لا تشتكي فأيـن عقـلك ؟.؟؟؟
( المقال للكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد )
( المقال للكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد )ثورات الشعوب غربلة تقتضيها الضرورة في بعض الأحيان .. ولكن فتحات الغربال ليست عادلة في كل الأحوال .. فهي تسقط الأحجام ما دونها .. والمسقوطات فيها الصالح والطالح .. كما أنها تحجب الأحجام ما فوقها .. والمحجوبات فيها الصالح والطالح .. فكم من كوادر لازمة تفقدها البلاد في تلك الغربلة .. وكم من فرص تتيحها الغربلة للمتسلقين وأصحاب المنافع الذاتية .. وكم من قادم جديد يمتلك العرش وهو لا يستحقها .. وكم من ذاهب قديم نفيس تلحقها يد الأقدار .. ولكن بنفس القدر كم من عوائق وكوارث كانت جاثمة فوق الصدور تزيلها تلك الثورات .. وكم من أوجاع كانت سائدة عاشتها الشعوب لسنوات في مرارة ومعاناة .. والقيمة النهائية لا بد من سلبيات وايجابيات .. وفي ثورات الشعوب هناك الأحلام عادة تصاحب نفوساَ حالمة بسعادة .. ولكنها تجهل أن السعادة لا بد أن تسبقها طعنات النحلات قبل نيل الشهد بعد جهد ومعاناة .. وليست الطعنات هي فقط تلك المتمثلة في الوقود الضروري في عمليات إشعال وخوض الثورات .. من تضحيات جسيمة في الأنفس والأرواح والعمران .. ولكن هناك تبعات أخرى كثيرة مؤلمة جداَ تصاحب تلك الثورات فيما بعد .. وخاصة وأن تلك الغربلة عادةَ توجد فراغات هائلة في التماسك الاجتماعي وفي انفلات بسط الأمن الشامل .. وفقدان التسلسل المنطقي لانسيابية التعامل التجاري والاقتصادي بين الناس .. والتخلخل في مسارات كثيرة من حركة التعايش اليومي للناس .. مما يوجد نوعاَ من الفوضى والإرباك وعدم الأمن وعدم الاستقرار في المجتمعات فيما بعد الثورات .. وتلك هي من أوجع الإفرازات التي تسود وجوه الثورات الشعبية .. حيث تموت الآمال الكبيرة لدى الشعوب التي كانت تحلم يوماَ بأحلام هي وردية أكثر منها عقلية .. والشعوب في تلك الأحلام غير محقة إطلاقاَ إذا ظنت أنها سوف تنال الشهد بغير طعنات .. وخلاصة التجارب أثبتت أن الكثير من الناس يحسون بنوع من الإحباط والمرارة عن سوء الأحوال في عوالم ما بعد الثورات .. ثم يحدث الجدل بين الناس ففيهم من يتحسر على الماضي .. وفيهم من يمجد الحاضر .. ولكن في النهاية هو ذلك الإنسان لا يمل من الشكوى في الماضي وفي الحاضر .. والشعوب العاقلة لا تبني بلادها بالأحلام ولكنها تتجرد لتبني بلادها بالبذل وبالجهد وبالإنتاج .. يكثر من العمل الذي يفيد البلاد والمجتمعات .. ويقلل من الخوض في متاهات السياسة والسياسيين .. وقد سبقتنا الشعوب الناهضة بالجهد والإنتاج في كل المسارات .. في الوقت الذي نحن فيه الكل ينصب نفسه زعيماًَ سياسياَ بارزاَ يجيد الثرثرة ليلاَ ونهاراَ .. والثرثرة والفهلوة لا تبني الدول .. ولا تفيد الشعوب .. وتلك علة أصبحت فينا سمة ملازمة .. وهي علـة لا تعالج بالثورات أو بغير الثورات .. حتى ولو خضنا ألفاَ وألفاَ من الثورات .( المقال للكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد