في ذكرى ميلاده.. الإمام الحسين كعبة القلوب والأرواح
من الشخصيات الإسلامية المبهرة شخصية الإمام الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم وجهه، نظرًا لمكانته عند جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومحبته الشديدة له، وما عاصره من أحداث محورية في تاريخ الأمة، وما تعرض له في كربلاء من ظلم حيث استشهد، فأصبح بذلك كعبة القلوب والأرواح حيث أوصى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمحبته وبيّن أن من يحب الإمام الحسين وأخيه أحبه الله فهفت القلوب والأرواح إلى محبتهما .
ولد الإمام الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه في مثل هذا اليوم في الثالث من شهر شعبان بالمدينة المنورة سنة أربع من الهجرة، بعد نحو عام من ولادة أخيه الإمام الحسن رضي الله عنه، فعاش مع جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ما يزيد على الست سنوات.
وعندما ولد الإمام الحسين رضي الله عنه أراد أبوه الإمام علي بن أبي طالب أن يسميه "حربًا"، إلا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سماه "حسين" وأذن في أدنه وأقام، ودعا له، وعق عنه صلى الله عليه وآله وسلم بعد سبعة أيام من مولده بشاة، وتصدق بوزن شعره فضة.
طفولة في حجر النبي
وللإمام الحسين عليه السلام مكانة كبيرة عند جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو وأخيه الإمام الحسن، وقد ورد في ذلك الكثير من الأحاديث التي روتها كتب الصحاح عند أهل السنة، فقد وصفه النبي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله هو وأخوه الحسن فقال فيما رواه الإمام البخاري: ""هما ريحانتايَ من الدنيا"، وأخبر أنه سيدا شباب أهل الجنة فقال: "من أحب أن ينظر إلى سيّد شباب أهل الجنة فلينظر إلى هذا".
وقد ورد في مستدرك الإمام الحاكم و"تاريخ دمشق" للإمام ابن عساكر وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الحسن والحسين ابناي من أحبّهما أحبّني، ومن أحبّني أحبّه الله، ومن أحبّه الله أدخله الجنة، ومن أبغضهما أبغضني، ومن أبغضني أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله النار».
وهناك الكثير من الأحاديث التي تحكي مواقف من طفولة الإمام الحسين وأخيه الإمام الحسن مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتؤكد فضلهما ومكانتهما عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومنها ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: " خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه حسن وحسين , هذا على عاتقه , وهذا على عاتقه , وهو يلثم هذا مرة ويلثم هذا مرة , حتى انتهى إلينا " , فقال له رجل: يا رسول الله إنك تحبهما , فقال: " من أحبهما فقد أحبني , ومن أبغضهما فقد أبغضني ".
وعندما كان الإمام الحسين صغيرًا كان لا يفارق جده صلى الله عليه وآله وسلم وكان يثب هو واخوه على ظهره الشريف وهو يصلي، فيحكي الصحابي الجليل أبو هريرة أحد هذه المواقف فيقول: كنا نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - العشاء "فإذا سجد"، وثب الحسن والحسين على ظهره، فإذا رفع رأسه، أخذهما بيده من خلفه أخذًا رفيقًا، ويضعهما على الأرض، فإذا عاد عادا، حتى إذا قضى صلاته، أقعدهما على فخذيه".
سند أبيه وأخيه
وقد عاش الإمام الحسين رضي الله عنه طفولته وشبابه في مدينة جده صلى الله عليه وآله وسلم ينهل من أخلاقه الشريفة، وشهد الكثير من الأحداث المحورية في تاريخ أمة الإسلام فشهد سنة 35هـ مبايعة والده أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب بالخلافة، ثم خروجه معه إلى الكوفة، وشهد معه موقعة الجمل ثم صفين، ثم قتال الخوارج، وبقي معه حتى استشهاد الإمام علي رضي الله عنه وكرم وجهه سنة 40هـ.
وعندما تولى أخيه الإمام الحسن الخلافة كان سندًا له فأقام معه في الكوفة إلى أن تنازل الإمام الحسن رضي الله عنه عن الخلاف لمعاوية بن أبي سفيان حقنًا لدماء المسلمين وجمعًا لشمل الأمة، وبعد وفاة أخيه الحسن شهيدًا مسمومًا، وبعد تولي معاوية للحكم أرسل إليه معاوية واليه على المدينة الوليد بن عتبة ليأخذ البيعة من أهلها، فامتنع الحسين عن البيعة، وخرج إلى مكة وأقام فيها.
