“يفباتوريا” القدس الصغيرة فى جزيرة القرم

يفباتوريا هى أحد أشهر وأجمل المدن السياحية على ساحل البحر الأسود لروسيا، وتقع فى غرب شبه جزيرة القرم، على مسافة 65 كم من مطار سيمفيروبول، يتمد ساحل المدينة لحوالي 20 كم على طول خليج يسمى كالاميتسكي،كما أنها تعد واحدة من أقدم المدن فى العالم حيث يرجع تاريخها إلى حوالي 2500 عام قبل الميلاد، تشتهر يفباتوريا بتاريخها القديم، فضلاً عن المعالم المعمارية التي تقف كشاهد على العصور التاريخية التى مرت بها أحداث غيرت موازين القوى العالمية عبر التاريخ، وتعتبر ذات أهمية استراتيجية كبيرة، فتاريخياً كانت موضع نزاعات وحروب طويلة بين الإمبراطوريتيْن الروسية والعثمانية، وإنجلترا وفرنسا الذين انضموا للعثمانين فى حرب القرم (1853-1856) ،و بقي فيها حتى اليوم الكثير من المعالم الإسلامية والمسيحية واليهودية، تقع معظمها فى الحي التاريخي “القدس الصغيرة “،والذى يوجد به أيضا الحمام التركي،والتكية الدرويشية،و مسجد الجمعة، وغيرهم الكثير التى يمكن التعرف عليها من خلال زيارة تلك المدينة المدهشة، وهي مدينة فريدة من نوعها من عدة جوانب، فقد وهبها الله خصائص متميزة، ففيها شواطئ رملية نظيفة، ومياه البحر فيها دافئة،مع بحيرات الملح الطبيعية وأشهرها :بحيرة موينكي في الغرب، وبحيرة ساسيك في الشرق ذات اللون الوردى الهادئ الجميل، أما مناخها فهو معتدل دون تغيرات حادة في درجات الحرارة طول العام،هوائها مليء برائحة أعشاب السهوب فهى جزء من سهوب شبه جزيرة القرم، ونظرًا للعوامل الطبيعية والمناخية التى تتمتع بها بنى فيها الكثير من المصحات العلاجية والتى تقدم لضيوفها أنواع مختلفة من العلاج الطبيعى مثل: العلاج بالتدليك، الاستحمام بالهواء، العلاج بالحمام الشمسي ، العلاج بمياه البحر، الإستحمام البحري،الاستحمام بالرمل، الاستحمام بثاني أكسيد الكربون، والاستحمام فى المياه المعدنية ،كما أنها تشتهر بزراعة العنب بكثرة ،وفيها مصانع تنتج أفضل أنواع النبيذ ،و يوجد بها مركز للتحكم واختبار تكنولوجيا الفضاء،وبها معالم سياحية وتاريخية فريدة فى عمارتها،وقد قال عنها الكاتب “فلاديمير ماياكوفسكي” أشعر بالأسف لأولئك الذين لم يذهبوا إلى يفباتوريا ” !
تاريخ المدينة:

تصارعت عليها الأمم والإمبراطوريات عبر العصور،سماها اليونانيين “كيركينيتيدا” باليونانية ،عاش على أرضها قبائل من التتار والمغول ،و فى عام 1475 استولت الدولة العثمانية عليها حيث احتلت كامل ساحل القرم، بنوا فيها حصنًا محصنًا جيدًا، أطلقوا عليه اسم “جوزلف”، و أطلق عليه الروس إسم كوزلوف وإستعادوها لاحقا بعد معارك عنيفة، وأصبحت يفباتوريا و شبه جزيرة القرم جزءًا من الإمبراطورية الروسية ، و في عام 1784 تم تغيير اسم المدينة إلى “يفباتوريا “تكريماً لملك بونتيك “ميثريدات السادس” الملقب ب يفباتور (ملك البنطس بين عامي 120 ق.م. – 63 ق.م ) في العصور القديمة، فقد كانت المدينة مع بقية شبه جزيرة القرم جزءًا من مملكته .

أهم المعالم السياحية في يفباتوريا:
مسجد الجمعة” أو “المسجد الجامع” أو “مسجد الخان” فى يفباتوريا:

