وللاستحمار درجات!
كم من حالات مستعصية ومرضية يمر بها الإنسان ولا ذنب له فيها؟ هناك بعض الصفات الخُلُقية والخَلْقية نكتسبها من أسلافنا ونورثها لأجيالنا القادمة، ولا نتحمل ذنب ذلك بالضرورة... إلا الاستحمار!! فهو نتيجة مجهود فردي شخصي يمارسه الإنسان عن سبق إصرار واجتهاد عميق!! يعني ما فيه أحد بيستحمر وهو ما يدري!! الاستحمار منه وفيه ومتعمد يجاري الحمير ويتجاوزهم في الإستغباء والاستحماق، حاشاه الحمار فلا ذنب له إذا ارتكب بعض الحماقات، لأن الله خلقه حماراً، ولكن المستحمر وضعه مختلف فهو يبذل الجهد ويتدرب ليل نهار على فنون الاستحمار كما لو كان في سباق ماراثوني حتى يصل إلى درجة الحمار الحقيقي مع درجة الاستحقاق والتقدير.
عندما يغلق رب الأسرة على نفسه الباب ليتابع مباريات المصارعة الحرة وكأنه حكم المباراة، ويشعل نفسه بتحليل وتمحيص دوريات كرة القدم العالمية وكأنه مدرب معتمد من الفئة A, بالإضافة إلى استقباله طلبات توصيل المطاعم إلى داره دون توقف، في حين أن زوجته وأبناءه يتضورون جوعاً وكأن والدهم نسي وجودهم أو يظن أن الهواء يغني عن الطعام!! ويعتبر أي تدخل من أهله لمساعدة حرمه المصون تحريضاً على خروجها من بيت الطاعة ويمنعهم من تقديم أي مساعدات لهم، فهذا استحمار!!

وعندما يقوم أحد الأشخاص بقراءة هذه الآية: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً» بكل توجه وخشوع قبل أن يكسر صيامه في رمضان، ومن ثم يأكل الأخضر واليابس وقت الإفطار وكأنه لم يرَ طعاماً منذ قرون، وفي النهاية عندما يجد أحد أقربائه أو أصحابه يريد أن يؤدي ما عليه من أموال شرعية بغية صرفها لمستحقيها من المحتاجين، يقوم بنهيه بحجة بأن رجال الدين سوف يسرقونها ويكتنزون هذه الأموال لأنفسهم ويقنعه بأن يحتفظ بهذه الأموال لنفسه لأنه أولى بها وعليه أن يصرفها في السفر إلى جورجيا مثلاً وأن يوسع بها على عياله بأحد المطاعم الفخمة، وكأنه نسي الآية التي قرأها أو أنه يحسب أن الله غافل عما يعملون، فهذا استحمار!!!
وعندما نجد ميكانيكي سيارات يتفنن في استغفال عملائه، حيث يعتقد أن كل سيارة تدخل ورشته كأنها مناقصة استثمارية تدر عليه بالملايين، فهو يقوم بإصلاح عطل بسيط في السيارة بطريقة تجعل العطل يتفاقم لاحقاً، ثم يلوم العميل على سوء الاستخدام بدعوى بأنه يقول بطريقة غير صحيحة ويلمزه بعدم الاهتمام بالصيانة الدورية. في كل مرة يزور العميل الورشة، يتحجج الميكانيكي بأن الوضع أسوأ مما يعتقد وأن السيارة بحاجة إلى إصلاح شامل، ويعرض على العميل قائمة طويلة من الأجزاء التي تحتاج إلى استبدال، مشيراً إلى أنها ضرورية، وإلا ستتعطل السيارة تماماً، ليجبره بذلك على دفع المزيد من المال دون تقدم واضح بإصلاحات قد لا تكون ضرورية أصلاً، ليختم
خبثه بأن يمسح على السيارة قائلاً لها: ”آه، يا للسيارة المسكينة، يبدو أن لديها شخصية مشاغبة!“، مستغلاً جهل العملاء ليزيد من أرباحه، فهذا استحمار.
وعندما تعلن جهة ما عن توفر وظائف معلمات للمدارس الأهلية عن طريقها وتقوم بنشر رابط لها بموقعها الرسمي، ويقوم أحدهم بنشر إشاعة تحذيرية منها ويدعو لعدم التسجيل فيها لأنها حسب زعمه ستستخدم للابتزاز والتحرش وانتهاك الخصوصية ويضع من عنده أدلة وبراهين لا توجد حتى في الروايات الجاسوسية الأكثر غموضاً، ليصدقه الناس ويفوت فرص وظيفية لمواطنات بحاجة إليها، فهذا استحمار!!!
وعندما يقوم شخص يدعي أنه أديب يكتب تغريدات كثيرة يحارب الاستحمار بشراسة وكأنه أحد الإنكشارية في معركة ضارية، ومن ثم يتهم شاعر ما بأنه سرق قصيدة ونسبها لنفسه دون أن يحدد من أين سرقها ومن هو الشاعر الحقيقي ليقع هو نفسه في فخ الاستحمار، فهذا استحمار!!!
وعندما يشتعل حريق في سيارة تقودها امرأة ولم تعد تستطيع الخروج منها وتهب سيارات الدفاع المدني والهلال الأحمر لنجدتها، ويقرر مجموعة من المحتسبين أنهم حراس الفضيلة ويعرقلون طريقهم لمنعهم من إنقاذها لأن كشف العورات حرام! ويجب الاكتفاء بالتضرع إلى الله بالدعاء لها للنجاة وضرورة التوجه إلى أقرب مسجد ليصبح درجة الاستجابة أقوى وأكثر فعالية من خرطوم الماء، فهذا استحمار!!
وعندما نجد مديرًا في مؤسسة أو شركة يقوم بعرقلة أي سبب يجعل الموظفين يبدعون في عملهم، وكأنه يستمتع برؤية الإحباط في عيونهم، ويكثر من توجيه اللوم إليهم ويحرمهم من طلب الإجازات لفترة طويلة، كأنه يدير سجناً، ولا يسمح لهم بحضور الدورات التدريبية حتى لا يحصلوا على ترقيات أو علاوات إضافية لسنوات، بحجة أن هناك موظفين أكفاء أحوج منهم، وكأن الكفاءة أصبحت جريمة يُعاقب عليها، فهذا استحمار!!!

ولا زال هناك الكثير والكثير من المستحمرين، لعل من المجدي إقامة بطولة عالمية لأكثر الناس استحماراً في العالم ونسميها «كأس العالم للاستحمار»، من يدري، فلعل وعسى يفوز بها أحد المذكورين أعلاه!!!