كأني بها قصيرة جدًا!
أعني بها حياة الإنسان للتو ذاك الوليد يطلق عنان حناجره بأولى صرخاته وتفتح رئتاه ليستنشق أكسجين الحياة وكل من حوله من أقارب وأهل وأولهم والداه يستبشرون فرحًا بقدومه ويتبادولون التهاني والتبريكات، ويباشرون بترديد الأذان في أذنيه لغرس العقيدة في قلبه، ويتخيرون أجمل الأسماء، شيئًا فشيئًا ينتقل بمراحله الطفولية وكل مرحلة تمر بصفاتها السلوكية والحركية والمهارات اللغوية ووالداه في فرح وسرور وترقب كل مرحلة بفارغ من الصبر، فجأة وإذا بذاك الطفل أصبح صبيًا أو صبية يافعين يستعدان بكل الاستعداد لمراحل جديدة، بغمضة عين ورمشة جفن فإذا به أصبح في عمر الشباب حيث المرحلة التي تمتاز بشمول الطاقات الجسدية والفكرية والتي خصها الله حتى تكون استثمارًا وتجني منها ثمارًا على وجه الأرض ليعمرها كما هو أصل الوجود والخلقة والخليقة التي لأجلها كان هدف وجوده وتمر به تلك الفتوة والقوة والعنفوان إلى مرحلة الكهولة وهي بمثابة نهاية المطاف، وعليه لابد أن يكون على أهبة الاستعداد ويعد العدات للانتقال لذاك العالم المجهول والذي هو من المفترض أن يكون هو المقر الأساسي لكل مخلوق أثبت وجوده على وجه أرض هذه الحياة.
فجدًا قصيرة
فيا ابن آدم ما أقصرها مدتها الحياة وما أقصر عمرك، فإذا كانت به يلتفت ذاك الإنسان للوراء بطرفه فإذا به يجد أن الطريق قصير وهو على حافة نهايته ويطرق جرس الإنذار به ويطرح التساؤلات تلو التساؤلات؟ على نفسه وهو يتألم ويتأوه حسرة وندمًا على ما فرط في جنب الله ويحصي أعماله فإذا به صفر اليدين، فيقول: {رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا} فهذا دأبنا كلنا نحن البشر يمر بنا العمر ولا نحصي له عددًا ولا نستثمر كل ساعة وكل دقيقة وكل لحظة ولو بذكر نتقرب به إلى الله، أو بلحظة تأمل في هذا الكون لتحصى لنا في سجل الأعمال عبادة يرفع بها كف ميزان الحسنات وتمحى بها سيئات خلت.
أعمار البشرية
سبحان من مد الظل فقد أحصى أعمار الأقوام السابقة وألحقها بالنبي المرسل لها منهم نبي الله نوح فكانت أعمار قومه بامتداد عمره ومدة دعوته، وفي المقابل ما أقصر عمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم فقليل من يعمر إلى 90 عامًا فتتجلى الحكمة في ذلك، ولكنها كرمت بشفاعة نبي الرحمة والتي تكون هي الأمل الذي نستمد منه بصيص النور لو وصل بنا العمر لنهايته وخاتمته فلا تكون إلا بالتمسك بحب محمد وآل محمد وهو باب الرحمة التي منها نؤتى ويكون مقرنا مقر السعادة بجواره عند ذي العرش بإذن الله، وبالتمسك بحبله والاقتداء بنهجه والعمل برسالته.
ونسأل الله حسن العاقبة.