بيوت الود
إن الاهتمام التربوي والعاطفي في أروقة بيوتنا له من الأهمية الفائقة الشيء الكثير، من حيث ترسيخ وتثبيت المعاني العالية والعادات الفاضلة التي من خلالها يأتي الترابط الأسري بشكله المطلوب، فالعائلة هي الركيزة الأساس لكسب القيم الحميدة والمبادئ السامية تحت كنف الأبوين وعبر موروثات متعاقبة وسلوكيات أكثر جودة تكبر وتزداد وضوحًا يومًا بعد يوم وعامًا تلو عام؛ فالترابط العائلي ليس فقط بضع كلمات تطلق من أطراف ألسنتنا إنما هو تمازج وجداني وتشارك سلوكي يجب ترجمته إلى أولويات ومناقشة الأمور والأهداف والمتطلبات الأكثر أهمية في خضم الجسم التكويني للأسرة الواحدة؛ لنرقى ونسمو بنوايانا وتصرفاتنا لما هو أفضل لنظفر بنشء أجود حالًا لنصل بعد ذلك لمزايا هادئة متوازنة ومرضية بطبيعة الحال.
وتعمل العائلة الأكثر تماسكًا وارتباطًا - بقيادة الوالدين - على نمو الثقة في نفوس الأبناء وتعاظم المحبة وازدهار الألفة فيما بينهم وهذا ينبع من صدق مشاعر الأبوين لبعضها البعض من منطلق ما ذهب إليه كتاب الله - جل في علاه - تجاه أرباب الأسر بقوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ . «سورة الروم 21».
وبعد أن يتلو القارئ الموقر الآية الكريمة أعلاه تنكشف الصورة ويتجلى واقعها ويصبح ذلك الشأن واضحًا للعيان ولكل من أراد أن يستزيد من أعماق المعاني وما تكشفه تلك الآية من عظيم الحقائق وانجلاء البيان والعلاقة التي يجب أن تكون بين الزوجين وما يربطهما من معايير محببة: من لين الجانب، وعمق الرقة، وإظهار الألفة والتماس العذر وحسن الظن في القول والعمل.
إذا بإمكاننا أن نستضيء من الآية الشريفة إشارات عدة منها على سبيل المثال لا الحصر أن الأسرة التي تتصف بصحوة جيدة وسليمة ومدركة للواقع المحيط تعد الحجر الأساس لبناء وتشييد مجتمع آمن وواع ويقظ تجاه عناوينه العريضة وقضاياه الرئيسة التي بها نحقق القدر المراد تحقيقه من المفاهيم الصائبة والخصال الفاضلة؛ لنتمكن من الوصول لنتائج ناضجة ومرضية تجاه ما هو مهم والمضي قدمًا تجاه مسيرة حياتنا وتربية أبنائنا والتطوير الدائم لمجتمعاتنا بالقدر المستطاع الذي بواسطته نضع ما ذكر آنفا في الطريق الصحيح والبلوغ - ما أمكن - للتفاؤل المرجو والمأمول لكل ما فيه خير البلاد والعباد.
من هذا المنطلق نستطيع القول أن المتميزين لا يولدون فقط إنما هم صناعة متينة ناتجة عن ما تقوم به الأسرة من دور ريادي ومحوري في إنشاء وإيجاد مجتمع صالح بمنظور أكثر اتساعًا من الناحية الفكرية والثقافية والتربوية للحصول على حاضر مشع زاهر مليء بمفاخر العزة والشموخ ومستقبل يغدق بروافد الخير والتنمية التي تلقي بظلالها على جميع جوانب مملكتنا العظيمة؛ حتى تصبح مزهوة بإنجازات رجالها الأوفياء حتى تعانق عنان السماء وبآفاق طموحة وواعدة تلبي نداءات المستقيمين أمام خالقهم أولًا والمخلصين البررة لقيادتهم ثانيًا والمحبين لشعبهم ثالثًا في كافة أرجاء وطننا الغالي والمعطاء.
مما نُسج وخُط أعلاه يمكننا الوصول لقناعة بينة وقرينة مبررة مستندة لما أتى ذكره في الآية المقدسة متوافقاً مع حجة العقل والمنطق؛ أن الأسرة هي المصدر الأول الذي من خلاله نتمكن من الانطلاق نحو كل ما هو أفضل وأجدر للوصول بنا لتقديم كل ما لدينا من طاقة وقوة إيجابية ننمي بها فكرنا ومداركنا من مبادئ وقيم إنسانية ملحة وواجبة على شخوصنا، وبالتالي سينعكس ذلك بطبيعة الحال على جميع نواحي أمورنا ومطالبنا ورغد عيشنا، وهذا ليس بمعزل عمَّا يجب أن تصنعه بيوتنا، بل هو نتاج ما تقدمه العائلة من حب وترابط وود وتفاهم وتعميق قيم الاحترام وتبادل المشاعر الصادقة والأحاسيس الدافئة المليئة بالتكاتف والتآزر والتعاضد فكلما تحقق ذلك داخل المنظومة الأسرية وفي محيط جدرانها كلَّما اتسع أثره وتجلى نتاجه في وسط مجتمعاتنا وتحقق ما نصبو إليه ليبزغ نور أمتنا ويسطع نجمها متبوئة مكانة موقرة ومهابة كلها حصانة ورفعة واقتدار