الإنتظار أمر مزعج ومرهق، لكن أصعب أنواع الانتظارات تلك التي لا تعرف ما الذي تنتظره على وجه الدقة. ما أمرَّ كأسك أيها الانتظار فمَن منَّا يطيق أن يتجرعها؟! ما أصعب رفقتك أيها الانتظار فأنت تعصر القلب، وتبلي المشاعر.
فخلال ساعات الانتظار تمتلئ قلوبنا بمشاعر سلبية أليمة وترقب بما سيحدث في المستقبل، ونظل نتساءل: هل سيكون الآتي بعد الانتظار كما نتمنى؟! أم سيكون عكس ما نتمنى؟! فيملأ القلق قلوبنا والخوف من المستقبل وتختلط المشاعر في نفوسنا، فنحتاج جرعات كبيرة من الصبر ورباطة الجأش والتماسك وضبط النفس.
فقاعة الانتظار في المستشفى:
هي المكان الذي ينتظر فيه المرضى والزوار قبل المواعيد أو الفحوصات الطبية، وغالبًا ما تكون هذه القاعة مزدحمة بالمراجعين الذين ينتظرون دورهم بصبر.
دخلت تلك القاعة وعيني تبحث عن مقعد أو مكان أقف بجانبه يسند ظهري، المكان مكتظ، أخيرًا وجدت جانبًا من أسطوانة شاغرًا فذهبت إليه، الوقت لا يمر ولا تسمع إلا همس المراجعات وذلك الهمس متداخل مشوش قرأت أذكاري وجزءًا من القرآن والوقت متوقف، سرحت في حال المراجعات وقلبي يدعو لهن بالشفاء والعافية وما كسر حالتي هذه إلا دخول السيدة المسنة على الكرسي المتحرك تجرها عاملة منزلية وصراخها من الألم أثارت مشاعري فصرت أنظر لها، بداية أحسست بالعجز لا أعرف ماذا أفعل والجميع منشغل بنفسه والممرضات يتماررن عليها من دون أن تقف إحداهن لتساعدها هي بالفعل تبكي من الوجع وتئن من الألم وهي بحاجة لرعاية عاجلة!
تمالكت نفسي بعد مضي أكثر من ربع ساعة واستجمعت شجاعتي وذهبت للممرضات محاولة تسريع دور هذه السيدة المريضة وتذكير الممرضات بأهمية التعامل الإنساني لا سيما أنهن ملائكة الرحمة في الأرض، بالفعل استجابوا لهذا النداء الإنساني وادخلوها في الحال.
حديث رسول الله "ص": “من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه” – رواه مسلم.
في المناوبة الليلة للممرضة التي نقلت السيدة المسنة لغرفة الرعاية صباحًا وهي تتجول بين غرف المرضى للاطمئنان عليهم وجدتني أمامها في إحدى الغرف ومكبلة بالأجهزة، أصيبت بدهشة وصدمة في الوقت ذاته، الكلمات ما استطاعت أن تخرج من فِيها أظهرت تعاطفها معي واعتذرت وهي تقول كم أنت إنسانة رائعة ما وجدت أحدًا مثلك تتوسطين لأحدهم وأنت كنت بأمس الحاجة لأن نكون ملائكة معك، تبسمت لها وقلت: لا عليك الحمد لله أنا بخير كل ذلك وعكة صحية طارئة وستزول أما هي فقد كانت بحاجة للرعاية أولى مني بذلك، أشارت بيدها لعلامة النصر وقالت أعتز بمعرفتك أنت إنسانة.
قبل أن نتساءل عما يجعل الإنسان إنسانًا، ينبغي أن نحدد ماذا نعني بالإنسان، تلك الكلمة التي تبدو في غاية البداهة. فهل هُناك ما هو أسهل من تحديد ما نعنيه بالإنسان؟ إنه قد يبدو أكثر بساطة من أي تعريف ممكن، بحيث أننا لو حاولنا ذلك سيتعقّد الأمر أكثر، فما الذي يجعل الكلمات المستخدمة في تعريف الإنسان أكثر وضوحًا وبساطة من مفهوم الإنسان بحد ذاته!!!
بعد كل انتظار هناك أمر مفرح.. وأملنا في الله كبير "وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ". ننتظر أن تتغير أوضاعنا، وأن يصير مستقبلنا كما نتوقعه بإذن الله.