هل تحضر في الوقت المناسب أم تختلق الأعذار؟!
القراء الكرام: هل أنتم من الذين يحضرون بالدقيقة والثانية أم تتأخرون وقد يطول تأخيركم ويتكرر التأخير حتى تضطرون لاختلاق الأعذار؟ أظن أنكم من الذين يحضرون بالدقيقة والثانية! آخذكم في جولةٍ قصيرة من عينات مواعيد الحياة وإلا فالحياة كلها مواعيد في مواعيد.
إفطار يوم جمعة مع شلة العمل القدامى؟ اجتماع مع رئيس الإدارة المسؤول عن إدارة الشركة وعن الترقية في الوظيفة، اجتماع التجار الكبار في صفقات تجارية مربحة. لا ريب أنه لا يوجد عاقل يزهد في إفطار مع أصدقاء يعرفهم منذ سنوات ويرتاح إلى حكاياتهم، وليس تحت الشمس من تاجر يزهد في صفقةٍ رابحة، ولا يوجد إطلاقًا موظف لا يرغب في الترقية والمنصب. لكن في الحياة مواعيد أسمى من الإفطار والترقية في الوظيفة والربح التجاري وفينا من يتأخر عن الحضور وفينا من لا يحضر أصلًا!
مواعيد في اليوم والليلة وفي السنة مع الله سبحانه أكبر من شهوة أكل وترقية وظيفة وصفقة تجارة! بعد أيام قليلة يأتي موعد سنوي -الحج- فكم من الشبان وغير الشبان من يختلق ألفَ عذر للغياب! الجو حار، أنتظر الشتاء، لا أزال صغير السنّ، إن شاء الله في المستقبل أذهب، ليس عندي أيام إجازة، سوف أسافر للخارج مع العيال في أيام الحج! مليون عذر لكيلا نحضر هذا الموعد! حدّث عن مواعيد الصلاة ولا حرج! يقول لك مبتسمًا: تريدني أن أكذب عليك؟ أنا لا أصلي، ادعُ الله أن يهديني وأصلي!
عزيزي الشاب والشابة: تمر سنوات الصبا سريعًا وهي سنوات القوة والنشاط، تمر عليكم كما مرت عليّ شخصيًّا ولم أشعر بها. سنوات الوجه الصبوح والعضلات المفتولة تنقضي بسرعةٍ فائقة وإذا جاءت سنوات المشيب تذكرنا كم موعد خسرنا وكم موعد لم نحضر! نأسف إذا فاتنا موعد مع الأصدقاء أو موعد مع شخصية كبيرة ونتمنى أن يسمح لنا حضرته بفرصة الحضور مرة أخرى، فماذا عن مواعيد الله سبحانه؟!
يصدق الناسُ أعذاركم كما صدقوا أعذاري الكاذبة، لكن الله يعرف من يغيب بعذر ومن يغيب من دون عذر! لا يطلب الله منا أن نقضي العمر راكعين ساجدين ولا يريد ذلك منا أصلًا! إنما يريدنا أن نعمل ونكدّ ونعيش ونستمتع بالحياة ولا ننسى أن نستثمر في حياتنا الآخرة بدقائق نودعها في -بنك الآخرة- يوم لا ينفع مال ولا بنون!
{وَٱذْكُرْ فِى ٱلْكِتَٰبِ إِسْمَٰعِيلَ ۚ إِنَّهُۥ كَانَ صَادِقَ ٱلْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا}، في رواية عن الإمام الصادق -عليه السلام-: "إنما سمي إسماعيل صادق الوعد، لأنه وعد رجلًا في مكان فانتظره في ذلك المكان سنة، فسماه الله -عز وجل- صادق الوعد. ثم قال: إن الرجل أتاه بعد ذلك فقال له إسماعيل: ما زلت منتظرًا لك".
غاية المرام: نمدح بعض الشعوب بأنهم صادقون في مواعيدهم والأولى أن نكون -نحن- صادقين في مواعيدنا مع الناس ومع الله! يقول أحدنا: آتيك في الساعة التاسعة، ثم يأتي في العاشرة! يقول: بعد دقائق آتيك وتصير الدقائق ساعات! نتسابق في ساعات الصباح بسياراتنا ونصل متأخرين!