يقع في قلب مدينة يفباتوريا وهو ليس ببعيد عن شاطئ البحر، ويعتبر من أهم الآثار المعمارية الإسلامية الباقية في القرم،و لمسجد يفباتوريا مكانة خاصة في نفوس تتار القرم المسلمين، إذ يعتبرونه رمزا “لحقبة النهضة الإسلامية” في القرم الذي كان ولاية تتبع لدولة الخلافة العثمانية ، وكان مركزا لإدارة شؤون الإقليم كان مركزا لإعلان فرمانات السلطان العثماني، وفي مكتبته التي نهبت كانت تحفظ تلك الفرمانات والوثائق التي كان يرسلها السلطان للخانات (الأمراء) الذين حكموا القرم مدة ثلاثة قرون ، أهمل المسجد من قبل السلطات الشيوعية بين عامي 1944-1962م، وحول عام 1985م إلى متحفا تحت اسم “متحف تاريخ الأديان “، وبعد إنتهاء الشيوعية عام 1991م، عاد المسجد إلى ملكية مسلمي القرم مجددا، فقاموا بترميمه من جديد، معيدين إليه مظاهر الفن الإسلامي التي كانت تميزه بجمالها، وأبقوا على المئذنتين و فتح أبوابه للمصلين ويرفع فيه الآذان وتقام فيه الصلوات الخمس بشكل يومى، وهو أضخم مساجد القرم مساحته تصل إلى 518 م2 ،بناه المعماري “سنان باشا” في نهايات القرن 16 على الطراز العثماني، مشابها للمسجد الأزرق في مدينة إسطنبول، وهو مبني من الحجارة البيضاء، يزين سقفه 11 قبة كانت قديما مطلية بالرصاص والآن بالحديد والزنك وفي وسطه قبة كبيرة يحملها أربع أعمدة كبيرة تقسم المسجد إلى ثلاث اقسام: مركزي بعرض 11.5م، واثنان جانبيان بعرض 4.65 م، وللمسجد منارتان رشيقتان احداهما وقعت قبل عام 1665م، والأخرى في عام 1836م، وفي عام 1985م أعيد بناء المنارتين بطول 35م ، وفي صحن المسجد توجد نافورة ماء جميلة من الحجارة البيضاء كان يستخدمها المصلون للوضوء، وهو يعد من أعظم المباني التي أقيمت في روسيا وفقًا لهندسة المعمار الإسلامي.


وفي ساحته أيضا يوجد ثلاث قبور لأبطال من الضباط المصريين الذين خاضوا غمار حرب القرم ( 1853-1856) ، وقاتلوا فيها بأعظم شجاعة، تغمدهم الله بواسع رحمته وجزاهم الله بجهادهم الجزاء الأوفى هم : الفريق سليم فتحي باشا ،والأميرلاي علي بك ،الأميرلاي ورستم بك الذين استشهدوا فى الحرب .
مالا يعرفه الكثيرون أن الجيش المصرى خاض حربا ضروسا على أرض القرم سالت فيها دماء الجنود المصريين (حرب القرم 1853-1856)،والتى بدأت بدعوى الخلاف على حماية الأماكن المقدسة فى القدس فى فلسطين ، ودارت في شبه جزيرة صغيرة “جزيرة القرم “تقع على مسافة كبيرة من مكان الخلاف، ولكنها حققت مكاسب لدول وأنظمة تتوزع بين ثلاث قارات، تحالفت الامبراطورية العثمانية وإنجلترا وفرنسا وجزيرة سردينيا الإيطالية وتتار القرم ضد الامبراطورية الروسية، وحين نشبت الحرب طلب السلطان العثمانى “عبدالمجيد” من خديوى مصر“عباس الأول” المساعدة فى الحرب، فأرسل الخديوى حملة عسكرية بقيادة الجنرال “سليم فتحى باشا” على رأس قوة من الجيش المصرى ، كان للقوات المصرية دور مهم فى السيطرة على مدينة يفباتوريا الروسية، وتعود اهمية هذه المعركة بالنظر الى الموقع الإستراتيجى للمدينة الذى شكل تهديدًا لخطوط الامدادات الروسية فتحرك صوبها اللواءان الأول والثالث ومعهما قائد الحملة البرية الاميرالاى “سليم فتحى” الذى استشهد فى هذه المعركة، ودفن بجوار مسجدها الكبير،ومعه الاميرالاى “رستم بك” ،و الاميرالاى “على بك” من قادة الحملة المصرية ، لم تدخر مصر دماء أبنائها ولا أموالها لنجدة الأتراك حين استغاثوا بها، فهكذا شهامة المصريين، وفي سنة 1856عقد صلح بين الدولة العثمانية والروسية، ووضعت الحرب أوزارها وبعث السلطان عبد المجيد إلى والي مصر سعيد باشا فرمانا بالتركية يشكره على ماقدمه للدولة من المساعدة في هذه الحرب ويثني على بسالة الجنود المصريين فيها، ويعلمه بعقد الصلح بينه وبين روسيا، ومنح السلطان عددا من الجنود المصريين أوسمة على أعمالهم المجيدة ،ومن ناحية أخرى كانت في مشاركة مصر في تلك الحرب عدة فوائد لخديوى مصر”عباس الأول” ، فأولًا كانت حالة الحرب ذريعة ممتازة لزيادته تسليح وتعداد الجيش المصري، وإكمال بعض الإصلاحات الحربية التي بدأها إبراهيم باشا، وثانيًا فإن مده يد العون للباب العالي كان بمثابة رسالة لهذا الأخير أن عليه الحفاظ على هذا الحليف القوي على عرش مصر.


