الحرب على غزة.. عائلات فلسطينية بأكملها تُمحى فرعاً تلو الآخر
المصدر: أ ب
تسببت الحملة الجوية والبرية الإسرائيلية على قطاع غزة في مقتل المئات من أفراد نفس العائلات، وهي حصيلة غير مسبوقة لهذا المجتمع الصغير الذي يتألف في الأغلب من لاجئين وأبنائهم.
خلص تحقيق أجرته الأسوشيتدبرس بتحليل 10 غارات على قطاع غزة بين أكتوبر وديسمبر - والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 500 شخص - إلى معاناة كل العائلات الفلسطينية تقريباً من خسائر فادحة ومتعددة.
لكن عائلات عديدة أبيدت، وخاصة في الأشهر الأولى من الحرب.
وقامت الأسوشيتدبرس بتحديد الموقع الجغرافي للضربات وتحليلها، وتحدثت إلى محققي الأسلحة ومحللي البيانات المفتوحة وخبراء قانونيين، واعتمدت على بيانات من منظمة "إير وورز"، وهي منظمة تعنى بمراقبة الصراعات ومقرها في لندن.
استهدفت غارات إسرائيلية العديد من المباني السكنية والملاجئ التي كانت تضم عائلات بأكملها داخلها. ولم يكن بين هذه المباني أي هدف عسكري واضح أو تحذير مباشر لأولئك المتواجدين بالداخل.
وفي إحدى هذه الحالات، قالت عائلة إنها رفعت راية بيضاء على مبناها في منطقة قتال.
إلى ذلك، قال رشيد الخالدي، المؤرخ الفلسطيني - الأمريكي في جامعة كولومبيا، إن هذه الحرب أكثر فتكا من نكبة عام 1948، التي قتل فيها 20 ألف شخص.
وأضاف الخالدي "لا أعتقد أن التاريخ الفلسطيني الحديث شهد أمرا مماثلا".
في 11 أكتوبر، دمرت غارة جوية منزل أمين الأغا غربي خان يونس.
كان المسن البالغ من العمر 61 عاما نائما في الطابق الأرضي من المبنى المكون من طابقين مع زوجته وأبنائه الثلاثة. وفي الطابق العلوي كان يقطن ابنه مهند الأغا (30 عاما) وزوجته هند وابنتيهما تالين (عامان) وأسيل (عام واحد).
أسفرت الغارة الجوية عن مقتل 11 فردا من العائلة، وبينهم اثنان من أبناء عمومتهم، في مبنى مجاور.
وقال جاسر الأغا، ابن عم أمين الذي وصل بعد وقت قصير من الضربة، "لم يعد منزلا. كان كومة من الرمال".
في صبيحة يوم 14 أكتوبر، أصابت قنبلة إسرائيلية منزل خميس الأغا، وهو موظف في مؤسسة خيرية مرتبطة بحركة حماس، ليتحول المبنى المكون من ثلاثة طوابق في وسط خان يونس إلى أنقاض.
كان من بين القتلى خميس الأغا (38 عاما)، وزوجته نسرين، وولدان يبلغان من العمر 11 و13 عاما، وابنتان تبلغان من العمر 8 و6 أعوام، وشقيقه الأصغر وابنه البالغ من العمر 9 سنوات، وابنة عمه وابنها. ولم تنج سوى زوجة الأخ.
في 14 نوفمبر أصاب صاروخ منزل عوني الأغا، وهو ابن عم خميس، ليدمر المبنى المكون من ثلاثة طوابق غربي خان يونس.
وفي السياق، قال برايان كاستنر، محقق الأسلحة في منظمة العفو الدولية، إن الأضرار تشير إلى أنها كانت غارة جوية أيضا.
لم يبرز فوق الأنقاض سوى طبق استقبال ارسال الأقمار الاصطناعية.
وأسفرت الضربة عن مقتل زوجة عوني الأغا، سامية (64 عاما)، وأبناؤه الأربعة، الذين تتراوح أعمارهم بين 42 و26 عاما، وابنته رامة "41 عاما"، وزوجها وابنيهما اللذين تتراوح أعمارهم بين 18 و16 عاما.
ونجا عوني الأغا، وهو مسؤول بوزارة التعليم، لأنه استيقظ لصلاة الفجر.
