عند تعرض الأسماك للمخدر تتصرف بشكل مشابه للبشر الذين يعانون من الإدمان (شترستوك)
تعاطي المخدرات غير المشروعة له عواقب واسعة النطاق ومعروفة على المجتمعات البشرية في جميع أنحاء العالم، ولكن ما تتحدث عنه هذه الدراسة هو العواقب الوخيمة غير المتوقعة لاستهلاك المخدرات على تلوث النظم البيئية المائية التي تتلقى مياه الصرف الصحي.
فقد وجدت دراسة نُشرت في مجلة "البيولوجيا التجريبية" في 2021، أن الأسماك يمكن أن تصبح مدمنة على المخدرات، وذلك بعدما حقق باحثون بجمهورية التشيك في كيفية تأثير "الميثامفيتامين" -وهو منشط يتعاطاه عدد متزايد من المستخدمين في جميع أنحاء العالم- على سمك السلمون المرقّط البني البري.
وتوصلت الدراسة إلى أن الأسماك يمكن أن تصبح مدمنة على مخدر "الميثامفيتامين" الذي يصل إلى مياهها العذبة التي تعيش فيها، لدرجة أنها تبحث بنشاط عن هذا المخدر.
ويدخل الميثامفيتامين إلى المجاري المائية من خلال شبكات الصرف الصحي بعد أن يستخدمه البشر، ويصرف من محطات معالجة مياه الصرف الصحي.
الكميات الضئيلة من مخدر "الميثامفيتامين" المتسربة عبر الصرف الصحي تكفي للتسبب بإدمان الأسماك (شترستوك)
تلوّث بالميثامفيتامين
يقول الباحث الأول بالدراسة والأستاذ المشارك وعالم البيئة السلوكية في الجامعة التشيكية لعلوم الحياة في براغ "بافيل هوركي" لموقع "لايف ساينس" العلمي: "حيثما يوجد مستخدمو الميثامفيتامين، يوجد أيضا تلوث بالميثامفيتامين في المياه العذبة".
ويلوث "الميثامفيتامين" الأنهار في جميع أنحاء العالم، ويتراوح تركيز المخدر من بضعة نانوغرامات إلى عشرات ميكروغرامات لكل لتر من الماء.
ونظرا للانتشار العالمي لـ"الميثامفيتامين" في المجاري المائية، تساءل هوركي وزملاؤه عما إذا كانت الأسماك يمكن أن تصبح مدمنة على هذه الجرعات الصغيرة من المخدر. وتشير الدراسة المختبرية الجديدة التي أجراها الفريق إلى أنه حتى الكميات الضئيلة من "الميثامفيتامين" يمكن أن تكون كافية للتسبب بالإدمان لأسماك المياه العذبة.
ويتعاطى حوالي 269 مليون شخص حول العالم المخدرات كل عام، وبالتالي تمتلئ المجاري بالأدوية التي يفرزها الجسم، بالإضافة إلى المكونات الكيميائية المتحللة التي لها تأثيرات مشابهة للأدوية نفسها.
ولا تعمل محطات معالجة مياه الصرف الصحي على تصفية هذه الأشياء، فهي لم تكن مصممة لذلك من الأساس، كما تجد الكثير من مياه الصرف الصحي طريقها إلى الأنهار والمياه الساحلية دون معالجة. وبمجرد وجود المخدرات ومشتقاتها في البيئة، يمكن أن تؤثر في الحياة البرية.
اختبار الأسماك المدمنة
أجرى العلماء بحثا عن تفضيل الأسماك لهذا المخدر من خلال تجارب مخبرية، ووجدوا أن الأسماء التي تعرضت له تبحث عنه بنشاط، كما أنها تتعرض كذلك لمراحل الانسحاب.
وقال "هوركي": إن فريق الدراسة الجديدة ركز بشكل خاص على سمك السلمون المرقّط البني الذي يعود موطنه الأصلي إلى أوروبا وغرب آسيا وشمال أفريقيا، وانتشر في جميع القارات باستثناء القارة القطبية الجنوبية. فقد عُرّض سمك السلمون للمخدر في خزانات كبيرة على مدى ثمانية أسابيع، ثم سُحب ووُضع في خزانات خالية من المخدر لعشرة أيام. وخلال تلك الفترة اختبر الباحثون تفضيل الأسماك للمياه العذبة أو المياه التي تحتوي على مخدر الميثامفيتامين وقارنوا ذلك باستجابات الأسماك التي لم تتعرض للدواء من قبل.
