الحكمة من كون السعي بين الصفا والمروة سبعة أشواط


المصدر: البيان

ورد إلى دار الإفتاء المصرية سؤال يقول فيه صاحبه: نرجو منكم بيان الحكمة من تحديد السعي بين الصفا والمروة بسبعة أشواط. ولماذا لا يكون أكثر من ذلك أو أقل؟ خاصة لمن يحب السعي ويريد أن يُكثر، ومن كان مريضًا ويودُّ أن يقلل من عدد الأشواط، وهل صحة العمرة أو الحج تتعلق فيهما بالعدد المذكور؟
وأجابت دار الإفتاء بأن الحكمة من تحديد السعي بين الصفا والمروة بسبعة أشواط غير معقولة المعنى، وهو ما يُعَبِّرُ عنه العلماء بأنَّها تعبدية، والأمور غير معقولة المعنى والمحددة من الشرع لا يتحقق الامتثال فيها إلا بالإتيان بها على الشكل الذي حدده الشرع الشريف، فلا يجوز الزيادة عليه ولا النقصان منه.
مفهوم السعي بين الصفا والمروة وبيان حدودهما
السعي لغةً: العَدْوُ مِن غيرِ شَدٍّ، وهو فوق المشي، ومنه أُخِذَ السعي بين الصفا والمروة؛ كما في "تاج العروس" للعلامة أبي الفَيْض الزَّبِيدِي (38/ 279، ط. دار الهداية).
وشرعًا: المشي بين جَبَلَي الصفا والمروة سبعةَ أشواطٍ بعد طوافٍ في نُسُكِ حجٍّ أو عُمرةٍ؛ قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 158].
والصَّفَا والمَرْوَة: جبلان بين بطحاء مكة والمسجد.
فأما الصفا: فهو مبتدأ السعي، وهو مكانٌ مرتفعٌ كان يتصل بجبل أبي قُبَيسٍ، مَن وَقَفَ عليه كان بحذاءِ الحجر الأسود.
وأما المروة: فهو منتهى السعي، وأصله مِن المَرْو، وهو جبلٌ في الجهة المقابلة للصفا، كان يتصل قديمًا بجبل قُعَيْقِعَان، كما في "المسالك والممالك" للعلامة البَكْرِي (1/ 398، ط. دار الغرب الإسلامي)، و"معجم البلدان" للإمام شهاب الدين الحَمَوِي (3/ 411، ط. دار صادر)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للإمام النووي (3/ 181، ط. دار الكتب العلمية).
ومِن المقرر شرعًا أنَّ السعيَ يُبدَأُ به مِن الصفا ويُختَم بالمروة، ويُحسَبَ الذهابُ مِن الصفا إلى المروة شوطًا، والعَوْدُ مِن المروة إلى الصفا شوطًا آخَر، إلى تمام سبعةِ أشواطٍ؛ كما في "بدائع الصنائع" للإمام علاء الدين الكاساني الحنفي (2/ 148-149، ط. دار الكتب العلمية)، و"شرح مختصر خليل" للعلامة الخَرَشِي المالكي (2/ 317، ط. دار الفكر)، و"نهاية المحتاج" لشمس الدين الرَّمْلِي الشافعي (3/ 291، ط. دار الفكر)، و"كشاف القناع" لأبي السعادات البُهُوتِي الحنبلي (2/ 487، ط. دار الكتب العلمية).
والأصل فيه: حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَهُوَ يُرِيدُ الصَّفَا، وَهُوَ يَقُولُ: «نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللهُ بِهِ» أخرجه الإمامان: أحمد في "مسنده"، والترمذي في "سننه".
قال العلامة ابن القَطَّان في "الإقناع" (1/ 266، ط. الفاروق الحديثة): [وهو إجماعٌ، وسُنَّةٌ معمولٌ بها] اهـ.
