حكواتي يروي حكاية سوق القطانين وتاريخه في المدينة
عاطف دغلس-نابلس
على مدخل باب القدس القديم، يقف الراوي يسرد حكاية مدينة القدس أو "إيلياء" كما هو اسمها في العصر الروماني، متقمصا شخصية ذلك المكان وتلك الحقبة التي عاشها أهل المدينة آنذاك.
وما إن يتجمهر الناس من زوّار وغيرهم في ذلك المكان، حتى يبدأ الحكواتي بسرد حكاية المكان وقصته، محدثا نوعا من التشويق والتثقيف معا.
هذا جزء من نشاط ثقافي بمدينة القدس، يقف على تنفيذه كل من مسرح الرواة ومؤسسة الرؤيا المقدسية لخلق نوع من التواصل الثقافي والتاريخي مع المدينة، إضافة إلى تعزيز روح الانتماء إليها، كما يقول الفنان والممثل المسرحي إسماعيل الدبّاغ.
ويضيف الدبّاغ -الذي يلعب شخصية "حارس المدينة" في إحدى الحكايات- أنه يروي للزوّار تاريخ مدينة "إيلياء" بعد أن يوقفهم على بابها، "فهم ممنوعون من الدخول بأمر من الملك حتى يستمعوا إلى حكايتها".
مسار ثقافي
ويقدم مسرح الرواة "مسارا ثقافيا" بالإضافة إلى أعماله الفنية المختلفة، يتعلق بسرد حكايات سبعة أماكن تاريخية وثقافية وتراثية بالمدينة كل عام.
إسماعيل الدباغ يروي للزوار تاريخ مدينة إيلياء بعد أن يوقفهم على بابها
وأشار الدبّاغ إلى أن قرابة أربعين ممثلا يتم تدريبهم للسنة الرابعة على التوالي في "استديو الممثل" التابع للمسرح ضمن هذا النشاط، ليقع الاختيار فيما بعد على سبعة منهم، تكون لديهم المقدرة والثقافة العالية عن المكان، ليصبحوا "حكواتية" يسردوا قصص مدينتهم وثقافتها.
ولفت إلى أنهم يتحققون من صحة الحكاية التي تُروى عن المكان قبل عرضها، ويوثقون ذلك بأسلوبهم الخاص.
ويسعون من خلال ذلك إلى المحافظة على التراث الحي لمدينة القدس، وتعزيز الانتماء إلى هذا التراث والدفاع عنه، خاصة أن هذه الأماكن -التي تتعرض للتهويد الإسرائيلي والاستيطان- تشكل التاريخ الحقيقي للمدينة.
وتتنوع الجماهير بين الطلبة والزوّار من مختلف المناطق لا سيما الأجانب منهم، مهمة صعبة ينطوي تنفيذها على الممثل والمسرحي، حسب الدبّاغ.
وأضاف أن هذا العمل يعطي الأمل في التغيير والنهوض بالمجتمع المقدسي، لا سيما أن الحكواتيين موجودون في الأماكن الأصلية للحدث.
وإضافة للاحتلال واعتراضاته المختلفة على مثل هذه الأنشطة، يقول الدبّاغ إنهم واجهوا صعوبة في استيعاب الأمر في البداية، خاصة بالنسبة للمواطنين المقدسيين، لكنهم ما لبثوا أن تداركوا ذلك وعرفوا أن هذا النوع من المسرح يخلق فضاءات جديدة أمامهم لخلق ثقافة انتماء ووفاء.
مسرح الشارع
ومن جهته، يرى المؤرخ والمحاضر الجامعي جوني منصور من مدينة حيفا داخل الخط الأخضر أن ما يطلق عليه مسرح الشارع، يجب أن ينقل الواقع والحقيقة بصورة تمثيلية، دون المس بجوهرها.
الدبّاغ يتقمص شخصية حارس مدينة إيلياء بالزي الروماني ويسرد حكايتها للزوار
وعلى الممثلين والمخرج –حسب حديث منصور للجزيرة نت- التعمق في التعرف على هذا المجتمع أو المجتمعات بكل جوانبها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية، موضحا أنه لا يمكن التفكه مع هذا الجمهور، "لأنه حاضر في كل لحظة في موقعه، ولديه ما يقوله".
ونبّه منصور إلى أن مسرح الشارع لا يختلف عن المسرح الرسمي أو مسرح الخشبة إلا في موقعه، فهو كغيره من المسارح إنما يتناول خطابا أقرب إلى قضايا الناس من خلال مواجهتهم في مواقعهم.
والمسرحية -أو العرض، كما يقول- ذات قاعدة تاريخية أو تراثية، فمن المفروض أن تكون من صلب أحاسيس المشاهدين، وهم مشاركون بالفعل.
ومن بين تلك الأماكن التي رويت حكايتها، كان هناك سوق القطانين -حسب القائمين- حيث يخرج حكواتي متقمصا شخصية باني السوق -وهو والي المدينة في العصر المملوكي- على الجمهور ليقص عليهم قصة بناء السوق والحمّام.
وعلى بوابة باب العمود الشهيرة يخرج "قائد روماني" فيسرد قصة مدينة إيلياء في العصر الروماني، وفي محطة أخرى يخرج الصحابي الجليل عبادة بن الصامت في مقبرة باب الرحمة فيسرد قصة فتح القدس.