التعايش السلمي
لست بصدد الحديث عن معركة وأخذ هدنة فالسلام مطلب داخلي مع النفس أولًا بعده يعم وجود الإنسان ومن حوله، رفض الآخر بسبب الاختلاف وعدم التوافق يفقد القدرة على التعايش؛ مما يعني حدوث نوع من التنافر المعرفي والعقلي والعاطفي.
فتتوتر العلاقات وتبدأ معارك الهجوم وإثبات الأحقية، فالانفصال العاطفي في أغلب الأحيان هو السائد في حين أن العقل متأرجح بين الانزعاج وتعديل الفكرة والمعتقد بالآخر.
الميل للبحث عن الاتساق في الموقف والتصور الذي يسبب بدوره صراعًا وحالة من عدم الراحة والاستقرار، والشعور بالذنب والندم، كذلك محاولة إخفاء الأفعال والتبرير المستمر في مقابل الضغوط الاجتماعية التي تدفع للقيام بأمور لا ينبغي القيام بها.
البحث عن ما ينقصنا في الآخرين! أم المشاكل! وكأن الطرف المقابل هو المسؤول عن تعويض النقص، واستكماله، فالعلاقات المحكومة بتبادل المنفعة معرضة للتوترات والهزات العاطفية.
أما العلاقات القائمة على التعايش فهي تقبل المقابل بالرغم من نواقصه، مع العلم أنه ليس هناك كمال في المحتوى الذاتي والشخصي لأي إنسان وإنما يتم التعايش على أساس ترقيع العلاقة من أجل الاستمرارية.
الاختلاف في حد ذاته بيئة خصبة لنمو الأفكار ولتقليص مساحة التباعد وخلق نسيج بنائي لترميم العلاقة؛أيضًا لابد من الأخذ في الاعتبار بالأولويات ونقصد بهم الأطراف المشاركة في هذه العلاقة.
الخروج من دائرة الأنانية تحت مسمى الوجع والتوجع لا يبرر هتك علاقة المودة والرحمة التي عبّر عنها الباري عز وجل: {وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً}، هي من أكثر العلاقات الموجعة في النظام الاجتماعي التي يحدث فيها التنافر لعدم اقتناع كل بنواقص الآخر، في غياب الوعي الثقافي بأهمية التعايش والحوار الذي يفتح أمام المتخاصمين أو بتعبير أدق المتنافرين، الحلول السريعة للتخفيف من شدة حالة التنافر، فتبسيط الفكرة المعرفية وتعديلها تجاه الخصم يجعل واحدًا من المعتقد أو الموقف أقل تنافرًا في البرمجة العقلية فالتصورات العقلية تؤثر على الناحية العاطفية.
قس على ذلك الكثير من العلاقات الاجتماعية والحياتية والعملية، فالتعايش ثقافة لبناء السلام
وتقبل الآخر.