وتوصل العلماء إلى نتائج مثيرة للاهتمام عندما لاحظوا تفضيل الأسماك التي تعرضت للميثامفيتامين للماء الذي يحتوي على المخدر، في حين لم يظهر مثل هذا التفضيل بالنسبة للأسماك التي لم تتعرض له. ووجد الباحثون أيضا أنه خلال فترة الانسحاب، كانت حركة سمك السلمون المرقّط المعرض للميثامفيتامين أقل. وفسر الباحثون ذلك على أنه علامة على القلق أو التوتر، وهي علامات نموذجية للانسحاب من المخدرات لدى البشر.
ووجد الباحثون كذلك أن كيمياء دماغ الأسماك المعرضة للمخدر اختلفت مقارنة بالسمك غير المعرض للمخدر، إضافة إلى اكتشاف العديد من التغييرات في المواد الكيميائية في الدماغ التي تتوافق مع ما يحدث في حالات الإدمان عند البشر. وحتى بعد أن تضاءلت التأثيرات السلوكية لدى السمك بعد عشرة أيام من الانسحاب، ظلت هذه العلامات في الدماغ موجودة. ويشير هذا إلى أن التعرض لـ"الميثامفيتامين" يمكن أن يكون له آثار طويلة الأمد مماثلة لما يحدث عند البشر.
ومن جانبه، يقول زميل أبحاث ما بعد الدكتوراه في جامعة يوتا "غابرييل بوسيه" (لم يشارك في الدراسة) لموقع لايف ساينس،: "لست متأكدا من أنه يمكنك القول إن هذه الأسماك مدمنة على الميثامفيتامين، لكنها بالتأكيد تُظهر تفضيلا للمركّب، وهو ما لا ينبغي لها فعله".
وأشار بوسيه إلى أنه "سواء أكنت تسميه إدمانا أم لا، فمن الواضح أن الميثامفيتامين غيّر سلوك هذه الحيوانات"، ومن المحتمل أن تعوق هذه التأثيرات قدرتها على العثور على الطعام أو تجنب الحيوانات المفترسة أو التكاثر في البرية.
خطورة إدمان الأسماك
وتشير هذه النتائج مجتمعة إلى أن سمك السلمون المرقط البني يمكن أن يصبح مدمنا على كميات ضئيلة من الميثامفيتامين في الأنهار، وربما يتجمع في المناطق التي تتراكم فيها المخدرات. ويقول باحثون إن مثل هذا "الانجذاب غير الطبيعي لمنطقة واحدة" لن يعطل أنماط هجرة الأسماك فحسب، بل يقوض أيضا نجاحها في البحث عن الطعام أو العثور على شركاء.
وفقا للتجربة، فإن الأسماك المدمنة تتصرف بشكل مشابه للبشر الذين يعانون من الإدمان، ليس فقط من هذه التجربة، ولكن من عدة دراسات أجريت على أنواع مختلفة من الأسماك. وتعد إحدى السمات المميزة لإدمان المخدرات هي فقدان الاهتمام بالأنشطة الأخرى، حتى تلك التي عادة ما تكون ذات دوافع عالية مثل الأكل أو الإنجاب.
لذا، فمن الممكن أن تبدأ الأسماك في تغيير سلوكها الطبيعي، مما يتسبب بمشاكل في التغذية والتكاثر وبقائها على قيد الحياة، لأنها ستبذل جهدا أقل في التهرب من الحيوانات المفترسة.
إضافة إلى أن التعرض للمخدرات لا يؤثر فقط في الأسماك نفسها بل في نسلها أيضا، إذ يمكن توريث الإدمان لدى الأسماك على مدى عدة أجيال، وسيكون لهذا آثار طويلة الأمد على النظم البيئية، حتى لو حُلت المشكلة الآن.