الدوام مخافة سرقتها". وكتب الرحالة (السير واليس برج) في معرض رحلته شيء عن خان المحمودية فقال: "... ومن تل عجيلي اتجهنا نحو المضافة المشهورة التي يسميها الأتراك (أورطه خان) أي الخان المسقف أو المغطى، ويعتقد إنه يقع في منتصف المسافة بين بغداد والحلة تماماً، وليس هذا بصحيح على ما بلغني ببغداد، ويسميه العرب (خان بئر النص) أي خان البئر الكائنة في منتصف المسافة، وأبرز ما في الخان بئر ذات غور عميق ينزل إلى مائها على درجات".
    يعتبر خان المحمودية الخان الوحيد المسقوف (المغطى) على طريق حلة – بغداد، فضلاً عن أنه المحطة الرئيسة الثالثة لطريق القوافل التجارية الخارجة من الحلة، كما أنه ليس بخان منتصف الطريق، لأن المحمودية لا تقع في منتصف طريق حلة – بغداد.

    خان الإسكندرية:
    لقد ذكر الرحالة (بيترو ديللافاليه) في رحلته من الحلة إلى بغداد خان الإسكندرية فقال: "غادرت الحلة ضحى الخامس والعشرين من تشرين الثاني، وأمضينا الليل في خان البئر،... وأمضينا الليلة الثانية في خان يقع قرب قلعة غير مأهولة يدعى خان النص، لأنه يقع في منتصف الطريق بين الحلة وبغداد".
    من عادة العرب أن يسموا المواقع أو الخانات بأسماء الآبار ومنابع المياه والآثار الموجودة بالقرب منها لأهميتها، ويقصد الرحالة (ديللافاليه) بخان البئر هو خان المحاويل، وخان النص هو خان الإسكندرية.
    أما الرحالة (جمس بكنغهام) فكان معجباً بخان الإسكندرية من حيث البناء والطراز المعماري واختلافه عن باقي خانات العراق الأخرى، وخصوصاً على طريق بغداد – الموصل، فضلاً عن الخدمات التي يقدمها من أكل وشراب، فضلاً عن مرافق الخان الأخرى مثل المطبخ والإسطبلات ومكان للصلاة وحانوت وغيرها.
    ويذكر الرحالة (المنشئ البغدادي) خان الإسكندرية في رحلته إلى العراق فقال: "من بغداد إلى الإسكندرية ثمانية فراسخ،... وهناك خان كبير وبعض بيوت العرب يسكنونها ويزرعون في تلك الأنحاء".
    كما ذكر الرحالة (جون أشر) انطباعه عن خان الإسكندرية فقال: "في يوم 7 كانون الثاني 1865 م،... وعند الغروب توجهنا إلى خان الإسكندرية الكبير، ونصبنا خيمتنا في صحنه لقضاء ليلتنا تلك فيه، وكان هذا الخان قد بناه على سبيل البر والخير (رئيس وزراء إيران)، لزوار مشهد علي"،
    في حين قضى الرحالة (لجان) ليلته في خان الإسكندرية إذ قال: "المناخ بارد جداً ولا يمكن النوم على السطوح، أخيراً وجدنا حنيات كبيرة عريضة يبلغ عمق الواحدة نحو مترين ونصف ضمن بناء الجدار في ظهر الإسطبل فاخترناها كموضع للمبيت،... وعندما إستيقضنا صباح اليوم التالي لنستمر في السفر فنصل إلى الخان التالي قبل ازدياد الحر، رأيت في الحنية التالية وهي غير بعيدة عني أنها استضافت في الليلة السابقة جثة في طريقها إلى كربلاء".
    بينما قارنت السائحة الفرنسية (مدام ديولافوا) بين خان المحمودية وخان الإسكندرية فذكرت الآتي: "في 22 كانون الأول 1881 م أفقنا في الصباح الباكر على جلجلة أصوات القوافل التي خرجت من خان المحمودية...، وفي الأخير قرب الظهر بلغنا خان الإسكندرية التي كانت دون الخان السابقة بناءاً واستحكاماً وجمالاً، بيد أنها كانت ذات حركة دائبة وكان عدد الأشخاص يبدو فيها أكثر ممن هناك، ذلك لأن هذه المدينة تقع على تقاطع طريقين أحداهما تذهب إلى مدينة كربلاء والأخرى نحو الحلة".أما الرحالة (السير واليس برج) فذكر خان الإسكندرية خلال رحلته من بغداد إلى الحلة فقال: "إن خان الإسكندرية أخا الدهر، قديم، لكن هذا الذي كنا نطرق بابه ونروم ولوجه بني أبان القرن الثامن عشر، وكان يرمى من رواء بنائه تمكين الزوار الفرس من اتخاذه مسكناً ومبيتاً عندماً يتخذون سبيلهم إلى زيارة (مسجد علي) أو (مسجد الحسين) عبر الفرات، وما وراء الحلة".
    وتطرق الرحالة (بهادر) إلى أهمية خان الإسكندرية في رحلته إلى العراق، لأنه يقع على مفترق طرق أحدهما يذهب إلى كربلاء عن طريق مدينة المسيب والآخر يذهب مباشرة إلى بغداد.ويعتبر خان الإسكندرية المحطة الثانية الرئيسة لاستراحة المسافرين والزوار على الطريق حلة– بغداد.

  7. #57
    من أهل الدار

    في ذكرى تأسيسه .. شارع الرشيد أيقونة بغداد الذي احتضنت مسارحه أم كلثوم والريحاني وناظم الغزالي


    تسميات شارع الرشيد تبدلت لعدة مرات إلى أن استقر على هذا الاسم عام ١٩٣٦
    الجزيرة/قحطان جاسم جواد:يكاد شارع الرشيد يلخص تاريخ بلد وأزمة وطن لكثرة ما يروي عن نفسه من إرث وأناس مروا عليه.

    وشارع الرشيد أنشأه أول مرة خليل باشا حاكم بغداد وقائد الجيش العثماني وسمي باسمه (خليل باشا جادة سيتي)، وافتتح في ٢٣ يوليو/تموز ١٩١٦ وهو يوم إعلان الدستور، ويمتد من الباب الشرقي إلى باب المعظم، وكان الغرض منه تسهيل سير العربات العسكرية.

    ثم تطورت الأمور ليصبح الشريان الرئيسي لمدينة بغداد، وهو أشهر شارع عراقي، لما ضمه من شواهد سياسية وعمرانية وثقافية وفنية.
    وتبدلت تسميات الشارع لعدة مرات إلى أن استقر الاسم على شارع الرشيد عام 1936 الذي أطلقه العالم اللغوي والمؤرخ العراقي مصطفى جواد تيمنا بالعصر الذهبي للخليفة هارون الرشيد، وأخذت به أمانة العاصمة المسؤولة عن تسميات الشوارع، وظل الاسم إلى يومنا هذا.

    وشهد الشارع محاولة اغتيال فاشلة لأول رئيس للوزراء عبد الكريم قاسم بعد انقلاب 14 يوليو/تموز 1958 الذي أطاح بالنظام الملكي.

    مسرح الهلال احتضن كبار المطربين العرب في النصف الأول من القرن الـ20

    أبرز المعالم
    ومن أبرز الشواهد الفنية في الشارع شركة جقماقجي لتسجيل الأسطوانات الموسيقية والغنائية، وتقع في أول طريق شارع الرشيد من جهة الباب الشرقي، كما يقول الباحث التراثي باسم عبد الحميد حمودي للجزيرة نت.

    وشركة جقماقجي -التي تأسست عام 1918- مؤسسة عريقة حفظت تاريخ العراق الموسيقي والفني من خلال أسطواناتها التي سجلتها لأساطين الغناء العراقي مثل محمد القبانجي وناظم الغزالي وداخل حسن وحضيري أبو عزيز وناصر حكيم وسليمة باشا وعفيفة إسكندر وغيرهم.

    ولم تقتصر اهتمامات الشركة على الغناء العراقي، بل كانت تسجل للمطربين العرب أيضا كأم كلثوم وعبد الحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش وفائزة أحمد وغيرهم.
    وانحسر نشاط شركة جقماقجي في تسعينيات القرن الماضي بسبب ظهور الكاسيت وأقراص الـ"سي دي" (CD)، وتعرضت للسرقة والتخريب بعد الغزو الأميركي للبلاد عام 2003.
    ويتحدث حمودي عن أبرز مسارح وملاهي شارع الرشيد، وهو ملهى روكسي الذي شهد في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي زيارات لفرقة بديعة مصابني أشهر الفنانات الاستعراضيات في حينه.

    أما مسرح الهلال فقد غنت فيه كوكب الشرق أم كلثوم عام 1932، كما غنت فيه المطربة المصرية نادرة صاحبة الأغنية الشهيرة "يقولون ليلى في العراق مريضة فيا ليتني كنت الطبيب المداوي"، وكذلك المطربة منيرة المهدية التي سبقت أم كلثوم إلى بغداد عام 1919، وغنت في سينما سنترال ثم ملهى الهلال، إلى جانب العازفين اليهوديين صالح وداود الكويتي، وهما اللذان أسسا الأغنية العراقية الحديثة، إضافة إلى سفير الأغنية العراقية ناظم الغزالي وزوجته سليمة مراد.

    كما كانت هناك مجموعة من دور السينما في شارع الرشيد مثل رويال وسنترال والرشيد والزوراء والوطني والرافدين الصيفية..

    ومن الدور السينمائية الباقية حتى يومنا هذا سينما الزوراء وتحولت إلى مسرح ثم مجمع تجاري، وسينما روكسي التي تحولت إلى مسرح النجاح حاليا.
    ذاكرة بلد
    وكتب الصحفي صادق الأزدي في ذكرياته الفنية عن شارع الرشيد قائلا "في العشرينيات من القرن الـ20 زارت بعض الفرق الفنية المصرية العراق، وكان لها دور في تطوير الحركة الفنية".

    وأشار الأزدي إلى أن "صالة سينما الوطني شهدت عرض أول مسرحية لفرقة الفنانة الكبيرة فاطمة رشدي، كما زار الفنان اللبناني جورج أبيض وفرقته هذه السينما وقدم عروضه فيها، وقبل ذلك جاء الفنان المصري أمين عطا الله وفرقته (كش كش بك)، واستأجر سطحا مكشوفا مقابل مقهى عارف آغا في شارع الرشيد لعرض تمثيلياته".
    بدوره، قال سعدون الجنابي مؤلف كتاب "رحلة في ذاكرة شارع الرشيد" للجزيرة نت إن المعالم الأخرى في شارع الرشيد معاهد ومدارس لتعليم الرقص والموسيقى الغربية المستوحاة من السينما الهوليودية، ومن أبرزها معهد الفنان جميل بشير في منطقة المربعة في شارع الرشيد.

    وأضاف الجنابي أن المطربتين نرجس شوقي وفايزة أحمد قدمتا حفلات غنائية في سينما روكسي وسينما الوطني في شارع الرشيد، وكان تلفزيون العراق في بداية تأسيسه في خمسينيات القرن الماضي ينقل الحفلات الغنائية مباشرة.

    واحتضن الملحن العراقي الراحل رضا علي الفنانة الراحلة فايزة أحمد في بداية مشوارها الفني، وقدم لها مجموعة من الألحان، مثل "ها شبيك يا قلبي"، و"خي لا تسد الباب"، و"ميكفي دمع العين"، و"روح الله وياك اتمهل بحبك"، ثم سافرت إلى مصر وحققت الشهرة هناك، بحسب الباحث عبد الحميد حمودي.

    زيارة أم كلثوم
    أما الزيارة الأهم لملهى الهلال في شارع الرشيد فكانت لأم كلثوم عام 1932، حيث وصل سعر تذكرة حفلاتها إلى أسعار مرتفعة حينها، ونشرت جريدة الاستقلال مقالا عن الزيارة بعنوان المقال "سحر بابل وفرعون في ملهى الهلال"، وقالت إن أم كلثوم قدمت 12 حفلة بداية من 18 أكتوبر/تشرين الأول 1932.
    وكان الشاعر العراقي معروف الرصافي من بين المستقبلين لكوكب الشرق في المطار، وألقى قصيدة بالمناسبة مطلعها "أم كلثوم في فنون الأغاني أمة وحدها في هذا الزمان".

    كما زار الموسيقار محمد عبد الوهاب بغداد، لكنه لم يغن في شارع الرشيد، بل غنى في المعرض الصناعي الزراعي بمنطقة الصالحية (وسط العاصمة العراقية).