ويذكر الإمام ابن كثير في كتابه "البداية والنهاية" أنه أهل الكوفة في العراق أرسلوا إلى الإمام الحسين كتبًا تبايعه على الخلافة، وتدعوه إلى الخروج إليهم، فأرسل إليهم ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبي طالب ليأخذ بيعتهم، فطالت غيبة مسلم وانقطعت أخباره، فتجهز الحسين مع جملة من أنصاره للتوجه إلى العراق، ونصحه بعض أقاربه وأصحابه بالبقاء في مكة، وعدم الاستجابة لأهل العراق، ومنهم عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن جعفر، وجابر بن عبد الله، كما كتبت إليه إحدى النساء وتسمى (عمرة) تقول: حدثتني عائشة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يقتل الحسين بأرض بابل" فلما قرأ كتابها قال: "فلا بد إذاً من مصرعي".
خروجه إلى كربلاء
انطلق سيدنا الإمام الحسين ومعه أصحابه ومعه من أهل بيته حتى إذا وصل إلى العراق وقد عرف ماذا فعل عبيد الله بن زياد وعرف تَخَلّي أهل العراق عنه ولم يجد أحداً منهم. وبعثَ إليه عبيد الله بن زياد بكتيبة فيها أربعة آلاف يتقدمهم عمرو بن سعد أو عمر بن سعد فالتقوا بمكان يقال له كربلاء فطلب منهم سيدنا الحسين إحدى ثلاث:
1 - إما أن يدعوه يرجع من حيث جاء.
2 - وإما أن يذهب إلى ثغر من الثغور فيقاتل فيه.
3 - أو يتركوه يذهب إلى يزيد.
فوافـق عمـر بن سعد على ما قاله مولانا الحسين وأرسل يخبر ابن زياد بذلك فأرسل ابن زياد إلى عمر بن سعد أن لا يوافق حتى يأتي ابن زياد ويبايعه - ( يعني ليبايع يزيد بن معاوية) - وقد أشار على ابن زياد هذا الرأي شُمَّر بن ذي الجَوشن قبحه الله، فقال سيدنا الحسين: والله لا أفعل.
فحاصروا سيدنا الحسين ومن معه حصاراً شديداً حتى منعوا عنهم الماء لمدة ثلاثة أيام والإمام الحسين ومن معه من أهله وأطفاله يعانون من العطش الشديد.
يوم عاشوراء واستشهاد شباب أهل البيت
فلما أصبح الصباح وكان يوم العاشر من محرم يوم عاشوراء تهيأ سيدنا الحسين ومعه اثنان وثلاثون فارساً وأربعون راجلا، وتهيأ جيش يزيد، بقيادة عمر بن سعد ومعه أربعة آلاف مقاتل.
وقاتل أصحاب سيدنا الحسين بين يديه حتى استشهدوا جميعًا، وكان أول شهيد من أهل سيدنا الإمام الحسين هو علي الأكبر بن الحسين، فخرجت السيدة زينب أخت الإمام الحسين تنكب عليه تبكي ثم أدخلها سيدنا الحسين بيده الفُسطاط، وهو خيمة من الشعر.
وتوالى استشهاد شباب أهل البيت الأطهار فقتل عبد الله بن مسلم بن عقيل، ثم قتل عون ومحمد ابنا عبد الله بن جعفر، ثم قتل عبد الرحمن وجعفر ابنا عقيل بن أبى طالب، ثم قتل القاسم بن الحسن بن علي بن أبى طالب، وكذلك قتل عبد الله بن الحسين، وأبو بكر والعباس وعثمان وجعفر ومحمد بنو علي ابن أبي طالب إخوة الإمام الحسين غير الأشقاء.
استشهاد الإمام الحسين وما فعله يزيد
ثم التف حول الإمام الحسين أولئك الظلمة، وسيدنا الإمام الحسين يجول فيهم بالسيف يمينًا وشمالًا وهم يهربون منه، حتى تقدم رجل يقال له زُرعة بن شُرَيْك التميمي - عليه لعائن الله- فضربه على يده اليسرى وضربه آخر على عاتقه، وطعنه سنان بن أنس - عليه لعائن الله- بالرمح فوقع الإمام الحسين على الأرض شهيدًا، فتقدم شُمّر بن ذي الجَوشن ففصل رأسه الشريف عن جسده الطاهر، وقيل ثم جاء عشرة من الخيالة داسوا على الجسد الطاهر للإمام الحسين ذهابًا وإيابًا.
ووُجِد بسيدنا الإمام الحسيـن حين قُتـل ثلاث وثلاثون طعنة وأربعا وثلاثين ضربة، وكان عمر سيدنا الحسين يوم قتل ستاً وخمسين سنة، وكان استشهاده يوم الجمعة في العاشر من محرم سنة إحدى وستين من الهجرة الشريفة.