بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة الدائمة على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين


أيها الأخ الغافل عن إصلاح نفسه ، والمتغافل عن حقيقة أمره !.. إنّ لك أيّها المسكين جهتين واعتبارين :


أحدهما
من حيث نفسك وذاتك ، ومن حيث أنت أنت ، وإلى هذه الجهة غالب نظرك وملاحظتك ، وأنت من هذه


الجهة فانٍ مضمحل زائل لا قدر لك ولا قيمة ولا اعتداد بك ، ولا مبالاة بك ولا احتفال ، بل لست شيئاً مذكوراً.



والجهة الثانية
لك من حيث أنك متعلّق القدرة الإلهية ، ومظهر العظمة الربانية ، ومخلوق لهذا الخالق العظيم

الشأن عزَّ وجل َّ، وبهذه الجهة صرت مرتبطاً بكل العالم من العرش إلى الثرى ، ومن السماء السابعة العليا إلى

الأرض السابعة السفلى ، فضلاً عما بين المشرق والمغرب ، وجميع من في أقطار الأرض.


فإن أنت فعلت بنفسك خيراً أثّرت في جميع العالم خيراً ، وبالعكس (1) فإن أشكل عليك.....

.....ذلك ، فإنّ لك مثالاً تحت العرش يعمل مثل ما تعمل ، فإن عملت قبيحاً ألقى الله على مثالك ستراً وغطاه ، لئلا تفتضح عند أهل العرش.



وإن عملت حسناً أظهره الله لهم وهو معنى قوله: يا من أظهر الجميل وستر القبيح على ما رواه شيخنا البهائي في مفتاحه عن الصادق (ع) أنه قال:


ما من مؤمن إلا وله مثال في العرش ، فإذا اشتغل بالركوع والسجود ونحوهما فعل مثاله مثل فعله ، فعند ذلك

تراه الملائكة فيصلون ويستغفرون له ، وإذا اشتغل العبد بمعصية أرخى الله على مثاله ستراً لئلا تطلع الملائكة عليها . مفتاح الفلاح : 156


وكذلك لا شك أن أعمالك كل يوم ، وكل صباح ، وكل مساء ، تعرض على النبي صلى الله عليه وآله ، وعلى

الأئمة (ع) ، خصوصا صاحب العصر - عجّل الله فرجه - ولي الأمر.


فما كان منها حسنا سرّهم ، حتى قال أحدهم: والله لرسول الله (ص) أسرّ بالحاجة يقضيها المؤمن لأخيه من

صاحب الحاجة . الكافي : 2/156



ولا شكّ أنّ النبي (ص) ، وأهل بيته أقطاب العالم وأركانه ، والعالم كله رعية ، من الملائكة وغيرهم ، فمن

أدخل السرور على سلطان العالم فقد أثر في الرعية كلها سروراً ، تبعاً لسرور الملك والسلطان ، فيضجّ العالم

بالدعاء لهذا العبد المحسن: سرّك الله كما سررتنا.


وإن أساء أساء النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته ، ولذا تجف الأشجار ، وتفسد الثمار ، وتقلّ الأمطار ، وتغلى الأسعار.

وقد بان لك أيها المسكين !.. تأثير طاعتك ومعصيتك في كل العالم ، فضلاً عن خصوص الملائكة الموكلين بك ،

وفضلاً عما تقدمت الإشارة إليه من تأثير الطاعة والمعصية في الأعقاب ، وفي أعقاب الأعقاب ، ومن وصول

النفع لكل المؤمنين ممن مضى وممن بقي ممن يقول:


اللهم !.. اغفر للمؤمنين والمؤمنات حتى ورد: أن جميع المؤمنين والمؤمنات يشفعون لمن يقول ذلك ويقولون:

هذا الذي كان يستغفر لنا . الوسائل : 4/151


ورد في الأخبار: أنّ العالم يستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في البحار . الكافي : 1/34

وقال سبحانه: { الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا } . [

غافر/7 ] .. ولا يخفى أنّ من يكون مجتهدا مشهوراً ينتفع بتقليده من في المشرق ومن في المغرب ، كما ينتفعون

بكتبه ومصنفاته ، وسائر أنواع هدايته وإرشاداته في حياته وبعد وفاته.