  8. #58
    من أهل الدار
    "بعض من اوجه الحياة في بغداد بين الامس واليوم..تجليات جميلة في الذاكرة والوجدان"


    "بعض من اوجه الحياة في بغداد بين الامس واليوم .. تجليات جميلة في الذاكرة والوجدان"

    اعتبر كثير من العلماء والمدونين أن مقياس حضارة و هوية المجتمع هي بمقدار ما تنتجه من عادات و تقاليد خاصة بها من جهة و من جهة أخرى هي بمقدار ما توليه من اهتمام ومحافظة على عاداتها وتقاليدها الأصلية و اللصيقة بكيانها الروحي والمادي ومصدر هويتها الثقافية والحضارية عبر مراحل تاريخها الطويل، لأن المجتمع يخضع أفرادها في تفكيرهم واتجاهات سلوكهم إلى مجموعة من التنظيمات المكتسبة و المعروفة باسم التراث الإجتماعي أو الثقافي اوالحضاري، أن التراث لا يمكن أن ينحصر في واحد من مكوناته كما جرت العادة في الفكر المعاصر، بل يتسع ليشمل كل ما له علاقة بين الجماعة والمجتمع والفضاء الذي تعيش أو يعيش فيه، أي أنه يتسع ليشمل الحياة بكل ما فيها من حيوية وتنوع واستمرار، وهي جميع مرادفات لمدلول واحد يشمل ما يوجه الحياة الإنسانية من جوانب مادية وغير مادية، من عادات وتقاليد وقيم و لغة و نظم اجتماعية، إن هذه القوة الاجتماعية في كل مجتمع تختلف عن غيره من المجتمعات بما يميز كل مجتمع ويؤثر في حياة الأفراد و تحيط تفكيرهم واتجاهاتهم وسلوكهم بإطار عام يتحركون في محيطه و بوحيه، أنها مست كل جوانب الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية و السياسية والفكرية.. من شعر، غناء، رقص، لباس، طبخ، أعياد، حفلات، فن، زخرفة، نحت، حرف، واعراف.
    بعد مروراكثر من عام تقريبا على انتشار وباء الكورونا، وفيه افتقدنا، بعض من الاحباء والمعارف، وحفلات الزفاف، والحفلات الخاصة والمزيد من المتع البسيطة، وفيه ايضا تعمق الشعور بالوحدة نتيجة التباعد الاجتماعي من خلال البقاء في المنزل وعدم الاختلاط بالاخرين، كما اعاق الوباء المعانقة والقبل، جمعتنا جلسة مع صديق على ضفاف بحيرة خالد في احدى مقاهيها الجميلة، ونحن في موسم نهاية الربيع الجميل بشمسها الدافئة، والمنعشة بنسمات هوائها العذب، نتجاذب اطراف الحديث، عن الحنين إلى الوطن ومايدخره الانسان المغترب من الذكريات و المشاعر تجاه وطنه و رسوم المكان الذي امضى بين حناياه طفولته وصباه وشبابه ، يظل الحنين يحمل لوعة الفراق القسري، هي بالغة الايلام بوصفها معاناة لاتنتهي وتشكل هوية وجود الكائن الانساني .. السلام على الوطن الذي تعلمنا أن نحمله منذ لحظة فراقه حتى لحظة الرحيل الابدي، عدنا الى الذاكرة من زمننا المفعم بالحيوية والنشاط واوقاته الذهبية وكأنها حلم تبعث فينا الحنين نظرا لانها حياة عذبة وصافية رغم بساطتها، فقد كان زمنا جميلا يعبر عن الحياة الكريمة ويعطي الانسان مكانته وكانت فيه اجواء السعادة والراحة، ذكريات تداعب افكارنا وعقلنا عما كانت عليه، فهذه الذكريات كانت سوانح سريعة تمر في خاطرنا مرور نسائم الأثير المنعشة في هذا الجو الجميل هنا في الامارات المزدهرة والمفعمة بالأمن والامان بامتياز .

    بغداد عاصمة العباسيين ومنارة الدنيا ودار السلام التي شيدها المنصور العباسي في العام الهجري 145، وقد استغرق بناؤها خمس سنوات لتتحول إلى مركز للثقافة العربية والإشعاع الإسلامي إلى كل الدنيا رغم أن خيول الأجانب وطأت ترابها لأكثر من 20 مرة تفيق بعدها وتسطع من جديد، كانت بغداد على مر الزمان هى مركز الإشعاع والنور وقاعدة للرقي الانساني والحضارى، حتى و إن تعثرت فى مسيرتها الحضارية فى حقب عديدة من محطات الزمان، والماضي مملوء بالقصص والعِبَر والإنجازات عن مجتمعه . . هناك رجال ونساء من الماضي؛ ولكنهم مازالوا يعيشون بيننا، وهناك ما هو أكبر من ذلك، لقد رأينا فيهم القدرة والحكمة منهم من كسر حاجز الزّمن بانجازاته، لتعيش كل الأزمان، وسوف تبقي تلك إلأنجازات خالدة في ذاكرة الشعوب.

    بغداد فيها كل شيء له نكهة، جميلة جدّاً، جميلة بناسها وبشوارعها المضاءة ليلاً وبنيانها وبساتينها، التي يرويها نهر دجلة الذي كانت ضفافه مكاناً للنزهة والسيران لأهالي بغداد، أي قبل خمسين سنة، فكانت الحياة في بغداد أجمل وأحلى وأبهى، أن بغداد من الناحية الأيديولوجية، عاشت القرن العشرين مستقلةً دينياً إلى حد ما، أو تكاد، بالتالي حمت نفسها مبكراً من أيديولوجيات الاحزاب الدينية، العهد الملكي تبنى العلمانية والدفاع عن فكرة إقامة الدولة المدنية بوضوح، ومن دون نفاق سياسي، حين نتأمل المثقف العراقي منذ خمسينيات القرن الماضي وحتى الاحتلال، سنجده يتميز بتطلعات نوعا ما واضحة المعالم مهما كان انتماء يسارياً أو قوميا أو ليبرالياً ونوعا ما اسلامياً، وكان نهوض الحركات السياسية كلها وبروز الاحزاب القومية واليسارية، وما رافق ذلك من صعود الإنتاج الثقافي، في الرواية والشعر، والقصة..حيث عكست النزعة الانسانية، وارتفاع درجة الشعور بالأمل في الوعي البشري، وكان للثقافه والمثقفين العراقيون دورا بارزا فى العراق بعد ثورة 14 تموز، شكلت ولسنوات طويله وعى للعراقيين والعرب جميعا وآثرت فى المكون الحضارى فى فترة الخمسينات والسبعينات من القرن العشرين، ولكن نوعا ما منطق الأقصاء والتبرير والموالاة والمعارضه للسلطه لم يغب عن المشهد بل كان له بعدا ملحوضاً، فقد ظهرت بواكير الإقصاء للآخر لعبت فيه الدوله دورا كبيرا لكن الدور الأكبر كان بين المثقفين أنفسهم على إختلاف مشاربهم الثقافيه والفكريه فقد مارسوا ضد أنفسهم أبشع اساليب الإقصاء وعدم قبول الآخر لكن ذلك لم يعوق الإنتاج الأدبى والفكرى والثقافى الغزير الذى ساد إبان العهد الجمهوري،

    فالمعروف بان العراق كان اشبه بالمصنع الذي ينتج الثقافة، منذ العصور التاريخية، ورائداً لتصدير منتجاته من الأدب والفنون بتنوعاتها المختلفة، من الرسم والنقش والنحت، والموسيقى والغناء، فكانت له إسهامات كبرى فى حركة التنوير والإبداع والفكر، بعد الحصار وما تبعه من احتلال، قد حدث تراجع عام وأصبح إختفاء المثقفين المفاجئ من الساحه شيئا معتادا وسط تراجع كامل للحياة الثقافيه التى تراجعت بشدة بعدما أصبح التعليم وسيلة للترقى الحكومى وألتحقت به الثقافه وصارت حكرا على المتحلقين حول السلطه حتى توارى الإبداع وأصبح الدخول لمساحة الضوء والشهرة المرتبطين بالإبداع يجب أن يمرعبر أبواب السلطه.

    تتشابه بيوت بغداد القديمة في تفاصيل رئيسية بتصاميمها وبجماليتها ودقة تفاصيلها وطرق بنائها ويعد الخشب عنصرا رئيسيا في بناء البيوت، معظم البيوت البغدادية مكشوفة بصورة عامة وغالبا ما تكون مربعة الشكل وحول (طرام) جمع (طرمة)، مقسمة الى الحوش، وغرفة الخطار، كما انها تتألف من طابقين يشتمل الاول على مدخل البيت فانه يتناول الباب المطل على الزقاق، ويستعمل من خشب التوت، تزينه مطرقة من البرونز أو الحديد في الأعلى، وهي ذات طلاقة أو طلاقتين،

    كما تدق على الباب مسامير كبيرة للحفاظ على متانته وجماله، ثم ممر صغير (المجاز) وهو الذي يصل بين مدخل الباب وفناء الدار وغالبا ماتكون في المجاز دكتان واحدة على اليمين والثانية على اليسار، وعليه ستارة من القماش تحجب من في الداخل عند فتح الباب،

    وقبل استخدام الثلاجة الكهربائية، استخدمت الثلاجة الخشبية او "الحب" وكان مكانه يواجه (المجاز) فيه محامل خشبية مصنوعة من خشب التوت، وقد صمم محل بيت الحبوب مقابل المجاز حتى يصله تيار الهواء من الدربونة فيزيد في برودة الماء، وتحت الحب توضع (البواكة) ولجمع (مي الناكوط) ويكون صافيا جداً، واستخدم (الناكوط) في شرب الشاي عند انتشار الشاي مطلع القرن العشرين ويستسيغ البغادة شرب الشاي في الهول ( ويسمى ايضا الطرار بلهجة اهل الاعظمية ) وهي غرفة مستطيلة الشكل جبهتها المواجهة لفناءالدار مفتوحة ويرفع سقفها عادة بأعمدة خشبية مضلعة الجسم ومنقوشة الرأس يجتمع فيها افراد العائلة وهي تمثل الصالة (الهول) في البيوت الحديثة المعاصرة، فالانفتاح صوب الداخل، بحيث تحقق بذلك الخصوصية والاستقلالية وفي الوقت ذاته الحماية المناخية،

    وبعض البيوت لها سرداب يستخدم لقضاء ساعات القيلولة في موسم الصيف القائظ ، ويكون السرداب منخفضاً عن أرضية فناء الدار بمقدار (10) أو (15) پاية أي درجة، وسقفه معقود بمقرنصات بديعه، وفي منتصف السرداب توجد فتحة ترتبط بممر يؤدي الى فناء الدار،

    الطابق الثاني يكون (المحجر) وهو حاجز يصنع من الخشب والشيش الحديدي وغطاؤه من الخشب حيث تعمل بعض الزخارف بلوي الشيش الحديدي واركان (المحجر) الاربعة تكون كروية الشكل (مجروخه) وتسمىر الرمانات، وفي الطابق الثاني تكون غرف النوم حول ساحة الدار وفيها الشبابيك ذات الزجاج الملون والشبابيك المطلة على الخارج (الشناشيل) ويوضع فوق شباك الجام شباك اخر من الخشب معمول على شكل مشبك تحافظ على جو الغرفة وتمنع دخول الشمس في فصل الصيف.

    بعد الثلاثينات من القرن الماضي توسعت بغداد خارج سورها القديم فظهرت الكثير من التصاميم المتنوعة، لبيوت بغدادية جمعت واجهاتها بين الحداثة الأوربية، والتراث المعماري المحلي في توليفة جميلة تفاعلت ما بين التكنولوجيا والحاجة الاجتماعية، وشاعت في تلك الفترة اسلوب بناء البيت السكني وفقاً لما عرف "بالبيانات المصورة " (الكاتلوغات)، وهو اسلوب لقى انتشاراً واسعاً من قبل مكاتب بنائية تعنى بتقديم انواع مختلفة من التصاميم المعمارية المنشورة في هذه (الكاتلوغات). ويترك للزبون حرية اختيار التصميم الذي يناسبه، وتتسم تصاميم هذة البيوت التى كانت تتبع الاسلوب التولـيفي على استخدامات كثافة زخرفية واضحة، وتوظيف واسع لمفردات معمارية قد تكون غريبة عن تقاليد المنطقة العمرانية المحلية، لكنها (اي تلك البيوت) ظلت بلغتها التصميمية الجديدة، تمثل نموذجا معماريأ حداثياً،

    طمح كثر من البغداديين، ان يكون المنزل المستقبلي، الذي يأملون في العيش به، كان ذلك جلياً في البيوت التي شيدت في مناطق خارج سور بغداد، ومنها الوزيرية والعلواضية والعطيفية وكرادة مريم والمنصور والسعدون والكرادة والبتاوين والعرصات وهكذا، شملت تلك البيوت حدائق غالبا ماتزرع باشجار مألوفة، مثل النخيل والحمضيات والاوراد، حيث الأشجار تغطيها الزهور الملونة والبراعم النامية التي يفوح منها أريج القداح والطلع والجوري والرازقي والقرنفل والياسمين لتدخل العائلة في جو من النشوة اللذيذة والراحة النفسية تجد البعض يدخل عالم التأمل والشعور بالرضى والسكينة، وكان الكثير من الحدائق ذات ذوق وعناية تدعو الى الاعجاب، في موسم الربيع حيث تزهر الأشجار والنخيل فتملأ الجو الندي بالعطور ألأخاذة والألوان ألآسرة وزقزقات العصافير وهديل الحمام وطنين النحل ورفرفة الفراشات، وكان الكثير من تلك البيوتات الجميلة ببنائها وحدائقها العامرة ، تمتلئ بأخبار رجالها وجلساتهم في الربيع وحتى في الخريف وهم يستمتعون بالاحاديث وسماع الشعر والطرب، كما كان النساء يتمتعن بجلسات قبولاتهم فيها.

