حتى علفَ شاتك وملح عجينك!
جاء فيما أوحى الله إلى موسى عليه السلام: يا موسى، سلني كل ما تحتاج إليه، حتى علف شاتك، وملح عجينك! ويشفع هذا الحديث كلام مروي عن النبي محمد صلى الله عليه وآله: سلوا الله عز وجل ما بدا لكم من حوائجكم حتى شسع النعل فإنه إن لم ييسره لم يتيسر، وقال ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى يسأله شسع نعله إذا انقطع.
تخيل أنك خرجت من منزلك متوجهًا إلى المطار وفي الطريق حصل ثقب في إطار السيارة. لم تجد من يصلحه وتأخرت عن موعدك! ألم يكن من الأفضل ألا يحدث الثقب التافه ويعطل جدولك ويكلفك ما تكره؟
دنيانا على وسعها ضيقة لولا أمل أن تفرج عندما تضيق وتتسع إذا ما علمنا أن الله يطلب منا أن ندعوه فيستجيب لنا. أشياء صغيرة في حياتنا تكبر شيئًا فشيئًا حتى تكون في حجم كرة نار. لك أن تتخيل -القارئ الكريم- كيف تنشأ المشاكل ثم تتفاقم وتكبر!
تأمّل في الحياةِ ترى أمورًا
ستعجبُ إن بدا لك كيف كانتْ
فكم مِن كُربةٍ أبكتْ عيونًا
فهوّنها الكريمُ لنا فهانتْ
وكم مِن حاجةٍ كانت سرابًا
أرادَ اللهُ لُقياها فحانت
وكم ذُقنا المرارةَ مِن ظروفٍ
برغمِ قساوةِ الأيامِ لانتْ
لا تقل شسع نعل! ماذا لو كنت في نزهة في منطقة غير مأهولة، تعطّل جزء بسيط في السيارة -مسمار- وأنت لا تعرف شيئًا عن ميكانيكا السيارات؟ كم من الناس كادت أبسط الأمور أن تكون سببًا في هلاكهم لولا دفع الله؟ كم من شخص دخل المشفى لكي يجري عملية بسيطة جدًّا، يخرج من غرفة العمليات في دقائق، لكن تعقدت الأمور وصارت إلى ما هو أسوأ؟
طرائف القدر تجري ونحن في سفينة في موج البحر، فوق أرض يابسة، في السماء في طائرة، ما يخففها إلا علمنا وثقتنا أن عين الله ساهرة لا تنام، ما ارتفع صوت وترنم لسان بدعاء ولا فاض قلبٌ برجاء إلا ولاقته إجابة! كم من حادث طائرة أو حالة رعب على ارتفاع آلاف الأقدام في الجو منشأها قطعة صغيرة - برغي؟ يستطيع القراء الكرام التأكد بمراجعة الشبكة العنكبوتية!
غاية الأمر لا تقل هذا أمر صغير أو هذا كبير! ادع الله أن يسهل أمورك كلها صغيرها وكبيرها. مواهب ونعم لا نشعر بعظمتها إلا ساعة حدوثها ولولا رعاية الله في صغيرها ما استمتعنا بكبيرها ولا صغيرها. ادع الله في كل أمر صغير كان أم كبير وكفى:
ربما تجزع النفوسُ من الأمر * لها فرجة كحلّ العقالِ