المعماريون العراقيون.. تصاميم تجمع بين عراقة الموروث وحداثة المستقبل
ترك المعماريون العراقيون بصمتهم حول العالم عبر أعمالهم التي تجمع بين الموروث الحضاري والحداثة، لتؤسس طفرة نوعية في مجال العمارة لا على المستوى المحلي فحسب بل امتد تأثيرها حول العالم.
وتميزت الحركة المعمارية العراقية بانفتاحها على التيارات الفنية العالمية، ودمجها مع الموروث المحلي والعمارة الإسلامية.
واشتهر العديد من المعماريين العراقيين حول العالم وقدموا إسهامات كبيرة لتطوير الهندسة المعمارية تاركين وراءهم إرثاً معمارياً ظل علامة فارقة في مجال عملهم.
نستعرض في هذا المقال بعضا من أبرز وأشهر المهندسين المعماريين العراقيين، ونذكر بإنجازاتهم وإسهاماتهم في مجال العمارة حول العالم.
محمد مكية
كان محمد مكية واحداً من أوائل المعماريين العراقيين الذين حصلوا على تعليم عال ٍرسمي في الهندسة المعمارية في أربعينات القرن الماضي. عاد إلى العراق من بريطانيا العام 1946، وأنشأ "شركاء مكية للاستشارات المعمارية والتخطيط".
اشتهر بأعماله التي مزجت بين الزخارف الإسلامية والخط العربي لخلق أعمال معاصرة. وأسس العام 1959 مع معماريين عراقيين آخرين أول قسم للهندسة المعمارية في كلية الهندسة بجامعة بغداد، وترأسه حتى العام 1969.
شارك مكية في بناء القصور الرئاسية خلال التسعينات.
وفي أوائل الستينات أسس لواحد من أهم أعماله الشاخصة في بغداد وهو مشروع "جامع الخلفاء"، حيث طور تصميماً مستوحى من العصر العباسي، وبناه حول المئذنة الشهيرة باسم "منارة سوق الغزل" والذي يقع في الضاحية التي ولد فيها مكية بمحلة صبابيغ الآل.
صمم عشرات البنايات في بغداد وباقي المحافظات، منها بنايات لمصرف الرافدين، ومبنى المستوصف العام على ساحة السباع، ومبنى بلدية الحلة، وفندق ريجنت بالاس بشارع الرشيد، فضلاً عن جوامع ودواوين حكومية ومكتبات وبيوت.
وافتتح لمكتبه فروعاً في العديد من الدول خلال ستينات وسبعينات القرن الماضي، منها البحرين ولندن والكويت وأبو ظبي ودبي والدوحة. وصمم الكثير من المباني في العديد من الدول منها بوابة مدينة عيسى في البحرين، كما صمم العديد من الجوامع، منها المسجد الكبير في الكويت وجامع إسلام أباد وجامع السلطان قابوس الكبير وجامع تكساس وجامع روما.
وفي أوائل السبعينات وإثر مخاوف من الاعتقال بعد وصول حزب البعث إلى السلطة، استقر مع عائلته في لندن وأسس معرض الكوفة للفن الإسلامي والعربي، إلا أنه عاد إلى بغداد وحده في الثمانينات بعد دعوته للمشاركة في برنامج إعادة الإعمار.
وفاز بالعديد من مسابقات لتصميمات المشاريع العامة، منها "مسجد الدولة"، وشارك في بناء القصور الرئاسية خلال التسعينات. استقر بعدها في لندن ، وانشغل بالكتابة حتى وفاته العام 2015 عن عمر ناهز المئة عام.
رفعت الجادرجي
يعتبر رفعت الجادرجي واحداً من أهم المعماريين العراقيين، وتميز باهتمامه بالشكل الخارجي لواجهات المباني، وإيجاد كاسرات شمس محمولة على ممر خارجي يحيط بالمبنى لتكسير شدة الضوء قبل انتقاله إلى داخل المباني.
شرع الجادرجي في ممارسته الاحترافية للعمل المعماري في بغداد بعد دراسته الأكاديمية في بريطانيا مطلع خمسينات القرن الماضي. وقام بتصميم المساكن الخاصة في بداياته، كما اهتم بالكتابة والتدوين والتصوير الفوتوغرافي.
وسعى إلى الجمع بين التراث العراقي القديم وفن العمارة الحديثة، ليصمم أكثر من مئة مبنى في جميع المحافظات العراقية. واشتهر بتصميم القاعدة التي علق عليها الفنان جواد سليم "نصب الحرية" في ساحة التحرير ببغداد العام 1958 والذي أصبح مركزاً للاحتجاجات المناهضة للحكومات المتعاقبة.
"نصب الجندي المجهول" من أبرز المعالم التي صممها رفعت الجادرجي.
قام الجادرجي ببناء "نصب الجندي المجهول" الذي كان أحد معالم بغداد المهمة في ساحة الفردوس حتى إزالته العام 1982 ليقام محله تمثال للرئيس السابق صدام حسين. وهو التمثال الذي أزالته القوات الأميركية بعد غزو العراق في 2003.
وأنجز الجادرجي عشرات المشاريع في بغداد منها مبنى دائرة البريد والاتصالات في منطقة السكك ومبنى اتحاد الصناعات العراقي ومبنى نقابة العمال ومبنى البرلمان العراقي.
