تجاوز الوقت الساعة السابعة صباحًا خلال إحدى أيام فبراير/شباط في خليج "مايا"، وبعد أسابيع من إعادة السلطات فتح واحدة من أشهر مناطق الجذب السياحي في تايلاند للعالم لأول مرة منذ يونيو/حزيران من عام 2018 في أعقاب برنامج إعادة تأهيل ضخم.
يمشي سائح وحيد على طول الشاطئ، وتبدو الأحجار الجيرية الشاهقة، التي تآكلت قواعدها لتعرّضها للمياه المالحة لملايين الأعوام، وكأنها تطفو فوق سطح الماء.
وفي الساعات التالية، يتحوّل تدفّق بطيء وثابت من الزوّار إلى فيضان مع سير عشرات السيّاح على ممر خشبي أُنشئ حديثًا، ليتجهوا إلى الشاطئ المشهور.
في عام 2018، تم إغلاق خليج "مايا" الشهير في تايلاند لإصلاح الأضرار الناجمة عن السياحة الزائدة.
ويواجه أولئك الذين يُخاطرون بالدخول لأكثر من بضع خطوات في الماء صفارات تحذيرية من مسؤول يُشرف على الشاطئ من برج إنقاذ مُظلل، فلا يُسمح بالسباحة، لكن يُمكن للزوّار الدخول بضع خطوات.
ولكن يبدو أن بعض السيّاح غير قادرين على مقاومة مياه الخليج، وعوقِب سائح فرنسي بغرامة قدرها حوالي 137 دولارًا لتجاهله المتكرّر للقاعدة.
وعلى الممر الخشبي، تدخّن امرأة مسنّة سيجارة خلسةً بالقرب من مدخل الشاطئ الذي يُمنع فيه التدخين.
ومع أنه أمرٌ مُحبط، إلا أنه تحسّن كبير ممّا اختبره الزوّار هنا في السّابق.
الشاطئ الذي كان محبوبًا لدرجة الموت
رحّب خليج "مايا" بالزوّار مجددًا في يناير/كانون الثاني من عام 2022. Credit: Karla Cripps/CNN
يقع خليج "مايا" في حديقة "نوبوفارات ثارامو كو في في" الوطنية في تايلاند.
وشكّلت السياحة نحو 20% من الناتج المحلي الإجمالي لتايلاند قبل جائحة "كوفيد-19".
وبالنسبة لسلطات البلاد، تُمُثّل الموازنة بين الحاجة إلى المسافرين، مع النداء العاجل لحماية الموارد الطبيعية الثمينة للحديقة، تحديًا مستمرًا.
وقال الأستاذ، وعالم الأحياء البحرية، الدكتور ثون ثامرونغناواساوات: "الحل الأفضل هو ألا يأتي أحد".
ومن وجهة نظره كعالم، يرى ثون ضرورة الاحتفاظ بالخليج لأسماك القرش، ولكن كانت هناك حاجة للمساومة لكون الخليج وجهة سياحية شهيرة، بحسب ما ذكره.
ويعود الفضل إلى ثون على نطاق واسع في إقناع السلطات بإغلاق الخليج إلى أَجَلٍ غير مسمى قبل أربع أعوام، وهو قرار مثير للجدل آنذاك.
التُقطت هذه الصورة في وقتٍ مبكر من الصباح بعد حوالي شهر من إعادة افتتاح الخليج هذا العام. Credit: Karla Cripps/CNN
وأثناء قيادته فريقًا من علماء البحريات، عمل ثون مع وزارة الموارد الطبيعية والبيئة، ومطوّر العقارات Singha Estates، في مشروع تجديد ضخم تم تنفيذه أثناء غياب السيّاح.