    عائلة بغدادية تتناول العشاء على السطح
    كانت المنازلمكاناً للمحبة والحنان والتفاهم والتعاون وهو يضم أفراد الأسرة الكبيرة التي تتألف عادة من الجد والجدة ومن البنات والأولاد والأحفاد، تعيش في جو لا تقتصر على البيت بل تتجاوزه إلى الحارة التي تؤوي العديد من البيوت والعائلات المتحابّة والمتآلفة، لتشكل أيضا عائلةً وخليّة واحدة أكبر من سالفتها وصولاً إلى الحارات التي تتعانق لتشكل الأحياء، التي تعشش في الذاكرة بكل ما فيها من محبّة ودفء وألفة وأمان، متنعمين بسحر العادات والتقاليد الأصيلة المتوراثة عبر الدهور، باختصار كانت " بغداد" عائلة كبيرة واحدة يخيم عليها الحب والتسامح والتراحم والتآزر، كما اتسم بأن ابنائه عاشوا في الفة ووئام ومظاهر التعصب الديني غير موجودة فيه، اذاً كانت العلاقات الاسرية قديما اكثر قوة وتماسكا عن وقتنا الحاضر، فقد كان هناك وقت للحوار والحديث بين افراد الاسرة، بينما الان اختفت لغة الحوار والنقاش، ربما بسبب النمط السريع للحياة وانه لم يعد هناك وقت للحوار فمابين انشغال الوالدين وانخراطهم في العمل والسعي المستمر لتحقيق حياة افضل للابناء، وبين انجذاب الابناء لوسائل التكنولوچيا الحديثة والانعزال التام عن العالم الخارجي، لاسيما ان التكنولوچيا اصبحت تؤثر بشكل لا يستهان به على العلاقات والروابط الاسرية بشكل مبالغ نتج عنه سلوكيات مختلفة وسلبيات طغت على ايجابياته.
    لقد أختفت كثير من حدائق البيوت في أغلب محلات بغداد بعد أن جرى تقسيم البيوت بمساحات صغيرة وصلت الى الخمسين مترا ناهيك عن البناء العشوائي وزحفه ليشمل الكثير من مناطق بغداد، كما تم الاستيلاء على أراضي المنتزهات وتوزيعها للمسؤولين كما حدث في طريق المطار وقناة الجيش واماكن أخرى يعرفها ساكنوا بغداد،

    كما تعرض التراث البغدادي إلى التدمير وتتشوّه معالمه بسبب الإهمال الرسمي الكبير الذي لحق به خلال السنوات الماضية، فقد دُمرت منازل بغدادية تراثية كثيرة بهدف اقامة مشاريع تجارية، و اختلطت أكياس النفايات المتروكة على الأرصفة المتسخة يتوسدها بعض المتسولين والعاطلين.

    مارس ابناء المجتمع البغدادي الكثير من الالعاب ذات الطابع الفردي و الجمعي بهدف التسلية منها، التوكي والمصرع وجر الحبل وكرة القدم والختيلة والسباحة والعسكر والحرامية، وتمرسوا على اساليب وفنون اللعبة بما فيها الكشافة.

    في الايام الصيفية اعتاد اغلب العراقيين النوم فوق سطح المنازل، وهو تقليد يتلاشى، تصاحب هذا التقليد الاجتماعي ببعض الطقوس والممارسات، ، وتقوم ربات البيوت والأولاد برش السطح بالماء يوميا من بعد غياب الشمس لتخفيفه من الحرارة وترطيبه، ويتهيأ أهل الدار للجلوس بعد المغرب حتى أذان العشاء فيه،

    ويكفل افراد العائلة ولا سيما البنات بحمل الافرشة والاغطية وقت المغرب واملاء التنكة بالماء، وفي الليل تلجأء الاسر تحت السماء الصافية بنجومها المزدهرة التي شكلت في صفحة القبة السماوية كنجوم خريطة دقيقة للاتجاهات وتسجل الوقت بدقة متناهية، والمستلقون في سطوحهم يرتبطون بهذا المنظر يوميا حتى بات من كثرة قراءته مادة محفظة عن ظهر قلب يتقنون ما يجري في نجوم سمائهم دون دراستها من الكتب وهي دراسة صيفية على الطبيعة لعلم الفلك والجغرافيا.

    كانت بغداد فيها عددا كبيرا من المقاهي العريقة التي يعود تاريخ إنشاء بعض منها إلى القرن التاسع عشر، ويطل أغلبها على الشوارع الرئيسية والأسواق الشعبية القديمة، ويذكر أن فترة العشرينات من القرن الماضي شهدت ازدهارا كبيرا للمقاهي، وكان معظمها يقع على شارع الرشيد،، ومن اشهرها الزهاوي والشابندر وخليل والبلدية و حسن العجمي والبرلمان وخليل والبرازيليا ..، وشهدت معظم هذه المقاهي أحداثا هامة، حيث تشكل فيها العديد من الأحزاب والمنتديات الفكرية والسياسية، "منتدى ثقافي وسياسي واجتماعي" لعدد كبير من الأدباء والمثقفين، كما دونت في فسحاتها الكثير من قصائد الغزل، فيما شكل تراثها المعماري مادة خصبة للكثير من الفنانين.

    من قلب بغداد النابض بالحياة، ومن أحد محلاتها التي تحكي كلٌ منها حكاية تاريخ متنوع مليء بالحضارة والأحداث والسحر، شارع الرشيد كان نبض بغداد وروحها النابضة ذاع صيته في البلاد العربية وخارجها يختزن شارع الرشيد ذكريات العديد من العراقيين، ولا سيما من عاش الحقبة الذهبية للشارع في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، في هذا الشارع خليط جذاب من كل العراق، هنالك الغني والفقير، الطلاب والأغنياء والشحاذون، وجدل بيزنطي ومقاهي التي تزدحم بالشباب ولا سيما طلاب أي كليات الطب والهندسة وغيرها والتي تستقبل نشاطات ثقافية عديدة: موسيقية، أدبية، شعرية وحتى ترفيهية، فكيف لا أحب شارع الرشيد، كان شارع الرشيد يشهد ازدحاماً من السياح، لكنه كان أيضاً مقراً لحياة ثقافية نشيطة، فالمقاهي «الثقافية» عادت لتشغل زوايا الشارع، ويعد مقهى الشابندر والزهاوي من بين المقاهي القليلة الباقية في منطقة الميدان وبداية شارع الرشيد والتي تجمع بين سمات المقهى القديم والحديث في آن واحد، فطاولاته وكراسيه الخشبية حولها تجمع عددا كبيرا من الفنانين والمثقفين، إضافة إلى كبار السن والمتقاعدين.

    من ناحية أخرى، لا يمكن لمن يزور شارع الرشيد في منطقة رأس القرية إلا أن يقوم بزيارة مكتبة مكنزي، وتحت بناية "بيت لنج" ذات العمارة البغدادية المميزة والجميلة، كانت تشغله "مكتبة مكنزي"، التي اسسها الاسكتلندي كينيث مكنزي عام 1920 وهي اقدم مكتبة في العالم العربي، نعم كان لها مكان في قلب العاصمة كما لها مكانة في قلب كل مثقف وقاريء، المكتبة توفر الكتب المدرسية والتعليمية والعلمية والادبية والثقافية والادوات المختبرية، بالاضافة الى جميع الكتب الانكليزية الخاصة بالعالم العربي الاسلامي من كتب رحلات وتاريخ وتراث ونشرات ودوريات حيث اصبحت المكتبة متخصصة في الاسلاميات والتاريخ والرحلات، منذ العشرينات .. مكتبة مكنزي تتسلم شحنات الكتب من دور النشر في بريطانيا والولايات المتحدة، وكان صاحبها يرتبط بصداقات مع العديد من الأدباء والشخصيات المهمة في العراق.
    وفي العام 1928 توفي مكنزي ودفن في المقبرة البريطانية في الباب الشرقي ثم انتقلت مكتبته فيما بعد الى شخص عراقي وهي لا تزال قائمة في ذات المكان ، ولطالما وقفت أمامها عندما كنت فتى يافعاً أتأمل واجهتها المليئة بالكتب القيمة، التي يديرها رجل اسمه كريم ورثها من أصحابها الإنجليز الذين كان يعمل معهم منذ تأسيس المكتبة قبل الحرب العالمية الثانية، واحتفظ بالاسم الذي به اشتهرت المكتبة، حتى بات هو نفسه، على ما روى جبرا في مذكراته «شارع الأميرات»، يعرف باسم كريم مكنزي، التي كانت يومئذٍ تحوي أنفس الكتب والمطبوعات، واستمر حضورها الثقافي حتى أواسط تسعينات القرن الماضي، قل نشاطها بفعل ظروف الحصار المفروض على العراق، غير أنها لم تغلق أبوابها نهائيًّا، على أمل أن تتحسن الظروف لتعود إلى نشاطها، لكن الاحتلال الأميركي – الإيراني، وما نتج عنه من دمار وما عرفت فيه بغداد من تخريب، أنهى كل أمل بعودتها، فتحولت أخيرا إلى مخزن بائس للبضائع، ثم محلا لبيع الاحذية، ولا ندري قد تصله معاويل الهدم والازالة.

    محلات اورزدي باك أسم تاريخي كبير، انشأت على ارض وقف قره علي والتي كانت عبارة عن قهوة ومسافرخانه و مربط للخيل وهي ارض واسعة المساحة، بالقرب من تكية ومدرسة قرة علي، افتتحت في بداية الثلاثينات، وهي اكبر الاسواق التجارية في بناية، ارتبطت به أذهان اللعراقيين لفترة طويلة، ولازالوا يذكرونها، التي كانت تعرض كل المنتجات والبضائع المستوردة من ارقى واحدث المناشئ بالعالم، والتي تحتاجها الاسر البغدادية من الطبقات المتوسطة والغنية، في أقسام متعددة تبيع بضائع متنوّعة، للملابس وأخرى للأحذية والمصنوعات الجلدية أو للمواد المنزلية أو للمواد الغذائية والاقمشة وغيرها، إذ كان شراء سلعة منها مصدر فخر للكثيرين، في فترة السبعينيات أممت الحكومة العراقية محلات أوروزدي باك، وأصبحت ملكاً للدولة تحت اسم: "الأسواق المركزية"، وفتحت لها فروع في عدد من أحياء بغداد مثل الكرادة والمنصور والعدل والشعب والبلديات، ثمّ فتحت لها فروع في المحافظات، ولا يمكن لأحد أن يقلل من أهمية محلات أوروزدي باك الّتي واكبت ولا شك دخول المجتمع العراقي "أو على الأقل المجتمع البغدادي" في الثقافة الإستهلاكية، والتي تحتل مكانتها في ذاكرتنا الجماعية.


    تغيرت ملامح شارع الرشيد وتحول إلى مكان لا يمثل من تاريخ بغداد إلا الشيء البسيط، وذلك بعد زوال العديد من لأبنية البغدادية الجميلة، حيث دمرت على مرأى من سادة السلطة الذين لم يبدوا اهتماماً بذلك، هو في الوقت الراهن يحتضر وتحول إلى مكان لرمي النفايات، فالمدرسة المستنصرية تعرضت للتشويه بعد صيانتها إذ أضيف إليها مثلاً أنابيب بلاستيكية لتسريب مياه الأمطار التي تتجمّع على سطحها، فالعديد من المقاهي التراثية مثل مقهى الزهاوي الذي كان يجلس فيه جميل صدقي الزهاوي، ومقهى الرصافي والذي كان يرتاده معروف الرصافي ومقهى الشابندر وغيرها هذه المقاهي تعيش اليوم حالة يرثى لها، كما ان تمثال الرصافي محاط بالنفايات وهو ينادي اغيثوني، علماً أن هذا الشارع احتضن فنادق وسينمات ومنازل بعض الشخصيات العراقية المعروفة من ثلاثينيات حتى ستينات القرن الماضي.
    كانت تقام في المجتمع البغدادي العديد من مناسبات الافراح التي تختلف في مظاهرها الاجتماعية باختلاف الفئات العرقية والدينية، وكيف كنا نتسابق للقاء الأهل والأصدقاء، وفيها مشاركة لمختلف فئات المجتمع البغدادي حيث تشعر مدى التآلف والتآزر.