فإذاً قد ظهر لك سريان تأثيرك في كلّ العالم من الجهة الثانية فيك ، وكونك متعلّق القدرة الإلهية ، ومظهر

العظمة ، فكيف يسوغ أيها المسكين فلتك وتغافلك ، ملتفتاً إلى الجهة الأولى التي لست بها شيئاً مذكوراً !..


ولقد صدق مولانا أمير المؤمنين (ع)حيث يقول:

دواؤك فيك ولا تبصـر ----- وداؤك منك ولا تشـعر
اتحسب انك جرم صغير----- وفيك انطوى العالم الاكبر
وانت الكتاب المبين الذي ----- بآياته يظهر المضـمر
ديوان أمير المؤمنين (ع)/175


ولئن أهملت نفسك فما ربك بمهمل لك ، قال الله تعالى :

{ أيحسب الإنسان أن يترك سدى } . القيامة/36


فتيقّظ أيها الغافل !.. والحظْ الجهة الثانية التي صرت بها إنسانا ً، وكذلك سمّاك ربك ، فإن كنت ترى نفسك من

أهل الشقاوة ، وعن السعادة نائياً ، فاعلم أيها المسكين أنّ الله يمحو ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب.



واحذر أن تكون شيطاناً في صورة إنسان ، واعلم أنك إن اخترت لنفسك ذلك فقد أضعت توجّه العناية الإلهية إليك

، وأفسدت العالم كله بفسادك ، وكدّرت قلوب الأنبياء والمرسلين ، والملائكة المقربين ، وجميع أهل السموات

والأرضين ، وضجّت الأرض إلى الله من مشيك عليها ، والسماء من استظلالك بها.


وورد أن الأرض تضجّ إلى الله من بول الأغلـف أربعين صباحاً [ البحار : 101/110 ] .. وهو فعل مكروه من المكروهات فكيف بك؟..

وبالجملة يا مسكين أنت مبارز لله ، وجميع من هو ملك لله تعالى أعداء لك ، فأين تذهب عن ملكه (2) وجميع

مخلوقاته تطلب الاذن منه بالانتقام منك ، فأنّى بمقاومتها....

..... كلها ، وأنت الضعيف الحقير ، ومن يؤويك وقد بارزته وحاربته ، فلا مفرّ لك منه إلا إليه { ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين } . الذاريات/50


وكلّ من خاف من أحد هرب منه إلا الخائف من الله فإنه يهرب إليه ، فإن أنت هربت إليه عزّ وجلّ فاستمع لما

رواه الصادق (ع) عن جده رسول (ص) عن الله عزّ وجلّ أنه يقول:


لا أطلع على قلب عبدٍ ، فأعلم فيه حبّ الإخلاص لطاعتي ، وابتغاء وجهي ، إلا تولّيت تقويمه وسياسته . الجواهر السنية : 133


وعن النبي (ص) عن الله عزّ وجلّ قال:

إذا علمت أن الغالب على عبدي الاشتغال بي ، نقلت شهوته في مسألتي ومناجاتي ، فإذا كان عبدي كذلك فأراد أن

يسهو حلت بينه وبين أن يسهو ، أولئك أوليائي حقاً ، أولئك الأبطال حقا ً، أولئك الذين إذا أردت أن أهلك أهل

الأرض بعقوبة زويتها عنهم من أجل أولئك الأبطال . البحار : 90/162



انتهى هذا الحديث الشريف ، أنظر إليه كيف اشتمل آخره على أن الله كيف يدفع العقوبة والهلكة عن أهل الأرض بوجود أولئك الأولياء ، فنفس وجودهم صدقة عن العالم ، حيث كان باعثاً على حفظهم من الهلكة.



