في الكتابة..
يجره القرطاس في وجهته التي أرادها، والتي لم يردها، وتجيء كومضة عابرة من النافذة، يتسلل عبرها، كاشتياق الدفء في شتاء قارص الأفكار، والتي تنساب على وجدانه في الحس واللا حس.
لم يطمح يومًا أن يكون إلا متفردًا في طهو أبجديته، في إعدادها تباعُا إلى ما يبرق في مخيلته.
سافر في أفكارهم بامتداد الوقت، تعرف على مائدتهم، الأطباق المشتهاة تغريه، وغير المشتهاة تستفزه إغراء، متفاعلًا معها، كمجموعة من العناصر، تولد عنصرًا مغايرًا، استكشافيًا يسكن فيه.
إنه ليس هنا، كشبيه بكله أو بالجزء، صعد قارب شطآنهم، وأبحر بعيدًا، يتجاذب مع الأمواج معناه الذي يفقد، معناه الذي جد الخطوات بحثًا عنه، يقارعه في اشتهاء البحر، وفي وله ما يخفيه.
هو يعتق مع النسيم، يحاكي تفاصيله، يعيد تركيبها وتشكيلها بلا وجهة.
إنه مخاض تجارب، قراءاته المستفيضة، متبرعمًا يرتشف الماء، ويتنفس ضوء الشمس، الألوان لغته، والحياة طريقه الذي يهفو..
الكاتب في أعماقه يؤرقه، والكاتب عينه في ذاته يبلسمه، شتان متلازمان، يتعاضد بهما، حيث أراد، وحيث لم يرد.
يسير تواقًا إليه، ملتحفًا بالدهشة، في اللحظة التي تلامسه، ليقف هنيئة يكتبها، ويتعلق بأذيالها؛ لتكوّن أبجديته.
أراه في الكتابة كقارئ، ومتصالح معها كناقد، يشق غمام الكلم، ويتيح لأفكاره أن تكون كجدول، يصافح صفاء الماء، ويعانق العشب في اخضرار بياض قرطاسه عبر احتواء دفتيه.