    لقد كان لبعض النسوة مكانة علمية وتربوية وفنية فظرت منهن الطبيبات والمربيات والمعلمات والفنانات والمغنيات والشاعرات والرياضيات، كما كان لبعضهن دور اجتماعي نشيط في مشاركة الرجال لبعض الاعمال، وفي معظم الانشطة الاجتماعية.
    لعبت المطاعم دورا مهما في حياة سكان بغداد، فمطاعم بغداد متنوعة جدا، منها حديثة ومنها من اصالة الماضي، لها سحر وعراقة الماضي وأصالة التراث ممتزجة مع نفحات من الحاضر وتراث المدينة المطرزة على جدران وحجارة الأمكنة التي تروي قصصا لا تنتهي عن عشق أهلها لهذا الإرث التاريخي العريق والمتجدد، وعكست صورة بغداد كما أحبها العراقيون، وجسّدت معاني عبارات حفرت في وجدان العراقيون منذ ولادتهم عن مدينتهم التي لا تموت وجوهرته على الرغم من الحوادث التي شهدتها، فالعوائل البغدادية تعشق الطعام والمتيسرة منهم يرتادون المطاعم الراقية والمشهورة بأناقتها وجودة مأكولاتها كما يرتادها الدبلوماسيون والسواح ومدراء الشركات الاجنبية، ومن المطاعم المعروفة، مطعم خان مرجان الذي يقدم الاكلات العراقية مع الموسيقى الشرقية والمقام، وهو بناء تراثي جميل كان فيما سبق خان، ومطعم "فاروق" قرب معرض بغداد الدولي والذي يملكه السيدان (فاروق الياسين) الضابط في الحرس الملكي سابقا و(هاشم الشابندر)،

    ومطعم "فوانيس"في الباب الشرقي والذي كان يملكه الاخوان رعد وسعد الخضييري، ومطعم ا"لبرمكي" الواقع على ساحة الفتح مقابل المسرح الوطني ويقدم فيه وصلاته الغنائية الفنان "الهام المدفعي"، ومطعم "ستراند" في شارع السعدون من جهة العلوية

    و يقابله على الجهة الاخرى عبر شارع السعدون، مطعم "الشموع" المشهور بتقديم الاكلات الأجنبية والتي كانت من مطاعم الدولة السياحية ، ومطعم "الأناء الذهبي" و"مطعم المطعم)" في منطقة العرصات، ومطعم "خان دجاج" المشهور بتقدبم الدجاج المشوي قرب بوابة نادي العلوية مواجها لساحة الفردوس،ومطعم "الكهف"، ومطعم "علي شيش"، ومطعم ، ومطعم "نزار"، ومطعم "تاجران"، ومطعم "شباب الكرخ"، ومطعم "الشمس"، ومطعم "فوانيس"، ومطعم "السعدون" المتخصص بالكريم جاب، ومطعم "أبو حقي" في سوق الصفافير، ومطعم أبن سمينة، ومن الأطعمة المفضلة اللذيذة والمفضلة اكلة الكباب وهي اكلة الباشواتوالفرسان كما يطلق عليها، ولهذا فقد اشتهرت مطاعم خاصة لتقديمه منها، كباب ألأخلاص في شارع المتنبي وكباب الفلوجة وكباب زرزور وكباب هبوبي في الاعظمية وكباب سوق الاسترابادي في الكاظمية وكباب نينوى في المنصور وكباب نادي صلاح الدين وكباب الجنابي في راغبة خاتون.

    تميّزت بغداد الساحرة بالوانها وتنوعها واجوائها بوجود بارات ونوادٍ، وأنشطة ترفيهية ليلية، فهناك النوادي الليلية كالطاحونة الحمراء وسليكت والامباسي وعلي بابا وبغداد والاوبرج وليالي الصفا ومطهم المطعم وحمورابي وعبد الله وجوهرة الشرق واريزونا، والبارات فيتامين و21 والكرفان وليالينا في فندق بغداد.

    في سبعينات القرن الماضي اشتهر شارع ابو نؤاس، وعلى جانبيه الأشجار الشاهقة المتنوعة الممتدة حتى نهايته قرب الجسر المعلق، هذا الشارع الجميل منحه لهفة تقاطر العشاق والعوائل ارتياد متنزهاته، كما منح كافة شرائح المجتمع ومنهم الادباء والشعراء والفنانيين والأجانب ارتياد مقاهيه ومطاعمه وباراته، والتي تستقبلهم حتى أوقات متأخرة من الليل، ومنها:
    كاردينيا، السلام، البيضاء، البغدادية، الزرقاء، الخضراء، الركن الهادئ، الشاطئ الجميل، وفي الليل تضيف أضواء أبي نواس على تموجات مياهه الهادئة واشجاره الكثيفة وحدائقه المترامية ألقاً خالداً لنسمات الهواء المنعش المفعم بعطور الورود يصعب تكرار ليل ٍ كهذا في مكان غيره، هناك المطاعم الفخمة والانيقة ومنها مطعم "الياقوت" التي تقام فيها حفلات وأماس لكبار المطربين المشهورين في البلاد بينهم سعدون جابر وحسين نعمة وآخرين.
    شارع ابو نؤاس امتداد ليلي لشارع الرشيد باعتبار ان جلساء مقاهي الرشيد في النهار ينتقلون الى حانات ومقاهي ابي نواس.

    اشتهر شارع ابو نؤاس بمحلات شوي السمك المسكوف، التي يرتادها العراقيون والعرب والأجانب، من لم يتذوق السمك المسكوف فی أبو نۆاس فانه لم یر بغداد، هكذا يردد زوار العاصمة العراقية، ومن لم تستوقفة رائحة الشواء المنبعثة من المطاعم المصطفة على امتداد كتف الشاطىء، تلك الاكلة الفلكلورية العريقة، التي تتربع على عرش الاكلات العراقي،

    والسمك المسكوف ليس مجرد اكلة تحمل عبق الذكريات، انما هي تقليد له نكهته التي ارتبطت بشاطىء دجلة وبشارع ابو نؤ اس، حيث يجتمع الاهل والاحبة والاصدقاءالتي، تأتي للاستمتاع بأكلة السمك المسكوف الشهية وتبقى حتى ساعة متأخرة من الليل، واصبحت بمرور الزمن هوية للعراقيين في كل بقاع العالم، وكما يتذكر الكثير عندما اقام الرئيس الراحل صدام حسين عندما كان نائباَ لنظيره جاك شيراك دعوة عشاء مكونة من السمك المصطاد من نهر دجلة والمشوي على الطريقة البغدادية (المسكوف)، حيث تم إحضار خيرة سكافة بغداد، مع السمك الحي المصطاد توا، بطائرة خاصة إلى باريس، وأعدوا بحديقة الإليزيه الوجبة العراقية الأكثر شهرة في العالم، اغلق الشارع على خلفية الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 واستمر اغلاقه لسنوات عديدة، تعرض مطعم (قدوري ابو الباجلا) الى تفجير انتحاري لقوى التخلف والجهل مما ادى الى استشهاد العشرات من الابرياء، كما شنت حملة مشبوهة ومتخلفة لتهديم تمثال الشاعر أبي نؤاس، حيث تم تخريب قاعدته واقتلاع اللوحات النحاسية المنحوتة التي تعرف به وبالفنان الذي أبدعه، وهو اسماعيل فتاح الترك دون أن تحرك امانة العاصمة اي فعل يذكر، والان يواجه الشارع حملة لتغيير بعض من معالمه ومنها ازالة الحدائق التي اشتهر بها.

    وفي السبعينات والثمانينات افتتحت مطاعم متميزة منها الغريب وقرطاج وقيراط والمطعم الصيني والهندي والايطالي، كما اشتهرت مطاعم فندق "بغداد والميريديان فلسطين وعشتار شيرتون والرشيد وبابل وميليا المنصور"، بالاضافة لمطاعم النوادي الاجتماعية "كالمنصوروالضباط والصيد والهندية والعلوية وصلاح الدين والمشرق"، ونوادي النقابات كلاطباء والمهندسين والمعلمين والمحاميين والزراعيين والجيولوجيين والصيادلة.

    وللباجة مكانة خاصة لدى العراقيين، فبالاضافة لاجادة المرأة العراقية لطبخها في المنازل، فمع ذلك يفضل البعض بتناولها في المطاعم، وكان هنالك مطعمين مشهورين لتقديمها وهما مطعم "الحاتي" في الرصافة و"ابن طوبان" في الكرخ، احب العراقيون البرجر، فهو من الوجبات المفضلة لدى الكبار والصغار على حدٍ سواء، ينفرد بمكوناته البسيطة ومذاقه الشهي،

    فقد اشتهر بتقديمها منذ الستينات "ابو يونان" ، في جهة الرصافة الواقع في منطقة الكرادة، لصاحبه السيد "بطرس أوديشو" الذي بدأ بكشك صغير تابع ل (كوكا كولا) فتقوم بتجهيزه بقناني الكوكا ليبيعها مع الهمبرگر وينجح في مشروعه هذا فيقوم بشراء الأرض الخالية التي خلفه ويبني عليه محله الشهير "همبرگر وگص أبو يونان"، ومنذ ذلك الوقت عشق العراقيون البركر، ثم اشتهر صديقنا السيد "علي اللامي بمطعمه واسواقه المشهورة في الجادرية.
    كان الكثير من البغداديين يرتادون المطاعم الشعبية في حارات ضاقت على المارة لكنها اتسعت بالمحبة يأتي الناس من كل الأماكن للاستمتاع بأجواء المدينة محلات بغداد القديمة، بدءا من الصباح ومع وجبات الفطور وحتى ساعات متأخرة من المساء يجمعون بين التاريخ والأصالة وروح الحضارة المتجددة التي ترفد شرايين محلات بغداد، كان الجلوس في هذه الأماكن القديمة يمنحنا الاحساس بالتفاؤل والأمان لذلك كنا نحرص على أن نأتي وأصدقاؤنا للاستمتاع بهذه الأجواء فنحسب نفسنا وكأننا مع عائلتنا الكبيرة، كان الشباب يستمتعون بتناول وجبه عشاء شهيه في حاره ضيقه ومزدحمه من مناطق الاعظمية والكرخ وشارع الكفاح وشيخ عمر والجعيفر والسفية والحارة والباب الشرقي والسعدون،

    وأحيانا تجلس بجوار غرباء علي نفس الطاوله لعدم وجود اماكن شاغره، في سبيل تذوق الطعم الحقيقي للكباب والتكة والمعلاك، ولمحبي اكل الشوارع الشهي والرخيص،

    هناك مطاعم اخرى صغيرة تنتشر في مناطق بغداد تقدم انواعا مختلفة من الاكلات التي اعتاد العراقيون تناولها وقت الفطور مثل "كبة السراي" في سوق السري و "الجلفراي" وهو خليط من اللحم والطماطم، اما "المخلمة" فهي الأكلة المفضلة للكثيرين منا، لانها سريعة الاعداد، ولها طعم يختلف عن باقي الاكلات ولاسيما في الصباح، وتشريب "الباجلا" المقشرة والمغطاة بالبيض المقلي بالدهن الحر وشرائح الطماطم مع قطع النارنج الذي يعصر فوق الطبق المغطى بـالبطنج والبصل والطرشي، والتكة والمعلاك، ثم يتبع ذلك الشاي الساخن المخلوط بالهيل..
    بينما قامت أغلب الدول ذات الإرث الحضاري بحماية تراثها من الاندثار، بل ساهمت في تنميته واستثماره استثمارًا اجتماعيًّا واقتصاديًا، من خلال تطوير وظائفه وأغراضه للتعايش مع واقع العصر، ولتصبح هذه الحرف عنصرًا جماليًّا يثير الحنين إلى الماضى حيث كانت الحياة تقوم على التضحية والعمل والاخلاص، فلا يمكن أن ترجع الأيام والحياة الماضية بظروفها، فالأشياء تتغير وتتأثر بمتغيرات حياتية عديدة، فالمتابع لاحوال بغداد في فترة مابعد الاحتلال وليومنا هذا يتعجب مما آل اليه الامر، على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتراثية، فبينما الدول من مشارقها الى مغاربها تندفع نحو المستقبل وفق خطوات تختلف من مجتمع الى اخر، وقد تخلص من من العراقيل الاجتماعية والفكرية في خطى ثابتة نحو تحقيق سعادة الانسان، بينما عند مجتمعنا لا تزال تمضي بحلقة مفرغة، حيث تستنفذ طاقاتها وامكاناتها في بث سموم الطائفية والمشاحنات والصراعات الدموية احياناً.
    فمن عاش في هذه المدينة الساحرة بروحه وعقله وجسده لايمكن أن ينسى لحظة واحدة من لحظاتها العذبة الجميلة، فترابها ومائها عطرا خاصا يحسبه عشاق بغداد دليلا خاصا يرشد نحو مدينتهم الحبيبة.
    اليوم بعد ان غابت صور بغداد الاصيلة، أصبحت هذه المدينة الجميلة منذ الاحتلال الامريكي – الايراني والدخلاء والطارئون عليها، أشبة بالضيعات المنفلتة أو بالثكنات الميليشياوية، التي ارتدت وشاح الطائفية والمذهبية التي نخرت البلاد وأفسدت تفكير العباد وأضاعت خارطة الوطن وبوصلة هويته، الذين لا يعرفون إلا لغة العنف والإرهاب، بل صاروا يتطاولون عليها اكتسحوا كل القطاعات بطرق ملتوية، وعاثوا فيها فسادا ما بعده فساد، وضاعت كلمة الحق واستعيض عنها كل ما هو باطل ومتخلف، وأصبحت المروءة مقذوفاً بها من أعلى شرف إلى أسفل درك، افتقدنا الصدق والثقة والمروءة، وغابت رائحة الورود والحمضيات التي كانت تملأ شورعها وازقتها أيام الرخاء والتنمية والتطور، حين كانت المدينة نظيفة من هؤلاء وأشكالهم.
    الا تستحق بغداد الجمال والمحبة، ان نكتب عنها وهي مبعث الفكر والعلم والامجاد، فالقلب يحترق كمدا على بلد تم تقزيمه إلى أن أضحى لا يرى حتى بعيون أبنائه فضلا عن أبناء الآخرين.
    الا تستحق بغداد لوحة تبين بيوتاتها ومقاهيها ومطاعمها وجوامعها وكنائسها وشوارعها وحدائقها وبساتينها واهلها الطيبين .
    بغداد، يا دجلة النهر الذي يسقيها ويحيطها ويحضنها كأنها شجرة غصونها تبعث الحياة لساكنيها.
    بغداد تبقى لوحة في القلب مطرزة بصور علمائها وبناتها وشعرائها واطبائها ومهندسيها ومغنيها، زارعة الخير والنهوض.
    من يتابع مجريات الاحداث في مشهد اليوم في بغداد يوحي بانه لا يبشر بخير كما يعتقد البعض، وكأنه لا يشعر بأمل في الأفق القريب لبزوق فجر جديد يولد، فجر يرمرم البناء ويداوي الجراح، ليعيد وجه العراق الباسم والمشرف والمفرح، اقول واكتب وانا متفائل بان شعلة الانطلاق لفجر قادم ات وقريب،
    فبغداد الجميلة هي روح اهلها الاصلاء ستخرج من تلك المحنة بفضل شعلة التوهج لثوار تشرين وصلابتهم، والوطنيين الاصلاء من شعب العراق فتنفض غبار المآسي وتنهض مجددا اصلب عودا واشد قوة لتعود ملتقى الثقافات والأديان والأجيال والثورات، لتبني وطنا سليما معافى من كل شائبة ونقص، ومن الله التوفيق..
    سرور ميرزا محمود