في العام 1978 حُكم عليه بالسجن وأمضى عشرين شهراً في سجن أبو غريب، قبل أن يطلق سراحه، ويصبح الجادرجي مستشاراً لتخطيط مدينة بغداد للفترة 1982-1983. ثم غادر العراق لتولي منصب أكاديمي في جامعة هارفارد.
للجادرجي مؤلفات في العمارة أبرزها "الأخيضر والقصر البلوري" و "شارع طه وهامر سميث" و "حوار في بنيوية الفن والعمارة" و "جدار بين ظلمتين" الذي أرخ فيه للشهور العشرين التي أمضاها في سجن أبو غريب.
عاد إلى بغداد لزيارتها العام 2009 ليقرر الهجرة بلا عودة إلى لندن وتوفي فيها العام 2020 بعد إصابته بفيروس كورونا.
زها حديد
تعتبر زها حديد واحدة من أشهر المعماريين العراقيين، وعُرفت بالنمط غير التقليدي في المعمار، حيث التزمت بالمدرسة التفكيكية التي تهتم بالنمط الحديث في التصميم.
درست حديد الرياضيات في الجامعة الأميركية ببيروت وأنهت دراستها في الجمعية المعمارية في لندن (1972-1977) حيث منحت شهادة الدبلوم.
تميزت أعمالها بالانسيابية التي لا تحددها الخطوط التقليدية الأفقية والرأسية، وكانت رائدة في الهندسة المعمارية البارامترية. واشتهرت حديد باستخدام مواد جديدة في البناء وقامت بتصميم أشكال مذهلة كسرت من خلالها التقاليد السائدة.
أصبحت زها حديد شخصية ملهمة للنساء في العراق.
نفذت زها حديد 950 مشروعاً حول العالم في 44 دولة. ومن أهم أعمالها المجمع الفني في أبو ظبي ودار أوبرا غوانزو، ومحطة سكة الحديد نابولي أفراغولا، والمركز الرئيسي لشركة (BMW) في ألمانيا، ومجمع كرة القدم في طوكيو، ومبنى الفن المعاصر في أوهايو، وملعب الوكرة في قطر.
ولم تتوقف تصميماتها على المباني فحسب، بل صممت خمسة يخوت فخمة وقطعا من الأثاث، وأبدعت في مجال الموضة لتصمم حقائب يد وأحذية وخواتم وأساور، بالإضافة إلى تعاونها مع دار لبنانية للمجوهرات.
وفي العراق صممت حديد مبنى البنك المركزي الذي يوشك على الاكتمال على ضفاف نهر دجلة الذي يتكون من 38 طابقا بارتفاع 172 متراً عن سطح الأرض.
نالت زها حديد العديد من الجوائز الرفيعة منها جائزة بريتزكر في الهندسة المعمارية عام 2004. وحازت وسام الإمبراطورية البريطانية والوسام الإمبراطوري الياباني عام 2012. وحصلت على العديد من الألقاب منها "ملكة المنحنى"، ووصفت بأنها "أقوى مهندسة معمارية في العالم"، واختيرت رابع أقوى امرأة في العالم عام 2010.
توفيت حديد بشكل مفاجئ العام 2016 وهي بعمر 65 عاماً إثر إصابتها بأزمة قلبية في أحد مستشفيات ميامي بالولايات المتحدة.
ريا العاني
مهندسة معمارية متخصصة في العمارة الخضراء الصديقة للبيئة. بدأت حكايتها مع المعمار بعد تخرجها بتفوق من جامعة بغداد لتسافر إلى ألمانيا بعد حرب الخليج الثانية قبل أن تقرر إكمال دراساتها العليا في الولايات المتحدة الأمريكية من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.
وفي الولايات المتحدة عملت كأكاديمية وناقدة ثم أسست مكتبها الهندسي "RAW- NYC" في مدينة نيويورك العام 2012، وحصلت على المركز الأول في مسابقة "Liber Land" التي تهدف إلى إنشاء دولة صغيرة جديدة لاستيعاب المهاجرين.
ركزت العاني في عملها على المباني الفريدة من نوعها والمساحات الداخلية وحلول التصميم الحضري والبنايات الصديقة للبيئة ، ولها مشروعان مهمان في نيويورك، هما تصميم أول مدرسة عامة خضراء وأول برجين تجاريين، أحدهما سكني (أصدقاء للبيئة).
تخصصت ريا العاني في العمارة الخضراء الصديقة للبيئة.
حازت على العديد من الجوائز منها جائزة الشرف للمعهد الأميركي المعماري في الشرق الأوسط لعملها الرؤيوي في الأهوار جنوب العراق ، وكذلك على جائزة الجدارة لتصميمها "مجمع أسباير الرياضي" في قطر 2014. وفي العام 2017 فاز تصميمها لمركز "باميان الثقافي" في أفغانستان بجائزة الجدارة في المعهد الأميركي للمعماريين لجوائز تصميم المنطقة الدولية في براغ..
اختارتها مجلة معماريين الشرق الأوسط من أفضل المعماريين العرب للأعوام2015 و2016 و2017 و2019.
وفي العام 2020 صممت العاني الجناح العراقي في المعرض العالمي "إكسبو" الذي أقيم في مدينة دبي لأول مرة في بلد عربي.