القدرالواجب في السعي بين الصفا والمروة في كل شوط
القَدْر الواجب في كلِّ شوطٍ بالإجماع هو استيعابُ المسافة بين الجبلين دون الصُّعود عليهما.
قال العلامة ابن القَطَّان في "الإقناع" (1/ 266): [وأجمعوا أنَّ مَن لَم يَفعل وَوَقَف في أصلِ الصفا أَجْزَأَهُ] اهـ. والمراد بقوله: "لَم يَفعَل"، أيْ لَم يَرْقَ على الصفا والمروة.
حكم الصعود إلى جبل الصفا والمروة
أما الصُّعود على الجبلَيْن فإنَّه سُنَّة، ولذلك أوجب الفقهاء على الماشي بين الصفا والمروة أن يُلصِقَ رِجله بالجبل في الابتداءِ والانتهاءِ، بحيث لا يَبقى بينهما فُرْجَةٌ، فيلزمه أن يُلصِقَ العقبَ بأصلِ ما يذهب منه، ويُلصِق رؤوسَ أصابعِ رِجليهِ بما يَذْهَبُ إليه، ليتأكد بذلك استيعابُ كامِلِ المسافة، هذا كلُّه إذا لم يَصعد على الصفا في الابتداء وعلى المروة في الانتهاء، فإنْ صَعد فهو الأكمل؛ لما فيه مِن اتِّبَاع سُنَّة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك فيما أخرجه الإمام أحمد في "مسنده" مِن حديث جابر رضي الله عنهما أنه قال في وَصْفِ سَعيِ النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «فَرَقِيَ عَلَى الصَّفَا حَتَّى إِذَا نَظَرَ إِلَى الْبَيْتِ كَبَّرَ».
قال شمس الأئمة السَّرَخْسِي الحنفي في "المبسوط" (4/ 51، ط. دار المعرفة): [ويُكرَه له تَرْكُ الصُّعود على الصفا والمروة، فإنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم صَعد عليهما، وأَمَرَنا بالاقتداء به.. فهو سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ يُكرَه تَرْكُها] اهـ.
وقال العلامة مُلَّا علي القَارِي الحنفي في "المسلك المتقسط في المنسك المتوسط" (ص: 81، ط. الترقي الماجدية): [السعي الواجب بين الصفا والمروة بمعنى المشي المطلق، والسعي بين المِيلَيْن بمعنى الإسراع.. والحاصل أنَّه يكون ساعيًا (في بطن الوادي) أي: باعتبار ما كان سابقًا، فإنَّ ما بين الأميال كان منخفضًا، وطرفاهما مِن جهة الصفا والمروة مُرتَفِعَان، وأما الآن فبَقِيَ نوعٌ مِن الارتفاع في شق الصفا، بخلاف طرفِ المروة] اهـ.
وقال العلامة الخَرَشِي المالكي في "شرحه على مختصر خليل" (2/ 327): [سُنَن السعي.. ومِن سُنَنِهِ: الرقي على الصفا والمروة للرجل؛ لاستيعابه ما بينهما، وللمرأة أيضًا إنْ خَلَا الموضِعُ أيضًا مِن الرجال، وإلا وَقَفَت أسفَلَهما] اهـ.
