الملايين أم الصحة؟

ما دمنا نتكلم عن الصحة فلا بد أننا نعرف صديقًا أو قريبًا حالته الصحية على غير ما يرام ويشتهي. نسأل الله لهم جميعًا العافية والصحة الكاملة.

لو اجتمع الاثنان المال والصحة فذلك خير، لكن ماذا ينفع المال وحده؟ قليل المال في صحة ولا كثيره في تعب. ماذا ينفع المال وصاحبه لا يهنأ بأكل ولا شرب ولا منام ولا سفر؟ أما صاحب العافية فهو وإن كان فقيرًا إلا أنه يستمتع -في الأعم- أكثر من المريض!

يُحكى أن الحياة تعطي كلّ إنسان علامة كاملة -10/10- فقير ذو صحة ونشاط، غنيّ دون صحة، معادلة دقيقة جدًّا لو تأملنا في ما عندنا وعند الغير من فروقات! امرأة جميلة تشقي زوجها، أخرى معتدلة الجمال تسعد زوجها، زوج معتدل الحال وطيب المزاج، زوج غني متعجرف يخون زوجته.


جاري موسر جدًّا، عنده "فيلا" بعشرة ملايين وعنده خمس سيارات من أحدث طراز ويلبس أفخر اللباس! هل أدري ماذا خلف سور دار جاري؟ كم من غني عندما تنكشف الأستار تراه تعيسًا يتمنى لو يبادله أحد؛ يأخذ ماله ويعطيه فرحًا وراحة! هذا الجار يقبل بكوخٍ وسعادة على أن يعيش في قصرٍ تسكنه التعاسة! المال يجيء ويذهب، أما الصحة إذا ذهبت فلا شيء يعادلها! ألا ترى كيف أن المريض يبحث عن أفضل المشافي وأفضل الأطباء؟ يسأل أي طبيب ينفع؟ من يبيعني الصحة بكل ما عندي من ذهب؟

كل هذا لأقول: إذا أصبحتَ وأصبحت معك الصحة والعافية؛ فأنت غني، اشكر الله على ذلك. بالصحة والحركة والنشاط يأتي الغنى والمال وكله من عند الله! المال طيب ومطلوب ويفعل لنا أشياء كثيرة لا يفعلها الفقر؛ التعليم، السكن، السيارة، الترفيه، أشياء كثيرة نحتاج المال من أجلها! أما الفقر فهو سيئ جدًّا. يجلب الفقرُ معه المرضَ والجهل ويكفي أن يجتمع اثنان؛ فقر وجهل، بذلك لا يمكن الخروج من الحفرة.


لذلك حافظ على هذه النعمة -الصحة- ولا تفرّط فيها. لا ضمان على صحة ولا على مال، فمأساتنَا اليوم أننا نأخذ الصحة تسليم المسلّمات! أنواع مغرية من التدخين، الأكل والشرب وكل ذلك بحجة متع نفسك! أليس من الواجب والحكمة أن نحمي أنفسنا من دقيقة شهوة تجلب عمرًا من الندامة؟

كلام بديع عن رسول الله صلى الله عليه وآله يختصر الجدال كله: "من أصبح معافى في جسده آمنًا في سربه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا؟ يا بن آدم، يكفيك من دنياك ما سد جوعتك، ووارى عورتك، وإن يكن بيت يكنك فذاك، وإن تكن دابة تركبها فبخ بخ، وإلا فالخبز، وما بعد ذلك حساب عليك أو عذاب".

غاية المرام: ابن آدم يطمع في كل شيء؛ المال، الصحة، السعادة، الآخرة وليس له إلا ما كتب الله له. يحب أن يُعطاها كلها، فإذا أعطي لا يحسن التصرف. يبخل بالمال ويعبث بالصحة ويهمل الآخرة ثم يأسف