  9. #59
    من أهل الدار
    محلّات أوروزدي باك في بغـداد .. من اين جاءت التسمية؟..



    محلّات أوروزدي باك في بغـداد.. من اين جاءت التسمية؟.


    شـاركـت شـركـة أوروزدي بـاك الـتّـجـاريـة مـنـذ نـهـايـة الـقـرن الـتّـاسـع، وخـلال الـقـرن الـعـشـريـن في تـنـمـيـة الـثّـقـافـة الإسـتـهـلاكـيـة الـشّـرهـة في أوربـا الـشّـرقـيـة أوّلاً، ثـمّ في الـشّـرقـيـن الأدنى والأوسـط وفي شـمـال أفـريـقـيـا، بـفـتـحـهـا لـمـحـلات كـبـيـرة تـروّج لـلـبـضـائـع الأوربـيـة في غـالـبـيـة الـمـدن الـمـهـمّـة في هـذه الـمـنـاطـق ومـن بـيـنـهـا بـغـداد والـبـصـرة.
    فـكـيـف نـشـأت هـذه الـشّـركـة؟ وكـيـف نـمـت وازدهـرت؟
    تـذكـر لـنـا الـمـصـادر الّـتي درسـت تـاريـخ هـذه الـشّـركـة أنّ عـائـلـة بـاخ Bach كـانـت يـهـوديـة، إغـتـنـت مـن الـتّجـارة في الإمبراطـوريـة الـنّمـساويـة ـ الـمـجـريـة، ثـمّ تـشـاركـت مـع عـائـلـة يـهـوديـة أخـرى مـن أصـل نـمـسـاوي مـجـري: أوروزدي Orosdi. وهـكـذا تـزوّج أدولـف أوروزدي Adolf Orosdi بـأخـت مـوريـس بـاخ Maurice Bach.. وكـان أدولـف أوروزدي ضـابـطـاً شـارك في حـركـة 1848 الـوطـنـيـة الـمـجـريـة. وبـعـد فـشـل الـحـركـة الّـتي قـمـعـهـا الـنّـمـسـاويـون، هـاجـر إلى الـقـسـطـنـطـيـنـيـة (إسـطـنـبـول)، عـاصـمـة الـدولـة الـعـثـمـانـيـة، وبـدأ يـمـارس فـيـهـا الـتّـجـارة.
    وفـتـح في 1855 مـحـلّاً في مـحـلّـة غَـلَـطـة (جـالاتـا) عـلى الـبـوسـفـور لـبـيـع الـمـلابـس الـجـاهـزة الـمـسـتـوردة مـن أوربـا. وقـد نـمـت تـجـارتـه وتـوسـعـت بـعـد ذلـك، واسـتـمـرّ بـهـا ولـداه فـيـلـيـب ولـيـون مـن بـعـده.ثـمّ تـشـارك ولـدا أوروزدي مـع هـيـرمـان وجـوزيـف، إبـنَي مـوريـس بـاخ، واتّـفـق أربـعـتـهـم عـلى تـسـمـيـة شـركـتـهـم: أوروزدي ــ بـاخ.
    وفي 1879، تـزوّج هـيـرمـان بـاخ في بـاريـس بـمـاتـيـلـد أوروزدي، أخـت فـيـلـيـب ولـيـون، وأقـامـا في هـذه الـمـديـنـة.وقـد فـتـح الـشّـركـاء الأربـعـة في بـاريـس عـام 1888 الـمـكـتـب الـرّئـيـسي لـشـركـتـهـم الـتّـجـاريـة بـعـد أن غـيّـروا كـتـابـة اسـم Bach (الّـذي يـلـفـظ “بـاك” بـالـفـرنـسـيـة) إلى Back، وأصـبـح اسـم الـشّـركـة: Orosdi- Back.
    وفي 1893 فـتـحـوا أوّل مـحـلاتـهـم في فـيـيـنـا، عـاصـمـة الـنّـمـسـا، وأصـبـحـت الـشّـركـة في 1895 شـركـة مـسـاهـمـة، وفـتـحـت مـحـلات كـبـرى في أوربـا الـشّـرقـيـة وفي تـركـيـا. وفي حـوالي عـام 1896 فـتـحـوا أوّل مـحـلاتـهـم في الـقـاهـرة، ثـمّ في تـونـس وفي حـلـب وبـيـروت.
    وكـانـت هـذه الـمـحـلّات مـن نـوع جـديـد ظهـر في الـمـدن الأوربـيـة في بـدايـة الـقـرن الـتّـاسـع عـشـر، وهي مـا تـسـمى بـالـفـرنـسـيـة: Grands magasins، وتـسـمى بـالإنـكـلـيـزيـة: Department stores.
    ويـمـتـلـك كـلّ مـحـل مـن هـذه الـمـحـلّات الـكـبـرى شـخـص واحـد أو شـركـة واحـدة، وفـيـهـا أقـسـام مـتـعـددة تـبـيـع بـضـائـع مـتـنـوّعـة.فـبـيـنـمـا كـان هـنـاك في الـمـاضي مـحـلّات مـخـتـصّـة في كـلّ نـوع مـن الـبـضـائـع والـسّـلـع: مـحـلّات لـلـمـلابـس وأخـرى لـلأحـذيـة والـمـصـنـوعـات الـجـلـديـة أو لـلـمـواد الـمـنـزلـيـة أو لـلـمـواد الـغـذائـيـة، جـمـعـت الـمـحـلّات الـكـبـرى كـلّ هـذه الـمـنـتـجـات في مـكـان واحـد. ولـم يـعـد الـزّبـائـن يـحـتـاجـون لـلـتّـنـقـل مـن مـحـلّ إلى آخـر وإنّـمـا يـجـدون كـلّ مـا يـحـتـاجـونـه في أقـسـام مـخـتـلـفـة في داخـل نـفـس الـمـحـلّ الـكـبـيـر.

    وفي بـدايـة عـشـريـنـيـات الـقـرن الـمـاضي، إشـتـرى عـمـر أفـنـدي الّـذي كـان مـن عـائـلـة الـسّـلطـان الـعـثماني مـحلات أوروزدي بـاك في مـصر(في الـقـاهـرة والإسـكـنـدريـة وطـنـطـا …)، وتـحـوّل اسـمـهـا بـعـد ذلـك إلي مـحـلات عـمـر أفـنـدي.

    مـحـلّات أوروزدي بـاك في بـغـداد:
    كـمـا افـتـتـح مـحـل كـبـيـر لأوروزدي بـاك في بـغـداد في تـلـك الـفـتـرة تـقـريـبـاً، أي في بـدايـة الـعـشـريـنـيـات، ثـمّ آخـر في الـبـصـرة. ونـجـد في خـارطـة مـديـنـة بـغـداد الـتّي نـشـرتـهـا بـالـلـغـة الإنـكـلـيـزيـة مـديـريـة الأشـغـال الـعـمـومـيـة في أمـانـة عـاصـمـة بـغـداد Public Works Departement عـام 1929 إسـم الـمـحـل مـكـتـوبـاً: Orosdiback،مـن غـيـر خُـطـيـط فـاصـل بـيـن جـزئـيـه.وكـانـت مـحـلاّت أوروزدي بـاك، الّـتي يـسـمـيـهـا الـبـغـداديـون: أورزدي، في شـارع الـرّشـيـد.

    وكـانـت تـبـاع فـيـهـا، كـمـا في كـلّ الـمـحـلّات الـكـبـرى، أنـواع مـخـتـلـفـة مـن الـبـضـائـع والـسّـلـع الـمـحـلـيـة الـصّـنـع أو الـمـسـتـوردة.وكـانـت هـذه الـمـحـلّات تـتـوجـه لأفـراد الطّـبـقـة الـمـتوسّـطـة والـطّـبقـة الغـنّـية. ولـهـذا بـنـت سـمعـتهـا عـلى بـيـع مـنـتـجـات جـيّـدة الـنّـوعـيـة وعـلى أسـعـار ثـابـتـة تـكـتـب بـجـانـبـهـا، لا يـمـكـن لـلـزّبـائـن أن يـسـاومـوا عـلـيـهـا.وكـانـت الـمـحـلّات تـشـغـل طـابـقـيـن (الـطّـابـق الأرضي والـطّـابـق الأوّل) نـصـب بـيـنـهـمـا مـصـعـد كـهـربـائي لـم يـر كـثـيـر مـن سـكّـان بـغـداد مـصـعـداً قـبـلـه.وكـان مـدخـلـهـا عـلى شـارع الـرّشـيـد: بـابـهـا زجـاجي دوّار، يـقـف أمـامـه بـوّاب بـزيّ رسـمي نـظـيـف.
    وتـحـيـط بـالـبـاب مـن جـانـبـيـه واجـهـات زجـاجـيـة كـانـت تـعـرض فـيـهـا بـضـائـع حـديـثـة لـجـذب أنـظـار الـمـارّة، ولـدفـعـهـم لـدخـول الـمـحـلّات لـلـتّـفـرج، ثـم لإغـرائـهـم بـعـد ذلـك بـالـشّـراء. وهـو أمـر سـائـد في كـلّ الـمـجـتـمـعـات الإسـتـهـلاكـيـة.
    وكـان الـجـديـد عـلى كـثـيـر مـن الـبـغـداديـيـن أيـضـاً أنّ الـمـحـلّات وظّـفـت بـائـعـات يـرتـديـن زيّـاً مـوحّـداً. وكـانـت سـيـاسـة هـذه الـمـحـلّات أن يـبـتـسـم كـلّ الـعـامـلـيـن فـيـهـا ومـن ضـمـنـهـم الـبـائـعـات، وأنّ يـظـهـروا لـلـزّبـائـن الـلـطـف والإحـتـرام. وهـذا مـن مـمـيـزات كـلّ الـمـحـلّات “الـرّاقـيـة”.

    وكـان في مـحـلّات أوروزدي بـاك، إلى جـانـب الأقـسـام الّـتي تـحتـوي عـلى كـثـير مـن الـمنـتوجات الـمـتـنـوّعـة، “كـافـيـه” (وهي كـلـمـة أرقى حـسـب رأي الـمـتـحـذلـقـيـن مـن الـكـلـمـة الـعـربـيـة: “مـقـهى”!) في الـطّـابـق الأول، وتـطـلّ نـوافـذه عـلى نـهـر دجـلـة، ومـكـتـبـة تـبـيـع كـتـبـاً عـربـيـة وأجـنـبـيـة.

    ويـبـدو أنّـه كـان فـيـهـا، في فـتـرة مـن الـفـتـرات، صـالـون نـسـائي فـيـه “كـوافـيـره” (وهي كـلـمـة أرقى مـن كـلـمـة “حـلّاقـة”!)، وأنّـهـا جـلـبـت لـهـذا الـصّـالـون خـبـيـرة أجـنـبـيـة مـخـتـصّـة بـالـتّـجـمـيـل الـنّـسـائي.
    وفي فـتـرات الـتّـنـزيـلات، كـانـت الـمـحـلّات تـأتي بـفـرقـة مـوسـيـقـيـة تـعـزف في داخـلـهـا لـجـذب الـزّبـائـن.مـن محـلّات أوروزدي بـاك إلى“الأسواق الـمركزيـة”:
    وقـد أمـمـت الـحـكـومـة الـعـراقـيـة مـحـلّات أوروزدي بـاك في سـبعـينيات القرن الـعـشـريـن، وأصـبـحـت مـلـكـاً لـلـدّولـة تـحـت اسـم: “الأسـواق الـمـركـزيـة”. وأنـشـئـت شـركـة حـكـومـيـة لإدارتـهـا بـاسـم “الـشّـركـة الـعـامـة لـلأسـواق الـمـركـزيـة”، كـانـت تـابـعـة لـوزارة الـتّـجـارة.
    وفـتـحـت لـهـا فـروعـاً في عـدد مـن أحـيـاء بـغـداد مـثـل الـكـرادة والـمـنـصـور والـعـدل والـشّـعـب والـبـلـديـات، ثـمّ فـتـحـت لـهـا فـروعـاً في الـمـحـافـظـات.ولا يـمـكـن لأحـد أن يـقـلـل مـن أهـمـيـة مـحـلّات أوروزدي بـاك الّـتي واكـبـت ولا شـكّ دخـول الـمـجـتـمـع الـعـراقي (أو عـلى الأقـلّ الـمـجـتـمـع الـبـغـدادي) في الـثّـقـافـة الإسـتـهـلاكـيـة، والّـتي تـحـتـل مـكـانـتـهـا في ذاكـرتـنـا الـجـمـاعـيـة. فـمـن مـن أبـنـاء جـيـلي ومـن أبـنـاء الـجـيـل الّـذي سـبـقـنـا مـن لـم يـمـرّ أمـام واجـهـاتـهـا ولـم يـتـوقـف لـلـتـفـرج عـلـيـهـا، أو لـم يـدخـل فـيـهـا؟
    ومـع ذلـك فـقـد قـرأت عـدداً كـبـيـراً مـن “مـقـالات” نـشـرت عـلى الـشّـبـكـة الـعـنـكـبـوتـيـة كـتـب مـؤلـفـوهـا ما لا يـكـاد أن يـتـصـوره الـعـقـل مـن الإخـتـلاقـات والـتّـلـفـيـقـات، وخـاصـة فـيـمـا يـتـعـلـق بـإنـشـاء هـذه الـمـحـلّات. وقـد عـجـبـت مـن قـدرات الـبـعـض عـلى الإخـتـراع، فـقـد جـعـل كـاتـب مـقـال واسـع الـنّـشـر مـن أوروزدي بـاك تـاجـراً عـراقـيـاً أرمـنـيـاً! وجـعـلـه آخـر فـرنـسـيـاً فـتـح أوّل مـحـلاّتـه في بـغـداد!
    أمّـا فـيـمـا يـتـعـلـق بـاسـم هـذه الـمـحـلّات: أوروزدي بـاك Orosdi- Back، وهـو كـمـا رأيـنـا اسـم مـركّـب مـن اسـمَي عـائـلـتـيـن مـجـريـتـيـن تـشـاركـتـا في الـتّـجـارة. فـقـد ادّعى الـبـعـض أنّـه جـاء مـن الإنـكـلـيـزيـة Ours Day Bag [هـكـذا!] وتـرجـمـوهـا: حـقـيـبـة تـسـوقـنـا الـيـومي! أو أنّـهـا اسـم شـركـة أجـنـبـيـة افـتـتـحـت لـهـا أوّل سـوق في بـغـداد بـهـذا الإسـم، أو أنّـهـا كـلـمـة فـرنـسـيـة تـعـني سـوق أو مـول … وهي كـلّـهـا، كـمـا يـرى الـقـارئ الـعـزيـز بـنـفـسـه تـنـمّ عـن جـهـل مـخـتـرعـيـهـا بـالـتّـاريـخ وبـالـلـغـات الأجـنـبـيـة!
    وبـيـن كـلّ هـذه الـمُـضـحـكـات الـمُـبـكـيـات، قـرأت في كـتـاب صـدر قـبـل سـنـوات لـكـاتـب مـشـهـور تـفـسـيـراً أكـثـر غـرابـة لـهـذا الإسـم. فـبـعـد أن تـكـلّـم الـمـؤلـف عـن: “أجـمـل وأرقى مـخـزن في بـغـداد الـخـمـسيـنـية والـسـتـيـنـيـة، وهـو مـا يـسمـيه الـبـغـداديـون أورزدي”، ذكـر:“لـم أكـن أعـرف وأنـا أردد مـع الـبـغـداديـيـن بـالـدارجـة الـعـراقـيـة اسـم “أورزدي” مـا مـعـنى هـذه الـكـلـمـة ومـن أيـن جـاءت. وكـنـت أظـنـهـا اسـم صـاحـب الـمـكـان ولـكـنـني في فـرنـسـا قـرأت ريـبـورتـاجـاً صـحـفـيـاً وجـدت فـيـه اسـم “أورزدي بـاك” مـكـتـوبـاً بـالـلـغـة الـفـرنـسـيـة لأنـه مـن أصـل فـرنـسي. وقـد وضـعـه كـاتـب الـمـقـال بـشـكـل تـلـقـائي بـاعـتـبـاره نـوعـاً مـن الـتـوثـيـق في نـقـل الأسـمـاء … وإذا بي أقـرأ:Aux roses du bac أي إلى أزهـار الـمـزهـريـة “.
    ولا يـحـقّ لـنـا أن نـنـتـقـد هـذا الـمـؤلـف لـجـهـلـه بـالـتّـاريـخ، فـهـو قـد نـقـل هـذا الـتّـأويـل الـغـريـب لـقـرائـه كـمـا قـرأه، مـن غـيـر تـدقـيـق ولا تـمـحـيـص. ومـع ذلـك فـقـد كـان عـلـيـه أن يـتـحـاشى الـسّـقـوط في إغـراء الـكـتـابـة الـمـتـعـجّـلـة والـنّـشـر الـسّـريـع، فـتـسـجـيـل تـاريـخـنـا الـحـديـث يـتـطـلّـب مـنّـا جـمـيـعـاً جـهـوداً مـسـتـمـرة في لـمّ شـتـاتـه وتـأنـيـاً في جـمـع أجـزائـه لـكي لا يـضـيـع مـنّـا ويـتـلاشى ذكـره.
    ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
    وجـدت عـدّة مـقـالات تـعـتـبـر مـحلات أوروزدي باك في بـغـداد “أول مـول في الـشـرق الأوسط!”. ومـن الـواضـح أنّ كـاتـبـيـهـا يـجـهـلـون الـفـرق بـيـن الـ Department stores و بين الـ Mall. فـالـمـول Mall مـركـز تـجـاري شـديد الـضّـخـامـة يـضـمّ مـحـلات مـخـتـلـفـة تـنـتـمي لـشـركـات مـخـتـلـفـة. وقـد ظـهـر هـذا الـنّـوع مـن الـمـراكـز الـتّـجـاريـة في الـقـرن الـعـشـريـن، بـعـد فـتـرة طـويـلـة مـن ظـهـور الـمـخـازن الـكـبـرى مـثـل أوروزدي بـاك.

  10. #60
    من أهل الدار


    " ساعة جامع ابو حنيفة النعمان ابداع عراقي، يستحق مصممها وصانعها عبد الرزاق محسوب الى تكريم ووفاء لما انجزه"





    في جلسة مع الصديق الطبيب الاستشاري عامر الهاشمي، كما هي عادتنا حين نلتقي، تمر بنا الذكريات بما لها وما عليها، وتفيض ذاكرة ابو محمد، بالعلم والسياسة والادب والرياضة، وتحدثنا حول شخصيات بلدنا واوضاعنا ايام الخير، ولكم رأينا وقت التحدي والتجويع الحضاري للشعب العراقي، وكيف كانت عقول وسواعد وارادات الكفائات العراقية تناخت وابدعت ولم تبقى اية قطعة ارض مهما كانت مساحتها إلا وزرعتها السواعد لتجنيب اذلال الشعب العراقي من خلال تجويعه، وبعد ان يأس العدوانيون اعداء التقدم والأنسانية، وقاموا بتكتيل دول بلغ عددها اكثر من اربعين دولة وجيوشها بشن العدوان الهمجي الغادر على دولة العراق بعد ان عجزوا عن تركيع الشعب العراق من خلال الحصار الجائر، فإستخدوا اسلوب الحرب الشاملة، ولعل اهم ما تمتاز بها جلساته هي الروح الانسانية التي تحسها تصدر عنه،

    ومع هذه الجلسة الجميلة رجعت بنا الذكرى الى الاعظمية التي نفتخر بها لشواخصها الشامخة بوجود مرقد وجامع ابو حذيفة النعمان وطيبة ومكانة اهلها، والمقبرة الملكية ودور العلم والفقه، والتي هي نابعة من فخرنا الدائم لوطننا الغالي العراق، وتطرقنا باستفاضة الى احد معالمها الا وهي ساعة الاعظمية التي صممها وصنعها جد الدكتور عامر لامه، أغواني الدكتور عامر بما افصح عنه، والذي يتجاوب مع تراثنا الغني، ولانه ينطوي على القيمة الانسانية التي تصلنا به، حينها بدأ القلم يخط ويرسم صورة بهية لهذه الشخصية العبقرية التي استطاعت ان تصمم وتصنع ساعة عراقية شامخة في احدى جهات جامع الامام الاعظم، ولكي يسطر القلم الكلمات لا بد وان نستذكر منطقتنا وان نغوص في تراث بغداد وساعاتها.
    يعود تأريخ الأعظمية، الى عهد الخليفة المنصور وقد سميت المدينة نسبة الى الفقيه الامام الأعظم أبي حنيفة النعمان (رضي)، ودفن بها، ودفنت فيها الياقوتة بنت المهدي وقد نسبت المقبرة للخيزران لأنها زوجة الخليفة ووالدة خليفتين..، لقبر أبي حنيفة حظوة عظيمة من الوجهة التخطيطية( الطوبوغرافية) وذلك لأنه من المواقع القليلة التي لازالت باقية في بغداد الشرقية، الم يتغزل الشاعر علي بن جهيم في عهد الخليفة العباسي المتوكل بالله بترف الحياة في بغداد من فوق جسرها العتيق في الاعظمية قرب الجامع الذي يربطها بمدينة الكاظمية والذي كان واحدا من أقدم جسور بغداد العائمة في ذلك الزمان، حين قال: (عيون المها بين الرصافة والجسر جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري).
    تتبوأ الاعظمية مكانة مرموقة من جميع النواحي الاجتماعية لذا سرعان ما اتسعت ونمت نموا ملحوظا واتساعا ملموسا فغصت بالمنازل والأسواق والعمارات والقصور الجميلة والمساجد الفخمة التي تناطح مآذنها السحاب، وبالبساتين التي تطل على نهر دجلة،

