كيف غيّر المال حياة قطتنا؟!
كنت في زيارة إفطار عند بعض الأقارب ولاحظت قطتهم الناعمة المكتنزة باللحم والمغطاة بفروٍ جميل. ذكرتني بحياة القطط في منزلنا يوم كنا صغارًا قبل أكثر من خمسين سنة. تغير حال القطط حتى صار بعض أنواعها يعيش حياةً أفضل من حياة البشر في بعض البلدان!
القطة في منزلنا قبل أكثر من خمسين سنة تولدت من قطة كانت تعيش قبلها بين النخيل في حارتنا. تأكل مما يفضل من بقايا طعام السفرة بعد أن ننتهي من الأكل. تأكل بقايا الأسماك والعظام وما فضل من الأرز والحليب إن وجد. أولوية الطعام للأولاد والبنات والبشر ولم تكن للقط. صحتها كانت جيدة ولم يوجد في تلك الآونة في جزيرة تاروت بيطري حيوانات. لم تحصل على رعاية طبية ولا تطعيمات دورية سوى ما كان عندها من مناعة طبيعية. لا أتذكر أنها مرضت حتى توفاها الله أو هي انتقلت إلى جار آخر.
القطة في بيت أقاربي -الآن- من النوع سيامي، اشتروها بمبلغ قدره وعده. يحملونها في أحضانهم وتسرح وتمرح في البيت وكأنها أحد ساكني الدار. تأكل أكلًا خاصًا من السوق، غير القطة القديمة. كل فترة يأخذونها للبيطري الخاص من أجل الفحص والتطعيمات. يتكلمون عن صحتها ومرضها كما يتكلمون عن إنسان! معدل ما يصرفون على القطة نحو 4000 ريال في السنة بين أكل ورعاية!
في الدنيا من لا يجد نصف دولار في اليوم يصرفه على مجمل شؤون حياته! السؤال هو: كيف غير الاقتصاد عاداتنا؟ ماذا يضر لو بقيت قطتنا القديمة واحتفظنَا بالأربعة آلاف ريال من أجل صرفها فيما تستحق ووفرنا مشاوير الرعاية والبحث عن شخص يعتني بها في حال سافر أهل الدار؟! في حين مصروف هذه القطة أكثر من ألف دولار سنويًا، وجدت في بعض التقارير الاقتصادية التي يصدرها البنك الدولي أن الصومال وموزمبيق ومدغشقر يدور متوسط دخل الفرد فيها حول 1045 دولارًا أمريكيًا سنويًّا. يستطيع القراء الكرام أن يتعرفوا على الدول الأقل دخلًا في العالم وهي كثيرة من خلال الشبكة العنكبوتية.
في ذلك الزمان لم نملك المال، أكلنا ولم تمت القطة وعندما جاءنا المال صرفناه على أولويات تحتاج إلى مراجعة وجدال. هل هذه أفضل طريقة للتعامل مع المال والثروة؟ هل يمكن صرف المال على أشياء أشد إلحاحًا؟ يبدو أن أولوياتنا تختصرها جملة واحدة: للناس فيما ينفقون مذاهب! أغرقنا الله بنعمه فلا ندري ماذا نصنع بها. يبدو أن الاقتصاد والمال من أكبر المؤثرات إن لم يكن أعظمها أثرًا في أنماط حياة الشعوب.
غاية المرام: لا يمكن توحيد أولويات الناس وأذواقهم على ذوق واحد لكن الحقيقة تبقى ظاهرة مثل الشمس. النعمة زوالة فلنحافظ عليها. وإذا كنا ننصح بعدم الهدر في الأكل وغير ذلك من النعم فماذا عن هذه؟