على الرغم من أن المجال المغناطيسي غير مرئي فإنه ضروري للحياة على الأرض لأنه يحمي الكوكب من الرياح الشمسية (شترستوك)
تزامن الانخفاض غير المعتاد في قوة المجال المغناطيسي للأرض في الفترة ما بين 591 و565 مليون سنة، مع زيادة كبيرة في مستويات الأكسجين في الغلاف الجوي والمحيطات، وذلك وفقا لدراسة جديدة نشرت في الثاني من مايو/أيار الجاري بمجلة "كوميونيكيشنز إيرث آند إنفيرونمنت".
ويقترح الباحثون أن ضعف المجال المغناطيسي ربما أدى إلى زيادة الأكسجين، والذي يُعتقد أنه دعم تطور بعض الكائنات الحية المعقدة المبكرة. وكانت الحياة على الأرض منذ ما بين 600 و540 مليون سنة مضت تتألف من كائنات رخوة تعرف باسم حيوانات الإدياكاري، وهي أقدم الحيوانات المعقدة المتعددة الخلايا المعروفة.
حيوانات العصر الإدياكاري
يقول أستاذ علوم الأرض والبيئة في جامعة روتشستر الأميركية والباحث الرئيسي في الدراسة "جون تاردونو": إن أحد أبرز أشكال الحياة خلال العصر الإدياكاري كانت حيوانات ذلك العصر، وكانت ملحوظة لتشابهها مع الحيوانات المبكرة، حتى إن بعضها وصل حجمها إلى أكثر من متر وكانت متحركة، مما يشير إلى أنها ربما كانت بحاجة إلى المزيد من الأكسجين مقارنة بأشكال الحياة السابقة.
وأضاف تاردونو في حديث مع "الجزيرة نت": "لقد تضمنت الأفكار السابقة لظهور حيوانات العصر الإدياكاري المذهلة عوامل وراثية أو بيئية دافعة، لكن التوقيت القريب مع المجال المغناطيسي المنخفض للغاية حفزنا على إعادة النظر في القضايا البيئية، وعلى وجه الخصوص الأكسجين في الغلاف الجوي والمحيطات".
ويشير الباحث إلى أن الحديد السائل يتدفق في اللب الخارجي للأرض على بعد نحو 1800 ميل تحت قشرة الأرض (2896 كيلومترا)، مما يخلق المجال المغناطيسي الواقي للكوكب. وعلى الرغم من أن المجال المغناطيسي غير مرئي، فإنه ضروري للحياة على الأرض لأنه يحمي الكوكب من الرياح الشمسية (تيارات الإشعاع القادمة من الشمس)، لكن المجال المغناطيسي للأرض لم يكن قويا على الدوام كما هو اليوم.
واقترح الباحثون أن المجال المغناطيسي المنخفض بشكل غير عادي ربما أسهم في ظهور الحياة الحيوانية، ومع ذلك كان من الصعب فحص الارتباط بسبب محدودية البيانات بشأن قوة المجال المغناطيسي خلال هذا الوقت، وفقا للبيان الصحفي المنشور على موقع "فيز أورغ".
حفريات لديدان تعود لأواخر العصر الإدياكاري منذ نحو 550 مليون سنة (شترستوك)
تقلبات المجال المغناطيسي
استخدم الفريق البحثي إستراتيجيات وتقنيات مبتكرة لفحص قوة المجال المغناطيسي بدراسة المغناطيسية الموجودة في بلورات الفلسبار والبيروكسين القديمة من صخر الأنورثوسيت. وتحتوي البلورات على جزيئات مغناطيسية تحافظ على المغنطة منذ تكوين المعادن. ومن خلال تأريخ الصخور يمكن للباحثين إنشاء جدول زمني لتطور المجال المغناطيسي للأرض.
وعبر الاستفادة من الأدوات المتطورة بما في ذلك ليزر ثاني أكسيد الكربون ومقياس المغناطيسية لجهاز التداخل الكمي فائق التوصيل (إس كيو يو آي دي) في المختبر، حلل الفريق البلورات والمغناطيسية الموجودة بداخلها بدقة. وتشير النتائج إلى أن المجال المغناطيسي للأرض في بعض الأحيان خلال فترة العصر الإدياكاري كان أضعف مجال معروف حتى الآن (أضعف بما يصل إلى 30 مرة من المجال المغناطيسي اليوم)، وأن قوة المجال المنخفضة للغاية استمرت لمدة 26 مليون سنة على الأقل.
ويسهّل المجال المغناطيسي الضعيف على الجسيمات المشحونة من الشمس تجريد الذرات خفيفة الوزن مثل الهيدروجين من الغلاف الجوي، مما يؤدي إلى هروبها إلى الفضاء. وإذا كان فقدان الهيدروجين كبيرا، فربما يبقى المزيد من الأكسجين في الغلاف الجوي بدلا من التفاعل مع الهيدروجين لتكوين بخار الماء، ويمكن أن تؤدي هذه التفاعلات إلى تراكم الأكسجين بمرور الوقت.
ويشير الباحثون إلى أنه خلال العصر الإدياكاري، تسبب المجال المغناطيسي الضعيف للغاية بفقدان الهيدروجين على مدى عشرات الملايين من السنين على الأقل. وربما أدت هذه الخسارة إلى زيادة الأكسجين في الغلاف الجوي وسطح المحيط، مما أتاح الفرصة لظهور أشكال حياة أكثر تقدما. وسرعان ما استعاد المجال المغناطيسي قوته خلال العصر الكامبري اللاحق، عندما بدأت معظم المجموعات الحيوانية في الظهور في السجل الأحفوري، ونشأ المجال المغناطيسي الوقائي مرة أخرى، مما سمح للحياة بالازدهار.