من أهل الدار
Jeanne d'Arc
تاريخ التسجيل: January-2010
الجنس: أنثى
المشاركات: 16,465 المواضيع: 8,043
صوتيات:
10
سوالف عراقية:
0
متسولو الموصل يقدمون «نسخا معدلة» في الأحياء الراقية واختفاء الوان اشارت المرور
TODAY - December 09, 2010
مخاوف من ارتباطهم بعصابات منظمة تتحكم في توزيعهم.. وبعضهم متورط في عمليات سطو
متسولو الموصل يقدمون «نسخا معدلة» في الأحياء الراقية واختفاء الوان اشارت المرور لم يمنعهم من ملازمتها
صبي يعمل ماسحا للاحذية في الموصل بجانب فتاة متسولة (خاص بـ "العالم")
الموصل - جرجيس توما
تلقى مركز شرطة الكرامة شرقي الموصل، شكوى تتعلق باقتحام متسولتين ترتديان (الخمار)، إحدى المنازل في حي التأميم، وسرقتا في وضح نهار السابع من تشرين الثاني الماضي، مبلغ تسعة ملايين دينار، قبل ان تفرا دون أي اثر.
شهود من الجيران، أكدوا في إفاداتهم، انهم شاهدوا المتسولتين وهما تطرقان ابواب المنازل في الزقاق باباً بعد آخر، واحدهم أكد انه لمح المنقبتين وهما تخرجان من إحدى الدور، لكنه لم يفطن الى ان جريمة قد ارتكبت للتو.
هذه الحادثة، نبهت الى ضرورة التصدي الى ظاهرة التسول التي بدأت بالانتشار في مدينة الموصل، واخذت تتسع مدياتها خلال الاشهر الثلاثة الماضية، لتشمل الشوارع والاحياء السكنية والأسواق، والجوامع، وحتى المستشفيات.
وتعددت اشكال التسول، وانتقلت في بعض الاحيان، من طلب العون والاحسان، الى النصب والاحتيال، بتصنع مشهد يثير العطف، أو تقمص دور بائع جوال، والنتيجة جرائم ارتكبت باسم التسول.
باحثون اجتماعيون أكدوا في تصريحات لـ "العالم" أن ظاهرة التسول باتت مرتبطة بالوضع الأمني في الموصل، فكلما كان الوضع مستقراً، كلما تفاقمت الظاهرة وبالعكس، ومعظم المتسولين هم صبية أو مراهقون. وفي ورشة أقامتها مديرية الشباب والرياضة في نينوى، ذكر د. خليل الخالدي رئيس قسم الاجتماع في جامعة الموصل، ان "ظاهرة التسول بدأت تنتشر على نحو خطير في مجتمع مدينة الموصل، وبات يمتهنها الاطفال والصبية والشيوخ والنساء، وحتى بعض الشباب الذين دعتهم الحاجة والفاقة الى امتهان هذه الظاهرة الرذيلة، التي لا تعبر عن الوجه الحضاري المشرق للموصل".
واكد الخالدي ان "هذه الفئة تحتاج ان تتناولها الدراسات العلمية للوقوف على حجم الظاهرة في المجتمع، وأسبابها والعوامل التي أدت الى استفحالها، لكي يتم بعدها وضع المقترحات والتوصيات اللازمة لحل المشكلة جذرياً".
وفي وقت سابق من هذا العام، شكلت دائرة الرعاية الاجتماعية في نينوى، لجنة ضمت أعضاء من مجلس محافظة نينوى ومديرية الشرطة، وحقوق الانسان، ودائرة صحة نينوى، لبدء حملة لجمع المتسولين من التقاطعات والاحياء السكنية، وبعد اشهر من اعلان تشكيل هذه اللجنة، تضاعفت اعداد المتسولين، وانتشرت مديات تحركهم لتشمل كل جزء في المدينة بلا استثناء.
الباحث الاجتماعي عبد الجبار سامي ذكر في مقابلة مع "العالم"، أن "انهيار الوضع الامني في نهاية عام 2005، حد من ظاهرة التسول في المدينة، بسبب الاشتباكات المسلحة والانفجارات المستمرة في الشوارع، والتي راح ضحيتها الكثيرون منهم، حتى ان بعضهم استخدم كمخبرين للجماعات المسلحة، او لتنفيذ عمليات، ولكن مع نهاية عام 2008، واستقرار الاوضاع الامنية نسبيا، عادت الظاهرة مجدداً الى الانتشار". واضاف ان "انتشار القوات الامنية في معظم المناطق وبشكل مكثف، زاد من مساحة الامن بالنسبة للمتسولين، وأخذوا يتجرأون على الدخول الى الاحياء والمناطق السكنية، وطرق ابواب المنازل، وفي الجوامع عقب كل صلاة، وهي مشاهد تتكرر معظم ساعات النهار في الكثير من المناطق".