    والمقبرة الملكية لما تتميز به من بناء راق وقبة جميلة وحدائق تحيط بها جعلتها مكانا سياحيا جاذباً للعديد من الافراد والعوائل، والحدائق والساحات ودورالثقافة والمكتبات العامة فضلاً عن اتخاذها مركز القيادة للحركة الاسلامية العربية، وبسماء مطرزة بالبلابل والحمام.
    لم ينس الحاج عبد الرزاق محسوب الاعظمي العبيدي ابدا تلك المحلة التي ابصر النور فيها وهي محلة الشيوخ في عام 1882، حيث عاش حياته في هذا الحي البغدادي الذي سكنه علية البغداديون من الفقهاء، وابرز الشخصيات التي اسهمت في بناء النهضة والعلم والثقافة والادب والجيش والرياضة للعراق الحديث، في هذا الحي اكمل دراسته الابتدائية في كتاتيب المدارس التركية واجاد في صنعته كميكانيكي ومنها برع وصنع اول ساعة بغدادية نصبت في برج جميل في جامع الامام ابو حنيفة النعمان، بهذا تحقق حلمه وفاءً لرمز الاعظمية ابو حنيفة النعمان.
    ابتكر البابليين المزولة أو الساعة الشمسية لمعرفة الوقت وهي عبارة عن دائرة عليها علامات تبيّن الساعات فيما بين شروق الشمس وغروبها وقد تطورت الأقراص الشمسية معتمدة على حركة الأرض مقابل الشمس وتقدير الظل المتكون على القرص المدرَّج، ويؤكّد المؤرّخون أن أول ساعة في التاريخ صنعها السومريون قبل حوالي ستة آلاف سنة تقريباً موجودة حالياً في أحد المتاحف العالمية في أوروبا، بعدها أدرك الإنسان الحاجة لإيجاد آلات تقيس الوقت دون الحاجة لوجود الشمس، فاستخدم الساعات المائية لقياس وقته. هذه الساعات وإن اختلفت بمظهرها وطريقة صنعها إلا أنها تعتمد كلها على ملء وتفريغ الماء من إناء أو مجموعة أوان بزمن اصطلاحي معين، ثم تمت الاستفادة من الماء المفرغ لتحريك قطع تدل على الساعة، ونذكر هنا، ويذكر العالم كله، دور العرب والمسلمين في تطور صناعة الساعات المائية والرمل والزئبق والأثقال المختلفة، واخترعوا الساعات الشمسية النقالة وساعة الرحلة والساعة الشمسية المنبهة، ففي مدرسة المستنصرية كانت تقوم، وقبل ما يقرب من ألف عام اول ساعة مائية في العالم، وما يزال مخططها موجودا حتى اليوم، والساعة المائية التي حيرت العلماء المعاصرين عندما ارادوا اعادة الحياة لها فلم يتمكنوا، هي عبارة عن طائرين متقابلين يحركان رأسيهما كأنهما يلتقطان حبات القمح، وهذه الحركة كانت تتم كل دقيقة، وكل ساعة يبيض احد الطائرين، وخلال اليوم تكون هناك 24 بيضة، وتعتبر الساعة النحاسية التي أهداها الخليفة هارون الرشيد عام (807م) الى الملك شارلمان، الأضخم والأعجب والأندر في العالم ، الأكثر من ذلك، أن الساعة لم تكن معروفة في ذلك العصر، وخاصة للأوربيين الذين كانوا أيام ذاك ينظرون إلينا، كما نحن ننظر إليهم اليوم مُقَلِدين مُقتدين، كانت ساعة ضخمة بارتفاع حائط الغرفة، وغرف ذلك الزمان كانت ترتفع بحوائطها، حتّى الأمتار الخمسة وربما أكثر من ذلك، بالقوة المائية كانت تتحرك، وعند تمام كل ساعة، يسقط منها عدد من الكرات المعدنية الكبيرة، فوق قاعدة نحاسية مفرغة، فيُسمع لها رنين موسيقى جذاب في جميع أنحاء القصر، وفي ذات الوقت، يفتح باب من الأبواب الأثني عشر المؤدية إلى داخل الساعة، والتي تُمثل ساعات النهار والليل بعد النهار، ويخرج منها فارس يدور حول الساعة ثم يعود من حيث خرج، فإذا حانت الساعة الثانية عشرة، يخرج من الأبواب اثنا عشر فارساً مرة واحدة، ويدورون حول محيط الساعة دورة كاملة، ثم يعودون ليدخل كل واحد من حيث خرج، وتغلق الأبواب بعد ذلك وراءهم، والأوربيون أنفسهم كتبوا في تمجيد هذه الساعة وأسهبوا في وصفها، واعتبروها أعجوبة ذلك الزمان وأعجوبة من أعاجيب هذا الزمان، وإذا كانت تلك الساعة قد أثارت إعجاب شارلمان إنما أرعبته، كما أرعبت الحاشية وخاصة منها الرهبان، فقالوا لشارلمان أنها مسكونة بالشيطان، أرسلها الخليفة هارون الرشيد هدية، ليقضي عليه، وليسلب منه ملكه، و ليثبت الرهبان جهلهم بذلك، أخذوا فؤوسهم وحطموا الساعة، ليخرجوا منها الشيطان، ولكنهم لم يجدوه، فقالوا للإمبراطور، أنه هرب منهم لأنهم رهبان الرب، وكذلك ساعة المسجد الأموي بدمشق، مما اوردناه انها تحفاً علميةً غاية في الدقة وقمة في الصنعة.
    ومن صانعي الساعات العرب المشهورين نذكر ابن الشاطر ومحمد بن نصر القسراني والمهذب بن النقاش وأبا العز الجزري.

    بعد قرون من افول الدولة العباسية ومجد بغداد وتحديداً في القرن الثامن عشر، شيد الوالي العثماني مدحت باشا اول مرة في تاريخ بغداد برجاً لينصب في اعلاه ساعة القشلة المهداة من ملك بريطانيا جورج الخامس، وكان ذلك حدثا مهما في بغداد وذلك عام 1869م،

    وكان ذلك بعد عشرة اعوام من نصب ساعة (بك بن) الشهيرة والتي تعلو مبنى مجلس العموم البريطاني في العاصمة لندن،

    إذ كانت أغلب ساعات وجهاء واعيان وطبقة المثقفين والشيوخ ذات سلاسل توضع في الجيوب، أو ساعات جدارية في بيوتاتهم، ثم توالى نصب الساعات ذات الابراج في بغداد بعد ساعة القشلة فكانت ساعة الكاظمين عام (1882م) ثم ساعة الحضرة الكيلانية عام (1898م) فالساعة الاعظمية عام (1930م)

    وساعة المحطة العالمية عام(1955)، ، وتعمل ساعة القشلة بنظام يختلف عن نظام الساعات المنوه عنها، إذ تحتوي ماكينتها على 6 مسننات، أما الساعات الأخرى فتحتوي على 30 ـ 35 مسنناً، انها ساعات كبيرة، شامخة، <<معمرة>>.. غدت بمرور الزمن تحفا معمارية نادرة، تربط بين الماضي والحاضر، وصارت في آن معا شاهدا على حقبة من القرن الثامن عشر، وجزءا من من القرن العشرين، وتعمل ساعة القشلة بنظام يختلف عن نظام الساعات القديمة، خاصة البغدادية منها، إذ تحتوي ماكينتها على 6 مسننات، أما الساعات الأخرى فتحتوي على 30 - 35 مسنناً.

    بدأ الحاج عبد الرزاق حياته العملية بعد ان تدرب في العمل الميكانيكي، فافتتح معملا لصناعة النواعير حيث لم تكن هناك مكائن زراعيه وابدع في هذه المهنه، وحين اندلاع الحرب العالميه الأولى انخرط في الجيش العثماني في فوج المجاهدين لمقاتلة الأنكليز واشترك في معركة الحويزه وفيها انتصر الأتراك على الأنكليز، واغتنم الاتراك منهم مدفعآ كبيرآ كان الأنكليز يستخدموه مع كميه كبيره من العتاد، وحينها قام المجاهدون من فرط فرحتهم بتكسير المدفع وتعطيل أليته، تشكلت لجنه من مهندسي الجيش العثماني، حينها قررت اللجنه تسقيط المدفع لعدم صلاحيته للخدمه، وهنا اخذت الحميه الدينيه والوطنيه بعبدالرزاق محسوب الذي كان يحمل عقليه علميه وهندسيه بالفطره، ان يتقدم بطلب لأصلاح المدفع متحملأ عقوبه الأعدام في حالة فشله وبعد المده التى حددها تم اصلاحه لذلك المدفع بحضور القاده الأتراك وحشود البغدادين وتهاليلهم وتكبيراتهم بالدفوف والاعلام، وهذا المدفع والاعتدة الاخرى وحشود المجاهدين مع القوات العثمانية السبب في انتصار القوات العثمانية على القوات البريطانية، حيث بدأت المعركة بحصار الجيش العثماني للقوات البريطانية والحلفاء في بلدة الكوت الواقعة على ضفاف نهر دجلة جنوب شرقي العراق، وانتهت بسيطرة العثمانيين على الكوت واستسلام كامل الجيش البريطاني.

    ابتدأ حلم الحاج عبد الرزاق محسوب مع الساعة الاعظمية في عام (1919م)، يوم اهديت الساعة الكبيرة ذات الوجهين والتي كانت منصوبة في الحضرة الكيلانية لتصليحها ونصبها في جامع الامام الاعظم، غير ان هذه الساعة كانت قديمة وقد تلف الكثير من اجزائها اثناء رفعها، فطلبت مديرية الاوقاف العامة الى بعض المتعهدين إصلاحها واعنلت عن ذلك في الصحف المحلية فتقدم اليها الحاج عبد الرزاق محسوب الاعظمي وفحصها فوجدها غير صالحة، ثم رادوته فكرة القيام بصنع ساعة تليق بوجودها في جامع الامام الاعظم، وكانت فكرة رائعة تحكمت في احاسيسه ومشاعره حتى اقضت مضجعه في الليل واستنزفت الكثير من وقته في النهار، فراح يرسم خطوطها الرئيسية منذ تلك اللحظة بنشاط غير اعتيادي في معمله، وفي ذهنه تصميم لصنع ساعة كبيرة مع هيكلها الخاص ذات اربعة اوجه بدلا من تلك الساعة ذات الوجهين، وهكذا واصل عمله المضني في صنع هذه الساعة بمساعدة ولديه السيدين محمد رشيد وعبد الهادي حتى اتم صنعها في عام (1930م) وبعد الانتهاء من تنظيمها واجراء بعض التجارب، مستفيداً، من اخترع الفيزيائي الإنجليزي روبيرت هوك شاكوش الساعة الذي أتاح استخدام بندول ذي قوس تذبذب صغير طول الرقاص وقيمة عجلة التثاقل لضبط الوقت، وبعد عدة فحوص عليها امام جمهرة من اهل الخبرة وشاهدي العيان طلب من ادارة الاوقاف تسلمها هبة منه وبدون عوض لتوضع بدلا من تلك الساعة التالفة في جامع الامام الاعظم، الا ان العقليات القاصرة وغير المدركة في الاوقاف حينذاك تشككت في صنعها فأخذت تماطل في ذلك. واخيرا رفضت تسلمها فاحتفظ بها ونصبها في سطح معمله،وقد تجاوزت آفاقه اصداء دقات تلك الساعة وهي تعلن عن الوقت بانتظام، في 8/11/1931 زار الملك فيصل الأول كلية دار العلوم الدينية والعربية في الأعظمية وكان معه رئيس التشريفات تحسين قدري ومدير الأوقاف العام نوري القاضي وبعد أن أتموا زيارة الكلية اقترح عليهم عميد الكلية الحاج نعمان الأعظمي زيارة معمل محسوب للاطلاع على الساعة فذهبوا إلى المعمل وكان معهم أيضاً بعض وجوه الأعظمية، حيث صعد الملك ومن معه إلى سطح المعمل الذي نصبت فوقه الساعة وبعد أن اطلع على الساعة ودقائق صناعتها وأعجب بها وخاطب صانع الساعة بقوله: لعل عبد الرزاق لا يطلب لها ثمناً باهضاً !، فأجابه انه قام بصناعتها خدمة للوطن وانه لذلك متبرع بها ولا يرجو سوى الأجر الأخروي والثواب، فشكره الملك ووعده بقبولها ونصبها في موضعها في الوقت المناسب، واقترح الحاج نعمان الأعظمي أن تنصب الساعة في ساحة باب المعظم أمام مكتبة الأوقاف العامة، ثم بعد ذلك ذهب الملك ومن معه إلى بيت الحاج عبد الرزاق المجاور للمعمل حيث تناولوا طعام الغذاء،