وقال إمام الحرمين أبو المَعَالِي الجُوَيْنِي الشافعي في "نهاية المطلب" (4/ 302، ط. دار المنهاج): [والرُّقِيُّ ليس مقصودًا في الحج، ولكن لا يأمن المنتهي، لو لم يرقَ أن يكون ما انتهى إليه من الدرج المستحدثة، وإلا فالانتهاء إلى أصل الجبل كافٍ وفاقًا] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (8/ 69، ط. دار الفكر): [(فرع): في بيانه واجبات السعي وشروطه وسُنَنه وآدابه. (أما) الواجبات فأربعة: (أحدها): أن يقطع جميع المسافة بين الصفا والمروة، فلو بقي منها بعض خطوة لم يصح سعيُه، حتى لو كان راكبًا اشتُرط أن يُسَيِّر دابَّتَه حتى تَضَعَ حافِرَها على الجبل أو إليه، حتى لا يبقى مِن المسافة شيءٌ، ويجب على الماشي أن يُلصِق في الابتداء والانتهاء رِجلَهُ بالجبل، بحيث لا يبقى بينهما فُرْجَةٌ، فيلزمه أن يُلصِق العَقِبَ بأصل ما يذهب منه، ويُلصِق رؤوسَ أصابع رِجلَيْه بما يذهب إليه، هذا كلُّه إذا لم يصعد على الصفا وعلى المروة، فإن صَعد فهو الأكمل وقد زاد خيرًا، وهكذا فَعَلَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم كما ذكرناه في الأحاديث الصحيحة السابقة، وهكذا عَمِلَتِ الصحابةُ فَمَنْ بَعدهم، وليس هذا الصعود شرطًا واجبًا، بل هو سُنَّةٌ متأكدةٌ] اهـ.
وقال الإمام ابن قُدَامَة الحنبلي في "المغني" (3/ 350، ط. مكتبة القاهرة): [(فصل): فإن لَم يَرْقَ على الصفا فلا شيء عليه، قال القاضي: لكن يجب عليه أن يَستوعب ما بين الصفا والمروة، فيُلصِق عَقِبَيْهِ بأسفل الصفا، ثم يسعى إلى المروة، فإن لَم يصعد عليها أَلْصَقَ أصابعَ رِجلَيه بأسفل المروة، والصعود عليها هو الأَوْلَى؛ اقتداءً بفعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإنْ تَرَكَ مما بينهما شيئًا ولو ذراعًا، لم يجزئه حتى يأتي به] اهـ.
فيُتَحصَّل مما سبق: أنَّ الساعي بين الصفا والمروة لا يجب عليه الصعود على الجبلين، وإنما يُسَنُّ له ذلك، والواجبَ في ذلك هو استيعابُ المسافة التي بين الصفا والمروة في كلِّ مرة.
مدى إجزاء السعي إلى انتهاء الممر المخصص لسيرالعربات
ما لاحَظَه السائلُ مِن انتهاء السِّيَاج المخصَّص لسَيْر العَرَبات عند بداية الصعود قبل الوصول إلى حجارة الجَبَلَين، فمرجِعُهُ إلى اختلاف حال المسعى بين الجبلين عما كان عليه قديمًا.
فقديمًا: كان الجَبَلَان (الصفا والمروة) مُتَّصِلَيْن بجَبَلَيْ أبي قُبَيسٍ وقُعَيْقِعَان، وكان المسعى منخفضًا، وارتفاع الجبلين ظاهرٌ، بحيث إذا أراد الساعي بين الصفا والمروة أن يصعد عليهما للذكر والدعاء استخدم درجاتٍ أُعِدَّت لتيسير هذا الصعود، حتى قيل: إنَّ الفُرسان كانت تَعبُر في المسعى والرماح قائمة معهم، ولا يَرى مَن في المسجدِ إلا رؤوسَ الرماحِ، إذ كان ارتفاع جبل الصفا يبلغ خمسة عشر مترًا، وارتفاع جبل المروة يبلغ ثمانية أمتار، كما في "حدود الصفا والمروة" للأستاذ الدكتور/ عبد الملك بن دهيش (ص: 33، ط. مكتبة الأسدي).