وبالجملة فهذا العالم مرتبط بعضه ببعض ، وهو بمنزلة الشخص الواحد إذا دخل ألم في عضو من أعضائه سرى إلى الكل ، فإذا نزل ذلك الألم عن ذلك العضو فقد أراح الكل من ذلك الألم.



وورد في الحديث أن العبد إذا حمد الله شمله ذلك الدعاء من كل المصلين ، لأن المصلين يقولون: ( سمع الله لمن حمده ). الوسائل : 4/2


فانظر إلى العبد كيف ارتبط بكل المصلين في العالم ، ودخل تحت دعائهم بكلمة واحدة.


كذلك من عمل عملاً باتقان ، دخل تحت دعاء النبي صلى الله عليه وآله بقوله: رحم الله من عمل عملاً فأتقنه . كنز العمال : 9128


ولا ريب أنّ دعاء النبي (ص) مستجابٌ ، ومن أدركته الرحمة من الله نجى من الهلكة.

ومن في هذا العصر يتمنون ويشتاقون أن يكونوا في عصر النبي (ص) حتى تدركهم منه دعوة ، ويتخيلون أن هذا

أمر قد فات ، ولا تدارك له ، وهو اشتباه ، فإنّ تعرضهم لدعاء النبي (ص) ووصوله إليهم ممكن في هذا العصر

بأيسر وجه كالذي قلنا:


من عمل عملاً بإتقان ، فيدخل تحت دعاء النبي صلى الله عليه وآله بالرحمة.


ومن كان يصوم يوما من شعبان مثلاً ، فيدخل تحت دعاء النبي (ص) بقولـه: شعبان شـهري ، رحـم الله من

أعـانني على شـهري . الوســائل : 10/492



وحاشا النبي صلى الله عليه وآله أن يحرم أهل هذا الوقت من بركات دعائه الشريف ، بل وقد وضع أدعية شريفة

لأهل عناوين عامة ، فمن شاء أدخل نفسه تحت عنوان من تلك العناوين الشريفة ، فيشمله ذلك الدعاء المستجاب.



أنظر إلى نفسك يا أخي كيف عرّضك لرحمته بالدخول تحت هذه العناوين الشريفة ، التي هيأت لك لأن تدخل

نفسك فيها ، وأنت بغفلتك وتغافلك تريد أن تدخل نفسك تحت عناوين خبيثة ، يتوجّه إليك كل من في العالم بالدعاء عليك.



فإنه من كدّر مؤمناً من المؤمنين كدّر رسول الله (ص) لذلك ، ثم عليا (ع) ، ثم الحسن ، ثم الحسين ، ثم الأئمة

(ع) ، ثم من في العالم كلّه ، فيضجّ عليـك العالم ضجة واحـدة: كـدّرك الله كما كدّرتنا . الكافي : 1/90..


فيا أخي !.. شأنك عظيم ، وخطرك جسيم ، وأنت بين حالتين في كل أطوارك وأحوالك : إما أن تُقبل على الله ،

أو تعرض عنه (3) .....


.....فإن أقبلت عليه أقبل هو عليك ، وإن أعرضت عنه أعرض عنك ، وأعرض لأعراضه عنك كل شيء ،

وأنت بينهما لا تنفك عنهما.


فيا من هو على المقبلين عليه مقبل ، وبالعطف عليهم عائد متفضّل ، أرزقنا اللهم التوفيق لما يوجب دوام الإقبال

عليك ، ودوام إقبالك علينا ، وحسن أدبنا بين يديك ، إنك أرحم الراحمين ، وصلى الله على محمد خير خلقه وآله الطيبين الطاهرين.

__________
من كتاب في الطريق الى الله
للشيخحسين بن على البحراني