بعد ثلاثة أشهر، في فبراير، توفي عوني الأغا عن عمر ناهز 69 عاما، على الأرجح بسبب الحزن على فقد عائلته، كما قال جاسر الأغا.
وفي هذا الصدد، أشارت إميلي تريب، مديرة منظمة "إير وورز"، إن محققيها واجهوا صعوبة في التعامل مع مقتل أجيال من عائلات بأكملها، مضيفة "في بعض الأحيان كان علينا إنشاء شجرة عائلية لفهم الضرر المدني".
قصفت طائرات إسرائيلية منازل عائلتي أبو النجا وماضي جنوبي رفح في 17 أكتوبر، ما أدى إلى مقتل عشرين فردا من عائلة أبو النجا على الفور، وبينهم امرأتان حاملان وثمانية أطفال. كما قتلت الغارات الجوية الجدة البالغة من العمر 78 عاما وحفيدتها وأطفالها.
وقالت منظمة "إير وورز" إن أحد الرجال الذين قتلوا تم التعرف عليه على فيسبوك باعتباره "مجاهدا". كما توفت زوجته وشقيقته الحامل وابنتها البالغة من العمر عامان.
يعتبر قتل مقاتل لا يشارك في الأعمال العدائية ويتواجد في مكان مزدحم بالمدنيين انتهاكا لقوانين الحرب.
دمرت غارة جوية إسرائيلية مبنى كنيسة في مدينة غزة لجأ إليها مئات النازحين طلبا للحماية. وأسفرت غارة 19 أكتوبر عن مقتل 20 فرداً من عائلتي ترزي والصوري. وهما عائلتان من مجتمع مسيحي متضائل في غزة، بينهم سبعة أطفال على الأقل.
وفقد رامز الصوري جميع أطفاله الثلاثة وزوجته.
وقال الجيش الإسرائيلي إنه استهدف مركزاً للقيادة والسيطرة تابعا لحركة حماس، متهما الحركة بالاختباء بين المدنيين. واعترف بتضرر جدار الكنيسة.
زارت منظمة العفو الدولية الموقع وحللت المقاطع المصورة، بما فيها مقطع نشره الجيش الإسرائيلي وحذفه منذ ذلك الحين، وخلصت إلى أنه كان غارة جوية.
وقالت منظمة العفو الدولية إنه حتى لو تم تحديد هدف عسكري، فإن ذلك "كان متهورا وبالتالي يرقى إلى جريمة حرب".
كان القصف الإسرائيلي في 31 أكتوبر أحد أكثر الهجمات دموية في هذه الحرب. وكان مخيم جباليا للاجئين أحد أكثر المناطق تضررا في غزة، حيث تعرض للقصف عدة مرات منذ 7 أكتوبر . وما يزال العدد الحقيقي للقتلى غير معروف لأن العديد منهم مازالوا تحت الأنقاض.
ونشرت منظمة "إير وورز" أسماء 112 قتيلا ينتمون لـ 11 عائلة، بينهم 69 طفلا و22 امرأة.
وكان منهم 47 فردا على الأقل من عائلة عكاشة وأبو القمصان.
ورصدت الأسوشيتدبرس مقتل 17 آخرين من عائلة أبو القمصان، حيث لقي أعمام وآباء وأطفال مصرعهم.
خلف القصف عددا من الحفر في منطقة تمتد لأكثر من 100 متر تضم عددا من المباني.
وتعليقا، قال كوب سميث "هذا يتفق مع أكبر الحفر التي رأيتها...خلال السنوات العشرين الماضية".
قالت إسرائيل إنها استهدفت مركز قيادة وسيطرة تابعا لحماس وقائدا لكتيبة تابعة لحماس داخله والذي كان أبرز قيادي في الحركة يقتل حتى ذلك الوقت".
في 15 نوفمبر استهدفت غارة إسرائيلية مسجدا في حي الصبرة بمدينة غزة، ما أدى إلى مقتل 44 شخصا على الأقل من عائلة دغمش، بينهم رب الأسرة وطفل يبلغ من العمر 9 سنوات وعدد من قادة المجتمع وامرأتان من ذويهم في مبنى مجاور.