وأمَّا وضع المسعى حديثًا: فقد تمَّ تمهيده، وتغطيةُ أرضه بالرُّخام ضمن أعمال التطوير وتوسعة المسجد الحرام، وهو ما استلزم بعض القَطْعِ والتكسير، فمِن ذلك: قَطْعُ جَبَلَي الصفا والمروة عن امتدادهما واتصالهما بجَبَلَيْ أبي قُبَيسٍ وقُعَيْقِعَان ما أمكن، وإبقاء بعض الصَّخرات في نهايتهما علامةً على موضِعِهما، كما أنَّه قد بقي شيءٌ مِن اتصال جبل المروة بأصله وهو جبل قُعَيْقِعَانِ؛ نظرًا لوجود مُسْتَوَيَيْن للحرم في جهة المروة، مما أَحدَث مَدخَلَيْن: الأعلى منهما (فوق الأرضي) مساوٍ لارتفاع جبل المروة في اتجاه الصَّاعِد عليه، والآخَر مِن الدَّور الأسفل (الأرضي) وهو ما ساعد في بقاء جزءٍ من ذلك الاتصال بين الجبلين مِن جهة المروة كما سبق بيانه، ولم يَسلَم من القَطْع والتكسير والاختزال كذلك مِن جانِبَيْهِ الشرقي والغربي.
ونتيجة لهذا التمهيد والتطوير، فقد استقام المسعى بعد أن كان فيه تَعَرُّجَاتٌ، كما ارتفع عن مستوى الوادي القديم؛ بحيث أصبح ما يَظهر على وَجْهِ الأرض حاليًّا مِن قاعدة كلِّ جبلٍ، أصغرَ مما اختفى منه تحت الأرض، وذلك مع مرور الزمان وتعاقُب التغيُّرات والتحسينات، ويُدرِك هذه الحقيقةَ ويَشهد لها كلُّ مَن شاهد هذَيْن المَشْعَرَيْن قبل توسعة الحَرَم المكي عام 1375هـ الموافق 1956م، فقد استوجَبَت هذه التوسعةُ وإعادةُ التخطيط لِمَا حَوْلَ الحَرَم مِن شوارعَ تكسيرَ وإزالةَ الكثيرِ مِن أجزاء الصفا والمروة، تمهيدًا لتسوية سطحهما بالأرض، وتوسيعِ الشوارع حَوْلَهُما، وتوسعة المسعى، ووَضْعِ الرُّخام على أرضه وتَسْقِيفِه، وقد حَضَر ذلك وشَهِد عليه شهود عيانٍ، وله صورٌ ومخطوطاتٌ توضِّح شَكلَ الجبَلَيْن وحَجْمَهُمَا قبل التطوير، يَسَعُ مَن يشاء الاطلاعُ عليها. ينظر: "حدود الصفا والمروة" للأستاذ الدكتور/ عبد الملك بن دهيش (ص: 17).
فقاعدةُ كلِّ جبلٍ أَعْظَمُ مما يَظهر منها فوق الرخام، ولذا فإنَّ انتهاء السياج المخصَّص لسَيْر العربات عند بداية الصعود قبل الوصول إلى حجارة الجَبَلَين الموجودة حاليًّا ليس فيه إهمالٌ أو تَرْكٌ لقَدْرٍ مِن السعي الواجب بين الجبَلَيْن؛ إذ إنه -على أقلِّ تقدير- ينتهي عند حدود بداية قاعدة الجبَلَيْن التي اختفت لعوامل ارتفاعِ المسعى وكِسْوَتِهِ بالرخام، كما لا يَبْعُدُ أن يكون قد جاوز القاعدتين، بحيث إنَّ مَن بَلَغَ في كلِّ شوطٍ ما يَبلُغُه السياج المذكور ثم يَستدير مُستأنِفًا الشوط التالي، يكون قد استَوْفى ما بين الصفا والمروة سَعْيًا.