سامي أشار الى ان "البطالة هي السبب الرئيسي لتفشي ظاهرة التسول في الموصل، كما ان انخفاض المستوى المعيشي في المناطق الريفية، بسبب تدهور الزراعة، ادى الى نزوح كبير من الريف الى داخل المدينة، وكذلك في أحداث عام 2006 وتداعياتها، التي تسببت بهجرة الى الموصل من مختلف المدن الأخرى، ما تسبب في نشوء ظواهر سلبية عدة، ابرزها التسول".
ممثل عن شعبة الارشاد الاسلامي في مديرية الوقف السني، تحدث عن نمط من التسول بدأ بالظهور مؤخرا عند تقاطعات الطرق في الموصل، وتمثل بمن يبدو عليهم انهم باعة سكائر او حلوى أو ما شابه، وفي الحقيقة ان "غالبيتهم، يمارسون التسول". والحل برأي ممثل الارشاد هو "منح إعانات مالية لهذه الفئة، أو زيادة رواتب شبكة الرعاية الاجتماعية".
ضابط برتبة ملازم في شرطة نينوى رفض الكشف عن اسمه، شكك في ان تكون "الأساليب المبتكرة في التسول، مجرد فكرة طرأت في بال طفل او شيخ مسكين". ويعتقد أن "وراءها عصابات يرتبط بها مجموعة من المتسولين، وهي من تقوم بتوزيعهم في مناطق محددة، وقد شوهدت مركبات ينزل منها متسولون في التقاطعات، وعادت لتأخذهم في وقت لاحق". ولم يفصح الضابط عن علمه بوجود تحقيق جنائي بحوادث مشابهة، او ان كانت لديه معلومات حول تفكيك احدى العصابات التي يتحدث عنها، لكنه اكد ان "هذه العصابات تغير مناطق تواجدها باستمرار، وتنوع اساليبها، فالاطفال الاناث يزرعن عادة بالقرب من المطاعم الكبيرة، وفي الاسواق، أما النسوة بالقرب من المؤسسات الحكومية التي تشهد إقبالا من المواطنين، او في المستشفيات وعلى ابواب الجوامع، أو يطرقن ابواب المنازل".
ونبه ضابط الشرطة الى ان معظم هؤلاء، "لديهم استعداد لارتكاب جرائم، كالسرقة العادية من نشل وغيرها، وحتى السطو على المتاجر او المنازل".
مثنى محمود، موظف عمل في احدى اللجان المشتركة التي كانت تهدف الى الحد من ظاهرة التسول، قال لـ "العالم" ان "فنون التسول متعددة، وتصدر عن عقلية منظمة، تتقن التقمص وخداع الاخرين والاحتيال عليهم، وهي ليست بريئة كما يظن البعض من الناس الذين يصبحون ضحايا في العادة"، مؤكدا أن "الأطفال والمعاقين عقلياً او جسديا الفقراء منهم تحديداً، يستخدمون بل ويسخرون لهذا العمل".في جولة لـ "العالم" شملت عددا من مناطق مدينة الموصل، تبين ان وجود المتسولين يتركز وعلى نحو مكثف في سوق السرجخانة وشارع غازي وباب السراي وباب الطوب.
وتكرر في عدة اماكن المشهد التقليدي للمرأة البائسة وهي تفترش الارض، وبجوارها طفل غارق في النوم، أو التي تحمل بيدها أوراقا طبية تتحدث عن عملية جراحية او نسبة عجز، وتدور بها مع المريض المفترض عيادات الاطباء، او المحلات التجارية، او تستوقف المارة لتروي لهم قصتها.
النسخ المعدلة من المتسولين، يصادفون المرء في شارع المجموعة الثقافية، او سوق الصياغ، او المثنى، او الزهور، وهم يتحدثون بنبرة محترمة، ويحملون في العادة شيئاً لبيعه كواجهة، وما ان يجدوا عطفاً طاغياً، حتى يبدا السؤال، وتروى القصص المفجعة، واحيانا يكون الراوي في صورة رجل اعمى مع طفلة، او فاقداً لأحد اعضائه الظاهرة، أو مهجراً من مدينة بعيدة فقد كل شيء وحياته باتت متوقفة على احسان تلك اللحظة.
اللافت في أمر المتسولين وجود الكثير منهم باشكالهم المختلفة قرب الاشارات الضوئية التي فقدت الوانها الخضر والحمر منذ نحو عقدين، وعلى مسافة منهم توجد في العادة نقطة تفتيش للشرطة او الجيش العراقي، كما انه ممر يومي للمسؤولين في الحكومة المحلية والقادة الأمنيين، ومع ذلك لا يتغير شيء، وربما هذا هو السبب الرئيسي في تفشي ظاهرة التسول، لان المتسولين باتوا يعتبرون مسألة السكوت عنهم، اجازة لممارسة المهنة.
العالم