بحيرة ساسيك سيفشSasyk-Sivash فى يفباتوريا:


يمكن زيارة بحيرة ساسيك سيفش Sasyk-Sivash في أوقات مختلفة من السنة ،هذا مجرد سحر ، خصوصا عندما يكتسب ماء البحيرة اللون الزاهي، و هذا فى يحدث في شهر أغسطس، لون البحيرة ليس ورديًا فحسب ، بل برتقالي ناري بسبب الإزهار النشط للطحالب ،و يمكن التقاط أفضل الصور حتى إذا لم تكن مصورًا محترفًا، فستظل تصنع الكثير من الصور الناجحة عند البحيرة، و ستتذكرها كثيراً مع الأصدقاء،و على السدود الخشبية وعلى خلفية أطواق الملح المصنع محليا، الغرق فيها مستحيل حيث يدفع الماء فيها الجسم إلى الخارج وذلك لكثرة الأملاح من الكلوريد والصوديوم والمغنيسيوم والكالسيوم والبروم الموجودة فى تلك البحيرة.
كاتدرائية القديس نيكولاس:

كاتدرائية القديس نيكولاس تجذب على الفور انتباه السياح، بنيت على الطراز البيزنطي بعد نهاية حرب القرم عام 1893 من أموال التبرعات وقد استغرق جمع التبرعات عامين، وشملت مختلف الطوائف الدينية : مسلمين ويهود ومسيحيين، وهو أمر شائع فى يفاتوريا، تشبه كنيسة القسطنطينية للقديس آيا صوفيا، المبنى مطلي باللون الأبيض، والقباب زرقاء اللون، تمتلئ قاعتها الفسيحة بالأيقونات القديمة والحديثة واللوحات الجدارية الرائعة والمقاطع الملونة من النوافذ الزجاجية الملونة،وقد زارها الإمبراطور نيكولاى الثاني مع عائلته في عام 1916.
الدراويش والتكية:

فى يفباتوريا يوجد مبنى للمسلمين الوحيد في العصور الوسطى في أوروبا يطلق عليه “درويش تيكي” كانت تتألف من دير ومسجد ومدرسة في القرنين الخامس عشر والثامن عشر، الدراويش المتجولين بحثًا عن الحقيقة في العصور القديمة الذين يتجولون في شبه جزيرة القرم ، وليس لديهم إقامة دائمة ، ولكن بعد ذلك ظهر ملجأ زاهد اً و وفقًا للأسطورة فهنا يعيش شبح آخر إمام المسجد أُطلق عليه الرصاص عام 1918، هنا يتحدث عشاق الطاقة عن مناطق الطاقة: فإذا وقفت عند المداخل بالحجارة الموضوعة حول المحيط، فيمكنك التعافي من الأمراض وهو المبنى الوحيد على أراضي يفباتوريا من القرنين الخامس عشر والسادس عشر، وقد تم الحفاظ عليه تقريبا في مظهره الأصلي متواضع للغاية في المظهر، لا توجد زخارف بما أنه كان في الأصل مخصصًا للدراويش.
الكنيسة الأرمنية و المعبد اليهودى:

في الجوار توجد الكنيسة الأرمنية، ومعبد يهودى ترى نقوش الوصايا العشر، وسفينة نوح علي المعبد اليهودى ونجمة داود، وأيضاً من المعالم المدهشة في المدينة بوابة كيزليف و التي تعود للقرون الوسطى، كان هناك خمسة منهم ، ولكن حتى يومنا هذا نجا واحد فقط .


يمكن السير على الأقدام فى المركز القديم للمدينة والذى يطلق عليه طريق “القدس الصغيرة “فى يفباتوريا نظرا لأن هذا المكان يجمع كنيسة نيكولاس الأرثوذكسية مقابل مسجد خان ، ويقع كنيس الحرف اليدوية بجوار الكنائس القرامية، والدرويش والتكية فى وسط المدينة القديم.

حقائق مثيرة عن يفباتوريا :
*في باريس يوجد شارع يسمى يفباتوريا ( في عام 1854، هبطت القوات الفرنسية التركية في شبه جزيرة القرم).
*ويوجد ميدان شهير يسمى ميدان القرم في سويسرا.
*و هناك فرقة روك تدعى يفباتوريا في سويسرا The Evpatoria Report
*كما أطلق إسم المدينة 70 Yevpatoria RT واحد من أكبر التلييسكوبات فى العالم فى مرصد راديوي بنى فى زمن الاتحاد السوفيتي في عام 1974،و يستقبل الأشعة الراديوية الآتية من أجرام السماء، كما يستقبل إشارات لاسلكية ترسلها أقمار صناعية أو ربما إشارات لاسلكية آتية من عقلاء من الفضاء الخارجي
* و في يونيو 1908 تم بناء خط هاتفي يربط يفباتوريا وسيمفروبل وهو الأول من نوعه في الإمبراطورية الروسية.
وصدق “فلاديمير ماياكوفسكي” عندما وصف يفباتوريا فقال أشعر بالأسف لأولئك الذين لم يذهبوا إلى يفباتوريا ” !