بدا الضرر محدودا في الطوابق العليا من المسجد. وأظهر مقطع مصور تم التقاطه بعد ذلك، أنه لا توجد حفر في الأرض وأن المسجد قد أزيل من مكانه.
وفي الإطار، قال كريس كوب سميث، مفتش الأسلحة السابق للأمم المتحدة وضابط الجيش البريطاني الذي حقق في غزة بعد الحروب الماضية، إنه لم يكن هناك ما يشير إلى حدوث أضرار كبيرة في مكان قريب، ما يشير إلى أن المسجد ربما استهدف مباشرة بذخيرة جوية صغيرة.
قامت عائلة دغمش ببناء المسجد. ونفى رجب دغمش، الذي يبلغ من العمر 21 عاما، انتماءه لأي فصيل مسلح وأن أسرته لا تسمح بأي نشاط مسلح في حيها.
وأدى الخلاف بين عائلة دغمش وحماس، الذي يعود تاريخه إلى استيلاء الحركة على السلطة عام 2007، إلى إبقاء المنطقة محظورة إلى حد بعيد على مسلحي حماس.
دمرت الغارات الجوية الإسرائيلية ملجأين منفصلين لعائلة سالم في 11 و19 ديسمبر. وقتل ما لا يقل عن 173 فردا من أفراد العائلة، وبينهم أطفال وامرأة حامل واحدة على الأقل والعديد من كبار السن، بينهم رب الأسرة البالغ من العمر 87 عاما.
في 11 ديسمبر، دمرت غارة جوية مجموعة من المباني العائلية. ودمر أحد المباني، بينما فقدت المباني الأخرى واجهاتها.
وقال خبراء إن الأضرار المحدودة تشير إلى أنها كانت قنبلة كبيرة مبرمجة لتأخير الانفجار حتى بعد الاصطدام.
قتل ما لا يقل عن 80 شخصا، بينهم أجيال متعددة من نفس السلالة.
وقال أقرباء إنه لم تكن هناك أنشطة قتالية واضحة في الجوار.
في 19 ديسمبر، ضربت غارة جوية إسرائيلية مجموعة أخرى من النازحين من عائلة سالم، الذين كانوا يحتمون في فيلا في حي الرمال. وخلف الهجوم حفرة عميقة لكن المباني المحيطة لم تتضرر.
وقال ناجون إن دبابات تدحرجت فوق الأنقاض. وقتل ما لا يقل عن 90 من آل سالم.
وقال محمد سالم، الذي نجا من غارة 19 ديسمبر، "رأيت جثث أعمامي وأبناء عمومتي متناثرة على الأرض. لم نتمكن من التعرف على الجثث إلا من خلال بطاقات الهوية الخاصة بهم. كانوا مجرد كومة من اللحم".
قال شهود عيان إن أربعة منازل على الأقل، تضم العديد من النازحين الفلسطينيين، أصيبت بشكل مباشر في 24 ديسمبر. وتناثرت أشلاء الجثث في المناطق المحيطة.
وأظهرت مقاطع مصورة أضرارا واسعة تتوافق مع الغارات الجوية.
وأظهرت الصور العديد من المنازل المدمرة في الأزقة الضيقة المحاطة بمباني صغيرة من طابق واحد في الأغلب، وحفرة كبيرة عند مدخل المخيم.
وتمكنت أسوشيتدبرس من الوصول إلى سجلات المستشفى بعد الضربة التي شهدت مقتل 106 أشخاص.
ومن خلال شهادات الوفاة وبيانات وزارة الصحة الجزئية، تمكنت من تحديد 36 قتيلا من عائلات النواصرة وأبو حمدة وقنديل.
وقالت إسرائيل إنها كانت تستهدف مسلحين من حماس وضربت عن طريق الخطأ مبنيين متجاورين.
وفي أول بيان نادر للاعتراف بضربة خاطئة، عبرت إسرائيل عن أسفها على "إصابة غير المتورطين". وقالت إنها اتخذت التدابير اللازمة لتجنب إلحاق الأذى بالمدنيين.
وقال مسؤول عسكري لشبكة "كان"، هيئة الإذاعة العامة الإسرائيلية، إن السلاح الخطأ استخدم في الضربة، دون الخوض في التفاصيل.