فموضِعُ السعي معروفٌ وثابتٌ لَم يتغير، وهو مقرَّرٌ بتوالي العلماء وغيرهم عليه على مرِّ العصور والدهور، قبل التطوير وبعده، فلو كان في وَضْعِ المسعى الجديد القائم خللٌ أو تَرْكٌ لجزءٍ مِن السعي لَتَنَبَّهُوا إليه ونَبَّهُوا على إصلاحه؛ لأن ما له تَعَلُّقٌ بالمناسك والشعائر والعبادات فإنه لا يجوز تغييره عما أُخِذَ مِن فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فهي أمورٌ تعبُّديَّة، تُراعَى أَشَدَّ المراعاة عند كلِّ تجديدٍ أو تحديثٍ وإن كان للتيسير، وعدمُ إنكار العلماء لها يُفيد إقرارها.
قال الإمام تقي الدين أبو الطَّيِّب المكي في "شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام" عند ذكره توسعةَ المسعى (1/ 425، ط. دار الكتب العلمية): [والظاهر -والله أعلم- أنَّ إجراء المسعى، بموضِع السعي اليوم، وإن كان تغيَّر بعضُه عن موضِع المسعى قبله؛ لتوالي الناس مِن العلماء وغيرهم على السعي بموضِع المسعى اليوم، ولا خفاء في تواليهم على ذلك.. فهو معروفٌ عند علماء الحَرَم وغيرِهم ممَّن وَقَع ذلك التغييرُ في زَمَنهم؛ لمشاهَدَتهم له، وما حُفِظَ عن أحدٍ منهم إنكارٌ لذلك، ولا أنَّه سعى في غير المسعى اليوم، وحالُ مَنْ بَعْدَ هؤلاء العلماء كحالهم، إلا في عدم مشاهَدَتهم لتغيير ذلك، فيكون إجزاء السعي بمحل المسعى اليوم مُجمَعًا عليه عند مَن وقع التغيير في زمنهم، وعند مَن بَعْدَهم] اهـ.
فيتبين مما سبق: أنَّ قاعدةَ كلٍّ مِن جَبَلَي الصفا والمروة قد تم تغطيتها مع ارتفاع أرض المسعى، لا سِيَّما مع التوسعات المعاصرة، وأنَّ الموضِع المرتفِع عند بدايةِ مَسَارِ العربات ونهايتِهِ جزءٌ مِن الجبلَيْن، وأنه قد زال ارتفاعُهما وانحدارُهما الشديد بارتفاع أرض المسعي، وعلى هذا يكون الواصل إليهما صاعدًا على الجبل حقيقةً، ولا يلزمه أن يُلامس الأحجار الظاهرة المتبقية منه؛ حيث قد تم الإبقاء عليها ليبين موضِعُ النُّسُك، لا أنها تُمثِّل قاعدة الجبل.
الخلاصة
بناءً على ذلك: فإن السعي بين الصفا والمروة واستيعاب المسافة بينهما واجبٌ، ولا يجب الصعود عليهما، فإنْ صعد عند بداية كل شوط ونهايته فهو الأكمل؛ لما فيه مِن اتباع سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والجزءُ المرتفع عند بداية ونهاية مسار العربات يُعَدُّ جزءًا مِن صَاعِدِ الجبَلَيْن، وقد زال ارتفاعهما وانحدارهما الشديد بارتفاع أرض المسعي، وعلى هذا يكون الواصل إلى حَدِّ السياج صَاعِدًا على الجبل، ولا يلزمه أن يُلامِسَ الأحجارَ الظاهرة المتبقية مِن الجبل؛ لأنها مِن قِمَّتِهِ لا قاعدته، وقد تم الإبقاء عليها لِيَبِين بها موضِعُ النُّسُك.
وفي واقعة السؤال: يجزئ الرجلَ المذكورَ أن يستدير في السعي بين الصفا والمروة عند نهاية السياج المخصَّص لسَيْر العربات مُستأنِفًا الشوط التالي، سواء عند جبل الصفا أو جبل المروة، ولا يلزمه الوصول إلى حجارة الجَبَلَين الموجودة حاليًّا، وسعيه على هذا النحو صحيح شرعًا، ولا إثم عليه في ذلك ولا حرج كما سبق بيانه.