    اقيم المعرض الزراعي الصناعي في حدائق باب المعظم في بغداد في 7 نيسان 1932م في عهد الملك فيصل الاول، كانت هذه الساعة الشامخة شاخصة حيث فازت بحق وجدارة بالجائزة الاولى من ابرز المعروضات واجدرها باهتمام الجمهور، وليس ادل على مبلغ ما استأثرت به هذه الساعة من اهتمام رواد المعرض الزراعي الصناعي عراقيين واجانب ما اورده (امين الريحاني) في كتابه (فيصل الاول )، وهو يصف المشهد الرائع والحدث المهم في تاريخ النهضة العراقية: «وكان الناس محتشدين حول الساعة العظيمة، الاعظمية، التي صنعها احد ابناء البلدة المشرفة باسم الامام الاعظم وبحجرته لتعرض في معرض الزراعة والصناعة ببغداد، وكانت الساعة قائمة في باحة المعرض الكبرى فوق قاعدة عالية من الحديد، وهي تردد نبأ الزمان ـ والناس متلوعون، والعيون منهم محدقة بهذا الاثر الصناعي العربي البغدادي الاعظمي، والكل معجبون به، هذه الساعة مفخرة المعرض، والله بل مفخرة للعراق والعرب، ومن ذا الذي يقول ان العقل العربي عقيم لا يحسن الاختراع انها بيت القصيد في هذا المعرض، وقد قال احدهم: قد يكون صانعها من سلالة ذلك العربي الذي صنع الساعة التي اهداها الخليفة هارون الرشيد الى عاهل الفرنجة الامبراطور شارلمان،كما ساهم الاعلام وبعض من الشخصيات البغدادية المعروفة بهذا الانجاز وموهبة مصممها وصانعها فقد:كتبت جريدة (العراق) عن الساعة في 30/3/1933 مشيدة بالجهود التي بذلها صانع الساعة ووجوب الاهتمام بموضوعها ونصبها في جامع الإمام أبي حنيفة. كما كتبت جريدة (بغداد) في 13/4/1933 في نفس الموضوع والطلب إلى مديرية الأوقاف لنصب الساعة في جامع الإمام أبي حنيفة الذي لا توجد فيه ساعة. كما نشر الأستاذ عبد اللطيف حبيب في جريدة (البلاد) بتاريخ 5/11/1956 موضوعاً عن (قصة الساعة الأعظمية) بين فيه خصائص هذه الساعة والجهود التي بذلها صانعها في سبيل صنعها وأهميتها كمظهر من التقدم الصناعي في البلد وقد ختمها بالعبارات التالية:(أحمل هذا الريبورتاج إلى سعادة مدير الأوقاف العام، في انتظار الأصداء، وما يأتي به الغد، نحو مخترع عراقي، جاهد لإخراج باكورة أعماله، وبذل الغالي والرخيص ومات قبل أن يخرج اختراعه إلى النور الأسطع. إن الساعة الأعظمية تكريم للاختراع العراقي، تكريم للصانع العراقي، فلنكرم أنفسنا) كما نشر الأستاذ المحامي والاديب والرحالة والساعاتي المشهور في جريدة (الشعب) بتاريخ 3/2/1958 مقالاً بعنوان (الساعة البغدادية) مع صورة لصانع الساعة وإحدى واجهاتها، بدأه بقوله: (يحق لي كعراقي أن أفتخر وأناصر كل عمل يقوم به بنو وطني في الحقل الصناعي مما يكشف عن قابلياتهم ويجلو مواهبهم وينهض دليلاً قاطعاً على النبوغ والإبداع لا يختصان ببلد دون الآخر أو ينفرد بهما شعب دون سائر الشعوب ودعى إلى ضرورة الاهتمام بموضوع الساعة وإقامة البرج لنصبها فيه). وذكر كل ذلك أيضاً في كتابه (قصة الوقت).
    وبعد هذا الفوز الساحق على غيرها من المعروضات وافقت الاوقاف على تسلمها وتسلمتها بالفعل لا لتوضع في جامع الامام الاعظم بناء على رغبة الحاج عبد الرزاق، وانما لتوضع رهن التوقيف والحجز في احد مخازنها فداهمها الصدأ وكادت ان تتلف.
    وفي سنة 1952 شعر الحاج عبد الرزاق وقد أقعده المرض بدنو أجله وذهاب أمنياته عبثاً في تحقيق نصب الساعة وضياع وتشتت أدواتها من بعده فطلب إلى ابنه الدكتور صالح مراجعة دائرة الأوقاف لخزن أدوات الساعة في إحدى غرف جامع الإمام أبي حنيفة لحين يكتب لها فيه النصب في الجامع المذكور في المستقبل، وفي 7/11/1953 ذهب المرحوم الحاج عبد الرزاق إلى جوار ربه وفي نفسه حسرة لأن ساعته التي صرف من أجلها كل اهتمامه وكل ماله من طاقة فكرية ومالية، لم تر النور ولم تنصب في جامع أبي حنيفة والتي كانت أغلى أمنياته، استمر الدكتور صالح بالرغم من انشغالاته الوظيفية في طرق كافة الابواب ومنها طلب الى دائرة الاوقاف، لم يكن لطلب الدكتور ومراجعاته المتعددة أية نتيجة، حينها استشار الدكتور صالح اخويه، عندما رأى الجهود المبذولة من والده وأخويه ما يقارب من عشر سنوات في صناعة هذه الساعة والأماني والتشبثات التي استمرت ما يقارب من ثمانية وعشرين سنة في موضوع نصب هذه الساعة إن كل ذلك ذهب أدراج الرياح. وان كل هذه الآلات سيأكلها الصدأ والتراب وعبث الآخرين بمرور الوقت. وعليه قرر أن يأخذ الموضوع على عاتقه ويقوم بإنشاء برج للساعة على نفقته وبما آل إليه من ارث من أبيه بلغ ما يقرب من خمسة آلاف دينار. وذلك في الساحة الواقعة أمام الجامع.

    وجاء الفرج في عام 1959 حيث وصل الى د. صالح كتاب من ديوان مجلس الوزراء فيه الموافقة على بناء برج للساعة، ولهذه الموافقة قصة استقصيناها وهي كما يلي، ان رجلاً اسمه علي أصغر وهو مصلح ساعات، كانت له صداقة بالفريق"محمد نجيب الربيعي" رئيس مجلس السيادة، ويزوره بين الحين والآخر، وفي يوم كان عنده فجاء الزعيم عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء، فتحدثا حول تشجيع الصناعة الوطنية، فذكر لهم علي أصغر الساعة التي صنعها محسوب فتحمسا لها، وهكذا تحققت المعجزة ، حينها سارع الدكتور صالح واخوته بتصليح ما اتلف نتيجة الخزن وتم ازالة الصدأ الذي اصابها واجرى الدكتور عليها بعض التحسينات بما يلائم عملها بالقدرة الكهربائية، اما مسألة الناقوس التي واجهت د. صالح، فأنه لم يجد من يصنعه في العراق، فأرسل الى الشركات الإنكليزية وغيرها، فحصل على عرض جيد،

    ولكنه فوجئ بكتاب من وزارة الأشغال تخبره فيها بأن رئيس الوزراء الزعيم عبد الكريم قاسم اوعز بانه مادامت الساعة عراقية فيجب ان يكون الناقوس كذلك، فانكب دكتور صالح يقرأ ويتحرى عن طريقة صنع الناقوس، وبالفعل تم صنع الناقوس الذي كان وزنه 750كغم وقطر دائرته متر واحد في معمل الشالجية التابع للسكك.
    في ضوء قرار مجلس الوزراء الصادر عام 1958 بأن تستخرج الساعة من الأوقاف بعد معاينتها وصلاحيتها، ونصبها على برج يناسبها في جامع الامام الاعظم على ان تقوم به وزارة الاسكان، وبعد وضع التصاميم والخرائط من قبل المعماري المبدع هشام منير، اتجهت النية الى بناء الابواب الرئيسية وسياج الجامع مع برج الساعة. وقد يؤشر بالعمل بأشراف المهندس الغيور ابن الاعظمية محب الطائي،

    ونفذ بناء البرج بالكونكريت المسلح على شكل اسطواني وبارتفاع (25)مترا ومحله قرب الباب الرئيسة من جهة الغرب ثم كسي البرج بالفسيفساء الايطالي ذي اللون الازرق والابيض، كما بنيت الابواب على شكل اقواس ثلاثة بالكونكريت المسلح ايضا كما كسيت بنفس النوع من الفسيفساء، وبعد اكمال بناء البرج سنة (1958م) نصبت الساعة المذكورة اعلاه وهي قائمة تعمل بانتظام وبدقة عام1961،
    اما عن وصف هذه الساعة فقد بلغ ارتفاعها ثمانية اقدام، وهي ذات وجوه اربعة، وقطر كل وجه منها متران، وعلى كل وجه ثلاثة عقارب، اثنان منها يشيران الى الدقائق والساعات والثالث يشير الى الايام، وصممت هذه الساعة على مبدأ الثقل حيث يتدلى منها ثلاثة اثقال تحرك ثلاثة مكائن ويقع موقع الثقل الاول في الوسط وهو الذي ينظم حركة العقارب وموقع الثاني من الجهة اليمنى وهو الذي ينظم دقات ارباع الساعة، وموقع الثالث في الجهة اليسرى وهو الذي يعلن بدقات قوية عن الوقت، ويبلغ وزنها ثمانية اطنان.
    بعد ان بدأت دقات ساعة الجامع نغمتها التي لم تكن اعتيادية بالنسبة لنا ونحن بين الطفولة والشباب، تكسونا ملامح البراءة والارتباط الوجداني بأشياء نعجب بشكلها الخارجي أو وقعها الرنان المميز على أذننا، لتكن العلامة المميزة لمنطقة الاعظمية وكأنها تدرك أن صوت رنينها الواثق من نفسه يجبرنا على الانصياع له وتمني القرب منه، ليصبح وجودنا أمامها والاقتراب منها من أسباب دخولنا مع الآخرين من سكنة المنطقة والزوار الى جامع ابو حنيفة ببهيته الشامخة.
    قال فيها الشاعر عطا الحاج حمدي الأعظمي:
    يد محسوب يدٌ ماهرة
    صنعت للجامع المعمور ساعة
    جاورت قبر إمام أعظم
    منه ترجى ساعة الحشر شفاعة
    كلما دقت ذكرنا فضله
    وسألنا الله أن يجزي اختراعه
    وسألنا الله أن يرحمه
    إن ّ شكر الله من شكر الجماعة

    وفي سنة 1973م، قامت الاوقاف بإكساء البرج بصفائح من معدن الالمنيوم المضلع ذي اللون الذهبي فزاد ذلك من روعة منظره.

    وبقيت الساعة منتظمة العمل حتى عام 2003م حينما غزا الأميركان العراق واحتلوا بغداد ودمروا بندول الساعة يوم 10نيسان 2003م،
    انتخى وجهاء الاعظمية وأهلها بالدعوة الى تصليح الساعة والبرج، ويناءً على ذلك قام ديوان الوقف السني وعدد من الشركات بإعادة ترميم البرج، فيما قام ثلاثة من عائلة محسوب هم (د.صالح عبد الرزاق، فؤاد رشيد عبد الرزاق، وحذيفة سالم عبد الهادي عبد الرزاق ) وعلى مدى اشهر عدة بإعادة ترميم وتشغيل ماكنة الساعة وتصليح اجزائها المتضررة وتم نصبها من جديد عام 2005م.
    توارث اولاد الحاج عبد الرزاق مهنة تصنيع وادامة وتصليح الساعات، وتعلموها تدريجياً وأتقنوها بعد أن علمهم معلمهم ابوهم سرها وأسرارها مع مرور الوقت،وبهذا شاركوا في نصب الساعة وادامتها، و تعلموا في الجامعة وتخرجوا منها باختصاصات مختلفة، واحدهم هو الدكتور صالح احد قضاة العراق المتميزين والباحثين القانونيين والحاصل على شهادة الدكتوراه في القانون الدولي في سويسرا وحصل على الدكتوراه، وارتقوا مناصب في السلم الاداري للدولة، واحتفظوا بورش صغيرة في بيوتاتهم فيها كل الأدوات الدقيقة "كالمفك والقطّاعة والمجهر الصغير الذي يوضع على العين" وغيرها، لعمل وتصليح الساعات واصبحت هذه المهنة الدقيقة بمثابة الانيس والمؤنس والهواية لهم، والدكتور صالح هوايته الغوص في عوالم الساعة الدقيقة التي يعرف الطريق إليها بحرفة عالية، أنامله المبدعة تعيد الروح لدقات الساعة إلى سابق عهدها وهذا ماحدث معه وندرج ثلاثة من أكثر القصص التي يتذكرها الدكتور عامر في هذا الصدد:
    تصليح ساعة المانية ثمينة للهر كروبر الخبير الالماني بعد ان عجز المصلحون من ايجاد علتها.
    اثناء دراسته في سويسرا عطلت ساعة استاذه الثمينة بعد ان عجز المصلحون من ايجاد علتها الحقيقية،
    تصليح ساعة ثمينة للدكتور سالم الحيدري مدير مستشفى الحيدري والتي كان يعتز بها، ونتيجة لذلك الانجاز اهدى الدكتور الحيدري له ساعة وثبت بأنها اثمن من ساعة الحيدري.
    جميع ما يصلحه الدكتور صالح كان بدون ثمن.
    في عام 1972 نال جائزة أولى في مسابقة علمية على ابتكاره ساعة مائية قام بصنعها على غرار ساعة الجامعة المستنصرية القديمة، وهي تعمل بالطاقة المائية، وبهذا الانجاز تحقق حلمه باعادة فكرة احياء الساعة المائية للمدرسة المستنصرية التي نصبت في عهد الخلافة العباسية، وقد نوهت بها الصحف المحلية، كما نوه عنها الاستاذ ناجي جواد الساعاتي بكتابه صناعة الوقت.
    لعل التاريخ سينصف في يوم ما لهذا العصامي والمضحي بالوقت والمال، ومن ناحيتي اجد من الصعب استعراض مابذله في سطور متواضعة هذه، لكني شاركت مع كل العيون التي رأت عقارب الساعة التي لا تريد الانسلاخ من الماضي، وهي تحكي لنا الماضي بعنفوان الشباب، والآذان التي سمعت دقاتها، ولهذا فالجميع يدرك جيداً الثقل الكبير لهذا الرجل المبدع، الذي برهن نبوغ العقل العراقي وابداعه في جميع الميادين في الفكر والعلم والفن والصناعة والزراعة..، وكذلك يعلم الجميع صفات العراقي الاصيل هو الوفاء والعطاء، وهذا ما عرفناه عن الحاج عبد الرزاق، وإزاء ذلك، وتكريماً لهذا الإنسان، مصمم وصانع ساعة الاعظمية، والذي تخرج على يديه العديد من مبدعي تصليح وتصميم ساعات اخرى كأولاده ومنهم الدكتور صالح، ليس كثيراً عليه أبداً إذا تم تكريمه من خلال نصب وإقامة تمثال له في الساحة المقابلة للأمام ابو حنيفة النعمان، وكم سيكون جميلاً لو كان هذا التمثال بالزي العربي البغدادي الذي لم يفارقه كعرفاننا لكل ماقدمهُ لأهل العظمية ورمزه ابو حنيفة النعمان ولبغداد والعراق، وان يتبنى ذلك وجهاء الاعظمية وكبار رجالاتها في الداخل والخارج ومن الله التوفيق.

صفحة 6 من 13 الأولىالأولى ... 45 678 ... الأخيرةالأخيرة
تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال