أفتِنا.. غشّ العالم آفة العلم!
عندما كان يوسف عليه السلام يعيش في السجن، في تلك الفترة، عرفه السجّانون والسجناء بأنه طاهر نقي عالم. ظهر علمه بأحداث المستقبل عندما عجز حاشية الملك أن يفسروا له رؤياه العجيبة، وقالوا بكل صلافة للملك: هذه أضغاث أحلام ولا نعرف كيف نفسر أضغاث أحلام. تسألنا عن سبع بقرات سمان وسبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات، لا نعرف لهذه الرؤيا أي تفسير!

لحسن الحظ كان معهم ساقي الملك. ساقي الملك نجا من السجن كما أخبره يوسف من قبل، فقال لهم: أنا أعرف يوسف، موجود في السجن، وهو قادر على أن يفسر هذه الرؤيا. إذا أحببتم أن أكون لكم رسول واسطة بينكم وبين يوسف عليه السلام، لا مانع في ذلك! القراء الكرام يعرفون تفاصيل رؤيا حاكم مصر آنذاك وتفسيرها وماذا حدث بعد تفسير الرؤيا من أحداث كان محورها يوسف عليه السلام فليس من داع لذكرها، لكن الخاطرة عن كلمة واحدة وردت في سياق الآية: {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46)}.

في الرؤيا جاءت كلمة "أفتِنَا" وما أعظم هذه الكلمة! نحن نعرف يا يوسف أنك صديق صادق ويمكنك أن تفسر لنا الرؤيا دون أن تضللنا أو تثير فينا القلق كما فعل حاشية الملك حين قالوا: "أضغاث أحلام!"، قصدناك لأنك تعلم حقًّا، ولم نقصد جاهلًا يدلس علينا! في زماننا -هذا- نقصدُ نصفَ عالم، ثلثَ عالم، ربعَ عالم، لا يهم كم يعرف ويعلم، يكفينا مظهره!

لم يقل يوسف لا أعلم ولم يعتذر لأنه يعلم تفسير الرؤيا كما علمه الله. لو كان لا يعلم لقال لهم: لا أعلم، يمكنكم أن تسألوا غيري! أخبرهم يوسف عليه السلام بما جاءوا له وطلبوه من تفسير لرؤيا الملك. هل يعتذر في زماننا الجاهل ويقول: لا أعلم، لو كنت أعلم لأخبرتكم؟!

آفة العلم في سائل لا يعرف من يقصد ولا يعرف عن ماذا يسأل، وجاهل يلبس لباس عالم ويقول كيت وكيت. يقول من أبخرة رأسه، لا يكلف نفسه عناء البحث والعلم. والنتيجة يزيد في حائط الجهل طوبة! عن رسول الله صلى الله عليه وآله - في وصيته لأبي ذر: "يا أبا ذر إذا سألت عن علم لا تعلمه فقل لا أعلمه تنج من تبعته، ولا تفت الناس بما لا علم لك به تنج من عذاب يوم القيامة".

ليس في مسائل الدين فحسب، هناك مختصون في كل شأنٍ وفنّ؛ في الطب والهندسة والبناء والبيع والشراء والاقتصاد. من يحتاج يسأل من يعرف ولا يسأل أيّ شخص يظن أنه يعرفه. من مظالم العلم أن يدعيه الجهلاء ويجلسون في أماكن العلماء!