إلى أجلٍ مسمّى
قال تعالى: (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ).
يرى السيد الطباطبائي في كتابه الميزان أن معنى الآية هو: (أخبرناكم بكتابة الحوادث قبل حدوثها وتحققها لئلا تحزنوا بما فاتكم من النعم ولا تفرحوا بما أعطاكم الله منها لأن الإنسان إذا أيقن أن الذي أصابه مقدر كائن لا محالة لم يكن ليخطئه وأن ما أوتيه من النعم وديعة عنده إلى أجل مسمى لم يعظم حزنه إذا فاته ولا فرحه إذا أوتيه).
وقال تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ). كل ما يكون للعبد مقدّرٌ من السماء، ولهذا كان المؤمن التقي صابرًا على المصيبة والبلاء مسلّمًا لله الأمر عارفًا بأن لله ما أعطى ولله ما أخذ، وشكر الله في السراء والضراء مطمئنًا، وما موقف بطلة كربلاء وعقيلة الطالبيين الحوراء زينب -عليها السلام- حين رفعت جسد أخيها سيد الشهداء -عليه السلام- وقالت: (اللهمَّ تقبّل منّا هذا القربان) إلا مصداق للإيمان التام الكامل جوهرًا ومظهرًا، وأي إيمان أعظم من هذا الإيمان؟!.
وعليه؛ ومهما بلغ بالناس عمق المصيبة والجراح فما مداها أمام واقعة الطف المفجعة الأليمة وخسارة سيد شباب أهل الجنة وسيد الوجود في عصره وكوكبه كانت الأفضل والأكمل والأجمل على وجه البسيطة؟!!. إن تعامل الحوراء زينب -عليها السلام- مع الموقف هو درس تعليمي عملي للناس في حياتهم يمتد بامتداد الوجود.
في حين أن غير المؤمن أو ضعيف الإيمان يحوطه الجزع وعدم الرضا والسخط وربما الاعتراض على المصيبة والبلوى، وبالتالي؛ تراه غير مسلّم بأن الأمر كله لله، وأن لله الحق فيما يقضيه على عباده.
إن المبالغة المفرطة في ردة الفعل عند المصيبة هي نوع من الاعتراض الخفي المبطّن الذي لا يشعر به صاحبه. إن هذه المبالغة المفرطة تتسبب في تعرض البعض للأمراض النفسية التي يصعب علاجها والتي تؤدي لخسارة الإنسان لنفسه.
أما البكاء والحسرة والحزن والأسى ضمن الحدود الشرعية كيفًا ونوعًا وكمًّا ووقتًا فأمر طبيعي، بل هو نوع من الرقي والذوق والإحساس النبيل والأدب العظيم والخلق الحسن، بخلاف القسوة عند المصيبة التي تعكس عدم الإحساس وموت الضمير الإنساني وربما موت صاحبه وهو على قيد الحياة.
وما ينطبق على الحزن ينطبق على الفرح لأن كل شي لأجل مسمّى، وبمعنى آخر أن يعيش الإنسان السعادة الحقّة بكل تجلياتها شعورًا وسلوكًا ولكن من دون إفراط؛ وبمعنى أدق عدم تجاوز سنن الله وآداب القرآن وأخلاق آل محمد تحت أي مبرر؛ نحو الغناء والطرب واللهو المحرم ليلة الزفاف