لهيب النفس المشتعلة
ورد عن الإمام الصادق (ع): (الغضب مفتاح كل شر) (الكافي ج 2 ص 303).
هل يمكننا تصور حجم الخسائر الفادحة اللاحقة بنا جراء الاستجابة الانفعالية الشديدة لمواقف ومحادثات متشنجة وساخنة، سرعان ما تتحول إلى حلبة صراع ومشادات تتسيد مشهد العلاقات وتحيل حياتنا إلى جحيم لا يطاق؟
من هنا نتفهم ونعي التوجيهات إلى مبدأ ضبط النفس والهدوء والتروي أمام أي استفزاز يخرجنا من طور العقلانية، فالمتحكم في زمام أمورنا إما أن يكون العقل الرشيد والتفكير الواعي بمخاطر لحظات الغضب الجنوني، وإما أن تكون المتسيدة للموقف هي انفعالاتنا وأهواؤنا الجالبة لنا المتاعب والأضرار، فعلى مستوى العلاقات الزوجية والأسرية نجد أن العامل المؤثر بشكل كبير في نشوء المشكلات والخلافات هو عدم السيطرة على النفس والانفعال، فمجرد خلاف بسيط أو تباين الرؤى حول أمر معين يتم التصعيد فيه إلى أعلى الدرجات، فيجلب الكراهيات والأحقاد ويضعف البنية العاطفية وينتقص من مكانتنا وشأننا عند من حولنا، وكذلك على مستوى العلاقات بين الأصدقاء لا يختلف الأمر فتجد النفرة والابتعاد عن تلك الشخصيات الانفعالية التي تصب جام غضبها وتضرب عرض الحائط وشائج الاحترام والمحبة، ويفقدنا الاستمتاع باللحظات الجميلة في حياتنا والشعور بالدفء العاطفي مع من يشاركوننا هموم الحياة ومتاعبها.
ومجرد صدور الإساءة من الغير أو تعاملنا مع شخصيات صعبة لا يعني الرد المحتم بمثل تلك القسوة وتحريك اللسان السليط، فلو جلسنا في حديث هادئ مع أنفسنا لوجدنا أن مفهوم الانتصار للنفس بإطلاق الأعيرة الكلامية الجارحة سيجلب لنا الخراب الاجتماعي ويفتت عرى علاقاتنا، والرؤية الأخلاقية بالتزام مبدأ التصالح مع الذات والتسامح مع الآخرين والإعراض عن النزول إلى وحل الإساءات والكلمات القبيحة وغمز القناة والمهاترات والمشادات الكلامية هو الموقف العقلاني المصيب، ولا يعد ذلك ضعفًا بل هو ما يحفظ لنا أكسجين الحياة وهو الهدوء النفسي والتصالح مع الواقع والحفاظ على علاقاتنا من التوترات.
وضبط النفس لا يأتي من فراغ بل هو نتاج عمل دؤوب وتمرين أمام مختلف المواقف، ويتربى الطفل من صغره على التكيف مع الواقع والتعامل بهدوء، وبعيدًا عن الانفعالية والعدوانية وحب الانتقام ممن أساء له، ولنا في تصور خطورة اللحظات الانفعالية ما نراه من حال الإنسان الغاضب بعد انتهاء الموقف المتأزم وجلاء الغبار عن ذلك المشهد؛ ليتكشف لنا مقدار الدمار والخسائر بعد الدخول في دوامة الحوارات الساخنة والمشاحنات والاستجابات الانفعالية، وكأننا أمام رماد بعد أن أكلت نار الغضب التي افتقد فيها سيطرة العقل الناضج.