المسافة بين المشاعر.. من أجمل حكم الخليفة الإمام علي عليه السلام!
حِكم الإمام علي -عليه السلام- القصيرة والمكثفة في إدارة الحياة كثيرة جدًّا، يجدر بالمرء أن يطّلع عليها حيث -تقريبًا- لا يخلو جانب من جوانب الحياة من رأي جميل للإمام علي -عليه السلام- فيه. أما نصيحته -أو إحدى نصائحه- في التوسط في المشاعر فهي: "أحبب حبيبكَ هونًا ما، عسى أن يكون بغيضكَ يومًا ما، وأبغض بغيضكَ هونًا ما، عسى أن يكون حبيبكَ يومًا ما".

من عاش عمرًا بين الناس يعرف بالخبرة وواقع الحياة كيف ينقلب الصديق الودود عدوًا لدودًا وينقلب العدو اللدود صديقًا مقربًا! سنّة الحياة تفرّق ما يجتمع وتجمع ما يفترق!

خلاصة النصيحة الرائعة مفادها: لا تبالغ في المودة ولا تبالغ في العداوة فربما انقلب من تحب فصار عدوًا، وربما انقلب من تعادي فصار صديقًا.

في الناس من يسرف في العداوة، أبسط الأمور تجعله يبغض وكأن العداوة فيها دم مسفوك أو مال منهوب. رأسي وألف سيف لا أكلمه ما دمت حيًّا، لا أسلّم عليه ما عشت! لا أريده أن يمشي خلف جنازتي إذا متّ! إدارة الحياة تقتضي التوسط في كل الأمور، لا إفراط ولا تفريط، ومن هذه الأمور العاطفة فقد تكون أهم من المال، فلا بد من ترويضها ومزجها بشيء من العقل.

احذر عدوك مرةً * واحذر صديقكَ ألف مرّة
فلربما انقلب الصديقُ * فكان أعلم بالمضرّة

عدوي وأعرف أنه عدوي فأتّقيه! أما صديقي فلديه من السلاح ما ليس عند عدوي. عنده أسراري وما حكيت وما قلت له وماذا ومن أحب! في صديقي كل ثقتي فإذا ما تعادينا ظهرت النار من تحت الرماد. أورد ابن أبي الحديد المعتزلي أبياتًا جميلة عندما شرح الحكمة المزبورة، منها:

وقال الشاعر:

وأحبب إذا أحببتَ حبًّا مقاربًا * فإنك لا تدري متى أنت نازع!
وأبغض إذا أبغضتَ غير مباين * فإنك لا تدري متى أنت راجع!

وقال عدى بن زيد:
ولا تأمنن من مبغضٍ قرب داره * ولا من محبّ أن يملّ فيبعدَا

كذلك نقل كلامًا لبعض الحكماء: "توقّ الإفراط في المحبة، فإن الإفراط فيها داع إلى التقصير منها، ولأن تكون الحال بينك وبين حبيبك نامية أولى من أن تكون متناهية".

غاية المرام: إدارة الحياة تحتاج إلى تجارب الآخرين وبالأخص العقلاء وحكمتهم وأعمارهم، وفي الحكم -التي رويت عن الإمام علي- كنوز من ذهب تختصر المسافات والتجارب في الحياة وهي كثيرة ومتنوعة، كل واحدة منها تستحق أن تؤطر في مجالها المختص! أما إذا كنا نظن أن الإسراف والبذخ مختص بالمال فهناك أمور أخرى يكون فيها إسراف وتبذير؛ الصداقة والمحبة، العداوة والبغض من أوضح الأمور التي تنتابها هذه العلل.