سبحانك يا رب الذي جعلت في قلوبنا الحنين والشوق إلى الأوطان! نحمل الوطن بين أضلاعنا وفي قلوبنا أينما ذهبنا ولا نستبدله بآخر ولو أُعطينا أطنانًا من الذهب!
وطني اُحِبُكَ لا بديل
أتريدُ من قولي دليل؟
سيضلُ حُبكَ في دمي
لا لن أحيد ولن أميل

ولد نبي الله موسى عليه السلام في مصر أيام فرعون ولولادتِه ونجاتِه من فرعون حكاية رائعة قصها القرآن الكريم، يستطيع القراء الكرام أن يطالعوها فهي من أروع قصص الأنبياء عليهم السلام. في فصلٍ من فصول حياته قتل موسى رجلًا فرعونيًّا فانتشر خبر القتل بسرعة. كان من المحتمل أن يكون القاتل من بني إسرائيل، ولعلّ اسم موسى كان من بين بني إسرائيل المشتبه فيهم. ليس سهلًا أن يُقتل رجل من الفرعونيين بيد إسرائيلي دون أن يعاقب! لذلك أصبح موسى كما يقص القرآن خائفًا ينتظر ما سوف يحصل له "فأصبح في المدينة خائفًا يترقب".

تعقدت الأمور في اليوم التالي أكثر! كان موسى في حالة من الترقب والحذر، فإذ بالرجل الإسرائيليّ الذي أعانه موسى بالأمس يتنازع مع رجل آخر من جماعة فرعون ويَطلب من موسى أن ينصره! أراد موسى أن يعين الإسرائيليّ ويبطش بالذي هو عدو لهما لكن الإسرائيلي لسببٍ ما فضح أمر موسى ورفع صوته قائلًا: يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسًا بالأمس؟ أنت يا موسى تريد أن تكون جبارًا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين؟!

وصلت الأخبار إلى قصر فرعون فأحس فرعون ومن معه في القصر أن أمرًا خطيرًا يحصل -مقتل رجلين من الفرعونيين- فعقد جلسة مع وزرائه وقرروا قتل موسى عليه السلام. كان في القصر رجل مؤمن له علاقة بموسى فمضى إليه وأخبره كما يقول القرآن الكريم: {وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ}.


قبل موسى نصح الرجل وشرع في مغادرة المدينة وللمرّة الثانية يقول القرآن بأن موسى كان "خائفًا يترقب". دعا الله بإخلاص ليدفع عنه شرّ القوم {قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}. خرج من مصر إلى مدين وتزوج في مدين بابنة شيخ كبير وحدثت فصول كثيرة في حياة موسى لكن خروجه "خائفًا يترقب" من مصر يقال كان "بغير ظهر ولا دابة ولا خادم، تخفضه أرض وترفعه أخرى، حتى انتهى إلى أرض مدين". حالة تشعرنا بقيمة الأمن في الأوطان؛ قيمة ما أحلاها وما أغلاها!

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "من أمسى وأصبح وعنده ثلاث فقد تمت عليه النعمة في الدنيا: من أصبح وأمسى معافى في بدنه، آمنًا في سربه، عنده قوت يومه، فإن كانت عنده الرابعة فقد تمت عليه النعمة في الدنيا والآخرة: وهو الإيمان".

ما أغلاها وأثمنها من نعمة أن يصبح الإنسان آمنًا في وطنه في نفسه وعرضه وماله يذهب ويجيء حيث يشاء لا يتعدى عليه أحد ولا يظلمه؟! نعمة لا تباع بالمليارات! بالحب والوفاء كما يقول الإمام علي عليه السلام تعمر الأوطان "عمرت البلدان بحب الأوطان".