العنوان شطر بيت من الشعر المنسوب للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام يصف فيه صنفًا من الناس لا همّ له سوى المال فلا يكاد يعرف سواه. في الأبيات التالية وصف قاسٍ لهذا الصنف من إمامٍ عارف بالرجال ويضعهم في مواضعهم الصحيحة. الأبيات هي:
أَبُنّيّ إِنَّ مِنَ الرِجالِ بَهيمَةً
في صورَةِ الرَجُلِ السَميعِ المُبصِرِ
فَطِنٌ بِكُلِّ رَزّيَةٍ في مالِهِ
وَإِذا أُصيبَ بِدينِهُ لَم يَشعُرِ

هذا الصنف من الرجال بعيد جدًّا عنكم -القراء الكرام- رجالًا ونساء لكن لا أحد ينكر وجوده بين الناس. رجال ليس همهم سوى كم في الرصيد، كم خسرَ وكم ربح. المال عنده أغلى من دينه ومن عشيرته ومن ولده! لا يهم إذا كان يكسب المال من الحرام أم الحلال. المهم أن يكسب ولا داعي للفحص من أين يأتي المال، المهم أن يأتي! صنف يسمع ويبصر ويفكر جيدًا ويمشي، كل جوارحه سليمة 100%، لكنه لا يبصر سوى المال وطرق جمع المال!

هكذا ورد تعريف البَهيمَة في قواميس اللغة: "كل ذات أَربع قوائم من دوابّ البَرّ والبحر، ما عدا السِّباع والجمع: بهَائم. و‏بهيمة الأنعام‏ تَعني ‏الإبل والبقر والغنم من الحيوانات‏". ما نفع العقل الذي يميز الإنسان عن البهيمة إذا لم ينجه من المهالك؟ عن رسول الله صلى الله عليه وآله في وصيته لعليّ عليه السلام: العقل ما اكتُسبت به الجنة وطُلب به رضا الرحمن. ماذا نسمي إذن من لا يملك هذه الصفات؟ البهيمة همها بطنها وفي أحسن الأحوال سلامتها من الضواري التي تفترسها، أما أكثر من ذلك فهي لا تستطيع أن تعمل فكرها فيه!

جاء في القرآن الكريم وصف أقسى وأغلظ لبعض أصناف الناس: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}! أتظن أن أكثرهم لديهم استعداد لاستماع الحق ليتبعه أو استعداد عقل الحق ليتبعه فترجو هدايتهم؟ هم ليسوا إلا كالأنعام والبهائم، لا تعقل ولا تسمع إلا اللفظ دون فهم. هم أشقى وأتعس من الأنعام التي لا تعقل ولا تفكر. هؤلاء لهم عقل وفكر، لكنهم لم يعملوه كما يجب.

القراء الكرام: أما وقد ذكرنا هذا الصنف من الرجال فلا بد أن نذكر الصنفَ الآخر الذي لا تساوي عنده الدنيا إلا مقدار حاجته منها. لله رجال قال الله عنهم: {رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}. يتاجرون ويبيعون ويشترون ويخالطونَ الناس وفي كل أمورهم يرون الله ويخشونه! تذوب أرواحهم وأجسادهم في محبة الله وآخر همهم الدينار والدرهم.

غاية الأمر أن العمر فيه موازنة بين الدنيا والآخرة، فلا يجوز أن يضر حبّ الدنيا والحرص عليها بالآخرة. لا يصح أن نُفني العمر في جمع المال ولا يصحّ أن ننسى دنيانا ونكون عالة وفقراء.

ملاحظة: قد يجد القراء الكرام الأبيات منسوبة لغير الإمام علي عليه السلام وفيها زيادة على البيتين المذكورين!