وقال ثون: "منذ حوالي 40 عامًا، كان خليج مايا وجهة سياحية بالفعل، ولكن للسيّاح التايلانديين فقط (بشكلٍ أساسي)، لكن ليس بدرجة كبيرة لعدم وجود قوارب سريعة آنذاك"، مضيفًا أنه "جاء المزيد من الأشخاص، ثم ظهر ذلك الفيلم الهوليوودي".
ويُشير ثون إلى فيلم "الشاطئ" (The Beach) من عام 2000، الذي لعب فيه ليوناردو دي كابريو دور البطولة.
وعلى مر الأعوام، زاد عدد زوّار الخليج من أقل من ألف شخص إلى7 آلاف أو 8 آلاف زائر يوميًا في ذروته، بحسب ثون.
وقال ثون: "أتت الكثير من القوارب"، وأضاف: "كنت أتحقق من الأمر باستخدام طائرة درون، ووجدت حوالي 100 قارب في الوقت ذاته".
صورة تُظهر حالة الشاطئ في عام 2018. Credit: Lillian Suwanrumpha/AFP/Getty Images
ودفعت مراوح القوارب الرمال فوق المرجان، واصطدمت المراسي بقاع البحر الحسّاس.
وأشار ثون إلى أنهم فحصوا الشعاب المرجانية لأول مرة منذ حوالي 30 عامًا، وكان 70% إلى 80% منها سليمة، ولم تبق سوى 8% منها بعد أعوام.
ومنذ إغلاق الخليج في عام 2018، أعاد ثون وفريق من زملائه الخبراء، والمتطوعين زراعة أكثر من 30 ألف قطعة من الشعاب المرجانية.
ونجت 50% من الشعاب المرجانية المزروعة تقريبًا، وبدأت في النمو والانتشار من تلقاء نفسها.
إغلاق خليج أُعيد إحياءه مجددًا
تم تصوير فيلم "الشاطئ" من بطولة الممثل ليوناردو دي كابريو في خليج "مايا". Credit: 20th Century Fox
وبعد 7 أشهر فقط من إعادة افتتاحه، أغلقت السلطات التايلاندية خليج "مايا" مرّة أخرى.
ولكن هذه المرة، ستستمر مدّة الإغلاق لشهرين فقط، أي من 1 أغسطس/آب إلى 30 سبتمبر/أيلول، وخلال موسم الرياح الموسمية.
وأخبرت السلطات CNN أنها تريد تحسين البنية التحتيّة للجزيرة، ومنح المنطقة المحميّة استراحة من السيّاح الذين عادوا إلى شواطئها المذهلة.
وضعت إدارة الحدائق الوطنية حدًّا لعدد الزوار. Credit: Karla Cripps/CNN
ولا يزال الرئيس الحالي لحديقة خليج "مايا" الوطنية، سوثيب تشايكاو، يتذكّر الأجواء قبل إغلاق الحديقة في عام 2018.
وقال تشايكاو لـCNN: "كل ما يسعني قوله إنه كان فظيعًا".
وعندما حاول السيّاح التقاط الصور في الماضي، كان كل ما أمكنهم رؤيته هو خليج يفيض بالقوارب الراسية، ولم تكن المناظر جميلة، وكان الشاطئ مليئًا بالسياح أيضًا.
ولمعالجة ذلك، وضعت إدارة الحدائق الوطنية حدًّا لعدد الزوار بحيث لا يزيد عن 4.125 شخصًا في اليوم.
ولم يُعد بإمكان القوارب دخول الخليج، بل يتعيّن عليها توصيل الركّاب عند مرسى بني حديثًا في الجزء الخلفي من الجزيرة بعيدًا عن الخليج الشهير.
وبالنسبة لحظر السباحة، أشار مدير الحديقة لوجود عدّة أسباب لرغبتهم في إبعاد السيّاح عن المياه.
وقد يزعج السياح أسماك القرش، كما أن بعضهم لا يجيدون السباحة، ويعني ذلك أنهم قد يدوسون على الشعاب المرجانية التي بذل العلماء جهدًا لإعادتها.