ماذا لو عاد الأمواتُ من المقبرة وسألناهم كم أجلوا من طموحات وأفكار لم يكملوها؟ الميت الأول كان عنده طموح بناء شركة ناجحة لكنه لم يعمل، سوّف حتى مات. الميت الثاني كان عنده مشروع كتاب رائع، كتب صفحةً واحدة وطوى المشروع. الميت الثالث لم يعمل خيرًا بالمال الذي جمعه، مات وعنده كومة من المال. كل واحد عنده شيء ما كان يرغب في إكماله لكنه تقاعسَ حتى مات!
في المقابر آمال وأحلام كبيرة دفنت مع أصحابها، وفي المقبرة أفكار عظيمة لم يكتب لها الحياة بسبب التسويف والتأجيل. من يدري كم لديه من العمر حتى يسوف ويؤجل؟ العدو الأول للفشل هو الخوف والرهبة من التجربة. ذلك الطفل الصغير قبل أن يستقيم ماشيًا يخاف أن يأخذ خطوته الأولى ومتى ما مشى خطوةً مشى اثنتين ثم ما لا نهاية!
الأسوأ من كل هؤلاء من يسوّف التوبة والعودة إلى الله سبحانه فإذا جاء الموت قال: أعيدوني ولو لحظة واحدة أتوب إلى الله ثم أموت! غاية المرء في الحياة أن يحثّ الخطى لكي ينجز ما يريد فإذا لم يستطع فلا يلام أما المتقاعس وهو قادر فعليه الملامة والعتاب.
تكاد سنة 1445 هجرية أن تكون من الماضي ولنهايةِ السنة وهواجس العمر، خصوصًا الستين سنة وما فوقها، وقفة حساب. الرقم "60" مخيف جدًّا لأنه يعني أنك سرت في العمر على كوكب الأرض ستة عقود واستهلكت معظم المدة المعتادة من أعمار البشر. يعني أن معظم العمر انتهى فلا عودة إلى سنوات القوة والشباب. يعني إذا لم تنجز ما تريد قبل فإن الفرص تقلصت. أليست هذه هي الحقيقة التي لا يمكن نكرانها؟!
رقم الستين يستوجب جردة حساب؛ ماذا فعلت في السنوات الماضية وماذا أنوي أن أعمل فيما بقي من العمر، سؤالان يستحقان الوقوف عندهما في نهاية كل عام وبعدَ الستين يكون الوقوف أشدّ إلحاحًا.
في الدنيا من يموت في عمر ثلاثين عامًا لكنه يعيش بين الناس مدى التاريخ وفي الدنيا من يعيش مائة سنة وكأنه ما عاش إلا سنةً واحدة! يعد عمره بأطنان الاستهلاك من الأكل والشرب والمتع المادية. أغلبنا من الصنف الثاني، نأكل ونشرب ونستهلك ثروات كوكب الأرض دون تحقيق قيمة تذكر لنا بعد موتنا. ليس هناك وصفة لإزالة هواجس الفشل في الحياة سوى بالمبادرة:
فاقضوا مآرِبكم عُجَالاً إِنَّما .. أَعمارُكُم سفرٌ مِنَ الأَسفارِ
وَتَراكَضوا خَيلَ الشَبابِ وَبادِروا .. أن تُستَرَدَّ فَإِنَّهُنَّ عَواري
فالدهر يَخدَع بِالمني وَيغُصُّ إِن .. هَنّا وَيَهدِمُ ما بَنى بِبوارِ
عن قريب تبدأ سنة هجرية جديدة ونضيف إلى سنوات عمرنا سنةً أخرى وقانون الخلق لا يسمح لنا بالعودة إلى الوراء فإما أن نسعى لتحقيق وإنجاز ما نأمل أو نكون في عداد من ماتوا ودفنوا في المقابرِ قبل أن يفعلوا!