ليش الطَنْقَرة!
من ذكريات الزمن الجميل، وخاصة عندما كنا نَتَسَمر أمام شاشات التليفزيون للاستمتاع بمشاهدة المسلسل الكرتوني الشهير "السنافر" الذي يروي قصة كائنات زرقاء صغيرة يترأسها "بابا سنفور" وتسكن في بيوت من فطر وسط قرية داخل الغابة، ولكل فَرد من تلك الكائنات الغريبة مواصفات تَجعله شخصية مختلفة ومميزة عن بقية السَنافر، جميع من تابع ذلك المسلسل، يتذكرون شخصية "سنفور غضبان" الذي كان دائمًا غاضبًا لسبب أو دون سبب وناقمًا ولا يحب أن يتعرف على أحد ويكره كل شيء من حوله أو كما يقال عنه بلهجتنا الشعبية دائمًا "مُطَنقر"!
تصادف في حياتك بعض الأشخاص من هم على شاكلة “سنفور غضبان" لدرجة أن ابتسامتهم السنوية تثير فضول من حولهم "غريبة فلان مبتسم"! جَرَت العادة على أن تعابير الوجه عندهم في جميع الأوقات والمناسبات على نفس الوتيرة، لا تختلف عندهم تعابير الوجه في المواقف الصَعبة والحزينة عمّا تكون عليه في المواقف الجميلة والسعيدة، حالتهم المزاجية في غموض، وكأن البعض منهم يَسْتكثر على نفسه الضحكة والفرحة ويفضّل ألا يكون شخصًا طبيعيًا بمشاعر تتماشى وتتشكل مع المواقف والظروف المحيطة به؛ لتنعكس آثارها على تعابير محياه! والبعض يُشعرك بالندم عندما تبادر بالتحية والابتسامة في وجهه ليقابلك في كل مرة بوجه مُكفَهر (كما تقول المدام) وكأنك تستدرجه بتلك الابتسامة ليُسدي لك معروفًا بقضاء حاجة أو مصلحة!
قال الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام): "الابتسامة كلمة طيبة بلا حروف"، والابتسامة من المحفزات التي تبعث في النفس الاطمئنان وتعطي الأمل، كما أن الابتسامة تصنع لك القبول والارتياح والترحيب والمحبة عند الآخرين، ولها تأثير كبير في توطيد العلاقات بين أفراد المجتمع وفتح الأبواب المُغلقة، وللابتسامة مفعول سحري في حل الخلافات بل يمكنها أيضًا تحسين مزاج الآخرين والرفع من معنوياتهم. الابتسامة ثقافة تطرقت لها الكثير من الروايات المنقولة عن أهل البيت عليهم السلام، قال الإمام الصادق (عليه السلام) في فضل الابتسامة "من تبسم في وجه أخيه كانت له حسنة".
كل شخص منا يحمل في طياته أسرارًا وأحزانًا وانكسارات، وفي بعض الأحيان يمر بصعوبات ويواجه انتكاسات وظروفًا لا يعلم بها إلا الله، لا أتصور أن هنالك أشخاصًا طبيعيين يفضلون الحزن والتعاسة على الفرح والسعادة! لكن في كثير من الأوقات يُفْرض علينا الحزن -أبعده الله عنا وعنكم- ويَقتحم مشاعرنا، وربما يتطلب الهروب والتخلص منه وقتًا طويلًا. فالبعض يبذل الجهد ويعيد التفكير والتدبير ليجعل من اللحظات الحزينة سحابة عابرة راجيًا من العلي القدير أن يرزقه الصبر والتعويض. لتعاود عجلة الحياة الدوران من جديد في مسارها الطبيعي وبحلة مختلفة عما كانت عليه راضيًا بقضاء الله وقدره، والبعض الآخر يختار المبالغة في التعبير عن مشاعره، وأن يكون أسيرًا لأحزانه ودموعه وبالتالي يَفقد من حلاوة الحياة الشيء الكثير. كما أن الحزن يؤثر على صحة الأفراد سلبيًا ويلعب دورًا كبيرًا في تَدَهور الصحة الجسدية والنفسية، وكذلك العلاقات الأسرية والاجتماعية، وربما يكون أبعد من ذلك -لا قدّر الله- على النقيض من ذلك تمامًا وكما أشارت الكثير من الدراسات، فإن الشعور بالسعادة من شأنه أن يساعد على تحسين الحالة البدنية والصحية والنفسية للأفراد، وأنها سلاح فعال لتخيف حدة التوتر وتقليل الضغط وتقوية الجهاز المناعي في الجسم!
مشاركة الآخرين ومراعاة مشاعرهم في مناسبات الأفراح والأحزان، عادة جميلة ونبيلة وسائدة ولله الحمد في مجتمعنا المُحب والمترابط، وهي نابعة من التربية الصالحة وثقافة المجتمع الواحد بالإضافة إلى ما أوصى به الشارع المقدس في هذا الجانب. في بعض الأحيان ينتابنا الشعور بالحزن والأسى في أحداث ومواقف لا تمت لنا بأي صلة مباشرة، ولكن تضامنًا ومواساة مع أصاحب المصاب من الأشخاص أو الأصدقاء المقربين، وكذلك الوضع عندما تكون البهجة والسرور حاضرتين ينتابنا منها نصيب!
لا تجعل من أحداث الماضي ومواقفك الصعبة التي مررت بها في حياتك سببًا في يأسك أو انطوائك وعزلتك، ولنا في أهل بيت النبوة (عليهم السلام) أسوة، فرغم أنهم قد واجهوا الكثير من المصائب والمِحن، إلا أن ذلك لم يثنهم عن المضي قدمًا نحو تحقيق أهدافهم، والوصول إلى مبتغاهم. يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): ابتسم ولو القلب يقطر دماء ... وتوقع خيرًا مهما كثر البلاء
فالابتسامة تعني الشكر والرضا والقبول بكل ما كتبه سبحانه وتعالى والتفاؤل بأن القادم -إن شاء الله- أفضل وأجمل. إذا كان الحزن إجبارًا فالسعادة اختيار ولكل شخص حرية اتخاد القرار.