وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّه
إن من أبرز الصفات التي طبعت عليها نفوس الظالمين والمتآمرين على المؤمنين هي حب الشر للآخرين والبغض والحقد. فهؤلاء الأشخاص لا يملكون في قلوبهم سوى الظلام والكراهية تجاه من يعيشون معهم في المجتمع. ولا يستطيعون تحمل نجاح الآخرين أو رؤية الناس في خير وسعادة.
فالعبد المؤمن يخاف مكر الله؛ لأنه يسيء الظن بنفسه، ويستحضر تقصيرها وتفريطها، فيخشى أن يأخذه الله ببعض ذنوبه.
ومن أمثلة ذلك ما يفعله بعض الأشخاص تجاه بعض المرضى حتى قبل اكتمال التشخيص الطبي. فبدلاً من أن يتعاملوا مع هذه الحالات برحمة وتعاطف، نجدهم ينتهزون الفرصة لنشر الشائعات والإشاعات عن هذا المريض في كل مكان، محاولين سحق نفسيته وتضليل الناس بحقيقة حالته الصحية قبل أن يتم التأكد منها وعندما تعاتبه لما فعلت ذلك؟! يقول حتى الناس يدعون لك، ومثلها أيضا عندما يتم احتجاز شخص ولم يتبين السبب، اسمع من الظالمين «وهم من يسمون بوكالة يقولون» ما ينشرون بدون حقائق عن هذا وذاك.
وما الهدف من هذا المكر والخبث سوى إلحاق الضرر بهذا المريض أو المحتجز نفسياً وبدنياً، ومحاولة زعزعة ثقة الناس به وبما سيصل إليه من نتائج التشخيص النهائي. فهؤلاء الأشخاص لا يرغبون في أن يشفى المريض أو أن يعود للحياة بصحة جيدة، أو أن يخرج المحتجز أو الموقوف بل يتمنون أن تزداد معاناته وآلامه.
ولكن الله سبحانه وتعالى لا ينسى عباده المؤمنين. فهو القادر على رد كيد هؤلاء الظالمين إليهم، وعلى نصرة المظلومين وإنقاذهم من شرورهم. وسيجعل كل مكائدهم وأباطيلهم تنقلب عليهم، بينما سينجي الله عبده المريض ويشفيه بإذنه، وينصر المظلوم أينما كان.
وهناك العديد من الأمثلة التاريخية لمؤمنين تعاملوا بنجاح مع المكر والخبث، منها:
1. يوسف :
عندما ألقاه إخوته في البئر وباعوه كعبد، لم يذهب يوسف إلى طريق الثأر والانتقام، بل تحلى بالصبر والحكمة. واستطاع بعد ذلك أن ينجو من مؤامرات زوجة العزيز ويتبوأ مركزًا رفيعًا في مصر.
2. داود :
تعرض داود لمؤامرات من قبل الملك شاول الذي حاول قتله عدة مرات. لكن داود احتمل ذلك بصبر وتوكل على الله، حتى أصبح هو الملك بعد ذلك.
3. النبي محمد ﷺ وصحبه وسلم:
واجه النبي محمد ﷺ الكثير من المكائد والمؤامرات من قبل أعدائه في مكة. لكنه تعامل معها بحكمة وصبر، حتى تمكن في النهاية من فتح مكة دون قتال.
كيف يمكن للمؤمن التعامل بطريقة إيجابية مع مكر الظالمين والخبث؟
1. على المؤمن أن يتحلى بالصبر والثبات أمام ما يلاقيه من مكائد وأذى الظالمين. فالصبر هو السلاح الذي يضعف قوة المكر والخبث، ويُظهر ضعف وهشاشة أصحابه.
2. إن الاتكال على الله والاعتماد عليه في مواجهة هذه المحن هو أقوى ما يمكن للمؤمن أن يستعين به. فالله هو الناصر والمعين والحافظ لعباده المؤمنين.
3. على المؤمن أن يكثر من الدعاء والاستغفار إلى الله، طالباً منه النصر والتأييد، وطالباً منه أن يرد كيد الظالمين عليهم
4. على المؤمن أن يحافظ على سمعته الطيبة وأخلاقه الرفيعة، فلا ينزل إلى مستوى أولئك الظالمين، بل يتحلى بالحكمة والرفق في التعامل.
5. على المؤمن أن يحسن إلى من أساء إليه، وأن يعفو عمن ظلمه، فذلك أقوى رد على مكائد الظالمين.
قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾[الأنفال: 30].
أخيرا
على المؤمن أن يتوكل على الله وأن يصبر على ما يلاقيه من أذى الظالمين، فالله معه ولن يتركه ولن يضيع أجره. وسيجعل الله ما كاده به هؤلاء الأشرار خيراً له في الدنيا والآخرة. «لا تَخَف وَلا تَحزَن إِنّا مُنَجّوكَ».