الدكتور صالح المنديل

يا ويح نفسي:
يا ويح نفسي اذ خاب الرجا فيها تتأوه
لا من الحرمان بل آه من كل ما فيها

فلا غدٍ مأمول يعللها املاً و لا ما
قد جنت بالأمس يُسكنها و يغشيها

عزيز على النفس ان تكدح منهكةً و اعز
عليها إن سكنت فهل خابت مساعيها

و هل بعد اليوم من ألم الصبابة لذة
و هل من سلوةٍ للنفس او مَن يواسيها

يا لائمي بالله تخبرني ما حل بالدار
فأني اشكوا للدار شجوي في أهاليها

بلغ سلامي فأهل الدار قد رحلوا
و ما زالت الدار تشجيني بأهليها

أفلت نجوم نفوسنا و لم يعد سوى
حماقات الصبى و للأجيال نرويها

تلك الديار التي عفت و تفرقت و قد
عهدنا قراح الماء جارٍ في سواقيها

ام بكت تلك الديار حزنا على الأهلين
و على مر العصور لذا جفت مآقيها

رحلوا و سكنت حمام الأيك و الورقا
يميد بها الغصن تندب من يسليها

قوموا حداداً على تلك الديار و أهلها
تقاسي الديار اسى و تشكو من يداويها

يا لهف نفسني و قد شح البنين لها إذا
قضت هل في الدار من يبكي و يرثيها

فلا العيش حلو المذاق تستجير به
و لا النفس تجرأ يوماً ان تبوح بما فيها

فإذا اسودت و إدلَهمَّ سوادها لا تكسر
الآمال فالنفس ترجو الخلد في آخر لياليها

عللها بمعسول الكلام و إن كان زائفاً
فالنفس تبني على طيب الكلام أمانيها

فكم صرحاً من خيال بنيناه تعللاً و
صرح الخيال أمسى كأفيونٍ يداويها

تلك حوادث الأيام صرحاً فانياً
عبثاً مقدرات لنا لتفنينا و نفنيها

أن الحياةَ كهذي الأرض ذات العرض
و رثناها لنعمرها و رب يوم فيه نفنيها


استاذنا معد مدحت

تذكرت لما رأيتك عهد الصبا فسال
دمعي العين مني غزارةً و ابتلّت الخدّانِ

عرفته منذ حين من فوارسنا في
عصبة من نخبة الأفذاذ و الفرسان

هذا الذي بنا مجداً مؤثلاً
يشار له بأطراف الأسنة و البنانِ

هذا الذي في يوم مسغبةٍ جادت
يداه ندى من خيره فأطعمني و آواني

لجأت له يوم ضاق بي الفضى
فوجدت عزةً في داره و أمانِ

انك في الجود اجود من الغمام
الغر لمن قاسى تصاريف الزمان

شتم الطغاة في عز سطوتهم
و لم يبالي سطوة السلطانِ

اسفي علمت ما فعل الرعاع بكم
و لن يضير الأسد ما افسد الجرذانِ


ابن العروبة سليل من حاموا
الديار و هانوا النفس للأوطان

كريم النفس متلاف إذاما سألته
يهتز مثل أعذاق النخيل الدواني

حكيمٌ إذا ما استشرته أتاك
جواب محكم في حنكةٍ و تواني

تشفى الكلوم بحكمةٍ تحت يديه
و تطيب نفوس مسها الضر تعاني

تربت يداه معلم الأجيال قائدها
على يديه تتلمذ الولدان و الفتيانِ

حتى سموا كأنهم اعلام الهدي
تنير سمائنا و تهدي السبيل للحيرانِ

كم تمنيت أن أراك على رأس سراة
القوم في نخبة تبني كرامة الأوطان ِ



ما زلت عربي

تلك أرض تجري في عروقي ماها
و قد رُبت لحم كتفي من ثراها

أرضنا المعطاء اولى جنات البسيطة
و جنى الجنان داني يزهو في رباها

يشهد التاريخ ان ارضنا مهبط
الوحي و أول حرف يكتب من ثراها

علم و به بيض الصنائع خضر
المرابع عاليِ يرف في سماها

عراقنا لواء و العروبة تحيا
طالما نحن من يحمل لواها

نهرينا شريان الحياة و السهول
خضرٌ ترتشف من صافي ماها

ارى فيها حمام الأيك يصدح شادياً
كأنه رسلٌ تصلي للسلامِ في سماها

يا بلادي إن جار الطغاة فتية تفتدي
الأوطانَ بالأرواح كي تحمي حماها

أنعم بها من ديار عامرات و عاصمةً
للكون من بدأ الخليقة إذ آدم بناها

حينما عدا العادون و استباحوا ارضنا
نهضت جماجم الأبطال طوعاً لفداها


الحذر

حذاري إذا بادرك زيدٌ بود و انت غير راغب
فزيف الود تبينه الأيام عند ظهور المطالبِ

و ما ابتعادي عن بني الأنسان إلا تجنباً
راغباً هجرتهم للحادثات و لست براهبِ

لا تطيل مقاما بين أناس و لو حسبتهم
خلةً فطول المقام مقرون بسوء العواقبِ

يهون الفتى و يرخص قدره بين الأحبة
إذا بدت لهم بعد اليوم بعض الشوائبِ

لعمرك لو خيرت في عيشة بين الورى
في جنان و غبطةٍ لاخترتْ عيشة راهبِ

ما ضر بني الأنسان لو عرفوا الفضيلة
و الندى اذ نُفيَ الحسود و ولى العاتبِ

و لنا في قصر الحياة لعبرةٍ ، نعيمها
زائلٌ و الخلدُ فيها لطيب المناقبِ

لم يترك لنا الدهر في ود شخص غاية
اذ وجدت بني الإنسان بين افاك و كاذبِ

حصافة الرأي نعيم للفتى و بها
لا بالغنى تعلوا و تدنوا المراتبِ

إياك و البوح في سرٍ كتمته
و حاذر من التهديد ان كنت غاضبِ

و غض الطرف عن زلات صحبك
يهجرك الخلان ان كنت المعاتبِ

أكرم العيش حرية الرأي للفتى و دار
كريم و لو شحت عليكَ المكاسبِ

اماً القناعة فهي كنز لا نضوب له و
إن أغراك مجد يعانق بروج الكواكبِ

خذ ما شأت و اترك كرامتي فالعيش
الكريم اعز و ان لم يذر لي من أُصاحبِ

أقول هذا و إنَّ شرور النفس بعض
الوقت اشد عليك من جميع المصائبِ